الفصل الثالث: روح جديد وأرض جديدة

الفصل الثالث
روح جديد وأرض جديدة

بدت المسيحانيّة لنا كتعبير من تعابير الخلاص عند حزقيال. فبأيَّ تعابير أخرى سيحقّق يهوه وعده؟ بإعادة شعبه إلى وطنه، ليسير بحسب شرائع الله، ويمارس عاداته، لأنه سيعود ليكتشف الحضور الإلهي في وسطه.

أ- على جبال إسرائيل
36: 16- 38

1- الإطار الأدبي
يشكّل 36: 18- 38 جزءاً من مجموعة الأقوال النبويّة والرؤى بعد سقوط أورشليم، سنة 587 ق. م. إنّ النبوءة السابقة تتضمّن أقوالاً نبويّة مُوجَّهة إلى جبال إسرائيل. حيث يتعلّق الموضوع بإعادة إسرائيل إلى بلاده، وتخليصه من "استهزاء" الأمم (36: 1- 15). إنّ ازدياد عدد السكان على أرضهم، وترميم البلاد، يهدفان إلى خلاص الشعب ومعرفته ليهوه (آ 11). أمّا النص الثاني، (37: 1- 14)، فيصف عظاماً يابسة ويوحي بوضع إسرائيل الحالي، قبل قيام روح يهوه. وهكذا، فإنّ 36: 16- 38 يقع في مجموعة متمحورة حول عطيّة الروح كباكورة العودة من المنفى.

2- تحديد موضع النص
يبدأ النص بالعبارة النبويّة المعتادة عند حزقيال: "وكان إليّ كلام الرب قائلاً:..." (آ 16). ومن ناحية أخرى، فإنّ 37: 1 يقدِّم نموذجاً آخر من التعبير الذي يستعمله النبيّ ليبدأ معظم رؤاه، كما في 1: 3. وكلمة "ادم" موجودة في 36: 1 وفي نهاية الفصل (آ 38). وتشكّل تضميناً، بحيث توضح حدود مجموعة حز 36: 16- 38. وأخيراً، فعبارة "يقول السيّد الرب" تختتم عدَّة نصوص في سفر حزقيال، كما في 35: 15 ب؛ 37: 14؛ 37: 28 الخ... إذن، إنّ حزقيال 36: 16- 38 يشكّل وحدة، متميِّزة بنوعها الأدبي عن الوحدة التالية (37: 1- 14).

3- البنية
يقسم 36: 16- 38 إلى أقسام عديدة، فيبدو محكم البناء.
إنّ آ 16- 17 أ تفتحان النبوءة لتكشفا الرسالة وتشهدا على أنّ الكلام الذي ينقله حزقيال صادر عن الله. أما في آ 17 ب- 19، فالتعابير: "نجسّ"، "أفعال" "طريق أو سلوك"، تتكرّر عدّة مرات، والمقصود هو التشُّرد في البلدان الغريبة بسبب السلوك السيىء لبيت إسرائيل. وتتجاوب آ 20، 24 من خلال التناقض بين التعابير: "... خرجوا من أرضه" و"آتي بكم إلى أرضكم". إنّ اللهجة ضمن آ 20- 24 تركّز على "الإسم القدّوس" ليهوه، إذ يتكرّر التعبير عنه أربع مرات. وكلمة "نجاسة" الموجودة في آ 25 و29 أ، تشكّل تضميناً آخر يسمح بالتمييز بين آ 25- 29 أَ وآ 24، 30. إنّ نجاسات الشعب، المذكورة في الآيات 17- 19، قد تطهّرت في الآيات 25- 29 أَ. ينتج مما تقدّم أنّ هاتين الفقرتين الأخيرتين تتجاوبان، وتحيطان بالآيات 20- 24. وهكذا، نجد أيضاً تصالباً مبنياً بحسب الرسم البياني التالي:
(أ) 17- 19 شعب نجس.
(ب) 20- 24: الله سينقذ إسرائيل لأجل "اسمه القدوس".
(أ أ) 25- 29 أ تطهير الشعب النجس.
إنّ الفعل "كثّر" في 29 ب 30 و37 يحيط بقسم ثانٍ من النص هو 29 ب- 38. ففي البداية إنّ الآيات 29 ب- 32 تظهر يهوه يُكثِّر الحنطة والثمار ليتلافى مجاعة شعبه. ثم تأتي آ 33- 36 لتذكِّر بالمدن التي ستصير مأهولة في البلاد، بعد تطهير الأمم وشهادتها للرب. وأخيراً، فإنّ الشعب سيتكاثر ويجتمع في اورشليم (آ 37- 38). وهذا ما يَظهر في رسم بيانيّ جديد:
(أ) 29 ب- 32: تكثير الحنطة، تلافي الجوع، دعوة إلى الإرتداد.
(ب) 33- 36: مدن مأهولة، وشهادة الأمم.
(أ أ) 38- 37 نموّ الشعب في أورشليم/ معرفة الرب.
إذا كانت آ 17- 29 أ تحتوي الوعد بالخلاص، والسبب الذي سيجعل يهوه يعمل، فإنّ آ 29 ب- 38 تصف الإنجاز المنظور لهذا الخلاص، وترميم بيت إسرائيل على أرضه.
يمكن أن نقدّم نظرة عامة إلى 36: 16- 38:
17- 19 (التشتت) 37- 38 (إعادة توحيد البلاد)
20- 24 (ليس لأجلكم أنا صانع) 29 ب- 32 (ليس لأجلكم أنا صانع)
25- 29 أ (تسكنون الأرض التي أعطيتها 33- 36 (لتُسكن المدن)
لآبائكم (صارت كجنة عدن/ وصارت
محصّنة معمورة).
(أ)- 17- 19 "شتّت"
(ب)- 20- 24: "ليس لأجلكم أنا صانِع"
(ج)- 25- 29 أ: "سكن"
(ب بَ)- 29 ب- 32: "ليس لأجلكم أنا صانع"
(ج جَ)- : 33- 36: "سكن"
(أأَ)- 37- 38: "جَمَعَ".
هذا الرسم البيانيّ يُظهر لنا تقاطعاً متصالباً محاطاً بتضمين: 20- 24//29 ب- 32 مع العبارة "ليس لأجلكم أنا صانع؛ 25- 29 أ// 33- 36 لأنّ فعل "يسكن" ورد في الفقرتين. وأخيراً، 17- 19// 37- 38 وهما تتجاوبان من خلال تناقضهما. في آ 19، الفعل "شتّت"، يجاوب آ 38 حيث نقرأ الفعل "جمع".

4- معنى النص ولاهوته
* نجاسة وتشتت
(أ)- 17 ب إنّ بيت إسرائيل سكنوا أرضهم.
(ب)- نجّسوها بطريقهم (سلوكهم) وأفعالهم.
(ج)- كانت طريقهم أمامي كنجاسة الطامث.
18- فانسكب غضبي عليهم
(ب ب) لأجل الدم الذي سفكوه على الأرض؛ وبأصنامهم نجَّسوها.
19- فبدَّدتهم في الأمم
(أ أ) فتذروا في الأراضي؛ كطريقتهم وكأفعالهم أَدَنتهم.
يبدو تناقض بين آ 17 ب وآ 19: فبينما كان أبناء بيت إسرائيل يسكنون أرضهم (آ 17 ب)، لم يعودوا فيها (آ 19). لقد تبدّدوا وتشتّتوا في البلدان الغريبة، لأنّ الله حكم عليهم بحسب سلوكهم وأعمالهم. إنّ تهجير شعب إسرائيل مرتبط بقرار إلهيّ متّخذ ضدَّه. وآ 17 ب و18 ب تعبرِّان عن سبب هذا الحكم، فقد نجسوا أرضهم وكأنهم دنّسوا شيئاً مقدّساً. بالواقع، إنّ فعل "نجّس" (طمة)، هو فعل بيبليّ يُستعمل في شعائر العبادة (لا 15: 20، 31: 18: 19). والنبيّ يعلن ذاته كاهناً إذ يستعمل هذا الفعل. إنّ البلاد هي مكان مقدّس لأنها مسكن يهوه (لا 15: 31) قال: "بتنجيسهم مسكني الذي في وسطهم". إنّ إِر 2: 7 يشير إلى أنّ البلاد هي ملك يهوه، إله إسرائيل: "فأتيتم ونجّستم أرضي". وبالإضافة إلى ذلك، فإنّ الدم، (آ 18) "الذي يُسفك على الأرض" متصل بطقس يدل غالباً على التطهير، عند الكهنة (راجع أيضاً لا 14: 4- 7، 14، 25). وأحياناً، كان يُستخدم في طقوس متنوّعة، وخاصة طقس العهد (24: 3- 8). إذن، فالدم "دم" ذو علاقة مع الآلهة التي عُقد العهد أمامها. يندّد النبي في هذه الفقرة بخطيئة بيت إسرائيل الذي كان يبحث عن إله آخر غير يهوه. لقد تأثّرت البلاد بعبادة الأصنام: إنّ 36: 18 أَ تذكّرنا بـ 16: 36: "لدماء بنيك الذين بذلهم لها". وأخيراً، فإنّ آ 17 ج تذكّرنا بالمرأة النجسة (عد 6: 11 ي) الواقعة في الخطيئة، والمضطرة إلى الإبتعاد عن زوجها إلى أن تتطهّر من رجاساتها. لأجل ذلك تحتاج تلك المرأة إلى المثول أمام يهوه (آ 16 ي). وبحسب 36: 17 ج، يلعب يهوه دور الزوج الذي خدعته زوجته الخائنة إذ انحرفت نحو أصنام البلدان الغريبة.
بعد تدنيس البلاد بالأصنام، تشتّت الإسرائيليون خارج أرضهم لأنهم لا يستحقّون السكن فيها. ويهوه هو أول مَن تأثّر بهذه الخيانة التي ارتكبها شعبه.
لقد نكث إسرائيل العهد مع الله ليعقدوا سواه مع آلهة الأمم. لقد فقدوا إيمانهم بيهوه، ولم يعودوا يعرفونه، وتحوَّل طريقهم عنه. ويهوه المسؤول دائماً عن إسرائيل، يلفظ حكمه ضد شعبه، ويطرده من بلاده التي دنّستها الأصنام.
* الله سينقذ شعبه، لأجل اسمه القدوس
(أ) 20- وإلى الأمم حيث جاءُوا نجّسوا اسمي القدوس إذ قالوا لهم:
"هؤلاء شعب الرب، وقد خرجوا من أرضه".
(ب) 21- فتحننت على اسمي القدوس الذي نجّسه بيت إسرائيل
في الأمم حيث جاءُوا.
(ج) 22- لذلك فقل لبيت إسرائيل: هكذا قال السيد الرب.
ليس لأجلكم أنا صانع يا بيت إسرائيل، بل لأجل اسمي
القدوس الذي نجّستموه في الأمم حيث جئتم.
23- فأقدّس اسمي العظيم المنجّس في الأمم
نجستموه في وسطهم.
(ب ب) فتعلم الأمم أني أنا الرب -يقول السيد الرب-
حين اتقدّس فيكم قدّام أعينكم.
(أ أ) 24- وآخذكم من بين الأمم وأجمعكم من جميع الأراضي الغريبة،
وآتي بكم إلى أرضكم.
إن كلمة "الأمم" مرفقة دائماً بـ "ألـ" تكرّرت ست مرات في آ 20- 24، وهي تقسم الفقرة إلى خمس وحدات صغيرة منظمة بشكل تصالب محوريّ بحسب الرسم البياني الوارد أعلاه أ ب ج ب ب أ أ. وبالفعل فإن آ 20 أ و24 أ تتجاوبان إذ تتناقضان، والتعبير "هؤلاء شعب الرب"، "وقد خرجوا من أرضه" (آ 20) تجعل هذا الشعب موضع سخرية الأمم وتعارض كلام يهوه في آ 24: "وأتي بكم إلى أرضكم". وفي آ 20 و24 نجد ثلاث شخصيات، فاعل، وشاهد، وشخصية ثانوية، وهي على التوالي: يهوه، الأمم وبيت إسرائيل. ومع أن بيت إسرائيل نجَّس اسم يهوه القدوس، فيهوه سيتدخّل لصالحهم. والاسم القدوس يُعتبر مرادفاً ليهوه؛ وتنجيسه هو تنجيس ليهوه بالذات. وفي اللاويين 20: 24- 26 نقرأ: "وتكونون لي قدّيسين لأني قدوس أنا الرب، وقد ميّزتكم من الشعوب لتكونوا لي" (آ 26). هي تشير إلى الاتحاد القويّ بين قداسة يهوه وقداسة شعب إسرائيل. وقد ورد في الآية 24 ب: "أنا الرب الهكم الذي ميّزكم من بين الشعوب". إن يهوه، بهذا التمييز، قدّس إسرائيل بالنسبة للشعوب الأخرى. فمنذ الآن، صار إسرائيل مُلكاً لإلهه (آ 26 ب) الذي ميّزه من بين الشعوب. وبالتالي، فإن طرد إسرائيل من أرضه وتشتيته بين الأمم، هو إهانة لاسم "صخرة إسرائيل" (49: 24). وستشكّ الأمم بقداسة إله عاجز عن حماية شعبه في أرضه بالذات. إن الله يظهر قداسة اسمه الذي تنجّس بنفي شعب يهوه خارج أرضه (36: 20- 23)، ويقوم بجمع ذلك الشعب وإعادته إلى بلاده. تتحدّث آ 20 عن أرض الربّ وكأنها "أرضه". وفيما بعد تنسب آ 24 الأرض إلى بني إسرائيل فتقول: "أرضكم"؛ وهنا تبرز العلاقة بين يهوه وأرضه من خلال هوية الأرض ذاتها. إن تركيب آ 22: "ليس لأجلكم أنا صانع، يا بيت إسرائيل، بل لأجل اسمي القدوس"، يمكن أن يصدمنا. "ولكن حزقيال لم يستنبط هذ التركيب الذي تجذّر في التقليد الكهنوتي. إن النص المشهور الذي يروي عبور البحر الأحمر يعبّر جيداً عمّا ذكرنا في هذا المجال. بحسب الوثيقة اليهوهيّة، إن الربّ محارب يشنّ الحرب ليحرّر شعبه من الذين يلاحقونه. "فيعرف المصريون أني أنا الرب حين اتمجّد بفرعون ومركباته وفرسانه" (خر 14: 18). إن فكرة حزقيال متجذّرة إذن في هذا الوسط الكهنوتي، مثله مثل فكر أشعيا، عندما يقول بوحي من الله: "أنا الماحي ذنوبك..." (أش 43: 25).
* روح جديد وقلب من لحم.
(أ) 25- وأرش عليكم ماءً طاهراً، فتطهرون من كل نجاساتكم،
ومن كل أصنامكم اطهّركم،
(ب) 26- واعطيكم قلباً جديداً وأجعل روحاً جديدة في داخلكم،
وانزع قلب الحجر من لحمكم واعطيكم قلباً من لحم،
(ب ب) 27- وأجعل روحي في داخلكم وأجعلكم تسلكون في فرائضي
وتحفظون أحكامي وتعملون بها.
(أ أ) 28- وتسكنون الأرض التي أعطيت آباءكم إياها
وتكونون لي شعباً، وأنا أكون لكم إلهاً
29 أ- وأخلّصكم من كل نجاساتكم.
إن يهوه، بعد أن وعد بالعودة إلى البلاد، كعلامة على تقديس اسمه القدوس، ينتقل من المدى الخارجيّ للإنسان، أي المسكن، إلى المدى الداخليّ، وهو قلب الإنسان.
إن آ 25 و29 تتجاوبان من خلال الكلمة "نجاسات". وبالإضافة إلى ذلك، فإن التوسع في التعبير "روح جديدة" و"قلب جديد" يجعل آ 26 و27 متوازيتين. من هنا جاء الترتيب أ ب/ ب ب أ أ، مُظهراً تطهير الإنسان عبر التغيير في روحه وقلبه بواسطة حلول روح يهوه فيه.
إن التطهير بالماء الطاهر يعطي لهذه الفقرة نمطً كهنوتياً حاسماً (رج لا 15: 5 ي؛ 16: 4، 24 ي؛ 17: 15؛ 22: 6؛ عد 5: 19). يتوقّع حزقيال التطهير لبني إسرائيل العائدين إلى أرضهم، لكي يعودوا إلى عبادة إلههم (36: 25، 28). ولكن هذا التطهير يتجاوز عمليات الوضوء العاديّة، لأنه يحمل في ذاته فاعليّة إلهيّة: إن فاعل فعل "طهّر" هو يهوه (آ 25). مثل هذا التطهير ضروري بعد إقامة مديدة على أرض نجسة، وهو زمن من الاستسلام للممارسات الوثنية في عبادة "الأصنام". إن تغيير "قلب الحجر" (علامة صَمَم الشعب)، إلى "قلب من لحم" (رمز الطاعة لإرادة يهوه)، يتمّ بواسطة عطيّة "للروح الجديد" (36: 26؛ 11: 19). إن القلب القاسي مثل الحجر، سيعود حيّاً. والكلمة المفتاح، "جديد"، المضمومة إلى العهد عند إر 31: 31، هي مضمومة هنا إلى القلب والروح اللذين يتغيرّان بفضل التدخّل الجديد من قبل يهوه. يُنهض الله شعبه وينقذه من المنفى.
في هذه العطيّة الجديدة، يدخل روح يهوه في الشعب فيجعله يدخل في طاعة جديدة. وبالعكس، فإن إر 31: 31 ي، يرجع ببساطة إلى الشريعة الموضوعة في قلب الإنسان. أما حزقيال فيستند إلى 1 صم 10: 6 ي حيث لا يكون الروح ملكيّة داخليّة، بل قدرة تعطي الإنسان إمكانيّة التحوّل والتبدّل. وهكذا يصبح الإنسان الجديد قادراً على اتبّاع شرائع وعادات يهوه. وبالتالي، يعود بيت إسرائيل من جديد شعباً ليهوه، الذي يعود إلهاً لهم (36: 28). إنه ارتداد يتّخذ شكل عودة إلى الأرض التي وُعد بها الآباء الأوّلون. وهذه العودة تؤكد أمانة يهوه التي تمتد من جيل إلى جيل مع العهد. إن فعل "خلّص" في نهاية الفقرة 25- 29 أ (فاعله يهوه) يدلّ على أن خلاص إسرائيل يمرّ بإلههه.
* إسرائيل يتذكر خطاياه:
29 ب- وأدعو الحنطة وأكثّرها، ولا أضع عليكم جوعاً.
30- وأكثر ثمر الشجر وغلة الحقل لكي لا تنالوا بعدُ عار الجوع بين الأمم.
31- فتذكرون طرقكم الرديئة وأعمالكم غير الصالحة، وتمقتون أنفسكم أمام وجوهكم من أجل آثامكم وعلى رجاساتكم.
32- لا من أجلكم أنا صانع، يقول السيد الرب، فليكن معلوماً لكم. فأخجلوا وأخزوا من طرقكم يا بيت إسرائيل.
عندما يعود الشعب، سيساعده الله إذ يجعل حقوله تثمر وغلاّته تتضاعف لئلا "ينال عار الجوع" (آ 29 ب- 30). إن الله يعبّر بأعماله عن مسامحته لإسرائيل، إذ يتقدّمه في الارتداد. إن تصرّف يهوه ليس مشروطاً بتوبة إسرائيل، بل يتجاوزها بغية تحريكها، "فتذكرون طرقكم الرديئة" (31: 3). إن حبّ الله الذي اختبره شعبه، يدعو هذا الشعب إلى الارتداد، أي إلى التخلي عن طرقه الماضية.
* شهادة الأمم
(أ) 33- هكذا قال السيد الربّ: في يوم تطهيري إياكم من كل آثامكم، أسكنكم في المدن فتبنى الخِرَب.
34- وتُفلح الأرض الِخرَبة عوضاً عن كونها خربة أمام عيني كل عابر.
(ب) 35- فيقولون: "هذه الأرض الخَرِبة صارت كجنّة عدن والمدن الخربة والمقفرة والمتهدّمة محصّنة معمورة".
(أ أ) 36- فتعلم الأمم الذين تُركوا حولكم أني أنا الربّ بنيت المتهدّمة وغرست المقفرة. أنا الربّ تكلمت وسأفعل.
بعد المسامحة والدعوة إلى الارتداد، تأتي شهادة الأمم الذين سخروا من يهوه وشعبه (آ 20- 24). يهوه يعيد لإسرائيل هويته بسعادته إلى أرض استعادت خصبها.
يجب أن تعرف الأمم عمل يهوه الذي يعيد لشعبه موقعه. ما قيل في آ 23 يتحقّق في آ 35- 36، وقداسة يهوه تبهر عيون الأمم المحيطة بإسرائيل. يهوه يطهِّر شعبه، فيبني له مدنه، وبذلك يعيد الإكرام لاسمه القدّوس الذي نُجِّس في آ 23 ي، وجنة عدن التي ذكرت في آ 35: "هذه الأرض الخربة صارت كجنَّة عدن"، ترمز إلى خصب الأرض.
"مع حزقيال صارت جنّة "عدن" رمزاً "لجنة الله" المناقضة للصحراء والأرض غير المفلوحة أو الِخرَبة (36: 35؛ أش 51: 2- 3).
* الشعب الذي تكاثر واجتمع سيعرف من هو يهوه
(أ) 37- هكذا قال السيد الربّ: عن هذا أيضاً أجيب بيت إسرائيل
السائلين أن أصنعه لهم. إني أكثِّرهم كخراف من البشر.
(ب) 38- كخراف مقدَّسة، كخراف أورشليم في أعيادها.
(ب ب) فتمتلىء المدينة الخِربة من خراف البشر.
(أ أ) فيَعلمون اني أنا الربّ.
إن آ 37 هي نقيض 20: 1- 31 و14: 1 ي، حيث لا يسمح يهوه باستشارة شيوخ إسرائيل. ولكن في نبوءَة الخلاص (36: 36 ي)، يترك يهوه مجالاً للبحث عنه، ليعود بعد ذلك فيعمل لمصلحة بيت إسرائيل. إن تكاثر السكان المشار إليه في 36: 11، وفي إضافات أخرى (آ 10 و12)، يأتي كنتيجة للتدخّل الإلهي. إن فعل العودة إلى أورشليم، والعيش فيها "كقطيع خراف مقدَّسة"، يفصل إسرائيل عن الأمم الأخرى، ويعطي معنى لهويته وانتمائه إلى الله. إن الإعتراف بيهوه، ضمن هذا الإطار، هو اعتراف إيماني بالنسبة لبيت إسرائيل (أ أ). بالواقع، لا يستطيع شعب العهد الرجوع إلى ربّه إلاّ بعد اعترافه الكامل وثقته الكاملة به. بحسب تك 17: 1 ي؛ لا 26: 9، العهد وتكاثر السكان يسيران معاً. "سأجعل عهدي بيني وبينك، وسأكثرك جداً جداً" (تك 17: 2). وحزقيال يستعيد صورة تك 17: 7، وموضوعه.
* تلخيص
توخّى 36: 16- 38، إظهار هدف واضح جداً: خلاص إسرائيل على مراحل. يندّد النبي، في البداية، بخطيئة إسرائيل، وسلوكه السيّىء، وعبادته للأصنام، وهذه جميعها أدّت به إلى التشتّت خارج أرضه (آ 17- 19). وقد أدّى هذا التشتّت إلى تنجيس اسم يهوه المقدَّس، لأنّ الأمم أنكروا قدرته على أن يكون الصخرة الواقية لإسرائيل. ولكن الله سيتدخل لصالح شعبه، ليعيد الاحترام والإكرام "لاسمه القدّوس". أنه سيقدّس هذا الشعب (آ 20- 25). وهذا التقديس يتمّ على مرحلتين: 1- التحول الداخلي للشعب بفضل عطية روح يهوه، ليصير هذا الشعب قادراً على السير بموجب شريعة الله والتقيّد بعاداته. 2- بعد التطهر تأتي العودة إلى البلاد كعلامة خارجيّة تجعل جميع الأمم تعرف من هو يهوه. ويتبع هذه العودةَ إعادةُ بناء المدن، وزراعةُ الأرض، وتكاثرُ السكان. وعند ذلك يصبح إسرائيل قادراً على عيش العهد، والبقاء وفياً لإلزاماته مع إقراره بأن يهوه هو إلهه الأوحد ولا إله سواه. "ولكن في هذه الحياة الجديدة، يتوجّب على إسرائيل أن يتذكّر باستمرار تاريخه الماضي (آ 31). وهكذا سيخجل من تصرّفه السابق، ويقدِّر عمل الربّ حقّ قدره".


Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM