هـ- حزقيال ومسيحانية أشعيا

هـ- حزقيال ومسيحانية أشعيا

أ- أش 9: 1- 6؛ 11: 1- 9
بعد قراءة ودراسة نصوص حزقيال 17؛ 34؛ 37: 15- 28، نتجرّأ على القول إن هذا النبي استخدم بشكل بارز المسيحانيّة التي توسَّع النبي أشعيا في الإشارة إليها أيّام الملكين آحاز وحزقيا. ولكنّ أشعيا أعلن رجاءَه المسيحاني في إطار مغاير لإطار حزقيال.
إن أش 9: 1- 6 يعود إلى حقبة الحرب الأراميّة- الإفرائيميّة، ساعة أصبحت مملكة الشمال مقاطعة أشورية، حوالي السنة 733 ق. م. (أش 8: 23ب). فَقَدَ أحاز شعبيّته بسبب موقفه من آشور. وعلَّق أشعيا رجاءَه على حزقيا، خليفة أحاز. فحزقيا أُعلن ملكاً، متحدِّراً من سلالة داود. ويطلُّ 2 صم 7 من جديد ليؤكّد إستمراريّة الوعد الذي يكوّن، عند أشعيا وحزقيال، إيديولوجية ملكيّة مبنيَّة على ضوء النكسة التي حلَّت بإسرائيل. إنه إيمان يعبِّر عن ثقة متينة بيهوه، صانع العهد. في أش 9: 1- 6، يرتِّب النبي وصفاً للملك المخلِّص الذي يجب أن يأتي: فهو "مشير قدير"، وملك مخلِّص سيجعل "العدل والحق" يسودان فعلاً. إن حز 21: 32 يرمز إلى مجيء هذا الملك، "بالنور" الذي يعني الخلاص كما في 2 صم 23: 3- 4، و"بالفرح" إشارة إلى تتويج الملك: 1 مل 1: 40 (سليمان) و2 مل 11: 14، 20 (يوآش)، وبتلاشي الظلم. وفي أش 9: 5 يشير الولد إلى شخص الملك عند تتويجه، أي لحظة تبنّي الله لهذا الملك: إن الله أعطى ابناً. في آ 15 يشير أشعيا إلى أزليّة سلطة هذا الملك، وينسب إليه ألقاباً كثيرة: ملك السلام، الإله القويّ إلخ... ويوضح، في النهاية، أن هذا الملك يتحدّر من سلالة داود. كما أن نصّ أش 9: 1- 6 و11: 1- 9 يحتويان عرضاً مسهباً يستعيد المواضيع ذاتها تقريباً لدرسها بشكل أوسع. في الواقع، إن "الغصن" المنبثق من فرع يسَّى، لا يمكن إلاّ أن يكون متحدّراً من سلالة داود، وقد مسحه "روح يهوه"، وأعطاه روح الحكمة، والمعرفة، ومخافة الله، والحكم العادل. ويتبع ذلك لوحة فردوسيّة تشير إلى السلام الذي سيحلّ محلّ الآلام والعنف، وقد قاست البشريّة منها منذ بداية الخلق، (تك 3: 15؛ 9: 2- 3). ونضيف إلى هذا الإطار الخلاصّي "معرفة يهوه" التي ستعمُّ البلاد.
في الواقع، إن الخلاص الذي أعلنه أشعيا يعيد تجميع العناصر التي تناولها حزقيال مجدّداً فيما بعد. وأول هذه العناصر التاريخ الذي لن ينغلق أبداً مع يهوه. فالمستقبل مفتوح دائماً أمام شعب الله (أش 8: 23 ب؛ حز 17: 34؛ 37: 15- 28). وإذ أراد أن يعلن بشكل جيّد حلول الخلاص وقوَّته، توسَّع أشعيا في شرح أربعة أقطاب جوهرية بالنسبة للشعب اليهودي وهي:
- تأمين إزدهار الشعب
- إزالة الظلم
- حماية الأرض
- الداودي الذي يجب أن يتوَّج ليُحِل السلام (أش 9: 1- 6).
إن "يهوه الصباؤوت الغيور" على شعبه، سيسهر على تحقيق هذه الأمور إلى الأبد. وفي أش 11: 1- 9، يُبرز النبي نشاط "الغصن" (آ 1)، الذي سيتصرّف بأمانة وعدل، (آ 3، 4)، بفضل "روح يهوه"، (آ 2) الذي سيساعده على مصالحة أبناء البلاد فيما بينهم (آ 6، 8). إن الوعد بالخلاص، في هذه الحالة، يرقى إلى الخلق، ويمرّ بالصورة المثالية للملك الذي يكون وسيلة الله لاستحضار الزمن المسيحاني. وسيختفي الشّر والعنف من الجبل المقدَّس الذي يمتلىء من معرفة يهوه؛ إن ارتداد الشعب إلى إلهه، عامل مهمّ لحلول الخلاص.
في هذا الإطار يوسِّع حزقيال عمل يهوه الذي يعيد كل شيء: وحدة المملكتين، العودة إلى البلاد، العدالة بين أفراد الشعب، عيش العهد بتنفيذ الشريعة، مَلك من سلالة داود يحكم كخادم ليهوه. سيعيش الله وسط شعبه.
في الواقع، إن صورة الملك لم تكن أبداً موضع اهتمام كبير عند حزقيال، والناحية العامة في لاهوته هي تدخّل يهوه لتبديل حياة الشعب، ومساعدته على معرفة إلهه، والعيش كشعب خاص به. وبعد هذا، تكون الحياة الجديدة، بالنسبة لحزقيال، ممكنة مع إله العهد.

2- إرميا، صلة الوصل بين أشعيا وحزقيال، إر 23: 1- 8؛ 33: 14- 26
إستناداً إلى دلائل كثيرة موجودة في نبوءتَي حزقيال وارميا، نلاحظ أن إحداهما عرفت الأخرى. بالفعل، إن صورة "الرقيب" (حز 33: 1- 9؛ إر 6: 13)، وانتقاد الأنبياء المعاصرين لحزقيال وإرميا (حز 15: 5 ي؛ إر 11: 14)؛ وصورة الامرأتين اللتين تمثّلان إسرائيل ويهوذا (إر 36: 13؛ حز 23) حاضرة كلّها عند الاثنين. وبالإضافة إلى ذلك، فإرميا (627- 587) وحزقيال (593- 571)، يمكن أن يكونا قد عايشا الأحداث ذاتها، خاصة مرحلتَي السبي إلى بابل. من هنا أمية القول إن النبيّين تحدّثا عن المسيحانيّة إنطلاقاً من الخيبات ذاتها: المنفى ورحيل يواكيم، وقيام صدقيا وتآمره مع المصريّين ضد ملك بابل، وأخيراً مرحلة النفي الثاني.
في إر 23: 1- 8 وفي حز 34، يستعمل النبيَّان الصور ذاتها: النعاج الضالّة، البقية إلخ... والأفعال ذاتها "جمع" و"أعاد". وذلك من أجل إدخال الموضوع المسيحاني. في ف 34، يتوسّع حزقيال فوق ذلك في دور يهوه الذي يتدخّل ليحكم بين النعاج ويعتني بكل منها. ولكن إرميا يتقن التحدّث عن المسيحانية بصورة أقوى، بالرجوع إلى طريقة أشعيا في كلامه على العمانوئيل. سمّى أشعيا المولود الجديد "عمانوئيل"، وسمّاه إرميا "الرب- بِرُّنا" (إر 23: 5- 6). ويصف إرميا الملك ويَصِله بسلالة داود: إنه ذكي، وعاقل، ويحكم باستقامة وعدل. إن الزمن المسيحانيّ، عند حزقيال وإرميا، يجب أن يكون زمن خلاص للمملكتين (آ 6). و"سيتم إنقاذ يهوذا، ويسكن أرض إسرائيل بأمان". وبما أن هناك ملكاً واحداً بحسب النبوءة (إر 23: 1- 8)، فيهوذا وإسرائيل ستتوحّدان كما في حز 37: 15- 27. والعودة إلى البلاد، في إر 23: 7- 8 تبشّر بخروج جديد وتعلن يهوه سيداً للموقف. وفي ما عدا ذلك يتضمّن إر 33: 14- 26 إلحاحاً على أن يهوه سيحفظ سلالة داود على عرش الملك. في الواقع، تشير سلالة داود إلى وعد قُطع في الماضي، وعهد قد أُبرم. والعهد والوعد يخصّان بيت إسرائيل وبيت يهوذا في الوقت ذاته (آ 14). بخلاف حزقيال، يذكر إرميا بوضوح الفرق بين وظيفة الملك ووظيفة الكهنة. إن الطابع التيوقراطي مسيطر عند حزقيال. ففي حز 34، يستبدل يهوه الكلّ براعيه الوحيد "داود خادمي" (حز 34: 23 ي؛ 37: 24 ي). ويستعمل إرميا التعبير ذاته: "داود خادمي" (33: 21 ي)، ليُضفي عليه مهمّة كهنوتيّة. كما يعود ويؤكد في 30: 9: "يخدمون الربّ إلههم وداود ملكهم الذي أُقيمه لهم". "إن التأكيد على استطاعة الملك التقرّب من يهوه، يشكل جزءاً من سلسلة الشهادات التي تشير إلى العلاقات الحميمة التي تجمع "مَن مُسِح ملكاً" بيهوه، ومشاركة "الممسوح في التدبير الإلهي".
لكن إرميا يهتم بالخلاص الأرضيّ. فالله سيتدخّل، ويُعيد المسبيّين، ويحفظ سلالة داود، ويتذكّر عهده، ويُنشىء حياة جديدة لصالح المنفيّين ويجعلهم يعيشون بأمان، ويتكاثرون وتخصب أرضهم. وبعكس ذلك، يذهب حزقيال إلى أبعد من إرميا فيذكر إستمراريّة الحدث والزمن المسيحانيّ. أما إرميا فيذكِّر بالعهد، ويرجع إلى إبراهيم واسحق ويعقوب (33: 26)، بينما يذكر حزقيال يعقوب ويتحدّث عن ميثاق سلام يكون أبدياً بين يهوه وشعبه الموحَّد (37: 27 ي). وأخيراً، فإن الزمن المسيحانيّ، عند حزقيال، يتعلّق بصلة الشعب بإلهه، أكثر من تعلّقه بسلالة داود وموقعها الأساسي على رأس القطيع. ينتج عن ذلك أن تاريخ الخلاص، كما قرأه حزقيال، يُظهر بوضوح هذا الرباط الحميم بين يهوه وشعبه الذي سيعرفه وسيتقدّس بحضور الله في وسطه.

3- تأثير مسيحانية حزقيال على العهد الجديد
إن موضوع المسيحانيّة، الذي لم يوسّعه حزقيال كفاية، لاقى صدى ملحوظاً عند الإنجيليين. ويستعيد متّى أقوال حزقيال ليطبّقها على المسيح (13: 32). إن ملكوت السماوات يبدو صغيراً عند ظهوره ولكنّه عظيم عند اكتماله. إن الانتظار المسيحاني في حز 17: 22- 24 ودا 4: 12 و21 يبلغ مِلأه مع مجيء يسوع المسيح (مت 9: 36).
في حز 34، يجد متّى ولوقا عناصر ضرورية للتعبير عن إرادة الآب القاضية بعدم تضييع النعجة الضالة (رج مت 18: 12- 14؛ لو 15: 4- 7؛ ق مع حز 34: 4 ب). إن النعجة الضالة، بالنسبة للإنجيليين، هي صورة تطبَّق على الخطأة. فالآب يعلن بالمسيح عطفه، ويحيي الخطأة. يتحدّث يوحنا في إنجيله عن الراعي الصالح الذي بشَّر به حز 34. ولكنّه يُلصق المظهرَين الإلهي والبشري بيسوع. والقطيع في حز 34، يخصّ يهوه الذي يحقّق له الخلاص. أما المتحدّر من سلالة داود فالله يرسله ليكون على رأس القطيع ويقوده إلى المراعي. ويسوع، بحسب يوحنا، يمثّل المسيح المنتظر الذي تعود له كل النعاج. إنه "الراعي الصالح"، ينبوع الخلاص لقطيعه. والراعي الواحد هو رمز لوحدة القطيع: هذا الراعي هو المسيح. وفي حز 37: 15- 28، توحّدت مملكتا الشمال والجنوب في مملكة واحدة، يحكمها ملك واحد من سلالة داود. وبالمقابل، فإن وحدة القطيع في يو 10، تتخذ بُعداً كونياً (آ 16)، لأنها تطال العالم الوثني.
إن تجميع المختارين من الرياح الأربع سيحصل، بحسب متّ، عند مجيء ابن البشر (مت 24: 31؛ 25: 32). وهذا الأمر يعني كل البشر، لأن الخلاص في الزمن العتيد (الاسكاتولوجي)، سيُعلن بشكل كونيّ شامل. أما في حز 34: 13، فالمقصود هم بنو إسرائيل المنفيّون والمشتّتون في البلدان المجاورة. إن الكونيّة، عند متّى، تتجاوز الخصوصيّة اليهوديّة (رج تث 30: 4؛ زك 2: 10: نح 1: 9؛ حز 37: 9).
إن الحكم بين النعاج والنعاج (حز 34: 17 ي)، بحسب مت 25: 32- 34 سيتحقّق عند مجيء ابن البشر. وسيأتي المسيح كملك ليدخل الأبرار في ملكوته.
إنا "الماء" في حز 36: 25، هو وسيلة ليتورجية تُستعمل لتطهير الإنسان من "نجاساته". وبالنسبة ليوحنا، يجتمع الماء غالباً مع الروح القدس ويكون علامة حياة وولادة جديدة (يو 3: 5؛ 4: 14). ويسوع هو الينبوع (الروح) والماء المحيي. أما بالنسبة لحزقيال، فإنَّ الله يعطي روحه بعد تطهير الإنسان النجس بالماء، وبعد التبدّل في قلبه وروحه. إن السير بحسب الشرائع، وممارسة عادات يهوه، هي علامة لحضور فعل روحه في الإنسان (36: 25- 27). نجد الفكرة ذاتها عند يو 3: 23- 24، مع زيادة في التوضيح.
إن وصايا الله إثنتان: الإيمان بابنه، ومحبة الواحد للآخر، ليكون الله فينا ونحن فيه. ونحيا هذا الإيمان، بفضل عطية الروح الذي يستحثّ إيماننا بيسوع، ومحبّتنا الأخوية.


Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM