الفصل الثامن عشر: الصلاة الليتورجية الأولى وعمل الروح القدس

 

الفصل الثامن عشر
الصلاة الليتورجية الأولى وعمل الروح القدس
أع 4: 23- 31

1- الصلاة في أع 1- 3
تدخل الفصول الثلاثة الأولى في إطار من الصلاة المتواصل. كان المسيحيون الأوائل في العلية "يواظبون جميعًا على الصلاة بقلب واحد، مع بعض النسوة ومريم أم يسوع ومع إخوته" (1: 14). لا يعطينا أعمال الرسل أي تفصيل ليميّز مدة الصلاة المستمرة، ولكننا نستطيع أن نفكر أن الرسل كانوا يستعملون طريقة الصلاة اليهوديّة التقليديّة. نعلم أن يسوع قد علّمهم ما نسمّيه اليوم "الصلاة الربية". كانوا إذن يستعملون نصوصًا من العهد القديم من مزامير ونبوءات وتبريكات ودعاءات وابتهالات صادرة عن قلب هذه الجماعة الملتفة دائمًا حول مريم. تشبه هذه الصلوات ما نجده اليوم في العهد الجديد: نشيد مريم (لو 1: 46- 55) ونشيد زكريا (لو 1: 68- 79) ونشيد سمعان (لو 2: 29- 32).
كان الرسل، بدون شك، يتبعون تعليم المسيح الذي دلّهم على أن يجدوا "وجهه" من خلال تأملهم الشريعة والانبياء والمزامير (لو 24: 44- 46). أجل، إننا نقوم هنا بافتراضات وتخيّلات مع أنّ لوقا لم يتكلّم عن شكل هذه الصلاة في العليّة.
* نجد صلاة جماعية أكثر وضوحًا عندما اجتمع الرسل لاختيار بديل عن يهوذا (أع 1: 24- 25). لم تكن هذه الصلاة داخليّة أو باطنية، ولكنها تظهر لنا صلاة "علنيّة". قد لا تكون هذه الصلاة بصورتها الحالية هي نفسها التي وضعها لوقا على فم الجميع ("ثم صلّوا فقالوا" آ 24)، غير أنها تعبّر عن طلب صريح يسأله المجتمعون من أجل نيّة محددة. إنه "دعاء" بسيط، لا يحمل في طيّاته هيكلية احتفال ليتورجيّ موسّع. يذكرنا هذا الدعاء، الذي ترفعه جماعة الرسل إلى "الرب العليم بقلوب الناس" (آ 24) ليختار واحدًا من بين برسابا ومتّيا، بالابتهالات في "الطلبة الملحة" في القداس حسب الطقس البيزنطي: "نطلب أيضًا الرحمة والحياة، والسلام والعافية والخلاص، لعبيد الله الساكنين في هذه البلدة، وافتقادهم ومسامحتهم وغفران خطاياهم". تأتي هذه الطلبة بعد دعاء "أيها الرب الضابط الكل...". الجماعة الليتورجية اليوم على مثال الجماعة الأولى تذكّر الله بهويّته وتقول له: إنه بار وأمين في وعوده، وإنها تثق ثقة عمياء بأن طلبها سيستجاب.
* لم يضع حدث العنصرة الذي ملأ قلوب التلاميذ، حدًا لصلاة الكنيسة الأولى، بل دفعها إلى الأمام أكثر من ذي قبل. "وكانوا (ثلاثة آلاف معتمد) يواظبون على تعليم الرسل والمشاركة وكسر الخبز والصلوات" (2: 42) وأيضًا "يلازمون الهيكل كل يوم بقلب واحد.، ويكسرون الخبز في البيوت، ويتناولون الطعام بابتهاج وسلامة قلب، يسبّحون الله..." (2: 46- 47). سار المسيحيون الاوائل في خطى الرسل: "كان بطرس ويوحنا صاعدين إلى الهيكل لصلاة الساعة الثالثة بعد الظهر" (3: 1). لقد أقيمت هذه الصلوات والتسابيح إما في الهيكل وإما في البيوت الخاصة، غير أنها لم تكن كلها احتفالاً افخارستيًا. لقد كانت مؤلفة عمومًا من مزامير وتسابيح وأناشيد روحية، اغتذت منها الصلاة المسيحية التي شجّع بولس عليها كنيسة كولسي: "رتّلوا لله من صميم قلوبكم شاكرين بمزامير وتسابيح وأناشيد روحية" (3: 16).
تبقى الفصول الثلاثة الاولى شحيحةً في معطياتها عن طريقة صلاة المسيحيين الاوائل وهم الذين "يعبدون الله بالروح والحق". أو عن طريقة استعمالهم للصلوات اليهودية المختلفة. كانت حادثة شفاء المقعد على باب الهيكل المعروف "بالباب الحسن"، والاختلاف الحاصل بين المسيحيين واليهود من جرَّاء هذه المعجزة، من الدواعي التي حثّت لوقا على تقديم مثال لصلاة ليتورجية محدّدة. تظهر لنا هذه الصلاة موحاةً من المزامير المقروءة ليس بمنظار يهود العهد القديم، ولكن مرتدية حلّة تلاميذ المسيح والمؤمنين بالله في المسيح. يجذبنا إليها بالتالي اهتمام خاص لأنها تشكّل أول عمل ليتورجيّ للجماعة المسيحيّة، للكنيسة الاولى التي ترفع صلاتها خارج نطاق الاحتفال الافخارستيّ. يقول بيش: "إنها أطول صلاة جماعية في العهد الجديد... ولها طابع مميَّز نموذجيّ".

2- صلاة الكنيسة الليتورجية الاولى
يبدأ النص الذي نتصدّى لقراءته ولتفسيره بالآية 24، وهو يبتدئ بالكلمات التالية: "عند سماعهم ذلك...". لنفهم غنى هذه الصلاة، علينا أن نتذكّر هذه الكلمات التي توحي لنا رواية الاحداث في الفصلين الثالث والرابع. لا بدّ إذن من قراءتهما!
لا ننظر فقط إلى النص الوارد في أسلوب رواية لوقا التي تحدِّثنا عن اعتقال بطرس ويوحنا وتوقيفهما، ولكننا مجبرون على سماع مقولة الرسولين اللذين أطلقا من السجن وهما يخبران "الاصحاب" "بكل ما قال لهما عظماء الكهنة والشيوخ". لقد انتبه هؤلاء الاصحاب وأصغوا إلى رواية الاضطهاد الاول الذي تصدت له الكنيسة. يقول الأب زرويك إن هذه العبارة تدلّ هنا على "الجماعة المسيحية". بينما يشدّد الأب ديبون على أن عبارة "الاصحاب" تدلّ على "جماعة الرسل"، لأن الاثني عشر أكثر من جماعة المؤمنين محتاجون إلى "الجرأة" ليعلنوا كلمة الله (آ 29 و31)، وهذا ما تدعوه إليه خدمتم وشهادتهم. أجل، الرسل مدعوون إلى الصلاة إذا أرادوا أن ينالوا قدرة صنع المعجزات التي تخوّلهم "حرية الكلام في إعلان كلام الله. يشعر الرسل بمقتضى مسؤوليتهم الرسولية التي خوّلهم إياها الرب أن يصبحوا عبيدًا له بصفة مميزة".
يزيد على هذا التفسير الأب دونيس ريمو في قوله إن كلمة "عبيد" تعود بدون شك إلى مز 2. لا تدّل هذه العارة النادرة في سفر الأعمال على المؤمنين. تعود مرتين في الأعمال فقط خارج هذا المقطع: أع 2: 18 وهو استشهاد ليوئيل 3؛ وأع 16: 17 على فم "جارية يحضرها روح عرّاف". يعود استعمال هذه العبارة إلى تأثير مز 2 في أع 4. يتمّ الآن للرسل ما قاله المسيح عن الاضطهاد الذي سيصيبهم. إنهم يختبرون ما كتبه بولس لتيموتاوس: "فجميع الذين يريدون أن يحيوا حياة التقوى في المسيح يُضطهدون" (2 تم 3: 12).

أ- نص الرواية
نستطيع أن نجد ثلاثة أقسام في هذه الرواية التي تلخِّص موضوع الخلاف بين اليهود وبين "المؤمنين" (4: 4 و17 و21).
1- الاعتقال (آ 1- 4): توقيف بطرس ويوحنا لأن عدد المؤمنين في ازدياد.
2- الحكم (آ 5- 20):
أ- الاستجواب (آ 5- 7): "بأي اسم فعلتما ذلك"؟
ب- جواب بطرس "وقد امتلأ من الروح القدس" (آ 8- 12): "باسم يسوع المسيح الناصريّ".
ج- المشاورة (آ 13- 17): "فلنهدّدهما بألاّ يعودا إلى الكلام على هذا الاسم".
د- القرار (آ 18): "نهوهما نهيًا قاطعًا أن يذكرا اسم يسوع أو يعلّما به".
هـ- جواب الرسولين (آ 19- 20): "لا نستطيع السكوت عن ذكر ما رأينا وما سمعنا".
3- إطلاق السراح بعد أن "هدّدوها ثانيةً" (آ 21- 23).

ب- الصلاة
تتألف هذه الصلاة من مراحل ثلاث: مقدمة، تلاوة مز 2، قراءة مسيحية للمزمور.
أولاً: مقدمة
وهي نفسها مؤلفة من ابتهال، ومن آية مزمورية، ومن عبارات طقسية.
* ابتهال
توجّه الجماعة الصلاة إلى الله وتلقّبه باسم "السيد". لا يدلّ هذا السيد على شخص "يعلّم" تلاميذه، ولكن على شخص له حق الملكية ومسؤول عن عبيد يخدمونه. يبتهل المؤمنون إلى الاله الذي هو سيد "داود العبد" (آ 25ب)، وسيد "العبد القدوس يسوع" (آ 27 و30). ويعترفون به لاحقًا "ربًا" (آ 29)، ويصبحون هم أيضًا "عبيده" أو "خدّامه" (آ 29). تدلّ صورتا "العبد" و"الخادم" على أشخاص مرتبطين بسيد يقودهم وبملك يأتمرون بأوامره.
هذه هي المرة الوحيدة التي يستعمل فيها لوقا عبارة "السيد" في سفر الاعمال. بينما يلقي نصان آخران من العهد الجديد ضوءًا جديدًا على فهم معنى هذا الابتهال. نعرف أن الشيخ سمعان يهودي نقي وبار ينتظر تعزية اسرائيل. ففي بدء النشيد الذي يرفعه سمعان إلى الله، يسمّي نفسه عبدًا لله (لو 2: 29). لقد بقي مدة انتظاره في خدمة "سيده". غير أنه يطلب "الآن" إلى سيده حرية الراحة بعد أن أتمّ عمله: "الآن تطلق...".
عندما رأى يوحنا في سفر الرؤيا (6: 10) الحمل يفضّ الختم الخامس، سمع "نفوس الذين ذُبحوا في سبيل كلمة الله" يطلبون من "السيد القدوس الحق" العدل والانصاف. لا نجد هنا ذكر عبيد السيد، ولكن على مثال سفر الاعمال حين تكون الكنيسة في اضطهاد بسبب الكلمة، تعود إلى إلهها وتتضرع إلى سيدها، إلى الذي يملكها وبالتالي إلى الذي له الحق عليها. إنه الشخص الوحيد الذي يستطيع أن يهبها الحرية. فالابتهال الذي ترفعه الكنيسة إلى الله، حين "أطلق" مجلسُ اليهود (4: 21 و23) الرسل الصوقوفين، يذكرنا بنشيد سمعان الذي "سيطلقه" السيد، ويوحي بفكرة صلاة الشهداء الذين سينُصفهم الله في يوم الدينونة. تتوجّه جماعة العبيد المضطهدين لأجل أمانتهم إلى الله الذي يعود إليه كل شيء، إلى الذي يستطيع أن "يطلق" ويسمح بالعمل أو بالراحة: إنه سيد التاريخ، سيد البارحة واليوم والغد!
* آية مزمورية
"أنتَ صنعت السماء والأرض والبحر، وكل شيء فيها". يعود موضوع الله الخالق تكرارًا في سفر المزامير (راجع على سبيل المثال مز 89: 12). إنه من الهام جدًا أن نلحظ أن الجماعة الموجودة في هذا الوضع اختارت مقدمةً لصلاتها الليتورجية آية من مزمور 146 الذي بدأ بالآية "سبحي يا نفسي الرب". يُعدّ هذا المزمور من مزامير "الهلّل"، والتسابيح التي تتغنى بإيمان الشعب بالإله الاوحد الأزلي والقدير والخالق. يجعل المزمور تعارضًا بين عبارتين "الاتكال على العظماء" و"وضع الرجاء في الرب". كما يتعارض زوال "أبناء التراب" غير القادرين على الخلاص، مع عظمة الله الملك خالق كل شيء الذي "يُجري الحكم للمظلومين ويحلّ قيود الأسرى" (مز 146: 6). فالذي يربط هاتين الفكرتين، ويجعلهما مقدمة لصلاته، يعلم جيدًا معنى المزمور بكامله. يدلّ ذلك على أن الجماعة التي تبتدئ صلاتها بهذا الهتاف "أنت صنعت السماء والأرض والبحر وكل شيء فيها"، تعترف أن هذا الاله هو خالق كل شيء وإليه يعود كل شيء، وهو أيضًا الذي شفى مقعد الباب الحسن، وهو الذي دعم عزيمة بطرس ويوحنا في الاجابة على أسئلة المجلس، وهو الذي نجّاهما أيضًا. تركز الصلاة بالتالي على أن الايمان بالرب أجدر من الثقة بالعظماء. يعني ذلك على أنه من الأفضل أن يعمل الرسولان عكس ما أمرهما مجلس اليهود. نجد لاحقًا في أعمال الرسل أنّ برنابا وبولس استعملا آية المزمور نفسها عندما تحمّس لهما شعب لسترة بعد شفاء "رجل كسيح مقعد من بطن أمه، لم يمش قط" (14: 8). لقد شدّد الرسولان في لسترة على أن المجد والشفاء يعودان "إلى الله الحي الذي صنع السماء والأرض والبحر وكل شيء فيها" (14: 15).
* عبارة طقسية
"أنت قلتَ بوحي الروح القدس على لسان أبينا داود عبدك". نجد هذه العبارة مرتين في سفر الأعمال مدخلاً إلى نص نبوي مأخوذ إمّا من داود (أع 1: 16 مع نصوص مز 69: 26: 109: 8) وإمّا من أشعيا (أع 28: 25 مع نص أش 6: 9- 10). تعترف الجماعة بالتالي بأن "الروح" هو مؤلف الكتاب المقدس، وهكذا تعود إلى كلام الله لتفهم على ضوء الايمان، معنى تاريخها. تستند الجماعة إلى مشيئة الله التي تتجلى بصوت الروح القدس. إنها لا تؤلّف بادئ ذي بدء صلاتها، لأنها تعلم جيدًا أن الروح وحده قادرُ أن يُصلي من خلالها. تعي الجماعة إذن أنّ ما تردّده، هو ما قاله الله بوحي الروح والأنبياء. يستعمل الكاهن في الليتورجيا اللاتينية الافخارستية، صيغةً مماثلة عندما يدعو الشعب إلى تلاوة صلاة الكنيسة الاصلية، الصلاة الربية.
يؤلف معًا الابتهال وآية مز 146 والعبارة الطقسية نوعًا من مقدمة افتتاحية، أو أنديوفنة تدلّ على سلوك الجماعة المصلية الديني. فالموازة الادبية التي نجدها بين "أنتَ صنعتَ..." و"أنتَ قلتَ..." ليست نتيجة للبحتَ عن توازن، بل هي تشير إلى أهميّة الصلة الوثيقة بين عمل الله وكلامه. فالسيد المالك كل شيء، والاله الخالق، هو الله نفسه الذي يتكلم، لا يستطيع أحد أن يفصل بين عمله وكلامه. تدعو جماعة "الخدّام المؤمنين" السيد الذي يعمل بكلامه. ذلك السيد الذي يظهر بكلامه الفعّال وأعماله التي تُظهر سيادته.
ثانيًا: تلاوة المزمور الثاني
يؤلف هذا المزمور نواة الصلاة. نعرف أن المسيحيين الاوائل كانوا يصلون المزامير، ولكننا لا نعرف كيف كانوا يصلّونها ليجدوا فيها "وجه" المسيح. نتساءل هنا: هل "رتّل" الرسل الملتفّون حول بطرس ويوحنا المزمور أو"تلوه"؟ هل أخذوا المزمور بأكمله أو الآيتين اللتين استشهد بهما لوقا فقط! عندما ندرس نص المزمور في الترجمة السبعينية ونقرّبه من آ 27- 31، نجد في النصين موضوع "الخدّام"، مما يدفعنا إلى التفكير بأن الرسل استعملوا المزمور بأكمله في صلاتهم لأنه يتطابق مع وضعهم الحالي. بينما لم يورد لنا لوقا إلاّ بداية المزمور. نربط ذلك بطريقة استعمال آيات المزامير في الانديفونة، أو قطع "هللويا"، أو آية المناولة المعروفة "بالكينونيكون" في الطقس البيزنطي. مهما يكن من الأمر، فإننا نجد صفة مز 2 المميّزة حاضرة في هاتين الآيتين وفي ذهن المجتمعين للصلاة. يذكرنا ذلك أيضًا بما توحيه كلمات "تعظّم نفسي الرب..." في نشيد العذراء مريم، أو "ارحمني يا الله" في مز 51 عندما يريد المؤمن أن يصلي اليوم هذه الصلوات.
يُصنّف مز 2 بين المزامير النبوية والمسيحانية. فهو يصف دراما الملك المسيح، ومعركة الملك ضد الملوك الآخرين وانتصاره عليهم، وكذلك انتصار المسيح ضد العظماء، والابن ضد الامم. ينتهي المزمور بدعوة إلى التوبة (آ 10- 11)، وبتهديدات آ 12أ، وبهتاف فرح وبهجة للذي يثق بالله (آ 12). هذه المعلومات كافية لتدلّ على اختيار هذا المزمور لصلاة الليتورجيا حين تعرّضت الجماعة للخلاف مع المجلس اليهودي.
ثالثًا: قراءة مسيحية للمزمور
هي صلاة حقيقة وواقعية (آ 27- 31). يلي الآيتين المأخوذتين من المزمور مقطع مؤلف بأسلوب ابتهالي وعلى شكل صلاة. ترفع الجماعة صلاتها إلى "الله" وليس إلى "المسيح": "عبدك القدوس"، "يدك"، "مشيئتك"، "أنظر"، "هبْ"، "باسطًا يدك". يساعدنا النص على أن نعتبر مرحلتين في هذه الصلاة المسيحية التي انطلقت من المزمور: تأمل عن "حقيقة" ("حقًا") المزمور، أي المسيح الذي يتكلّم عنه المزمور (آ 27- 28). ابتهال عن واقعيّة المزمور (الآن)، أي عن الكنيسة (آ 29- 30).
* حقيقة المزمور: "المسيح"
يبدو لنا هذا النص تفسيرًا للمزمور من خلال الصلاة التي رفعتها الجماعة، وهي تقرّ بأن المسيح هو تتميم حقيقي لنبوءة المزمور. ترتجل الجماعة تأملها مستعملة العبارات الهامة الواردة في المزمور، وتطبّقها على حدث موت يسوع المسيح وقيامته التاريخي. يقول غرولو: "كانت قراءة المزمور المسيحانية شائعة في الكنيسة الرسولية". كما تعترف الجماعة أن الاله الخالق والمعين والممجد في الآية المزموريّة، هو وحده سيد التاريخ في النزاع بين يسوع واليهود، وهو الذي تكلّم بوحي الروح القدس وبفم داود.
- يقول المزمور: "العظماء تحالفوا" (آ 2)، وتستعيد الصلاة عبارة التحالف نفسها (آ 27).
- نجد عبارات المزمور "الأمم" و"الشعوب" نفسها في التأمل. يستعمل المزمور الأشخاص بطريقة عامة، بينما يلبسون وجهًا معروفًا في القراءة المسيحية. تصبح الأمم والشعوب "أمم وشعوب اسرائيل": يُسمّى الملوك والعظماء "هيرودس وبنطيوس بيلاطس": تُدعى الأرض حيث قام الملوك على الرب "هذه المدينة" أي أورشليم؛ يأخذ مسيح الرب علامات "العبد القدوس يسوع".
* واقعيّة المزمور: "الكنيسة"
بعد أن تأملت الجماعة الليتورجية سر المسيح، وهي الشاهدة له، ورفعت صلاتها إلى الآب "السيد"، تبتهل "الآن"، في الحاضر إلى "الرب". ترد هذه الصيغة التقليدية للصلاة اليهودية كثيرًا في صلوات العهد القديم بعد أن يعدّد المصلي عظائم الله وصفاته. هذا الاله الذي وصفته الجماعة في البدء بإله "الخليقة" أي الخالق، تعود وتدعوه إله "التاريخ". لا يقوم شيء بدون "مشيئته". هذا ما حصل في النص الذي نحن بصدده. بعد أن تأمل المجتمعون أعمال الله من أجل شعبه وأحداث التاريخ، انتقلوا إلى الصلاة (رج 1 مل 8: 25؛ نح 9: 32؛ طو 3: 3؛ 2 أخ 6: 17؛ 2 مك 14: 36؛ 15: 23؛ أش 37: 20...). لقد أبقت هذه الصلاة المسيحية الاولى هذا العنصر المميّز للصلاة اليهودية.
تشبه بُنية الصلاة التي نحن بصددها صلاةَ الملك حزقيّا: "يا رب القوات... أنت صنعت السماوات والأرض... حقًا، يا رب، إن ملوك... والآن، أيها الرب الهنا، خلّصنا..." (أش 37: 15- 20). يقول هينشين: "يعترف الجميع بأن نصّ أش 37: 16- 20 اليوناني يقدّم لنا تشابهًا جزئيًا مع هذه الصلاة". نجد في مز 2: 1 عبارة مماثلة لهذا الابتهال: "أيها الملوك الآن تعقّلوا..". لا يعني ذلك أن المزمور قد أثّر على نص سفر الاعمال، لأن النص الاخير صلاة ابتهالية بينما المزمور مقطع نبوي يتوجّه الله من خلاله إلى أعدائه.
يستعمل الكاتب في هذه الصلاة العبارات الواردة في رواية اعتقال بطرس ويوحنا ويسأل الله أن يمنحه القوة لمجابهة السلطات:
- "أنظر تهديداتهم" تذكرنا بكلمات الرسولين "فلنهدّدهما" (آ 17) و"هدّدوهما ثانية" (آ 21)، وبمؤامرات ملوك الأرض الواردة في مز 2.
- "هب لعبيدك أن يعلنوا كلمتك" تذكر بقرار الحكام: "ألاّ يعودا إلى الكلام" (آ 17) وبردة فعل الرسولين بعد القرار: "لا نستطيع السكوت (أي أن لا نتكلم)" (آ 20).
- "بكل جرأة" تذكر "بجرأة" بطرس ويوحنا في آ 13.
- "الشفاء والآيات والأعاجيب" تذكّر "بالآية" التي أصبحت "مبينة" لسكان أورشليم وعائقًا للمجلس اليهودي (آ 16).
- "باسم عبدك القدوس يسوع" تذكر كلمات المشاورة والقرار الذي أصدره المجلس: "ألا يعودا إلى الكلام على هذا الاسم أمام أحد من الناس... أن يذكرا اسم يسوع أو يعلّما به" (آ 17- 18).
تتوسّل جماعة الرسل إلى الله وتطبّق على نفسها آ 7- 9 من مز 2. نرى من خلال هذا الوضع أنها المنتفعة الوحيدة من هذه النبوءة: "أنت ابني، وأنا اليوم ولدتك". ترتكز جماعة الاثني عشر الصغيرة على الوعد الذي حصل للعبد داود، صورة يسوع المسيح، وتجسّد بالوقت نفسه هذا الوعد:
"سلني فأعطيك الأمم ميراثًا وأقاصي الأرض ملكًا
بعصا من حديد تكسّرهم وكإناء خزّاف تحطّمهم" (مز 2: 8- 9).
تعود هاتان الآيتان إلى المسيح "الغالب" (رؤ 2: 26- 27)، الذي يعمّم تطبيقه على المسيحيين، لأنهم يشاركون في سلطانه الملكي وقد انتصر على الموت وقواه. تصبح هذه الصلاة الليتورجية التي ارتجلها الرسل، مع اعتبار جميع المعطيات التي درسناها من أحداث رواية الرسولين وعبارات المزمور: "تحالف حقًا في هذه المدينة هيرودس وبنطيوس بيلاطس والوثنيون وشعوب اسرائيل على عبدك القدوس يسوع الذي مسحته، فأجروا ما خطّته يدك من ذي قبل وقضت مشيئتك بحدوثه. "فانظر الآن يا رب إلى تهديداتهم، وهب لعبيدك أن يعلنوا كلمتك بجرأة باسطًا يدك ليجري الشفاء والآيات والأعاجيب باسم عبدك القدوس يسوع".
نلحظ أيضًا أهميّة بعض العبارات الواردة في جزئي الصلاة: "يدك، عبدك القدوس يسوع". هذه "اليد" هي التي صنعت كل شيء، "السماء والأرض والبحر"، وهي التي قضت بحدوث كل ما أراده الله (آ 27). تسمو هذه اليد على التاريخ، لأنها ظهرت فوق التاريخ بواسطة المسيح "المضطهد والممجّد" (أع 2: 23؛ 3: 18). تطلب الجماعة إذن من سيدها أن يبسط هذه "اليد" لحمايتها وتقويتها وأن يجدّد في كنيسته المضطهدة الأعاجيب التي صنعها لشعبه خلال زمن الخروج (خر 3: 20؛ مز 136: 12). ستستمر يد الله ظاهرة في سموّها على التاريخ بوساطة كنيسة مضطهدة من أجل اسم يسوع. ومنقذة باسم يسوع، وفيها يعمل الرسل باسم يسوع. أصبح "يسوع العبد القدوس" الذي كان مركز الاضطهاد، الشخص الذي تُبنى الكنيسة باسمه، والذي كان "الحجر الذي رذله البناؤون" أصبح "حجر الزاوية" (رسل 4: 11)، والذي كان موضوع عثرة أصبح ينبوع جرأة. تؤلف هذه النواة في الصلاة "الابتهال" الذي تطلبه الجماعة ليتمّ "باسم يسوع عبدك القدوس". أجل باسمه تُعلن كما تُصنع الآيات المرتبطة بها".
* ميزات هذه الصلاة الليتورجيّة
نعود إلى كاتب مز 2 الذي تغنّى بملك معاصر له قد منحه الله النصر والظفر. قد يكون أيضًا أن اليهود الذين رتّلوا هذا المزمور في الهيكل قد تذكروا حدثًا تاريخيًا خاصًا بهم، واسم ملك ومكان وتاريخ. تغيب هذه المعطيات التاريخية العالمية من المزمور -الصلاة اليهودية- عندما يصبح المزمور "صلاة مسيحية" ويشير بالتالي إلى واقع تاريخي ديني حاصل قبل إنشاء المزمور وبعده: إنه حقيقة وواقعية يسوع المسيح وكنيسته.
تجتمع الجماعة المسيحية للصلاة من جراء هذه الأحداث التي قاستها. إنها تضع الله أمام مسؤولياته، وتعبّر له عن ابتهالاتها مستعملة كلام الله نفسه. تنطلق من الواقع اليومي لتتأمل حدث موت المسيح وقيامته (راجع ما فعله بطرس في أع 4: 10). يسمح لها ما قاسته الجماعة من الصعوبات بأن تتعمق في سر المسيح. كما يساعدها الواقع الحياتي أن تعود إلى الكتاب المقدس لتقارن بين أحداثها وبين حدث يسوع، وهكذا تصبح قادرة على تفسير الكتاب "بالحق".
- لا تتلو الجماعة المزمور تلاوة بسيطة اعتباطية، ولم تخف أن تبتعد عن صيغة صلاته التقليدية اليهودية عندما حوّلت بعض عباراته إلى مسيحية، ولكنها أرادت أن تعطي النص معنى جديدًا يغذّي تقواها اليهودية. لم يكن عملها عمل ترجمة وتغيير لتجبر النص على الكلام عن المسيح. لقد تأملت الكنيسة المضطهدة الاضطهاد الذي قاساه يسوع لتدرك واقعها، واستندت بسخرية إلى سخافة هذا الاضطهاد لتتصدى للاضطهاد الذي تقاسيه. يُلقي شك الصليب الذي يوصل إلى سر يسوع، مسيح الرب، الضوءَ على الكنيسة التي ترى نفسها مضطهدة ومصلوبة، مع العلم بأنها خادمة الرب. إنها تقرأ سر الله في حدث اضطهادها، مثل ما حدث في الثورة ضد يسوع. ومثل ما أوحاه مز 2. وبالتالي تستطيع الكنيسة التأكيد بأن وحي سرّ الله ذاته يكتمل فيها. الآن نبوءة مز 2 قد تحقّقت في سرّ تواضع يسوع ورفعه (أي الاضطهاد والمسحة). أجل، يظهر سر الله الموحى في يسوع أيضًا في كنيسته.
- ترفع الجماعة صلاة ابتهالية خاصة. تعرف الجماعة أن سرّ الله الكائن في يسوع مستمرّ في الظهور فيها لأنها وجه المسيح الحالي. فهي تطلب إذن بأن يتدخّل الله من أجلها، وهي جماعة الخدّام، كما فعل الله من أجل ابنه، العبد القدوس (لنفكّر بالعبارتين اليونانيتين). يظهر لنا جليًا أن الجماعة تستعمل في صلاتها كلمات المزمور نفسها التي أنبأت بحدث اضطهاد يسوع. لأنها (الكلمات) تصف الاضطهاد الذي حلّ بالجماعة. ثم تضعها في صيغة لغوية واقعية قريبة من الاحداث المأسوية. لا تكترث أبدًا للصيغة الادبية في صلاتها! لقد أرغمها التشابه في الاوضاع أن ترفع صلاتها إلى الله بالعبارات التي تشهد بالفهم الذي أعطاه الروح القدس إياها لتدرك سر الله في المسيح وسر الله فيها.
إن هذا الفهم الذي اقتبسته الكنيسة من الروح، قد جعلها تتصرّف هذا التصرّف في صلاتها، أي أن تتشبّه بسلوك المسيح نفسه في صلاته. لا تطلب أن ينتهي الاضطهاد، بل بالاحرى أن توطّد ثقتها من خلال العجائب وأن تظهر شهادة قدرة يد الله في هذا الاضطهاد، كما كانت آلام يسوع شاهدة لقدرة الذي أوقف من قبلُ كل شيء بيده ومشيئته. أصبحت أحاسيس الاغتياظ والعجب والسخرية والخوف التي تكلم عنها مز 2 شعور أعضاء المجلس اليهودي (أع 4: 2، 13، 14ب، 15، 19، 21؛ 5: 17- 26، 33، 40- 42)، بينما تحولت "الجرأة" (4: 31) وهي ثمرة هذه الصلاة، إلى الذين "يعتصمون بالله" (مز 2: 12).
نستطيع أن نفصّل بنية هذه الصلاة الليتورجية الاولى والشاهدة على العبور من الصلاة اليهودية إلى الصلاة المسيحية على الشكل التالي:
- رواية الواقع
- قراءة بعض الآيات المزمورية
- تأمل مسيحي وصلاة كنسية.
نتساءل هنا: هل تمّ كل شيء حسب الوصف الذي قدّمه لنا لوقا، وهل تمّت هذه الصلاة الجماعية بصوت واحد كما أخبرنا الرسول: "رفعوا (كلهم) أصواتهم إلى الله" (آ 24)؟
لا نجد صعوبة بأن جماعة ليتورجية كثيرة العدد، بإشارة أحد أعضائها والمسؤول عن الصلاة فيها، تستطيع أن تتلو (أو ترتل) انديفونة ثم مزمورًا. غير أنه أكثر صعوبة أن نفكّر بأن الجماعة نفسها، حتى لو كانت مؤلّفة من الاثني عشر فقط، أن تتابع بقلب واحد وصوت واحد ارتجال الابتهال الذي يلي قراءة المزمور. قد نستسيغ فكرة هذا الارتجال إلى عضو من هذه الجماعة، "قد يكون بطرس" حسب رأي مونو. غير أن لوقا لا يذكر شيئًا من هذا القبيل كما فعل قبل ذلك. لكننا نلحظ أن الذي ارتجل هذه الصلاة استطاع أن يجعل جميع المصلّين يشعرون معه بأن هذه الصلاة كانت حقيقة ابتهال كل واحد منهم وصلاتهم معًا (رج آ 31: "وبعد أن صلّوا" في صيغة الجمع). يقول الأب دوبون في هذا الصدد عندما يشرح معنى الكلمة اليونانية التي تدلّ على "الاجماع": "إنهم مجتمعون معًا ليس فقط في المكان الذي يجمعهم، ولكن أيضًا بسبب اتحاد قلوبهم". كذلك تعود هذه العبارة في "أع 1: 14؛ 2: 46؛ 4: 24؛ 5: 12؛ 15: 25) ويفسّرها الأب دوبون "الكّل معًا، وباتحاد العواطف".
لا يقدّم الذي يفسّر الكتاب المقدس في الجماعة هذا التفسير باسمه الخاص، ولكن باسم الكنيسة. وبالتالي، تقرأ الكنيسة بواسطته الفصل الشريف لتجد فيه حقيقة سر المسيح وواقعيته. كذلك، إن الذي يبتهل يصلي باسم الجميع، ويصبح صوته صوت الجماعة كلها. نجد في هذه الطريقة عمل الروح القدس نفسه داخل الكنيسة حيث يعلّم الروح كل شيء للذين يقرأون الكتاب المقدس ويتأملون في لغة الله من خلال الواقع. يرفع الرسل صلاتهم إلى الله الآب، غير أنهم لا يضعون جانبًا دور يسوع عبده القدوس المركزي في تتميم مشيئة الآب. هذه هي الصلاة المرفوعة إلى الله "باسم يسوع"، الصلاة الأكيدة المقبولة من الله!
* الخاتمة (آ 31)
لا تؤلف آ 31 جزءًا من الصلاة، بل إنها بصورتها الإخبارية تشكّل خاتمة للمقطع بأكمله. تطلعنا هذه الخاتمة كيف أن الصلاة قد أستجيبت وكيف أن العمل الليتورجي كان موجّها، حسب نية المصلّين، إلى العمل الرسولي في خدمة الكلمة. تُعطينا هذه الآية بطريقة تلخيصية المواضيع الواردة في مقدمة الصلاة وموضوع الابتهال الرئيسي.
تدعو الانديفونة الله الخالق، وسيد السماء والأرض. تلمّح آ 31 إلى ظهور إلهي حيث يدلّ "الزلزال" على سيادة الله على الأرض وعلى وجوده وحضوره بين شعبه مثل الحاكم والمحرّر. موضوع هام في كتاب المزامير. يرتبط الزلزال في كثير من الاحيان بموضع حكم الله وتحريره لشعبه (رج مز 82: 5؛ 96: 9- 11) في الإطار الذي يذكّرنا بالخروج (مز 18: 8؛ 77: 19؛ 114: 7). سنجد ظهورًا إلهيًا مماثلاً مع زلزال وتحرير السجناء في أع 16: 26. يجيب الله حلاً بآية "الزلزال" إلى ابتهال الجماعة: "(أبسط) يدك ليجرى الشفاء والآيات والأعاجيب..." (آ 30).
تعترف الصيغة الطقسية التي تسبق آيات مز 2 أن "الروح القدس هو مؤلف النبوءة التي تتكلم عن الاضطهاد الباطل وبدون جدوى ضد المسيح. لقد تكلم هذا الروح بفم داود. وتذكر آ 31 كيف أن هذا الروح نفسه دفع الرسل الذين تقبّلوه في العنصرة إلى إعلان كلمة الله "بجرأة". ويجيب الله بفيض الروح إلى ابتهال الجماعة: "هب لعبيدك أن يعلنوا كلمتك بكل جرأة" (آ 29): هذا الروح هو الذي يمنح الجرأة في خدمة الكلمة.
يجيب الله إذًا وبالوقت نفسه من خلال "الزلزال" ومن خلال خدمة الرسل المليئة "بالجرأة".
تعود الإشارة إلى الله الخالق وسيد العالم في آ 24ب، 31أ، كما يعود ذكر الروح القدس (آ 25أ و31ب) الذي تكلم بفم داود وسيتكلّم بفم الرسل (آ 25أ و31ج). نجد هذين الموضوعين في بداية الصلاة وفي آية الختام ويؤلفان معًا، احتواء مضاعفًا. لا يعني ذلك أنها عودة على بدء، لأننا نجد من خلال جواب الله عبورًا من الصلاة إلى العمل. "تعبر" الجماعة من الصلاة في الروح، التي كانت تأمّلاً في كلمة الله وعمله التاريخي في المسيح، إلى العمل الذي يمثل ثمرة هذا الروح، والثقة بسيادة الله على التاريخ وإعلان كلمة الله. نقول مع أوربان فون فالده: "نلحظ أخيرًا أن تصميم الصلاة "ثالوثي". نجد فيه أن الصلاة مرفوعة إلى الآب، وأن الروح القدس حاضر في القوّة المحيية، وأن يسوع ظاهر في عبد الله القدوس... الذي باسمه يرفع الرسل صلاتهم ويكرزون".

خاتمة
قد لا نجد في سفر الاعمال مثالاً آخر لصلاة ليتورجية موسّعة على هذا النحو. لا يعني ذلك أن الكنيسة الاولى لم تستعمل مثل هذا النوع من الصلاة الجماعية، لأنه واضح، حسب قول مونو، "أنّ كتاب الاعمال لا يستطيع أن يقول كل شيء. كما أنه لا يروي إلاّ بعض المشاهد من حياة الكنيسة الجديدة المنشأ". يدفعنا ذلك إلى التفكير بأن اجتماعات الصلاة التي نجدها في الاعمال (أع 5: 42؛ 6: 6؛ 12: 12...) كانت مؤلفة على النمط نفسه. تغدو هذه الصلاة الليتورجية مجموعة مؤلفة من عناصر هامة مثل إرسال الروح القدس، الجرأة المتأتية منه، ظهور الآيات والعجائب، التبشير بالكلمة، وتصبح بالتالي "نموذجًا" لانتشار رسالة يسوع في سائر أجزاء أعمال الرسل. يزيد بييو غرولو: "نجد بكل تأكيد في هذا النص اليوناني تصميمًا عامًا للصلاة. يفترض شكلها الحالي تأليفًا دقيقًا أعطاه لها لوقا نفسه بعد الحادثة... ليست (الصلاة) بالتالي خطبة... بل إنها في وضعها الحالي صلاة ابتهالية مُدرجة في رواية واسعة".

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM