الرب حمى المضطهدين

الرب حمى المضطهدين
المزمور الخامس والعشرون

1. المزمور الخامس والعشرون هو مزمور توسّل ينشده المرتّل، متشكّيًا من الحالة التي يعيش فيها، رافعًا صلاته بثقة إلى الله، مقرًا أمامه بذنوبه وخطياه. وهو مزمور أبجدي، بمعنى أن كلّ آية تبدأ بأحد الحروف الأبجديّة. هذه الطريقة تساعد الذاكرة على الحفظ والانشاد. ولكن لهذه الطريقة معنى أعمق، إذ إن الأبجدية عطيّة الله للبشر الذين يحتاجون إلى الكلمات والحروف المنظّمة، لكي يمدحوا الله وينشدوه عبر الأبجديّة التي أعطاهم إياها.

2. انسان بائس يبحث عن الطريق التي توصله إلى الرب.
آ 1: بداية المزمور: إليك يا ربّ أرفع أفكاري وصلواتي.
آ 2- 3: المقدّمة: يتمنّى المرتّل أن لا يخيّب الله ثقته به، أن لا يُخزى أمام الناس، لأنه جعل رجاءه في الرب: جميع الذي يرجونك لا يخزون، فلا تسمح لعدوّي أن ينتصر.
آ 4- 7: المرتّل تائب ينتظر غفران الله له لينطلق في مسيرته من جديد بقيادة الله. يغفر الله فتظهر رحمته التي يحفظها للفقراء، وقد أحسّ بها المؤمن الخاطئ (أي 13: 26؛ حز 23: 21).
آ 8- 11: إرشاد أول هو بمثابة نداء إلى الثقة بالله. طلبَ المرتّل من الله أن يهديه إلى طريقه، فوعده الرب باستجابة كل انسان، ولو خاطئًا (أي 36: 8- 11)، شرط أن يتوجّه إليه بصلاة متواضعة، ويعدَه بحفظ متطلّبات العهد بأمانة. ويأتي جوابُ التائب، فيقرّ بخطاياه ويلتمس المغفرة مسّلمًا ذاته بكلّيتها إلى رحمة الله.
آ 12- 15: إرشاد ثان يسمعه المرتّل: من يعترف بخطيئته ويتحرّر منها، يصبح من جماعة خائفي الرب (15: 4؛ 22: 24؛ 31: 20). وتنفتح أمامه طريقُ السعادة والخير، فيتأمّن ميراثه وميراث ذرّيته على الأرض، ويسكن دومًا قرب الله ليتعلَّم شريعته وأحكامه. ويهتف المرتّل متجاوبًا مع هذا النداء فيعلن بأن عينيه تلتفتان دومًا إلى الرب راجيةً عونه بحسب وعده.
آ 16- 19: ويعود التائب فيتذكّر خطيئته من جديد (كما في آ 4- 7). يحسّ بعزلته وضيقه أمام الأعداء الكثيرين فيعود إلى التوسّل: أخرجني من شدائدي، أنظر إلى بؤسي، إغفر خطاياي.
آ 20- 21: الخاتمة: يرجو فيها المرتّل، كما في المقدّمة، أن لا يخيّب الرب طلبه: لا أخزى فإني بك احتميت.
آ 22: يُعطي المرتّل هذا المزمور ذا الطابع الفردي بعدًا جماعيًا ووطنيًا. فالشعب يعيش أيضًا ضيق الأسر والنفي، وخطيئته ماثلة أمام عينيه: اللهمّ، افتقد اسرائيل من جميع مضايقه.

3. نحسّ في هذا المزمور الألم الناتج عن الخطيئة، ونفهم أن الغفران المنتظَر هو علامة الخلاص، لأن الله غفور رحيم. وهذا ما سيتعلّمه المؤمن فيعرف أن محبّة الله واسمه هما أساس المغفرة، وأن كل ما يُطلب منه هو ثقة عمياء بالله وبرحمته. وما تعلّمه سيعلّمه للغير: الربّ يرشد الخاطئين ويَهدي المساكين، إن سبله رحمة وحقّ.

4. يعبّر هذا المزمور عن الروح التي دفعت يسوع إلى أن يتأنس، فيربط مصيره بمصير الخطأة (مت 9: 11) ويقودهم إلى النقاوة (اتم 1: 15) التي يتوق اليها صاحب المزامير. مات يسوع من أجل الخطأة (روم 5: 8) وما استحى أن يدعوهم اخوته (عب 2: 11)، بل أرادهم أن يسيروا في حياة جديدة (روم 6: 4) غير خائفين الجهاد ضد القوات المعادية (أف 6: 10- 12) لأن نعمة الرب وقدرته هما سلاحهم، ولأن رجاءهم لن يخيب.

5. حروف الابجديّة
من يعرف العبريّة يلاحظ أن هذا المزمور كُتب حسب الحروف الأبجديّة. فالآية الأولى تبدأ بحرف الألف والآية الثانية بحرف الباء والثالثة بحرف الجيم والآية الرابعة بحرف الدال. وهكذا دواليك. وتتردّد في المزمور كلمة يهوه (الرب) عشر مرات، وكلمة طريق أو سبيل عشر مرات، وكلمة خزي أربع مرات (الأربعة رمز الكون).
وهنا نعود إلى هدف المرتّل الذي هو هدفان. هو يريد أولاً أن يؤلّف صلاة، وثانيًا أن يعطي هذه الصلاة شكلاً خاصًا يجعل كل طلبة فيها تبدأ بحرف من الحروف الأبجديّة. لماذا هذا التعلّق بالحروف الأبجديّة؟ لأن العبراني يعتبر أن الأبجديّة عطيّة من الله. وهو يستعمل الكلمات والحروف ونظامها، ليسبّح الله على عطيّته هذه. وهكذا تُبارك المزاميرُ الله بهذه العطيّة فتردّ للرب ما سلّمه إليها.
تهدف مثل هذه المزامير إلى أن تمدح كلمة الله، التوراة، وتميل بعض المرّات إلى مديح الحرف. لا شكّ في أن هناك خوفًا من أن نطوِّب الحرف متناسين كلام بولس الرسول: "الحرف يقتل أمّا الروح فيحيي" (2 كور 3: 6). ولكن يبقى علينا أن نفسّر هذا المزمور على أنه مديح لله الذي كلّم البشر وأوحى لهم كيف يدوّنون هذه الكلمة وينقلونها فيسمعهم الآخرون ويفهمون ما يقولونه لهم. ثم نصلّي هذا المزمور فنمدح كلمة الله اليوم كما بالأمس ونقول: يعلّم الخاطئين طريقه ويُشركهم في عهده.
6. تأمل
مؤمن يطلب الرب، يبحث عن طريقه. خلال المرض الذي يمكن أن يكون مناسبة لقاء عميق مع الرب، بدأ مسيرة التوبة. طلبَ أوّل ما طلب أن يسير في الطريق الذي يدلّه الله عليه. عرّفني يا رب طرقك وفي سبلك وجّهني. هكذا تظهر رحمة الله التي يحتفظ بها للخطأة. وهذه الرحمة قد طبعت بطابعها خبرة دينيّة لدى انسان خضع للخطيئة مثل أيوب (أي 13: 26). يا ليت الرب لا يبدّل موقفه! ولكن لا نخف فهو لن يبدّله لأنه الاله الأمين، الذي يحافظ على وفائه ألفَ جيل. يا ليت الرب يحفظ لنا رحمته! ولكنه الرحوم الحنون، ولكنه كأم لا تنسى أبناء رحمها، كأب لا ينسى أولاده. ولهذا يطلب المؤمن من الرب أن يذكر عبده، أن يتذكّره ولا ينساه.
وينادي المؤمنَ صوتٌ من أعماقه، بفم كاهن من الكهنة أو أحد رجال الله. يدعوه إلى أن يجعل ثقته كاملة في الربّ. طلب من الرب أن يجعله في الطريق، طريق وصاياه، طريق محبته. فالرب سيفعل بقدر ما يتجاوب المؤمن مع نور الرب بتواضع. بقدر ما يستعدّ أن يضع موضع العمل متطلّبات العهد، وذلك بأمانة وثبات واستمراريّة. فلا تكون عودته كالندى الذي يزول ما إن تطلع الشمس.
أقرّ التائب بخطيئته، والتمس المغفرة، وسلّم ذاته كلها لرحمة الله. هذا لا يعني أنه يجب على الله أن يفعل لأن الخاطئ فعل. كل شيء مجانيّ من قبله. وعطاياه تسبق طلباتنا، ومغفرته تسبق نداماتنا. وإن فعل فمن أجل اسمه. كيف نستطيع أن نسمّيه الرحوم إن لم يفعل. وإن فعل فمن أجل مجده. فكيف يتمجّد الله في العالم إن لم يجد من يمجّد اسمه وحضوره في العالم.
كان المؤمن وحده. عاش الضيق والهمّ والقلق. فجاء الغفران المنتظر كالماء على الأرض العطشى. تحرّر من الشرّ الذي فيه. وأحسّ أنه كمخلّع شُفي يستطيع أن يحمل فراشه ويذهب إلى بيته. بعد ذلك، ما عاد التائب يهتمّ للأعداء مهما كثر عددهم. ما عاد يهتمّ لبغضهم وهو الذي وعده الرب بأن سمّ الحيّات لا يؤذيه. لن تؤذيه الشمس في النهار ولا القمر في الليل. تسقط بجانبه الألوف بل عشرات الألوف، أما هو فيسير بأمان مثل شعبه وراء موسى وسط البحر واللجج. أجل، صار هذا المؤمن من خائفي الله. انفتحت أمامه الطريق، طريق الله، طريق السعادة. لهذا سيدخل إلى "الهيكل"، مركز حضور الله، ويعيش حياة حميمة معه. بل إن حياته كله ستسير ونظره معلّق بالرب. يقول له في كل لحظة: ماذا تريدني أن أعمل يا رب؟

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM