د- ينابيع مسيحانية حزقيال

د- ينابيع مسيحانية حزقيال
2 صم 7: 1- 17

إن المسيحانيّة التي أعلنها حزقيال النبي في ف 17، 34، 37، هي متأتيّة دون شك من إِرث التقليد. إِنّ نبوءة ناتان، في العهد القديم (2 صم 7: 1- 17) هي نقطة الارتكاز، وأساس كل رجاء مسيحانيّ داوديّ. وهذه النبوءة، سيعلنها ويستعيدها ويطوِّرها الأنبياء أشعيا وإرميا وحزقيال، قبل اتصالها الرؤيوي بالصورة التي رسمها دانيال عن "ابن الإنسان".

1- عرض أدبي
يقسم 2 صم 7: 1- 17 إلى ثلاثة أقسام. تشكّل آ 1- 3 مقدِّمة تظهر داود الذي بعد أن سكن واستراح، نوى بناء بيت لتابوت العهد في أورشليم. وهذه المدينة ستكون علامة الوحدة السياسيّة والدينيّة للمملكة. فوافقه ناتان على القيام بذلك. ولكن في آ 4- 16، كلَّم الله ناتان ليلاً. فرفض الله طلب داود، لأنّه هو سيبني له "بيتاً". وفي النهاية، تلخّص آ 17 الخبر، بنقل جواب الله إلى داود.

2- الإطار اللاهوتي
بحسب لاهوت العهد القديم، "لا تتوقّف رسالة النبي عند سامعيها الأولين، فهي كإسرائيل تماماً، تستمرّ عبر الأجيال، حتى وان تغيّرت، من حين لآخر، الظروفُ التاريخيّة المرافقة لها. إنّ القناعة الأساسيّة الكامنة وراء مسار التغيير هذا، هي أنّ الكلام النبويّ، إذا أطلق مرّة، لا يمكن إلغاؤه بأي حال من الأحوال".
في هذا الإطار، ينتمي 2 صم 7 إلى مسار يجعل صورة داود مثاليّة، ويسير متصاعداً، من نسبة المزامير لداود إلى عمله الرمزيّ في كتاب أخبار الأيام. وفي قصة "مسحة داود"، يعلن الله في 1 صم 16: 1 "رأيت لي في بيته ملكاً". يشير 2 صم 5: 12 إلى أن "داود علم أن الرب قد أثبته ملكاً على إسرائيل وانه قد رفع ملكه من أجل شعبه إسرائيل". 2 صم 7 هو في الوقت ذاته نتيجة وانفتاح على المستقبل. سيبني يهوه "بيتاً" مستمراً لداود، ويلغي بيت شاول (2 صم 6: 23؛ 7: 15). إنّ المواضيع الأساسيّة لهذه "المَسحَنة" لصورة داود هي: ان يهوه أقصى شاول وبيته (1 صم 16: 14؛ 2 صم 1: 4 إلخ...)؛ إِن داود لم يسعَ للتسلّط على إسرائيل (1 صم 20: 1، 32؛ 24: 1 ي؛ 2 صم 1- 2)؛ ولهذا اختاره يهوه وأتاح له بأن ينجح (1 صم 16: 18؛ 17: 37؛ 2 صم 5: 10). وبالإضافة إلى ذلك، فإن شرعية داود قد تأمّنت بطرق عديدة، 2 صم 2: 4 (رجال يهوذا مسحوا داود ملكاً)، و2 صم 5: 3 (جاء جميع شيوخ إسرائيل.. ومسحوا داود ملكاً).

3- اللاهوت
يوصف ارتقاء داود وكأنه مقرّر وموجّه من قبل يهوه بالذات. أعلن الله إرادته إذ اختار داود ملكاً. و2 صم 7 هو نقطة الوصول إلى الهدف. نجد في هذه النبوءة مسارين متحازيين. فالماضي والحاضر يتحدّثان عن داود وتتويجه ملكاً بمساعدة الله، والمستقبل يسجِّل رجاء إسرائيل على خانة سلالة داود. وعندئذ فإن كل ملك متحدّر من داود يصبح بدوره "المسيح" الحالّي الذي به يتمّم الله مخطّطاته تجاه شعبه. وفي آ 8- 11 ب، اختيار داود ملكاً وراعياً وحيداً، يبقى مختصاً بيهوه وحده. فانتصارات داود هي من عمل يهوه الذي "قرض جميع أعدائه" (آ 9 أ). إن "الاسم" العظيم الذي سيُعطى له، يشبه اسم أكبر عظماء الأرض. هذه الوعود التي تخصّ داود ذاته، يتبعها وعدٌ يخصّ بيت داود الذي سيقيمه يهوه (آ 11 ج- 16). إنّ العلاقة بين الأب والابن ترمز هنا إلى الميثاق السابق بين الله وسلالة داود، وهو ميثاق لا يستطيع تدميره حتى العقاب في حالة عصيان إرادة الله، "فمملكته تدوم إلى الأبد"، (آ 16). وقد تأكّدت أيضاً شرعية الملك الذي يخلف داود، لأنه هو أيضاً ينتمي إلى سلالة يرعاها الله إلى الأبد.

4- 2 صم 7: 1- 17 والنبي حزقيال
يستعيد حزقيال الفكرة الأساسيّة في نبوءة ناتان: الله هو سيّد الموقف، يرتّب كل شيء، البلاد والشعب والملك المثالي. ولكن النبي يؤوِّن هذه الفكرة على ضوء لاهوته والوضع السائد في عصره. "عبدي داود" تشير إلى إلزام الملك بتصرّف دينيّ وأخلاقيّ (2 صم 7: 8؛ حز 34: 23، 24؛ 37: 24، 25). "الغنم" (2 صم 7: 8 ب)، هو موضوع عزيز على قلب حزقيال الذي يستخدمه ليتحدّث عن قطيع يهوه في ف 34، حيث يجمع الله قطيعه من جديد، ويقيم على رأسه "راعياً" (آ 23 و37: 24). وكلمة "رئيس" (2 صم 7: 8 ب)، استُبدلت بكلمة "راعي" لتكون ذات صلة بموضوع "الغنم". ويعود أمر اختيار هذا الراعي ليهوه (ف 34؛ 37؛ 17). "أقطف نبتة صغيرة". "أقيم". وستكون للشعب أرضه ولن يكون مسحوقاً ولا مضطهداً. إن هذا الموضوع المستعاد من 2 صم 7: 10 جرى تعميقه عند حزقيال في 34: 13، 14، 26، 28، 29؛ 37: 21- 25؛ 17: 22- 24. وتشكّل العودة إلى البلاد شرطاً ضرورياً للدلالة على اقتراب الزمن المسيحاني. بالواقع، هل لشعب بدون أرض هويّة واضحة بالنسبة للأمم الأخرى؟
وهكذا استعاد حزقيال نبوءة ناتان وأوَّنها ليُحييَ الرجاء في نفوس المنفيّين الذين فقدوا كل شيء: (الأرض، الهيكل، والملك). وإنّ الله، الأمين على العهد، لن يستمرّ في معاقبة بيت داود إلى الأبد (رج 2 صم 7: 15)، بعد أن ضرب هذا البيت، في عصر النبيّ، بشخص ملك من سلالة داود. يجب التذكير هنا أنّ حزقيال يحسب سنوات المنفى ابتداءَ من عهد الملك يوياكين، وكأنه لا يعترف بأيّة شرعيّة لصدقيَّا، ويشارك في الرجاء الذي يعبِّر عنه الفصلُ الأخير من سفر الملوك (جَعل كرسي يوياكين فوق كراسي الملوك في 2 مل 25: 27- 30). إنّ موضوع الميثاق الأبدي (37: 25- 26) وارتباطه بإعادة بناء بيت المقدس (37: 26 ب)، يعود إلى الموضوع المزدوج في 2 صم 7: 13، 16. وهكذا يسهر الله إلى الأبد على تحقيق وعده. وأخيراً، فإن الزمن المسيحانيّ سيعني مملكتَي الشمال والجنوب، المجتمعتَين سياسياً تحت سلطة راعٍ واحد، ودينيّاً حول مقدس واحد (34: 1؛ 37: 26- 28). فالشعب سيعيش في ازدهار وطمأنينة، معترفاً بانتمائه إلى يهوه، إله إسرائيل (37: 27؛ 34: 30؛ 17: 24) وهذا الاعتراف يفترض ارتداد إسرائيل باستمرار عودته إلى الله.
إنّ تأوين نبوءة 2 صم 7: 1- 17 ينتمي إلى تقليد نبويّ. وإنّ موقع داود في الأقوال النبوية (هو 3: 5؛ أش 9 و11؛ إِر 23 و33؛ حز 34: 23...) يؤكّد حبّ الله لشعبه وغيرته عليه (أش 9: 6) وأمانته للميثاق (إِر 33: 20 ي). إنّ ذكر الوعد الداودي لم يتوقّف مع حزقيال، بل استمرّ مع أش 55: 3؛ حج 2: 20- 23؛ زك 3: 8؛ 6: 12. إن زربابل الداودي سيُحتفل به "كخاتم" (حجاي) أو "غصن" (زكريا). وهذا ما يتجاوب مع أش 11: 1- 2، وخصوصاً مع إِر 23: 5؛ 33: 15. وزمن السَبي الذي ترمز إليه صورة كنيا (إِر 22: 24)، إنتهى مع زربابل (حج 2: 23)، وهكذا اكتمل ترميم بيت داود.


Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM