الفصل العاشر: أهل بيت الله

الفصل العاشر
أهل بيت الله
2: 19- 22

إن أول المؤمنين من العالم الوثني قُبلوا في كنيسة تتألف من مسيحيّين جاؤوا من العالم اليهودي. هل كانوا مرتاحين، هل أحسّوا أنهم حقاً في بيتهم؟ ما كان وضعهم في مثل هذه الجماعة؟ تقبّلوهم كزائرين، كخائفي الله اعتادوا أن يؤمّوا مجامع الشتات مع بقائهم في الوثنيّة. تقبّلوهم كغريب يقيم في مدينة يونانيّة أو في رومة. مثل هذه الأزمة تفجّرت في أنطاكية ساعة ابتعد بطرس ورفاقه عن المشاركة في المائدة الواحدة مع الوثنيّين، فأحسّ هؤلاء أنهم مواطنون من الدرجة الثانية. ولقد احتجّ بولس بشدّة ضدّ هذه المعاملة للمسيحيّين الأمميّين (جاؤوا من الأمم الوثنية) في أنطاكية (غل 2: 11- 14). ليس المسيحيون الآتون من العالم الوثني غرباء وزائرين ومواطنين من الدرجة الثانية. إنهم أعضاء في جماعة الله بكل معنى الكلمة. إنهم مواطنو القدّيسين وأهل بيت الله.

1- نظرة عامة
إن الدنوّ بحريّة من الآب يولّد دينامية ويفتح مشروعاً: الكنيسة تُبنى الآن، وهي الهيكل الجديد لحضور الله. هذه النظرة تنهي ف 2، وترسل دعوة إلى القرّاء. وهكذا يعود النصّ إلى صيغة المخاطب المتكلّم (لستم، أنتم). وتأتي الأداة (أرا اون) (من ثمّ) فتربط هذا النداء وتعليماته مع إعلان الخلاص المسيحاوي الذي سبقه. وهكذا نجد ترابطاً عند القدّيس بولس بين الكرستولوجيا (تعليم عن يسوع المسيح) والاكليزيولوجيا (تعليم عن الكنيسة) والاخلاقيّات.
في البداية، كان تشرذم وتفتّت. وفي النهاية، اجتمعوا كلهم في البيت. هناك المنزل مع الجسد، القرب، العائلة، الحياة الحميمة في داخل البيت. وتتألّف كلمات من الجذر "اويك" (البيت): في آ 19: أهل بيت الله (اويكيوي). في آ 20: مبنيّون (مثل بيت). في آ 21: البناء (اويكودومي). في آ 22: اندمج في البناء، ثم: مسكن. ونجد استعارات: الأساس، حجر الغلقة (أو: حجر الأساس) (آ 20)، الهيكل (آ 21). هنا نعود إلى 1 بط 2 لنجد استعمال هذه الصورة المأخوذة من التقليد في نطاق واسع.

2- عودة إلى العظة (2: 19)
"لستم بعد غرباء". عاد بولس إلى العظة فذكر الوضع الأول (2: 12) لكي يقلبه. فالقرّاء هم بشكل تامّ مواطنو القدّيسين وأعضاء في عائلة الله، سواء كانوا غرباء أو مقيمين باسم الجوار والضيافة.
اللقب الأول يجعلنا أمام اتساع كلمة "قدّيسين" في أف. ظنّ بعضهم أننا لم نعد أمام شعب الله الواحد حيث لا تمييز إطلاقاً. نجد أن كلمة مواطن (مشارك في الوطن الواحد) تدلّ على وطن يسبق الأفراد وإليه يدخل الآتي حديثاً. لهذا فكّر بعضهم بنواة أصليّة للجماعة المسيحاويّة، هم "قديسو" كنيسة أورشليم أو شعب العهد الأول. ورأى آخرون أننا أمام دخول في مجموعة الرسل والأنبياء الذين هم أساس الجماعة (آ 28) والذين سمّوا قدّيسين في 3: 5.
مهما كان اتساع مجموعة القدّيسين، تنسب أف إلى القرّاء المواطنيّة التي لا حدود لها. هم مواطنون شأنهم شأن غيرهم. هم أبناء أهل البيت فلا يفترقون عن الذين سبقوهم. ندرك هنا في خطّ روم 9- 11 صوت هوشع (من لم يكن شعبي أسمّيه شعبي، 2: 25) واستعارة البيت والجذع والتطعيم.
ولكن أف تختلف عن روم كما عن عب أيضاً: نحن هنا أمام بيت جديد بُني على أساس جديد. ولسنا أمام بيت أول أعيد ترميمه. نحن أمام نبتة تلد من زرع آخر، لا غصن مطعّم على جذع قديم. وهكذا نجد تفسيراً للمواطنيّة لا تشدّد على اندماج المؤمنين الجدد مع الآخرين، بقدر ما تشدّد على مشروع يقوم ببناء الهيكل، ببناء المدينة وعائلة الله المؤلّفة من المسيحيّين المتهوّدين والمسيحيّين الأمميّين.
والشكل الثاني للاندماج الاجتماعيّ الذي يكمّل صفة المواطن، هو الدخول في البيت والمشاركة في حياة عائلة الله. "اويكيوس" يدلّ على أعضاء عائلة واحدة، على الأهل والأقارب (رج 21: 2 والحديث عن قرابة الدم). وإن 1 تم 5: 8 يجعل "اويكيوي" في مجموعة حميمة، بين الذين ينتمون إلى بيت مصغّر (أهل بيته الخاص). أما غل 6: 10 فتتحدّث عن القرابة على مستوى الإيمان. وصورة "عائلة الله" ستعرف انتشاراً كبيراً في اللاهوت والفقاهة اللاحقة. ولكنها تجد أساسها في أف: بنداء الآب، مروراً بنشيد الأبناء بالتبنّي (1: 5- 14)، وصولاً إلى ف 5 حيث يُدعى الأبناء الذين يحبّهم الله إلى الاقتداء بأبيهم، وحيث تُجعل الرباطات العائلية في ضوء المسيح.
"المسكن والهيكل". نحن هنا أمام تيارين يغذّيان واقع الكنيسة، شعب الله وجسد المسيح. فمنذ الأصل الملكيّ لتشييد الهيكل، نجد في التوراة انشداداً بين ضرورة تأمين مسكن لله وسط البشر، واستحالة القيام بهذا العمل بأيدٍ بشرية. وكانت محاولات وصلت إلى هيرودس فأقنعت المؤمنين أن الله يستطيع وحده أن يبني منزلاً لحضوره، ويقدّمه للبشر. ماذا يكون "هذا المنزل الذي لم تصنعه أيدٍ بشرية"؟ هناك ثلاثة أجوبة. الأول: الكون هو هيكل الرب (والهيكل هو كون مصغّر، رج تك 1). الثاني: "المعبد السماوي" الذي يقوم في قمّة السماء. بناء لا يقتحمه أحد ولا يدمّره، وهو يقابل بناء الحجر السريع العطب والمهدّد بالدمار. الثالث: الجماعة وأعضاؤها هم المسكن الاسكاتولوجيّ الذي يقدّمه الله لنفسه. استعيدت الفكرة في العهد الجديد: شخص يسوع هو موضع سكنى الله. وجسد المسيح القائم من الموت ينكشف عبر الذين يؤمنون به: فجسد كل مؤمن صار بدوره معبد الله ومعبد روحه. وهكذا تتزاوج استعارة الجسد مع استعارة البيت بحيث يقال: "يُبنى" الجسد. "ينمو" البيت كما تنمو الشجرة. و"تحيا" الحجارة. ويتركّب البيت كما تتركب المفاصل في الجسد.

3- بناء أساسه الرسل (2: 20)
وتتوسّع صورة البيت. فالقرّاء المسيحيّون الآتون من العالم الوثنيّ، هم مواد بناء. وقد وُضعوا على أساس سابق هو أساس الرسل والأنبياء. ونحن نجد هنا وجهتين لصورة البناء. أولاً: على مستوى الاستعارة. تستعمل الصورة في تحريض من أجل حياة جماعيّة متينة، يكون رائدها التواضع. نقرأ في 1 تس 5: 11: "ليبنِ أحدكم الآخر، على مثل ما أنتم تفعلون". وفي روم 14: 19- 20: "نتبع ما هو للسلام، وما هو لبنيان بعضنا بعضاً. لا تنقض (تهدم) عمل الله من أجل طعام. ثانياً: على المستوى التاريخي والاسكاتولوجي. نحن أمام العمل الفريد والحاسم الذي به وضع الله أسس شعبه. يعود هذا المعنى إلى إرميا ويرتبط بصورة الغرس. يتحدّث بولس عن السلطان الذي أعطي له "لبنائكم لا لهدمكم" (2 كور 10: 8). وقالت في روم 15: 20: "لا أريد أن أبني على أساس غيري".
على هذا الأساس يُبنى المؤمنون (يوضعون على). أخذت الصورة من 1 كور 3: 9- 11 حيث الأساس هو الربّ. أما الرسول فكمهندس بارع وضع هذا الأساس الذي سيبني عليه خلفاؤه. هنا صار الرسل مع الأنبياء الأساس الذي عليه يُبنى البيت. لقد تحوّلت الاستعارة ولم يتحوّل المعنى: صار الربّ حجر الغلقة، والرسل الذين اختارهم الربّ، والأنبياء الذي ألهمهم الروح، صاروا نقطة انطلاق الشعب المسيحاوي، ونقطة يلتقي فيها اليهود والوثنيون ليؤلّفوا جسد المسيح الواحد.
من هم الرسل والأنبياء؛ يُذكرون ثلاث مرات في أف. هنا، وفي 3: 4 في قلب توسّع في "السّر". وفي 4: 11 في رأس لائحة تذكر الخدم في الكنيسة. في ف 4 نجد تمييزاً واضحاً بين الإثنين. يُذكر الرسل أولاً، ثم يُذكر الأنبياء. أما في 2: 20 و3: 4 فيذكر الرسل مع الأنبياء وهذا ما يبدّل النظرة.
"الرسل" هم أول من كرز بالإنجيل، فيكفلون زمن البداية. والوعّاظ والشهود يطلقون المستقبل فيكوّنون حلقة تجمع بين إسرائيل والشعب المسيحاوي. نشير هنا إلى أن الرسل لا يُذكرون في أف كما لا يُذكر عددهم. لا يُذكر إلا بولس (1: 1؛ 3: 5).
"والأنبياء". تماهوا سريعاً مع أنبياء العهد القديم. لهذا حذفهم مرقيون من نصّه، وهو الذي حاول أن ينتزع من كتابه المقدّس كل ما يتعلّق بإسرائيل. إن الأنبياء يشكّلون مع الرسل القوّاد التاريخيّين في الجماعة الأولى: حملوا كلام الربّ القائم من الموت، وفسروا علامات الروح. لم يحدّد دورُ الأنبياء، كما لم يحدّد دور الرسل في أف. ترتبط مكانتهم بالتقليد لا بما يمكن أن تقوله أف عن دورهم وعن وظيفتهم.
من الممكن أن تدلّ عبارة "الرسل والأنبياء" على الأشخاص عينهم. هذا يعني: الرسل الذين هم أنبياء وحاملو كلام الله. هؤلاء الأناس هم أسس لأنهم شهود القيامة ومفسرّوها. في البداية، تميّزت وظيفة النبيّ عن وظيفة الرسول. ثم دُمجت الوظيفتان في دور واحد تاريخيّ واسكاتولوجيّ. ولكن سواء كنا أمام فئتين متميّزتين أم أمام فئة واحدة، فهم يعملون معاً، دورهم في أساس البناء واضح كما سيكون في 3: 3- 6. هم المستودع الوحيد لوحْي يقول بأن إسرائيل وأمم الأرض اندمجوا في جسد واحد. لوحْي هو أساس الكنيسة ومكوّنها. وهذا الوحي يساعد على البناء الذي يتمّ بوسائل أخرى، ولكن تحت سلطة ذاك الذي هو رأس الجسد وحجر الغلقة في هيكل الله.
وتمتد استعارة البناء فتدلّ على موضع المسيح في البناء- الجسد. لقد جعل الله المسح رأساً للجسد. وتجاه الهيكل، الدور المعطى للمسيح هو الحجر الأهم. ولكن هناك معنيين: أولاً: حجر الزاوية يوضع في الأساس وعليه يرتكز البناء ويرتفع. عليه ترتكز الأسس الرسوليّة. ثانياً: حجر الغلقة. يوضع في رأس العقد، فيتوّج البناء ويربطه لئلاّ يتفكك. ولكن سواء كان المسيح حجر الزاوية أو حجر الغلقة، فيجب أن نعرف أن فيه يتركّب البناء وبه يرتفع. هو يرتكز عليه. هو يتوجّه إليه.
هكذا تبدو آ 20 مع اسم جديد للمسيح. إنه سلامنا كما قال 2: 14. وهو الآن الحجر الذي به يرتبط كل عضو من الأعضاء.

4- هيكل الله ومسكنه (2: 21- 22)
وتنتهي المقطوعة فتعطي الصورة ديناميّتها: إن هدف البناء هو الهيكل. هو مسكن الله. وتخضع الآيتان (آ 21 وآ 22) لمبدأ الموازاة في الشعر العبريّ. إنطلاقة مماثلة: فيه (في المسيح يسوع. في الربّ). والفاعل هو مجمل البناء الذي يجد امتداده في صيغة المخاطب الجمع: "وفيه أيضاً تندمجون أنتم". ويدلّ الفعل على التوالي على نموّ البناء المتناسق، ثم على دخول المسيحيّين الذين من أصل يهوديّ، والمسيحيّين الذين من أصل وثنيّ كمواد في بيت الله (لا نصل إلى "الحجارة الحميمة" كما في 1 بط التي تدمج صورة الجسد وصورة البيت). ونصل إلى الهدف الذي يسمّى في آ 21 "الهيكل المقدّس"، وفي آ 22 "مسكن الله". وتنتهي الآيتان بذكر المهندس وربّ العمل: هو الربّ في آ 21، والروح في آ 22.
تبدو آ 21 بشكل نشيد وآ 22 بتطبيق ما في النشيد على القرّاء (1 نتم أيضاً). والفعل "تبنون مع" تثبت معنى آ 19: مواطنون معاً القدّيسين.
ويرتفع البناء وينمو. يبدو النصّ ديناميكياً. ليس هو صورة جامدة. لا يتحدّث النصّ عن طبيعة النموّ، ولكننا نستشفّها على ضوء ما سوف نقرأ في ف 3- 4. فإدخال "البعيدين" يفترض عملاً رسولياً يشعّ يوماً بعد يوم. ولكن سيبقى النموّ داخلياً وتتمة لعمل الله في الوحدة والمحبة.
وينمو البناء حتى يصبح الهيكل المقدّس (لله) في الربّ. ولكن آ 21 بدأت مع لفظة "فيه" (في المسيح يسوع). غير أننا لا نستطيع أن نتكلّم عن التكرار إذا تذكّرنا أن عبارة "في الربّ" تدلّ على عمل متواصل قام به المسيح الذي تمجّد من أجل كنيسته. أما عبارة "في المسيح، فتعود بنا إلى ما ساعد على وضع أسس البناء، إلى الأحداث المسيحانيّة. ويتحدّث النصّ عن التنسيق (رج 4: 16: ترتيب الأجزاء في الوحدة): نحن هنا أمام عناصر من أصول مختلفة. ضمّت معاً لأن بعضها لا يستغني عن بعض من أجل متانة البيت ونجاحه. لقد ضُمّ اليهود والوثنيون في الكنيسة. هنا تختلف أف عن قمران: فالبيت مقدّس لا لأننا استبعدنا الغرباء المنجَّسين، بل لأنه يضمّ الأمم وشعب إسرائيل بحسب قصد الله.
ونقرأ في آ 22 "سينايكودوميو": بنى معاً. جميع أجزاء البناء إلى أجزاء أخرى. هذا الفعل يدلّ على إرادة الله من أجل العالم كله. والهدف: نصير مسكناً لله في الروح. نعود هنا إلى مز 76 (75 حسب السبعينية): "صار مسكنه في السلام، ومقامه في صهيون". وهكذا تنتهي المقطوعة بتذكّر المسكن الذي اختاره الله. بعد سنة 70 ب م، لم يعد من أثر لحضور الله، لم يعد من بناء إلا ذاك الذي يكون موضعه وأداته الروح ("في الروح" يقابل "في صهيون"). وهكذا تلتقي خطوط العهد الجديد التي تغذي هذا الموضوع: 1 كور 3: 16، 17؛ 1 بط 2: 5؛ يو 4: 21- 23 (الله لا يُعبد على هذا الجبل، بل بالروح والحق).
مع الإشارة إلى الروح انتهت المباركة الأولى. ومعها أيضاً تنتهي ذروة الرسالة. جُعلت عبارة "في الروح" في النهاية فدلّت على تضمين مع "في الجسد" التي دلّت في 2: 11 على وضع الأمم السابق. لكهم صاروا معاً مشاركين في الروح. هذا ما وصلنا إليه في نهاية ف 3: صار الجميع مسكناً لله في الروح.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM