الفصل الثاني والثلاثون إنجيل متى

 

الفصل الثاني والثلاثون
انجيل متى
في أورشليم، الآلام والقيامة
ف 19- 28

ونتوجّه مع القديس متى إلى اورشليم حيث نشهد في قسم اول القطيعة مع السلطات اليهودية وفي قسم ثانٍ ، الموت والقيامة.

أ- القطيعة (ف 19- 23)
1- مت 19-20
وكانت جدالات مع اليهود على طريق أورشليم: من يستطيع أن يدخل إلى ملكوت السماوات؟ ودعا يسوع إلى انقلاب تام في القيم: نكون كالأطفال (13:19- 15). نعطي ما نملك للفقراء (16:19- 30). نخدم ولا نُخدم (20: 20- 28). "الأولون يكونون آخرين. والآخرون يكونون أوّلين" (20: 16؛ رج 19: 30).

2- مت 21- 23
وكانت آخر مواجهات ليسوع في أورشليم. فجَّر يسوع بموقفه الأطر القديمة، أطر الديانة اليهودية والمجتمع الذي يعيش فيه. وأصاب هجومه الهيكل نفسه. منذ الآن يدخله المرذولون: العرج والعميان (21: 14). وتنتهي هذه الفصول بهجوم عنيف على الفريسيين. وظهرت هذه الاتهامات تعبيراً عن حب خاب أمله. "كم مرة أردت أن اجمع بينك مثلما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها، فلم تريدوا" (37:23).

ب- الفصح ومجيء الملكوت النهائي (ف 24- 28)
أُعلن الملكوت في الكلام والعمل. وها هو يتركز نهائياً بموت يسوع وقيامته. ونجد هنا، كما في كل انجيل متى، تعاقباً بين أقوال يسوع وأعماله: خطبة فيها يعلن نهاية العالم (ف 24- 25). وتحقيق هذه النهاية: خبر الآلام والقيامة (ف 26- 28). ونتوّقف عند بعض النصوص في خبر الآلام.
منذ وقت مبكر، ظهر تقليد يروي خبر الآلام. وقد تكمّل شيئاً فشيئاً. نقله كل انجيلي حسب طريقته وحسب حاجة كنيسته، بعد أن أعادت قراءته كل جماعة وتأملّت فيه.

1- بداية خبر الآلام (26: 1- 5)
هذه المقدمة تدلّ على المعنى الذيِ يعطيه متى لانجيله. فما كان عند مرقس مجرّد اشارة زمنية اتّخذ هنا معنى آخر بتدخل يسوع. قال مر 14: 1: "وقبل عيد الفصح والفطير بيومين، كان رؤساء، الكهنة...". أما متى فقال: "تعرفون ان الفصح يقع بعد يومين، وفيه يسلّم ابن الإنسان ليصلب" (2:26). لقد أعطى يسوع لموته القريب معنى فربطه بعيد الفصح.
بيّن لنا متى كيف أن يسوع يسيطر على الوضع. هو واع لما سوف يحصل له. وهو يتوّجه بحريّة إلى مصيره ليكون أمينا حتى النهاية لرسالته (12:26؛ 18:26).
وشدّد متى على الرباط بين الفصح وواقع آخر هو أن إبن الإنسان سوف يسلم. الفصح عيد مهمّ وهو يتطلّع في الوقت عينه إلى الماضي والحاضر والمستقبل. في الماضي، تذكّر اليهود خروجهم من مصر مع موسى. وهم يعترفون اليوم بانهم مدينون بوجودهم إلى الله المخلّص. ويتطلّعون الى المستقبل وينتظرون الوقت الذي فيه يتدخّل الله، كما تدخّل في الأمس، ليخرج شعبه من العبودية والحكم الأجنبي
ها قد جاء الوقت الذي فيه يتمّ كل شيء. وفعل متى هنا كما فعل في سائر انجيله. عاد مراراً إلى العهد القديم (26: 15، 24، 31، 54، 56؛ 9:27- 10، 34، 35، 43، 46). وهي أيضاً ساعة تتمّ فيها الكتب. لا تعني هذه العبارة أن كل شيء هُيّئ مسبقاً، وأنه كان يكفي أن نقرأ الكتب لكي نعرف ماذا سوف يحدث. بل هي تشير إلى مسيرة ايمان المسيحيين الأوّلين الذين أدركوا ادراكاً افضل معنى هذه الأحداث المؤلمة حين أعادوا قراءة الكتاب المقدّس. ففي تاريخ الشعب كما في حياة يسوع، هناك مخطّط الله الواحد الذي لا يتقدّم إلا عبر المعارضة والألم والموت. غير أن هذه الكتب المقدسة تستنير منذ الآن بنور جديد، بنور موت يسوع وقيامته.

2- موت يسوع (27: 32- 54)
صُلب يسوع ومات.

أولاً: وتمّت الكتب
شدّد متى على هذه التتمة أكثر مما فعل مرقس. مثلاً الهزء في آ 43 يستلهم حك 13:2- 18: فالذي يعذّبه اليهود هو البار الذي لم يستطع ان يعرفه آباؤهم. في هذه الآية نجد أيضاً ايراداً من مز 22 (آ 9) الذي هو نداء استغاثة يطلقه البار المضطهد. وهدف متى هو أن يبيّن كيف أن ما حدث يطابق الكتب المقدسة، أن يسوع يعيش مرة ثانية تاريخ شعبه. وصراخ يسوع في ساعة موته هو الآية الاولى من هذا المزمور 22. فإذا قرأناه كله عرفنا أنه ينتهي بذكر خلاص البار: بعد أن تخلّصني "سأبشر باسمك اخوتي وفي وسط الجماعة أسبحّك".

ثانياً: ظواهر خارقة
يشير الإنجيل إلى ظواهر خارقة حدثت في موت يسوع فدلّت على اتساع المأساة: زلزال (هزة ارضية) صخور تفتحت، موتى عديدون قاموا. هذه الظواهر هي تقليدية في العهد القديم وهي تعلن يوم الدينونة (عا 3:8؛ أش 26: 19؛ حز 37: 12). هو عالم يتدمّر. مع حدث الفصح، جاءت نهاية الأزمنة، واستطاع القديسون ان يدخلوا إلى ملكوت السماوات مع يسوع القائم من الموت. هذه العلامات ستظهر أيضاً في 28: 2: فالقيامة تُعتبر نهاية الأزمنة وانتصار الله على أعدائه، وآخرهم الموت.

3- خاتمة
إن خبر الآلام عند متى هو خبر ترويه جماعة مؤمنين. في هذه الأحداث تمّت الكتب. وفي يسوع مات إسرائيل وقام ليصبح شعباً جديداً واسعاً وسع الكون.
ويسوع هذا هو ابن داود الذي يتمّ تاريخ شعبه. إنه ابن الإنسان الذي يتمّ تاريخ البشر. ليس هو ذلك الإنسان المسحوق، بل ابن الله الذي يلزم نفسه بكل وعي، والذي سلطانه مطلق ولا سلطان فوقه. وحده الايمان يتيح لنا أن ندرك هذا الواقع. المسيرة صعبة والشك (والارتياب) ليس دائما بعيداً عنا (17:28) حتى بعد القيامة. فالرب الذي له كل سلطان، قد أرسل تلاميذه إلى جميع الأمم. وهكذا تتكوّن الكنيسة وهي تشهد ليسوع الذي أراد أن يجمع البشر كلهم (16:28- 20).
ويبقى سؤال مؤلم للمسيحيين الذين من أصل يهودي: مصير إسرائيل الذي رفض ان يعترف بالمسيح! هذا ما حاولت أن يجيب عليه القديس بولس في الرسالة إلى أهل رومة (ف 9- 11).
ومع متى نحن مدعوون أن نكتشف اليوم اصالة هذه الجماعة من المؤمنين، اصالة هذه الكنيسة التي ننتمي إليها. الطمأنينة الوحيدة التي لها هي اعتقادها العميق بحضور القائم من الموت: ها أنا معكم. ولا معنى لوجودها إلا اذا انفتحت باستمرار على جميع الأمم

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM