ج- مسيح واحد لمملكة واحدة، يهوذا وإسرائيل

ج- مسيح واحد لمملكة واحدة، يهوذا وإسرائيل
37: 15- 28

إن الموضوع المسيحاني في ف 17 و34 يتواصل في 37: 15- 28، مؤكدّاً وفاء يهوه بوعوده. وتقسيم إسرائيل إلى مملكتين لا يمكن أن يشكل عائقاً في طريق مسيرة الخلاص: الله الأوحد الذي يقيم مسيحاً وحيداً، يرمّم وحدة إسرائيل، ويرسّخ أساسها على حضور يهوه المقدّس.

1- تحديد موضع النص
تبدأ النبوءة بالعبارة المعتادة عند حزقيال: "وكان إلي كلام الرب قائلاً..." كما في 36: 16؛ 35: 1؛ 38: 1 الخ... والنصّ السابق، 37: 1- 14، (العظام اليابسة)، يخضع لموضوع آخر، كما سنرى لاحقاً، وكذلك الأمر بالنسبة لحزقيال 38، حيث نجد نبوءة ضد جوج ملك ماجوج. لذلك فإنّ 37: 15- 28 يشكّل وحدة مستقلة.

2- بنية النص الأدبية
إنّ القسم الأول من النصّ (آ 16- 19)، يصف عملاً رمزياً نفّذه النبيّ بناء لأمر يهوه. والتعابير "عصا من خشب"، "يدك"، "يدي"، "يوسف وافرائيم"، لا توجد في الفقرات الأخرى من النصّ. ويمكن أن تكون آ 20 وصلة وضعها أحد المدوّنين، لأننا نجد في آ 21 أمراً جديداً بالتكلّم، مع العبارة الكلاسيكية: "هكذا قال السيد الرب". إنّ موضوع الوحدة بين المملكتين والذي تتصوّره آ 16- 19، تعود إلى ذكره الآيات اللاحقة من زاوية لاهوتيّة. وبالفعل، إن الآيتين الأوليتين 21- 22 تناسبان الآيتين 24- 25، إذ تتوسّعان في المواضيع ذاتها: العودة إلى البلاد (آ 21- 25): "الملك الواحد" (آ 22 و24). أما آ 23 فهي الأكثر وقعاً، لأنها تتضمّن العبارة "فيكونون لي شعباً وأنا أكون لهم إلهاً". وهذه العبارة نجدها أيضاً في 36: 28 و37: 27 على أنها الغاية السامية للعمل الإلهيّ. إنّ القسم الأخير من النص (آ 26- 28) يدور حول موازاة آ 26 أ و27، التي تطوِّر معنى المعاهدة المعقودة مع الله مع آ 26 ب، 28 التي تبحث في وجود مقدس يهوه في وسط شعبه. إن الكلمة- المفتاح في آ 26- 28 هي (علم) "إلى الأبد" وتقيم ترابطاً بين موضوع استيطان البلاد إلى الأبد (آ 25)، وموضوع الميثاق الأبدي (آ 26). وهكذا تكون بنية 37: 15- 28 كما يلي:
آ 16: العَصَوان الخشبيتان، واحدة ليهوذا وواحدة ليوسف
عمل نفّذه النبي
أ آ 17 جمع العصوين في يد النبي
آ 19 أ: يهوه يأخذ العصيين
آ 19 ب: جمع العصوين لتصبحا عصا واحدة في يد يهوه.
آ 21: إعادة بني إسرائيل إلى أرضهم
آ 22: ملك واحد، شعب واحد
آ 23: إنقاذ الشعب وتطهيره "وأنا أكون
ب لهم إلهاً" "تعبير الميثاق".
آ 24: "ملك واحد" سيكون داود
آ 25: استطيان البلاد المعطاة ليعقوب، أي العودة إلى
أرضهم التي يجب أن يملك داود عليها وهو خادم يهوه.
آ 26 أ: الميثاق (إلى الأبد)
أ أ آ 26 ب: يهوه يقيم بيت قدسه في وسطهم (إلى الأبد)
آ 27: توضيح مضمون الميثاق: الههم/ الشعب
آ 28 مقدسي في وسطهم (إلى الأبد).
إنّ 37: 15- 28 مبنيّ إذن بشكل خطّين متوازيين (آ 16- 19 وآ 26- 28) يحيطان بتصالب محوري واحد (21- 25). وهذا ما يكوِّن الرسم البياني التالي:
(أ)- 1 (16- 17)
2 (19 أ- 19 ب)
ب (21: 25)
(أ أ)- 1 (26 أ- 26 ب)
2 (27- 28)

3- المعنى واللاهوت
كما يبدو من الرسم البيانيّ السابق، جرى التعبير عن الفكرة الرئيسيّة في وسط النص: وهي الاعتراف بأن يهوه هو إله إسرائيل، وأن إسرائيل شعبه (آ 23).
تتضمّن آ 16- 19 عملاً رمزياً أمر الله حزقيال بتنفيذه أمام أعين الشعب؛ على حزقيال أن يأخذ عصوين من الخشب، يكتب على الأولى "ليهوذا ولبني إسرائيل رفقائه"، وعلى الثانية "ليوسف وكل بيت إسرائيل" (آ 16). وبطريقة معبرِّة ذات مغزى، يسمي النبي مملكة الشمال "يوسف"، محتفظاً باسم "إسرائيل" للشعب كله (رج آ 28). "هذا الأمر يتوافق تماماً مع الواقع التاريخي: إنّ سبط يوسف ("بيت يوسف" بحسب بعض النصوص)، كان بالفعل النواة التي تأسّست حولها السلطة ومملكة الشمال". وبالتالي ليست "يهوذا" سوى مملكة الجنوب، والعصوان الخشبيتان يُحتمل أن تكونا لوحين عليهما كتابة. في آ 17 يجب جمع ما كان منقسماً، "فتصيرا واحدة في يدك". تشرح آ 19 معنى العمل الرمزيّ أمام الشعب الشاهد الذي يرى في العمل تدخّل يهوه ذاته: سيجمع الله المملكتين لتصيرا مملكة واحدة "في يده". إنّ فكرة إعادة توحيد المملكتين تتكرّر غالباً عند الأنبياء (رج هو 2: 2؛ 3: 5؛ أش 11: 13؛ مي 2: 12). ولكن التحليل اللاهوتي الذي يلي العمل الرمزي، يتمادى في تعميق الرجاء. أما الأفعال الخاصة بيهوه فقد وردت بصيغة المتكلم مباشرة: "آخذ"، "أجمع"، "آتي بهم"، "أخلِّص"، "أطهّر"، أُعطي" (آ 21، 23، 25). يشير حزقيال إلى تدخل يهوه الفاعل لصالح إسرائيل الذي سيرجع إلى أرضه ويجتمع عليها. ويُضَمُّ إلى العودة شرطٌ ثانٍ يساهم، هو أيضاً، في توحيد المملكتين، وهو الملك الواحد (آ 22). وقد وُصف هذا الملك بألقاب ثلاثة: داود، رئيس، وراعٍ (آ 24). فداود، كخادم ليهوه، يرمز إلى الزمن المسيحاني، بقيام بيت داود، في خط 34: 23- 24 و17: 1 ي. وكلمة "راعٍ" تذكّرنا بالراعي الصالح في ف 34. أما كلمة "رئيس" فيبدو أن النبي يستعملها دون أن يميّزها عن كلمة "ملك" (آ 22). وبالفعل، لا تدل آ 22 على أي تردّد حول الوضع الملكي "للرئيس". "أما تلاميذ النبي فقد فضلوا لقب "رئيس". فهو قديم، ويجنّبهم الذكريات السيئة المرتبطة بملكوك إسرائيل. ومن المحتمل، أن يكون ذلك سبباً، استعملت لأجله كلمة "رئيس"، في ف 40- 48، للدلالة على المسؤول المستقبلي عن الجماعة التي أعيد جمعها وتوحيدها". سيعود الشعب إلى الأرض التي اعطيت ليعقوب، ولن يتركها إلى الأبد (آ 25). وهكذا تلخّصت استمرارية العهد الذي اعطي للآباء الاوائل. إنّ أزلية هذا العهد مدوّنة في إطار الميثاق: "فيكونون لي شعباً وأنا أكون لهم إلهاً" (آ 23). هذا الميثاق يفرض "الأمانة" و"التطهير" من كل رجاسة" ومن كل "معصية"، ويهوه يخلصهم منها جميعاً (آ 23). من هنا إمكانية الخضوع لعادات الله، والتقيّد بشرائعه والعمل بموجبها. ولعيش الميثاق، يجب أن يحسّ شعب الله بمسؤوليته عن الإلزامات الأخلاقيّة والدينيّة التي عدّدها النبي. وفي القسم الأخير من النص (آ 26- 28) يعقد "ميثاق سلام" بين الله وشعبه، ويكون هذا الميثاق أبدياً (آ 26 أ- 27). ومن المناسب التذكير، أن فعل "كثّر"، في العهد القديم، (آ 26)، يصف غالباً البركة كما هي الحال في تك 16: 10؛ 26: 24؛ خر 32: 13؛ تث 13: 18؛ أش 51: 2؛ إر 33: 32. إن علامة الخصب تدلّ على أن الله يعمل دائماً ويواصل تحقيق الوعد المقطوع للآباء الأوائل: "ويكون مسكني فوقهم". وبحسب إر: 31: 23: "يا مسكن البر، يا أيها الجبل المقدّس"، وبحسب مز 78: 68...؛ 132، 13: 18؛ وبحسب حز 20: 40: لا يمكن أن يكون هذا المسكن سوى جبل صهيون، عندما يعود الله إلى الهيكل. إن "المقدس" المشار إليه مرتين في آ 26 ب و28 يدلّ على تقديس الشعب "إلى الأبد". أما قيام إسرائيل ومجيء الزمن المسيحاني، فلا يُلغي وجود أمم أخرى ستعترف بيهوه، دون أن تنتمي إلى شعب إسرائيل (17: 24؛ 34: 29، 30؛ 37: 28).
إن "تقديس" إسرائيل، يعني فصلها عن الأمم الأخرى، وتكوينها كمسكن الله الخاص. "إن حضور الله الفاعل، يمنح الشعب قداسة طقسيّة، بالإضافة إلى كرامة حقة تفرض عليه القداسة الأخلاقية؛ من أجل تقديم الشعب وضعَ يهوه الشريعة (لا 22: 31 ي) وأعطى للشعب ما يميّزه عن باقي الشعوب بالإضافة إلى الضمانات الإلهية (أش 41: 14- 20؛ 54: 1- 5)، والعزة (أش 43: 3- 14؛ 49: 7؛ حز 17: 22- 24)، والرجاء الذي لا يُقهر (مز 60: 9- 14)". "وليكمّل حزقيال (نبوءته)، صرّح أن هذا الحضور الملكيّ، المهم بلا شك، (37: 22 و24) هو ثانويّ للغاية. وما يميّز الجماعة الجديدة ليس تكوينها المتعلق بسلطة ملكية واحدة بقدر ما هو توثيق العلاقات التي سيطوّرها الله مع تلك الجماعة"، كما أشرنا سابقاً.
إذا كانت مسيحانيّة حزقيال التي درسناها، قد أُعدِّت على ضوء الأحداث والصعوبات التي عاشها النبي وشعبه، يبقى سؤال حول أول هذه المسيحانيّة.


Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM