الفصل السابع عشر: حياة المعمد بين الإيمان والشريعة

الفصل السابع عشر
حياة المعمد بين الإيمان والشريعة

إستبعد بولس الأعمال من أجل التبرير الأول، في الرسالة إلى رومة، ولكنه ما زال يوجّه إلى المسيحيين تحريضات خلقية. فانجيل المسيح لا يمكن أن يكون تعليماً عقائدياً لا يصل بنا إلى الحياة الأخلاقية. لهذا طرحت ثلاث مسائل: مسألة تمييز الضمير والإيمان بالنسبة لإرداة الله. مسألة إرتباط المتطلبات الأخلاقية بالزمن المسيحي ووضع المعمّد الجديد. مسألة العلاقات بين الشريعة القديمة والخلقيّة المسيحية.
توقّفنا في فصل سابق عند التمييز الخلقي. وها نحن نعالج في هذا الفصل ثلاثة أمور، الزمن المسيحي، حياة المعمّد، الشريعة والإيمان.

1- الزمن المسيحي
إختلفت لفظة "كايروس" عن لفظة "كرونوس" (تدلّ فقط على تعاقب الساعات والأيام والسنين) فعبرّت عن نوعيّة الزمن. وهي تنطبق في العهد الجديد على المحطات الكبيرة في تاريخ البشرية الديني. وتنطبق بشكل خاصّ على زمن الخلاص الحاسم الذي طبعته رحمة الله بطابعها، زمن مجيء المسيح على الأرض (مر 1: 15؛ لو 12: 56؛ 19: 44؛ مت 16: 3؛ كور 6: 2). حسب روم 5: 6 إن "كايروس" المسيحي هو الزمن الذي حدّده الله لموت المسيح التكفيري. وفي روم 3: 26: "كايروس الآن" يعارض الزمن الذي فيه لم يكن بعد تحقّق فداء البشرية. وهو زمن "صبر الله". وتقول لنا روم 8: 18 إن "كايروس الآن" هو الزمن الذي فيه ينشر الروح القدس عمله في النفوس، مع ما يرافق ذلك من آلام. إذن، ليس بعدُ زمان الخلاص الذي تحقّق كلياً. هذا ما تقوله لنا روم 11: 5 حين تقف في زاوية أخرى: كفرُ مجمل اسرائيل الذي يميّز الزمن (كايروس) المسيحي هو عابر. فكما في أيام ايليا، هناك بقيّة. هناك مجموعة من اليهود المرتدّين إلى الإنجيل، عربون البناء الروحي المقبل لكل إسرائيل.
ورغم عدم التمام الحاضر، يعيش المسيحيون في زمن غنى فائق الطبيعة لم يُسمع به. ولكن هذا الزمن الخارق، زمن النعمة والرحمة الإلهية، هو أيضاً زمن الله، النداء الملحّ والموجّه إلى البشر لكي يتعرّفوا إلى علامات الأزمنة ويقولوا "نعم" بنوياً وسخياً لله الآتي إليهم. هذا هو الإطار العام، الذي فيه نحدّد موقع الأخلاقية المسيحية لكي ندرك ديناميتها. فبعد أن حدّثنا الرسول بحرارة عن المحبّة الأخوية في 13: 8، 10، ربط إرشاده بالنظرة إلى الزمن (كايروس) المسيحي. "هذا، وإنكم تعرفون في أي زمان نحن. لقد حانت ساعة استيقاظكم من النوم. لأن الخلاص أقرب إلينا الآن مما كان حين آمنا" (13: 11).
كان التباس بين مختصرين (الزمن، السيّد)، فقدم 12: 11 (في اليونانية) اختلافة لها معناها إذا كانت صحيحة: لقد نصح الرسول المؤمنين لا بأن يجعلوا نفوسهم في خدمة الرب (كيريوس) كما يقول النصّ العادي. بل بأن يجعلوها في خدمة الزمن. (كايروس). يشهد على هذه الاختلافة النصّ الغربي، اللاتينيّة العتيقة، قبريان. إذن، اسنادها ضعيف. ومع ذلك، هي القراءة الأصعب. لهذا أهملها آباء الكنيسة، لأنها بدت غريبة. قال اثناسيوس: "لا نخدم الزمن، بل الرب". وقال مثله ايرونيموس. وفهم الشرّاح خطأ هذه الإختلافة فظلّوا غريبين عن نظرة بولس إلى الزمن ومسيرة التاريخ. وحسبوا أننا أمام نصيحة انتهازية، وهذا ما لم يريدوه لرسول الأمم.
إن البواعث التي عرضها بولس في إرشاده قد دُرست مراراً. فالرسول الذي أقرّ بشريعة طبيعة غير مكتوبة، هي شريعة الضمير (2: 14- 16) عاد بين الفينة والأخرى إلى اعتبارات في النظام الطبيعي كما استلهم الفلسفة الشعبية. هذا ما يدلّ عليه استعمال كلمة "ضمير" (سونيداسيس).
ويشهد على الشيء عينه لوائح الرذائل والفضائل في العهد الجديد، ولاسيّما في الرسائل البولسية. نجد لائحة بالرّذائل موسّعة في روم 1: 24- 31. ولائحة قصيرة بالفضائل في روم 15: 13- 14. رج لوائح الرذائل في 1 كور 6: 9- 10؛ أف 4: 3- 5؛ 5: 22؛ 1 كور 13: 1- 7؛ 2 كور 6: 4- 6؛ 8: 7؛ أف 5: 9. إذا وضعنا جانباً عدداً من الإختلافات التفصيلية، نرى أن الأخلاقيات المسيحية والرواقية تتوجّه توجيهاً مختلفاً. في الرواقية، يؤول كل المجهود والبشري إلى إستقلالية الأنا. أما المسيحية فتطلب من الإنسان تجرداً من ذاته لكي يلبس المسيح. ولكن حين يتذكّر بولس تعداد الرذائل والفضائل المعروفة لدى الوعّاظ الرواقيين في أيامه، فهذا يدلّ على أن هناك أساساً طبيعياً للأخلاقية التي هي في متناول الجميع. إذن، لا يدافع الرسول بإفراط عن عالم الروح دفاعاً يجعله يهمل معطيات الشريعة الطبيعية.

2- حياة المعمّد
ويذكر الرسول من وقت إلى آخر بواعث لاهوتية ترجع إلى العهد القديم. ولكن بواعث الإرشاد البولسي هي في أكثر الأوقات مسيحية، فكان في يد اللاهوتيين ينبوع لا ينضب للتفكّر في التعليم الخلقي بالنظر إلى المسيح ونعمته وعمله الفدائي. هذا لا يعني أن الرسول يعود، شأنه شأن معلّمي الأخلاق المسيحيين، إلى المكافأة الأبدية والعقاب الأبدي. لا شكّ في أن بولس يتشبّه بمعلّمه (يسوع المسيح) فيعود إلى المخافة والرجاء لكي يسند أخلاقية المؤمنين. ولكنه في معظم الحالات يتحدّث عن العقاب دون خلفية تحريض أخلاقي. كما أنه في أكثر من مرّة يقدّم تحريضاته الأخلاقية دون العودة إلى العقاب. لا شكّ في أن الأخلاقية البولسية بعيدة كل البعد عن البحث عن سعادة تحسب الف حساب وحساب.
وتدعونا روم إلى إعادة الإرشاد البولسي إلى باعثين اثنين. في الفصول الثمانية الأولى التي تتعلّق بحياة المسيحي الشخصية، ترتبط التحريضات الأخلاقية خاصة بعلاقات حميمة مع المسيح والروح القدس بواسطة الإيمان وسّر المعمودية. وفي ف 14- 15 اللذين يعنيان حياة المسيحي في الجماعة، ترتبط التحريضات بالكنيسة جسد المسيح: على المسيحي أن يجعل حياته تتناسق مع تدبير عهد النعمة الذي فيه دخل. وهذه هي القاعدة الأساسية في الأخلاقية البولسية. فللحياة المسيحية بعدان: بعد شخصي (ف 1- 8) وبعد جماعي (ف 12- 15). وهذا ما يفتح الطريق أمام سلسلتين من التحريضات. قد نلخّص السلسلة الأولى في عبارة روم 6: 4: "نمشي في جدّة الحياة. والثانية في عبارة 14: 15: "نسلك في المحبة".
إذا وضعنا جانباً الرسائل الرعائية (1 تم، 2 تم، تي)، يستعمل بولس في رسائله فعل "سلك" 31 مرة ليعبرّ عن سلوك الإنسان الأخلاقي. إن استعمال فعل "سلك" عن طريق الإستعارة بمعنى عاش، أمر معروف في اللغة اليونانية. ولكنه يميّز بشكل خاص التوراة حيث يُشرف على وجود الإنسان حضورُ وعمل الله الذي يتدخّل في مسيرتنا الأخلاقية والدينية. فيقال لنا من وقت إلى آخر إن الله يسير مع شعبه المختار (خر 33: 15؛ تث 20: 4). وتطلب الكتب دوماً من الشعب المختار ومن كل اعضاء الجماعة بأن يسلك مع الله، في حضرته، أمام وجهه، في طريقه. إنها عبارات قريبة من تلك التي يستعملها الرسول ليترجم هذه الفكرة: إن موهبة المسيح والروح والقدس، والحياة التي تنتج عنها هي بالنسبة إلى المسيحي ينبوع واجبات أخلاقية ودينية دقيقة جداً وسامية.
أما نتيجة إدخال الحياة المسيحية في المسيح (ف 6، 8) كما يحققها الروح القدس في المعمودية، فهي ان نصير شيئاً فشيئاً ما صرناه أساساً في المعمودية. ويستعمل الرسول مراراً الألفاظ عينها أو الألفاظ المتقاربة ليقول لنا تارة ما صار إليه الإنسان بواسطة عماده، وطوراً ما عليه أن يصير إليه بفضل مجهود يتجدّد باستمرار. فالإنسان العتيق فينا قد صُلب مع المسيح (6: 6). ولكن علينا من جهتنا أن "نلبس الربّ يسوع المسيح" (13: 14) فنتخلّى عن الإنسان العتيق ونلبس الجديد (كو 3: 9- 10؛ أف 4: 22- 24). فالروح هو حياتنا (غل 5: 25 أ)، ولكن علينا أيضاً أن نتركه يقودنا ويوجّهنا (روم 8: 5 ي؛ غل 5: 16 ي).
وهكذا نستطيع أن نجمل الأخلاقية التي تنتج من تعاليم روم العقائدية. بعد أن تبرّر البشر مجاناً بواسطة إيمانهم بالمسيح، بإيمانهم وعمادهم، صاروا كلهم معاً في المسيح وفي الروح القدس: من جهة الموضوع نُقلوا إلى تدبير الخلاص الذي تمّ بواسطة المسيح الفادي. ومن جهة الذات هم يعيشون بتأثير الروح الإلهي الذي حوّل روحهم. ولكننا ما زلنا هنا في نقطة الإنطلاق. فعلينا أن نحيا يوماً بعد يوم كأبناء حقيقيين لله، أي أن نقتدي بسلوكنا بالمسيح، ابن الله، وأن نسير بهدي الروح القدس لمجد الله الآب.
إن مجمل العهد الجديد، ولا سيّما الرسائل البولسية، ونخصّ منها روم، يفرض علينا أن نمسك بعنصرين لا ينفصلان في الديانة المسيحية هما: الكرازة والتعليم الخلقي. وكما ارتبطت في العهد القديم متطلّبات يهوه الأخلاقية (بدءاً بالوصايا العشر) بالتحرّر من عبودية مصر (رج مقدّمة إلى الوصايا في خر 20: 2؛ تث 5: 2- 6)، كذلك في العهد الجديد. فالواجبات المفروضة على المسيحيين تنبع من إعلان الخلاص بالمسيح، سواء دلّ هذا الخلاص على مجيء الملكوت في شخص يسوع وعمله (الأناجيل الإزائية)، أو على أحداث الخلاص العظمى التي هي هدف وغاية حياته على الأرض: الآلام، القيامة، يعود يسوع إلى السماء، عطية الروح القدس (بولس ويوحنا). لقد دوّنت فرائض الشريعة الأدبية في قلب الإنسان بواسطة خالقه (2: 15). ومثال المسيحي قد دوّن في نظر بولس في كائن المعمّد نفسه. فلا يبقى له إلاّ أن يصبح ما بدأ به يوم عماده بفعل المسيح والروح القدس معاً.
فالأخلاقية البولسية في روم ترتبط بالمسيح من جهتين. اولاً، هي ترتبط بعمل التبرير والتقديس الذي ينتج من الإيمان بالمسيح. ثانياً (وأكثر مما يقال للوهلة الأولى)، الأخلاقية البولسية هي لدى لتعليم المسيح. والأمثلة عديدة في ف 12- 15.
هناك توصية في 12: 14: "باركوا الذين يضطهدونكم، باركوا ولا تلعنوا". وفي 12: 17: "لا تكافئوا أحداً على شّر بشرّ". وفي 12: 2: "لا تنغلب للشرّ، بل اغلب الشّر بالخير". هذه التوصيات الثلاث تعود إلى الدروس الكبرى في العظة على الجبل: حبّ الأعداء، عدم مقاومة الشّر، إستبعاد روح الإنتقام. وبعد هذا نجد التعبير عن واجب الطاعة للسلطة المدنية، وهو ينتهي بهذه التوصية: "أدّوا إذن للجميع حقوقهم: الجزية لمن له الجزية، والجباية لمن له الجباية، والمهابة لمن له المهابة، والكرامة لمن له الكرامة (13: 7). نحن قريبون جداً من كلمة يسوع نفسه "أعطوا ما لقيصر لقيصر. وما لله لله" (مت 22: 21 وز).
وكتب الرسول في 14: 14: "إني عالم ومتيقّن في الرب يسوع، أنه ما من شيء نجس في ذاته. بيد أن من يحسب شيئاً نجساً فله يكون نجساً". إن عبارة "في الرب يسوع" تحتفظ بمعناها العادي في الرسائل البولسية: هي تعبرّ عن اتحاد حياتي مع المسيح. ولكننا لا نستطيع أن نبقى هنا. فهناك تمييز بين الفعل الأول "أعلم" الذي يدلّ على معرفة طبيعية، والفعل الثاني (متيقّن في الرب يسوع) حيث نجد تطبيقاً لتعليم يسوع الذي رفض التمييز بين الأطعمة الطاهرة والأطعمة النجسة (مر 7: 14- 23؛ مت 15: 10- 20). فالفكرة هي هي في الإنجيل وفي روم. ثم إن بولس (روم 14: 14) يستعمل مع مرض (7: 2، 15) كلمة غريبة في اليونانية (كوينوس) تدلّ على ما هو نجس بحسب الشريعة والطقوس (رج 1 مك 1: 47، 62؛ أع 10: 15، 28؛ 11: 9).
في روم 14: 13، طلب بولس منا الأقوياء في جماعة رومة بأن لا يكونوا للضعفاء سبب عثرة (14: 13، 20، 21) أو شكّ (14: 13، 21). ونقرأ التحذير عينه في 1 كور (8: 9؛ 8: 13 مرتين) حيث يعالج الرسول صراعاً مماثلاً بين مسيحيين مستنيرين وآخرين يحسّون بالوساوس التي لا أساس لها في استعمال اللحوم المذبوحة للأصنام. في الحالتين (في روم وفي 1 كور) يستلهم بولس الوصية القاسية التي تفوّه بها المسيح تجاه الشكوك (مت 18: 5- 9؛ مر 9: 42- 47؛ لو 17: 1- 2).
في الإنجيل الأول، وحالاً بعد التحذير من الشكوك، يقدّم يسوع هذه التوصية: "إحذروا من أن تحتقروا واحداً من هؤلاء الصغار" (مت 18: 10). ورسول الأمم، حين يطلب من مسيحيّي رومة الأقوياء أن لا يشكّكوا الضعفاء، يقدّم بشكل سؤال كلام يسوع هذا. "لماذا تحتقر أخاك" (روم 14: 10)؟ ونجد في الآية عينها سؤالاً آخر: "لماذا تدين أخاك"؟ نحن هنا أمام انعكاس لتعاليم المسيح. نقرأ في مت 7: 1- 2: "لا تدينوا (أحداً) لئلا تُدانوا (لئلا يدينكم الرب). فبالدينونة التي تدينون بها تُدانون، وبالكيل الذي تكيلون به يُكال لكم" (رج لو 6: 37).
إختلفت الرسائل البولسية عن الأناجيل الإزائية فلم تتكلّم إلا قليلاً عن ملكوت الله. كان تكلّمت فمتأثّرة بالأناجيل. ففي تحديد ملكوت الله نقرأ في روم 14: 17: "ليس ملكوت الله أكلاً وشرباً، بل برّ وسلام وفرح في الروح القدس". نجد هنا صدى للتطويبات كما نقرأها في مت 5: 3- 12.

3- الشريعة القديمة والأخلاقية المسيحية
إن الوجهة التي دافعت عنها غل وروم حول العلاقات بين الأخلاقية المسيحية والشريعة القديمة قد تتحجّر إذا عزلنا بعض المقاطع، ولا سيما تلك التي هي ردّ على اعتدادات المتهوّدين (المسيحيين المتعلّقين بالشرائع اليهودية). إن لغة بولس تصدم المتعلّقين بالشريعة والقريبين من طريقة العهد القديم في حبّ الشريعة. هنا نقرأ ثلاثة أقوال تتلاقى وتتكامل. في 3: 31 قيل لنا ان نظام الإيمان في يسوع المسيح يثبت الشريعة. ولكن هذا لا يمنع بولس من أن يعلن فيما بعد عن إلغاء الشريعة. وفي 10: 4 يؤكّد أن المسيح هو غاية الشريعة (يجب أن توصلنا إليه). وفي 13: 10: المحبة المسيحية هي تمام الشريعة. كيف نفهم هذه الأقوال؟

أ- الشريعة والإيمان
نقرأ 3: 31 وتثبيت الشريعة بنظام الإيمان بالمسيح. ثم 7: 1- 6 وموضوع إلغاء الشريعة.
أولاً: تثبيت الشريعة
في 3: 31، طرح بولس السؤال: "أفنبطل (أفنلغي) الناموس بالإيمان؟ حاشا بل نثبّت الناموس". ما معنى كلمة "ناموس" (أو: شريعة) في هذا الموضع؟ نظام شريعة من الأنظمة، أو مجمل العهد القديم، أو الأسفار الخمسة ككلّ (بنتاتوكس).
* إن الشريعة لا تنفصل عن تاريخ الخلاص. لهذا نفهم أن تمتدّ في نظر اليهود والعهد الجديد على الأسفار الخمسة، وإن تضمّنت هذه الأسفار الأخبار الكثيرة.
* وارتبطت الشريعة بوحي الله الخاص عن نفسه: إنه الإله الواحد. هذا ما يدلّ عليه قول متواتر (أنا هو الرب) يرافق الإعلان عن الشرائع (لا 18: 1 ي). وهكذا تكون لفظة "يجب" (أن تعمل) امتداداً للفظة: "أنا هو" (يهوه). فأخلاقية العهد القديم هي في جوهرها أخلاقية جواب على نداء الله بنعم أو لا. والجواب بلا يعني الموت والإنتحار. وهي أيضاً أخلاقية حوار تتضمّن تبادلاً على مستوى التصرّف: معرفة، حبّ، صدق، أمانة.
* والطاعة للشريعة هي جواب الإنسان إلى الله الذي بدأ فأحبّ شعبه، كما تقول بداية الوصايا العشر: "أنا الرب إلهك الذي أخرجك من أرض مصر، من أرض العبودية" (خر 20: 2؛ تث 5: 6). فكيف ينحصر جواب الإنسان هذا بفرائض قانونية مدوّنة في نصوص؟ إنه يمتدّ ويتوسّع إلى ما لا حدود له، لأن الحبّ هو ينبوع الأمانة، والأمانة هي البرهان على أن الحبّ صادق هو (رج سفر التثنية).
* إرتبطت الشريعة بالعهد الذي هو فعل رحمة من قِبَل الله، فبدت في الأصل عطية لا تنفصل عن نعمة العهد، وبالتالي عن العون الإلهي الضروري لممارستها. والتعارض بين الشريعة والنعمة لا يظهر أبداً في الشعب القديم، لأن الشريعة نعمة.
كل ما قلناه يساعدنا على فهم الطريقة غير المتوقعة التي بها تكلّم بولس عن الشريعة القديمة في 3: 31، مع أنه فيما بعد يبدو وكأنه يحطّ من قدرها. فاليهود وكتّاب العهد الجديد يطبقون كلمة "ناموس" على البنتاتوكس كله (يو 1: 45؛ أع 6: 13- 14). في روم 3: 31 وحتى في 3: 19، يدلّ الرسول بكلمة "ناموس" على العهد القديم في مجمله (في 3: 19 تأتي لفظة "ناموس" بعد عدد من الإيرادات مأخوذة من المزامير والأنبياء لا من أسفار موسى الخمسة، 3: 10- 18). إن هذا التوسّع في استعمال لفظة "ناموس" يجد جذوره في العهد القديم. ففي مز 119 تدلّ الشريعة على كل الوحي الإلهي الذي هو قاعدة حياة. تدلّ على كل الكتاب المقدّس.
من الواضح أن الشريعة القديمة نفهمها على هذا الشكل، لا يمكنها أن تهلك، أن تزول. لهذا يعلن الرسول أنه لا يبطل الشريعة أي مجمل التعليم الذي أعطاه الله حتى ذلك الوقت، بل يريد أن يعطيها معناها الحقيقي بحيث لا تعارض نظام النعمة، بل تشهد له. وهذا ما يبيّنه بولس فيما بعد (روم 6) حين يدرس مسيرة إبراهيم.
ثانياً: إلغاء الشريعة
بعد أن تكلّم بولس عن الشريعة بهذا الشكل (3: 31) يعود فيسميها "شريعة الخطيئة والموت" (8: 2)، مع العلم أنه أوضح أن الشريعة الموسوية هي سبب عارض للخطيئة. لن نفهم النصّ انطلاقاً من روم 5: 20 (تدخّل الناموس حتى تكثر الزلة) التي ترتبط باعتبار ميتافيزيقي حول مخطّط الله. ولكن الرسول (كما سبق وقلنا) يميِّز بعناية مستوى مخطّط الله عن مستوى النشاط البشري الحرّ.
ففي "شريعة الموت والخطيئة" (8: 2) وعبارة "شريعة الخطيئة" (7: 23)، تبدو لفظة شريعة (أو: ناموس) كاستعارة وتعبير إنشائي. كان بولس قد أعلن أن الشريعة "مقدسة" و"روحية (7: 12، 14). فكيف يسمّيها الآن "شريعة الخطيئة"؟ وسيذكر فيما بعد في 9: 4 بافتخار التشريع الذي أعطاه الله لشعبه. شريعة الخطيئة هي سيادة الخطيئة، نظام الخطيئة. نحن أمام طريقة عنيفة في التشديد على السلطان الذي تمارسه علينا الخطيئة فتحاول أن تقتدي هزءاً بالسلطة التي تعود في الحقيقة إلى شريعة الله المقدّسة. تحدّث توما الاكويني عن شريعة الخطيئة على أنها الشهوة التي تميل بنا إلى الشرّ. ولكن هل يتحرّر المسيحي من هذه الشهوة؟ بل أما نكون أمام تحرّر جزئي وتدريجي؟
ما لا شك فيه هو أن بولس يعلن في 7: 1- 6 أن المسيحي قد تحرّر من الشريعة بواسطة الصليب. هو لم يتحرّر من الكتاب المقدّس كله، بل من الشريعة الموسوية وحدها. هو لا يميّز بين ممارسات بطُلت وعفّى عليها الزمن، وأخرى لم تتبذل مثل معظم الوصايا العشر التي هي تعبير عن الشريعة الطبيعية. كان قد قال في غل 2: 19: "بالناموس الذي حكم على المسيح كمجدّف (مر 14: 64 وز؛ يو 19: 7) متُّ عن الناموس (مع المسيح) لكي أحيا لله". كيف نفهم هذا التعليم البولسي؟
إذا أردنا أن ندرك بعده، نربط روم 7: 1- 6 بأقوال إرميا (31: 31- 34) وحزقيال (36: 26- 28) حول الميثاق الجديد. عارض إرميا (نبيّ عناتوت) بين شريعة سيناء المكتوبة على ألواح من حجر وشريعة الميثاق الجديد التي دوّنها الله في القلوب. ما يعنيه إرميا هو جعل الشريعة في داخل القلوب (إدخالها إلى القلوب) لا إحلال شريعة مكانها. مثل هذه النظرة هي غريبة من النظرة المسيحانية إلى العهد القديم والعالم اليهودي. فإرميا (شأنه شأن سائر الأنبياء) يهتم بشكل حصري أو شبه حصري، بالفرائض الأخلاقية في الشريعة الموسوية، يهتمّ بالوصايا العشر بما فيها من قدم، بما فيها من بعد عن غنى الكرازة النبوية. ومن اللافت هو أنه رغم تنوّع التعاليم واختلاف الحالات، ظلّ الأنبياء يذكّرون الشعب بالوصايا وتطبيقها في حياتهم. وجاء تعليم حزقيال امتداداً وتكملة لتعليم إرميا فبيّن ان جعل الشريعة في داخل القلوب يرتبط بعطية روح الرب. وهكذا نفهم عبارة روم 7: 6: "نخدم في جدّة الروح، لا في عتق الحرف".
ولكن كيف توصّل بولس (على خطى إرميا) أن يجعل التعارض واضحاً بين الشريعة الموسوية ونعمة الميثاق الجديد؟ نذكر أن النظرة القديمة رأت في الشريعة الموسوية عطية إلهية ترتبط بنعمة العهد (أو: الميثاق). ولكن امتلاك الشريعة عرّض بني إسرائيل لعدد من المخاطر. ونحن نكتشف إثنين حين نفصل الشريعة عن إطار الميثاق. حينئذ لا تعود جواب حبّ يطلبه الله من الإنسان، وهو الذي أحبّه أولاً وخلّصه من عبودية مصر وما زال يرفده بعونه.
الخطر الأول: تبدو الشريعة كأنها إكراه خارجي، وسلسلة تقيّدنا، وقاعدة مكتوبة فقط على ألواح من حجر، وفرائض لم تعد محبوبة فيتعدّاها الناس دوماً. والخطر الثاني: إنفصلت الشريعة عن الله وجعلت نفسها مطلقاً وغاية في ذاتها. لا وسيلة يستعملها الله لكي يلتقي بالإنسان. هذا ما حصل في الواقع في اليهودية المتأخرة مع اتجاه إلى جعل الشريعة صنماً يُعبد. ومع هذه "العبادة" برزت فكرة تقول إن الشريعة كانت سابقة للخليقة، وقد خضع لها آدم، وأتمها إبراهيم بحذافيرها فكانت ممارسته لها ينبوع حياة وبرّ. وافتخر اليهود على الأمم لأنهم يملكون الشريعة الموسوية (روم 2: 17 ي).
هذه النظرة إلى الشريعة هي ضلال يعيشه المتهوّدون، ولهذا حاربهم بولس بكل قواه باسم المجانية المطلقة لخلاص الله. وإن روم (التي ليست رسالة حرب مثل غل) أعلنت بقوة تعليم الخلاص بالإيمان بيسوع المسيح بمعزل عن ممارسات الشريعة. لقد تأكّد بولس منذ ارتداده أن الإيمان بالمسيح يكفي ليؤمّن الخلاص للذين يعلنون إيمانهم وإن لم ينتموا إلى العالم اليهودي.
يجب أن نفهم أن هذه الأخطار لا تقود إلى الموت. فالميثاق القديم والشريعة الموسوية (إذا فهمناها جيداً) يوجّهان النفوس نحو إله الرحمة ويهيّئانهم لكي يتقبّلوا مخلّص البشر الوحيد.

ب- المسيح "غاية الناموس"
نقرأ في 10: 4: "غاية الناموس هي المسيح لكي يعطي البرّ لكل من يلؤمن". يتطلّع الرسول إلى الشريعة الموسوية (لا الشريعة بشكل عام، وإن غاب ألـ التعريف). وكلمة "غاية" (تالوس)؟ فهم بعض الشرّاح: المسيح يضع حداً للشريعة الموسوية. وآخرون: المسيح هو الغاية التي تسير نحوها الشريعة الموسوية. وفئة ثالثة: توجّهت الشريعة نحو المسيح. فلما جاء بطلت وزالت.
* الفكرة القائلة بأن المسيح هو الغاية التي تتوجّه إليها الشريعة، توافق الإطار السابق بشكل مباشر (10: 1- 3). أقرّ بولس أن لدى اليهود "غيرة من أجل الله". ولكنه يلومهم لأنهم جهلوا برّ الله المجاني واعتبروا أنهم يستطيعون أن يحققوا، بواسطة أعمالهم، براً يكون ملكاً خاصاً بهم. فقادتهم هذه الكبرياء إلى نسيان خطاياهم التي كان دور الشريعة بأن تعرّفهم بها. وقادتهم لكي يخضعوا مقاصد الله العظيمة لأفكارهم البشرية المسبّقة، وأغلقتهم هكذا على نشاط الله الخلاصي والرحيم. وهكذا، حين قدّم المسيح نفسه للعالم كمخلّص للعالم، لم يعترفوا به كالهدف الذي وجب على الشريعة أن توجّههم إليه.
* والفكرة القائلة بأن المسيح يضع حداً للشريعة (أي: ينهي وجودها)، توافق 10: 5- 13 الذي يحلّ براً يولد من الإيمان بالمسيح محلّ برّ يولد من الشريعة. هذا التوسيع هو صعبٌ جداً. فكأن بولس يرى أن البرّ المؤسّس فقط على ممارسة الشريعة، قد أراده الله حقاً قبل مجيء المسيح. فالقاعدة يعبرّ عنها بمساعدة إيراد من لا 18: 5: "الإنسان الذي يتمّ الشريعة يحيا بها". في الواقع، تيقّن الرسول بأن هذا البرّ (من زاوية الكتاب المقدّس) هو سراب لا يتحقّق إذا عزلناه عن النعمة. وما يبيّنه هو إيراد كتابي آخر يأتي بعد إيراد اللاويين ويؤخذ من تث 9: 4؛ 30: 11- 14. وهذا الإستشهاد يُعطى كشهادة من أجل برّ الإيمان. إذن، أعطى الكتاب حكمه من أجل برّ الإيمان.
حين شدّد سفر التثنية على سهولة ممارسة الفرائض الموسوية، دلّ على برّ يرتبط بالشريعة فجاء معاكساً لطرح بولس. ولكن الواقع ليس كذلك. فسفر التثنية يربط الشريعة الموسوية بنعمة العهد (أو الميثاق) وبالله الذي أحبّ شعبه. فالكلمات (10: 6: لا تقل في قلبك) التي تدخلنا إلى لغة برّ الإيمان مأخوذة من مقطعين يعودان إلى تث فيحذّران من الكبرياء ونسيان مبادرة الله المطلقة ورحمته. "لا تقل في قلبك: إن قوتي وقدرة يدي هما أنشأتا لي هذا اليسار" (تث 8: 17). "لا تقل في قلبك: لأجل برّي أدخلني الرب لأرث هذه الأرض". فعبارة "بسبب برّي" تنبىء بانتقادات الرسول لليهود الذين "جهلوا برّ الله وطلبوا برّهم الخاص" (روم 10: 3). إذن، شهدت النصوص الموسوية نفسها (إن فُسّرت تفسيراً صحيحاً) من أجل طرح الرسول الذي أراد أن يحارب تفاسير خاطئة يقدّمها المتهوّدون.

ج- المحبّة "تمام الشريعة"
يبقى لنا أن نفهم 13: 8- 10: "لا يكن لأحد عليكم حقّ ما خلا المحبّة المتبادلة. لأن من أحبّ القريب قد أتمّ الناموس. فإن هذه الوصايا: لا تزنِ، لا تقتل، لا تسرق، لا تشهد بالزور، لا تشتهِ، وكل وصية أخرى، تلخَّص في هذه الكلمة: أحبب قريبك كنفسك. إن المحبّة لا تصنع بالقريب شراً. فالمحبّة إذاً هي تمام (ملء) الناموس".
ظنّ بعض الشرّاح ان "نوموس" (آ 8، 10) لا تعني فقط الشريعة الموسوية، بل الشريعة بشكل عام، قاعدة الحياة، مبدأ الأخلاقية المسيحية (غياب ألـ التعريف). ولكن في 10: 4 استعمل "نوموس" بدون ألـ التعريف ودلّ على الشريعة الموسوية (رج خر 20: 13- 17؛ تث 5: 17- 21).
نظر بولس إلى المحبة الأخوية نظرة وضعية (هي دين دائم)، فقال إنها "لا تصنع شراً بالقريب" (آ 10). لقد أراد الرسول أن يبيّن في المحبة الأخوية "كمال" الشريعة القديمة. ما زلنا أمام المسألة نفسها: ما هي العلاقات بين التدبير الجديد والأخلاقية المسيحية، وبين الشريعة القديمة؟
إن فعل "لخّص، جمع" المستعمل في آ 9 يعني: ضمّ في وحدة متناسقة. أو: جمع الكثرة بامرة رئيس واحد أو مبدأ موحّد. طبّق الفعل على المسيح في أف 1: 10، فدلّ على جمع الكون كلّه بإمرة رئيس واحد هو المسيح. وقالت رسالة برنابا (5: 11): إن موت ابن الله المتجسّد يضمّ كل الجرائم التي اقترفت قبله بيد من اضطهدوا الأنبياء وقتلوهم، ثم يتجاوزها. ونفسر روم 13: "في المعنى عينه: المحبة المسيحية هي مبدأ سام يوحّد كل وصايا الشريعة القديمة فتتوجّه إليه.
ونجد فكرة مشابهة في 13: 10: المحبة تمام الناموس. هناك من يفهم: المحبة هي تتمة الناموس (ق آ 8: من أحب القريب أتمّ الناموس). إن كلمة "بلاروما" تعني الملء، التمام، الكمال، كل شيء. فملء اللاهوت يعني كل غنى الحياة الإلهية الذي يقيم في المسيح بحيث يصير للمسيحيين ملئاً فياضاً (كو 2: 9؛ رج 1: 19). والكنيسة بدورها هي ملء المسيح (أف 1: 23). هذا لا يعني أنها تكفل المسيح. بل إن فيها تتركّز كل الخيرات الإلهية التي حملها المسيح إلى العالم. ونقول الشيء عينه عن المحبة التي هي ملء الشريعة المسيحية. هذا لا يعني أن ممارستها توازي تتمة الشريعة الموسوية بحذافيرها. بل إن في فضيلة المحبة وحدها نجد ملء (كل) فرائض الشريعة.
نحن أمام "ملء" هو أكثر من مجموعة فرائض موحّدة. فإن كانت المحبّة تضمّ الوصايا فلكي تتجاوزها. قد نحفظ جميع الوصايا التي هي ممنوعات في نظر الرسول. قد نتمّ كل فرائض البرّ وندفع كل الضرائب (13: 6- 7). ولكن هناك ديناً لا نستطيع يوماً أن نفيه كله، هو دين المحبة الأخوية. ويقوله أوريجانس: "هو دين يلزَمنا أن ندفعه كل يوم دون أن نحصل على وصل بما دفعناه". وهكذا تتطبّق هنا على المحبة الأخوية حقيقة أبرزها بولس بالنسبة إلى الإيمان في 3: 31: إن النظام الجديد الذي حمله المسيح لا يلغي نظام الشريعة القديم، بل يتمّه ويتجاوزه.
وكان المسيح نفسه قد سبّق على هذا التعليم فقال: كل الناموس والأنبياء يرتبطون بمحبة الله ومحبّة القريب (مت 22: 40). إن أزلنا حبّ الله وحبّ القريب سقطت كل الحياة الأخلاقية عند البشر.
يبدو بولس هنا أيضاً مديناً للتقليد الإنجيلي. هذا ما يشير إليه نصّ غل 5: 14 الموازي: "الناموس كله يتمَّم في هذه الوصية الواحدة: أحبب قريبك كنفسك". فلقد كان الرسول قال قبل ذلك للغلاطيين: "كونوا بالمحبّة خدّاماً بعضكم لبعض" (آ 13). نحن أمام صدى لنصّ مر 10: 45 وز: "لم يأتِ ابن الإنسان ليُخدم بل ليَخدم". وهكذا طلب يسوع من تلاميذه أن يكونوا خدّاماً بعضهم لبعض.
ولكن هناك اختلافاً بارزاً بين يسوع وبولس: أعاد يسوع كل الشريعة والأنبياء إلى محبة الله والقريب، أما الرسول فاكتفى بالتحدّث عن محبة القريب في غل 5: 14 وروم 13: 8- 10. فإن عاد إلى تعليم المسيح كما عرفه في الجماعات المسيحية التي كتب إليها، اعتبر أن محبّة الله هي الأساس المطلق. إن محبّة الله كما يفرضها الإيمان المسيحي تسبق كل نظرة إلى الحياة العملية.

خاتمة
ونحن نكتشف صحّة هذا القول حين نعود إلى بنية روم. فالفصول الثمانية الأولى تكرّست لتبيّن كيف أن الإنسان العتيق يصبح إنساناً جديداً بفعل الإيمان بالمسيح والعماد. ففي قلب هذا الإنسان الجديد، أُفيضت محبّة الله بالروح القدس الذي أُعطي له (5: 5). المحبّة التي بها يحبّ الله. ثم المحبّة التي بها نحبّ الله جواباً على حبّه لنا. جاء الروح القدس فطرد روح العبودية وأحلّ محله الروح البنويّة (8: 15). صار الإنسان ابن الله، فتصرّف منذ الآن مثل يسوع، أي توجّه بمحبّة، وتوجّه نظره إلى الآب وقال له باستمرار: أبا، أجها الآب. وإلى البشر الذين تحوّلوا على هذا الشكل، فصاروا مثل الإبن الوحيد، تتوجّه الفصول الأخيرة في روم. أملى بولس المبادىء الكبرى للأخلاقية المسيحية ولخّصها في ممارسة مستمرة لفضيلة المحبة. ومن الواضح أن هذا الحبّ يتجذّر في الإيمان وفي محبّة الله. وهكذا التقى بولس مع يوحنا الذي جعل الإيمان شرطاً ضرورياً للدخول إلى النور والحياة الإلهية. وهذا الإيمان لا ينفصل عن محبّة الله والمسيح. وفعل بولس مثل يوحنا فشدّد في النهاية على المحبّة الأخوية التي تنبع من الإيمان وتنبع من محبّة الله الذي أرسل ابنه فتجسّد ومات من أجلنا نحن الخطأة.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM