الفصل الثاني عشر: الحياة في الروح القدس

 

الفصل الثاني عشر
الحياة في الروح القدس

حين قرأنا ف 6 عرفنا أن المسيح يخلّصنا من الخطيئة ومن الموت ويدخلنا إلى الحياة. ونعرف في ف 8 أن الروح القدس يعمل العمل عينه. نحن هنا أمام توازٍ يذكره الإنجيل الرابع بين دور المسيح ودور البارقليط. أو ذاك الذي يذكره لوقا بين عمل المسيح في الإنجيل الثالث وعمل الروح الذي يمتدّ في الكنيسة بعد العنصرة كما يصوّره سفر أعمال الرسل.
نتوقّف أولاً عند موهبة الروح الذي يحرّرنا. وثانياً عند عمله في حياتنا كأبناء الله. وثالثاً عند دوره في التاريخ. وهكذا نكتشف الحياة في الروح القدس، أو حياة الروح القدس في العالم وفي كل واحد منا.

1- موهبة الروح
كان 5: 5 قد أعلن عن موهبة الروح، فجاء مقدّمة لا شكّ فيها لما في ف 8: "إن محبّة الله قد أُفيضت في قلوبنا بالروح القدس الذي أعطيناه".
إن الأهمية الكبيرة لهذا النصّ تظهر بوضوح حين نعرف أن أوغسطينس عاد إليه أكثر من 200 مرة. ونقطة إنطلاقه كانت أن اسم المحبة يليق بشكل خاصّ بالروح القدس. إنه حب الآب للابن، وحب الابن للآب، والشركة بين الآب والابن. وبعد سنة 411 استعمل أوغسطينس روم 5: 5 ليحارب البلاجيين (يخفّفون من دور النعمة تجاه الحرية) ويبيّن لهم أن البر والمحبة عند المسيحي هما موهبتان من مواهب الروح القدس. أن الشريعة الجديدة صارت في داخلنا بالروح، وان حضور الروح في المسيحيين ينشىء تفتّح القلب واتساعه. إن أوغسطينس يتحدّث عن حبنا لله.
إن الروح القدس يفيض في قلوب المسيحيين المحبة التي بها يحبّهم الله. هذه المحبّة التي تتعدّى الإدراك تحدّث عنها بولس فقال: "والبرهان على أن الله يحبّنا هو أن المسيح مات عنا ونحن بعد خطأة" (5: 8). حين أفاض الروحُ في عمق أعماق المؤمنين هذا الحبّ الإلهي الذي لا يُدرك، هذا الحب الذي ينشىء التجسد الفدائي، شخصن الإيمان (جعله شخصاً حياً) في هذا السّر الأساسي، وأعطى للرجاء الذي فينا ثباتاً يقاوم كل محنة (الرجاء لا يخيّب). وهو يتيح للإنسان أن يردّد كلمات القديس بولس باليقين عينه: "أحبّني وبذل نفسه عني" (غل 2: 20). وكلمات يوحنا في 1 يو 4: 16: "عرفنا المحبة التي لله فينا، وآمنا بها" لسنا هنا فقط أمام معرفة نظرية، بل أمام خبرة دينية. ففيض المحبة (أغابي) هو رباط حقيقي وحيّ بين الله والمؤمن. وهذا المؤمن يعي هذا الرباط، ولأنه يعرف أنه موضوع المحبة الإلهية التي يمتلكها ويحيا منها، فرجاؤه أكيد وحقيقي.
بما أن الله، الذي هو محبة، يمنحنا بالروح القدس شيئاً من ذاته، ينتج عن ذلك أن الخبرة عينها التي تعطينا يقين محبة الله لنا، تجعلنا نحبّ في الوقت ذاته الله وسائر البشر بهذا الحب الذي أُفيض فينا.
ونعود الآن إلى ف 8. فالموضوع الأساسي في ف 8 هو التحرير الذي يتمّ في الإنسان الساقط بموهبة الروح القدس، والعبور من نظام الحرف الذي يقتل إلى نظام الروح الذي يحيي. تتردّد في هذا الفصل لفظة "بنفما" (الروح) فتدلّ تارة على روح الله نفسه، الروح القدس، والأقنوم الإلهي المميّز، وينبوع الحياة الفائقة الطبيعة في قلوبنا (آ 9- 11). وطوراً على ما ينقله إلينا، على النعمة (آ 4، 6، 9). ومرة ثالثة، على روح الإنسان الذي يحوّله عملُ روح الله (آ 10). وهناك شرّاح يرون أيضاً في "روح التبني، روح الأبناء" (آ 15) موهبة مميّزة للنعمة تشبه المواهب المذكورة في أش 11: 2.
إن غل 5: 16- 23 وروم 8: 8- 14 يصوّران التعارض بين "البدن" (اللحم والدم بما فيهما من ضعف وميل إلى الخطيئة، الجسد) و"الروح". فالبدن (ساركس) والروح (بنفما) يتقابلان لا كعنصرين مميّزين بل كاتجاهين مختلفين في الشخص البشري الواحد. فالروح الذي يصطدم به البدن، ليس هنا روح الله، بل عقل الإنسان (أو: روح الإنسان) الذي وُلد من جديد بالروح القدس. أما المركّب الثاني في الكائن البشري فهو البدن الذي له معنى خاص في هذه المقاطع. ففي مجمل التوراة، وحتى في الرسائل البولسية (بعض المرات) تنطبق كلمة بدن (تقابل في العبرية "بسر" أو البشرية، أو اللحم والدم) على كل ما فيه حياة، سواء كان بشراً أم حيواناً، دون الإشارة إلى صفة أخلاقية. لهذا فهي تدلّ على الشخص (يرى كل جسد، أي كل شخص)، على القرابة (أنت من لحمي ودمي)، على البشرية كلها. وبرزت إمالة أخلاقية حين وُضع البدن مع ضعفه في تناقض مع الله.
ولكن الخبرة البشرية التي استضاءت بنور الله، دفعت رسول الأمم لكي يعطي كلمة "بدن" مدلولاً جديداً يبرز الوجهة الخلقية إبرازاً واضحاً. هذا ما نجده في غل 5: 16- 23 وروم 8: 8- 14: في الإنسان الساقط، صار للبدن، لإنسان البشري (اللحمي، الذي من لحم ودم) ميول تجعله حليفاً للخطيئة، تجعله يقف بوجه الله، بوجه الحياة الإلهية الحاضرة في الإنسان.
يرى 8: 8- 14 أن هناك حياتين متقابلتين يجب أن نختار واحدة دون الأخرى. هناك "حياة حسب البدن" (حسب الجسد) أي توافق الميول الشرّيرة التي يحملها الإنسان الخاطىء في ذاته. وهناك "حياة حسب الروح"، وهي امتداد للملكات الفائقة الطبيعة والميول التي يمتلكها الإنسان المولود جديداً (آ 5- 8). على الصليب مات "جسد" التلميذ "مات" بشكل سرّي عن الخطيئة مع جسد المسيح (آ 10). ولكن إذا أراد المؤمن أن يعيش عيشاً مسيحياً، فهو لا يُعفى من أن يميت كل يوم "أعمال الجسد" (آ 13). فإن مات كل يوم، تأكّد أنه لن يموت أبداً. رج كو 3: 3، 5: "متّم، وحياتكم مستترة مع المسيح في الله... أميتوا إذن أعضاءكم الأرضية: الزنى، النجاسة...".

2- الحياة البنوية وفعل الروح
إن حضور الروح فينا خفي وسّري. ونحن لا نعرفه معرفة مباشرة. غير أن الرسول يستطيع أن يتحدّث عن "شهادة" يؤدّيها الروح لنفسه في القلوب بالنتائج التي يتركها (آ 16). لا شكّ في أن الجماعة هي التي تبتدىء فتختبر عمل الروح. وهذا ما تشدّد عليه كل 4: 21- 6: 10 ذاكرة الرباط الوثيق بين موضوعي أورشليم العليا والروح القدس. إن لم يذكر هذا إلاّ بشكل عابر في روم 8 (آ 16: يشهد مع روحنا بأنّا أبناء الله)، فلأن حياة المسيحيين في الكنيسة ستصوّر مطولاً في ف 12- 15.
ولكن يبقى أن كل مسيحي مدعوّ لكي يشارك مشاركة شخصية في هذه الخبرة الكنسية. فهناك خبرة للروح عبر الشهادة التي يشهدها لذاته في نفس المؤمن. ويقين هذه الخبرة هو يقين معاش، يعبرّ عن موقف ولا ينفصل عن هذا الموقف، خفي كالسّر الذي يحمله ويتغذى منه. يقين من النور كالحضور الذي ينكشف عبر هذا السّر المعاش، يقين ثابت كالله الذي يستند إليه، يقين مرتعد مثل الكائن الضعيف الذي فيه يتفتّح. إنه يقين المفارقة، يقين الخبرة. "لستم في الجسد (في البدن)، بل في الروح، إن كان روح الله ساكناً فيكم" (آ 9، شرط أن يكون روح الله).
إن الروح القدس يجعل المسيحيين أكثر حرية حين يجعلهم يعيشون عواطف الأبناء: "فالذين يقودهم روح الله هم أبناء الله" (روم 8: 14). فالإنسان الذي يحرّكه الروح الإلهي بفاعلية تزداد حريته ولا تنقص. يقوده "آخر"، ومع ذلك، فهو يتصرّف تصرّف الأبناء لا تصرّف العبيد. والسبب الأساسي لهذه الإستقلالية الظاهرة، هو أن هذا "الآخر" الذي يقود التلميذ يصبح فيه أكثر من ذاته في ذاته. والملكات السامية في الإنسان تتألّه فتسمّى أيضاً "روح" على مثال الروح القدس. إذن، هناك تناسق عميق بين سلوك الإنسان الفاضل وما يريده كائنه العميق الذي ينعشه الروح القدس.
يعمل الروح القدس فتشفى حرّية الإنسان الساقط. غير أن هذا الشفاء هو عمل يتدرّج شيئاً فشيئاً ولا ينتهي على هذه الأرض. هكذا يجب أن نفهم 8: 4 (نحن السالكين لا بحسب الجسد بل بحسب الروح): إذا كان تدخّل المسيح الفدائي وموهبة الروح لكي تتم فينا فريضة الشريعة، فشرط هذه التتمة في سلوكنا هو أننا "لا نطيع البدن، بل الروح". إن روم 8: 8- 14 تفرض علينا، شأنها شأن غل 5: 16- 23، أن نفكّر في شفاء الإنسان الساقط على مراحل، لا سيما وأن هذين النصّين يصوّران صراع الإنسان بين البدن والروح، ونستخرج النتيجة عينها من روم 6: 18- 22 حيث يبيّن لنا بولس كيف أن الناس الذين كانوا عبيداً للخطيئة صاروا بارتدادهم "عبيداً للبرّ"، "عبيداً لله".
إن لفظة "أبّا" (أيها الآب) التي نقرأها في غل 4: 6 وروم 8: 15، والتي لم تعرفها الصلوات اليهودية في توجّهها إلى الله، هي ميزة صلاة أبناء الله الأحرار: نفي يسوع تمّت رسمة الأبوّة الإلهية التي تمتم أولَ صورها العهُد القديم. لا شكّ في أن يسوع حين كان يصلّي على الأرض، استعمل وحده لفظة "أبا". قال: "أبي" و"أبوكم". وما مزج يوماً موضعه قبالة الآب مع موضعه تلاميذه. ولكن أبا يسوع صار في الإنجيل الرابع، بعد القيامة، أبا تلاميذه (يو 20: 17). هذا هو ثمر العمل الفدائي. وهذا الثمر عينه، ثمر الروح القدس، تصوّره بشكل آخر غل 4: 6 وروم 8: 15: فالروح القدس الحاضر في المسيحيين يمنحهم بعض العواطف البنوية التي تحلّى بها يسوع تجاه أبيه. وجعلهم يقولون مقتدين بيسوع: أبّا، أيها الآب. وفي 8: 26 يضمّ صلاته إلى صلاتهم بحيث إن تأوّهاً مثلثاً يُسمع في 8: 18- 27 الموجّه نحو التمجيد السماوي لأبناء الله: تأوّه الخليقة المادية (آ 22: "الخليقة كلها معاً تئنّ حتى الآن وتتمخّض": حالة من الألم وانتظار مجد مقبل". تأوّه المسيحيين (آ 23: "ونحن أيضاً الذين لنا باكورة الروح، نحن أيضاً نئنّ في أنفسنا منتظرين التبنّي، إفتداء أجسادنا". لقد نلنا التبنّي. ونحن ننتظر ملء نتائجه. ننتظر افتداء أجسادنا). تأوّه الروح القدس (آ 26: "الروح نفسه يشفع فينا بأنّات تفوق الوصف". هو يدعو فينا أبا، أيها الآب. رج آ 15).

3- كمال تاريخ الخلاص
إن هذا التشوّق وهذه الرغبات التي يحرّكها الروح في النفوس، تتوجّه نحو ملء تحقيق مخطّطات الله في نظام الخلاص. وهذا النظام يعني المشاركة النهائية لأبناء الله (بالتبني) في مجد ابن الله الوحيد. حتى الخليقة الطبيعية ترغب في كمال تاريخ الخلاص.
في روم 8: 19- 22، تحدّث بولس، فأذهلنا، عن ألم العالم المادي نفسه. وهذا الألم يحمل في نظره معنى دينياً خصيباً، فيشكّل توسّلاً صامتاً، ويكون جزءاً من المخاض المؤلم الذي فيه يولد أبناء الله بفعل الروح القدس. إن الكون سيشارك في يوم من الأيام في سعادة أبناء الله، لأنه سينجو من عبودية الفساد. ليس في هذه النظرة ما يمكن أن يبدو غريباً علينا. فالكتاب المقدس يفترض دوماً وجود علاقة سّرية بين الإنسان والكون المادي الذي فيه يتحرّك. والتاريخ البيبلي يبدأ مع خلق الكون الذي يقول عنه بولس في كو 1: 16 إنه صنع بيد المسيح، إنه صنع في المسيح. وهذا يعني أن الكون يحمل في ذاته مثل انعكاس للمسيح. والعهد (أو: الميثاق) مع البشرية كلها في شخص نوح يعني أيضاً الكون المادي الذي كُفل تناسقه وتوازنه ونظامه (تك 8: 21- 22). والدور الطبيعي للعالم المادي، ذاك الذي يلعبه في الأمثال الإنجيلية والليتورجيا الكنسيّة، هو أن يساعد الإنسان على اللقاء بالله، فيجعله يقرأ، بشكل من الأشكال، مجدَ الله في مرآة الخليقة (رج روم 1: 19 ي؛ حك 13).
ولكن حين يستعمل الإنسان الخلائق ليبتعد عن خالقه، كما فعل في الفردوس الأرضي، فالخليفة المادية المتضامنة مع مصير الإنسان، تجد نفسها مستبعدة عن غائيتها الطبيعية. صارت خاضعة للباطل، خاضعة "لعبودية الفساد" (روم 8: 20- 21). لهذا، سوف تتحوّل على الإنسان (تك 3: 17). والله نفسه سوف يستعملها مراراً (حسب ما تقول التوراة التي ترى عقاب الله في "ضربات" تصيب الإنسان) ليعاقب الأشرار (القحط والجفاف، إجتياح الجراد، المطر الغزير، البرَد الذي هو حجارة يضرب بها الله). كما يستعملها لكي يكافىء الأبرار (الماء في البرّية). ولون العالم المادي الذي عُومل بالعنف بسبب خطيئة الإنسان الذي هو وكيل الله (ملك الكون)، يرغب في أن يستعيد هو أيضاً، بفضل خلاص الإنسان، حريته وتناسقه. من هنا برزت عند الأنبياء فكرة البناء الاسكاتولوجي للعهد في إطار فردوسي. أجل، إذا أردنا أن نفهم فساد الكون في روم 8: 19- 22، نجعله في كل هذا الإطار البيبلي الذي يبدأ مع خلق الإنسان والسقطة الأولى، وينتهي على عتبة العهد الجديد.
إذن، بدا بولس أميناً للفكر البيبلي الثابت حين رفض أن يفصل فداء الإنسان عن فداء الكون. ولكن لا ننسَ ما يقوله الرسول: لا افتداء للكون من دون تحرير الإنسان تحريراً خلقياً. وتحرير الإنسان وافتداء الكون ننالهما بشكل نهائي حين المجيء الثاني الذي إليه توجّه فكرَنا ورغباتنا نهايةُ روم 8. نحن هنا في المرحلة الأخيرة.
إن نصّ بولس حول تحوّل الكون لا يتضمّن أي تأكيد علمي. بل يتضمّن حصراً جمع الطبيعة بمصير الإنسان المجيد. والمهمّ في نظر الرسول هو ما سيحصل للمسيحيين ونقرأه في روم 8: 24 (بالرجاء خلّصنا). سبق لهم وصاروا أبناء الله (آ 14)، فهم يتوقون مع هذا إلى نعمة التبني التي لم تعطِ بعد كل ثمارها. وينتظرون أيضاً "إفتداء أجسادهم"، لأن عطية الروح التي وُهبت لهم الآن ليست إلا "الباكورة" (8: 23)، و"عربون" (2 كور 1: 22؛ 5: 5) روحنتهم التامة التي تجعلهم في منعة من الفساد والموت (1 كور 15: 42- 44).
يرى بولس أن خلاص الإنسان على الأرض يبقى مهدّداً (8: 9، 17: شرط أن). إن الفكرة الرئيسية في 8: 26- 30، هي أن تلاميذ المسيح ليسوا أبداً وحدهم في محنهم. وأنهم سيلقون مساعدة لدى الروح الذي يتشفّع من أجلهم بشكل سام، ولدى الآب الذي يجعل كل شيء في حياتهم (حتى آلامهم) يؤول إلى مخطّط حبّه من أجلهم. وهذا المخطّط هو تشابه تام مع الابن الوحيد وتمجيد معه. هذا يعني أن الثالوث الأقدس كله يعمل هنا، الآب والابن والروح القدس. وهكذا نفهم نشيد الثقة المبني على الغلبة في روم 8: 31- 39: فالتلميذ يعرف أنه حقاً قد انتصر. لأنه متأكّد من حبّ الله وحبّ المسيح. "إذا كان الله معنا، فمن علينا؟ هو الذي لم يشفق على ابنه الخاصّ، بل أسلمه عنا جميعاً، كيف لا يهبنا أيضاً معه كل شيء... فمن يفصلنا عن محبّة المسيح (محبته لنا ومحبتنا له)؟ لا علوّ ولا عمق... تقدر أن تفصلنا عن محبّة الله التي في المسيح يسوع ربّنا".

4- في الروح
إن القسم الأكبر من روم 8 هو صورة عن الحياة المسيحية في الروح، أي بتأثير من الروح القدس الذي يحرّكنا. إن عبارة "في الروح" ترد فقط 20 مرة (هي لا تتواتر مثل عبارة "في المسيح"): خمس مرات في روم (2: 29؛ 8: 9؛ 9: 1؛ 14: 17؛ 15: 16). خمس مرات في 1 كور (6: 11؛ 12: 3، 19، 9 ب، 13). خمس مرات في أف (2: 18، 22؛ 3: 5؛ 4: 30؛ 5: 18). ومرة واحدة في كل من 1 تس (1: 15)، 2 كور (6: 6)، غل (6: 1)، فل (1: 27)، كو (1: 8). ونستطيع أن نزيد 3: 16.
نقرأ في 8: 1- 2: "الذين في المسيح يسوع" هم أناس "لا قضاء عليهم لأن ناموس روح الحياة في المسيح يسوع قد اعتقهم من ناموس الخطيئة والموت". ولكننا نقرأ في 8: 9 عن هؤلاء الناس أنفسهم الذين في المسيح: "ليسوا في الجسد (البدن اللحم والدم)، بل في الروح، شرط أن يكون روح الله ساكناً فيهم".
هذا التوازي بين عبارتَيْ "في المسيح" و"في الروح"، تسنده الأمور عينها التي يقولها بولس عن المسيح وعن الروح. المسيح يسكن فينا (روم 8: 10؛ أف 3: 17). والروح القدس أيضاً (روم 8: 9د 11؛ و3: 16). المسيح هو حياتنا (كو 3: 4؛ روم 5: 17؛ 6: 4، 8؛ فل 1: 21). نحن نعيش بالروح (روم 8: 13؛ غل 5: 25). المسيح ينشر فينا قدرته (فل 4: 13؛ كو 1: 29). وكذلك الروح القدس (روم 15: 13، 19). حرّض بولس المؤمنين "برينا يسوع المسيح وبمحبة الروح القدس" (روم 15: 30). يختن المسيحي ختان القلب في المسيح وفي الروح القدس (روم 2: 29؛ كو 2: 11). ويكون ثابتاً، يفرح، يتكلّم، يشهد... في المسيح وفي الروح.
هل نقول كما قال بعضهم إن الروح القدس هو في نظر بولس المسيح الممجّد؟ كلا ثم كلا. فهناك أقوال بولسية عن المسيح لا يمكن أن تنطبق على الروح. فالمسيح هو شخص تاريخي، ملموس، هو يسوع الناصري الذي عاش على الأرض وصُلب.
ولكن عمل المسيح لا ينفصل عن عمل الروح. "فروح الله هو أيضاً روح المسيح" (روم 8: 9- 10) الذي يمنحه الآب لنا (غل 4: 6). فعبارة "بالروح" توازي عبارة بالمسيح الذي هو آدم الجديد الذي أعلنه 1 كور 15: 45: "روحاً محيياً". والمقابلة بين ف 6 وف 8 من روم تقود إلى الإستنتاجات التالية. إن عبارة "في المسيح" تدلّ على أساس موضوعي لحياة المسيحي الجديدة. أما عبارة "في الروح" فهي تدل على الوجهة الداخلية والذاتية. فالروح يعطى كمبدأ عمل جديد يعارض المبادىء العتيقة أي الحرف والبدن اللذين تحدّث عنهما ف 7: إنه ينقّي، إنه يلد من جديد، إنه يوجّه (رج "شريعة روح الحياة" في 8: 2) العقل البشري الذي اختبر حتى الآن بمرارة فشله وعبوديته أمام الواجب الخلقي.

خاتمة
إنّ عمل المسيح ينتظم مع عمل الروح على مثال سرّ الفصح الموجّه إلى سّر العنصرة. وهدف عمل المسيح الفدائي هو أن يحرّك الروحُ الإلهي البشرَ ويحوّلهم. قال أثناسيوس أسقف الإسكندرية: صار الله حامل الجسد (وما فيه من ضعف) لكي يصير الإنسانُ حامل الروح.

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM