الفصل الخامس عشر: الابن الحكيم يفرّح أباه
الفصل الخامس عشر
الابن الحكيم يفرّح أباه
10: 1 – 32

1- مقدّمة المجموعة
تتميّز المجموعة السليمانية الأولى (الكتيّب الثاني: 10: 1- 22: 16) والمجموعة السليمانية الثانية (الكتيّب الخامس: ف 25- 29) بشكل الأمثال المؤلّفة من بيتين متكاملين (دبتيك). لا شواذ في الكتيّب الأول. أما الكتيّب الخاسر، فنجد فيه توسّعات من أربعة أبيات (25: 2- 3، 4- 5، 6- 7 أب، 7ج- 8، 9- 10؛ 26: 4- 5، 18- 19؛ 27: 15- 16) أو ثلاثة أبيات (27: 10، 22 ؛ 28: 10) أو ستة أبيات (26: 24- 26). أما التنبيه حول الاهتمام بالحيوان فهو طويل (27: 23- 27).
تجد هذه الأقوال المأثورة مكانها في الأدب التعليمي والتربية الاخلاقيّة على مثال ما نجد في التحريضات الاشتراعيّة والخطب النبويّة وفي بعض المزامير.
يبتعد الحكماء الأقدمون عن أسلوب الأوامر، فيقدّمون بالأحرى اختبارًا يميّز انسانًا أو وضعًا، ويعلنون نتائج موقف من المواقف. فهذا الأسلوب المبنيّ على خبرة نستنتج منها عبرة، يستعمل الجملة الاسمية ويبدأ مرارًا باسم الفاعل أو بالصفة المستعملة كموصوف. ونجد أيضاً لفظة "يش " أي يوجد وهي تبدأ البيت الأول، ويبدأ البيت الثاني بالواو أو بدونها. وهناك أمثال تبدو بشكل فتاوى وتبدأ باللفظة "ام " (ان). نقرأ في 25: 21: إن جاع عدوك فاطعمه خبزًا، وان عطش فاسقه ماء. وفي 27: 22: لو دققت الاحمق في هاون مع الحبوب، عبثًا تفارقه غباوته (قابل مع خر 23:21، 27، 29، 30؛ 21: 26، 28، حيث تحل "كي " محل "ام "). وفي 19: 25، اضرب الساخر فيتنبَّه الجاهل أي إن ضربت الساخر تنبّه الجاهل.
وهناك التطويبات العديدة: "الذي يرحم المساكين طوبى له " (14: 21). "البار السائر في كماله، طوبى لبنيه من بعده " (7:20). "طوبى للانسان الذي يخشى كل حين " (14:28). وهناك التشبيه. "الكلمة التي تقال في حينها تفاح من ذهب في وعاء من فضّة" (25: 11). "شاهد الزور على الآخرين مطرقة وضربة سهم مسنون " (18:25). وهناك التعارض: الحكيم والجاهل، البار والشرير. "أقوال البار تحفظ الكثيرين، وحماقة ناقص الفهم تميته " (10: 21) "من يخف الرب فأيامه تطول، أما سنين الأشرار فتقصر" (10: 27).

2- تفسير الآيات
(10: 1) أمثال سليمان. لا نستطيع ان نؤكّد أن هذا القول أو ذاك يعود إلى سليمان، ولكن بعضاً منها يعود إلى زمن سليمان. لا نجد هذا العنوان في السبعينيّة.
تفترض هذه الآية كل أساليب التعليم التي عُرضت سابقًا وتبدو في شكل تواز متعارض بين الابن الحكيم والابن البليد. لا نزال نحن في عالم الحكمة كما في ف 1- 9. إحدى نتائج الحكمة هي حبّ الوالدين والاستماع إليهم.
(آ 2) هناك معنى زمني. فالشرّ والموت هما نتيجة سوء الاخلاق (1: 19؛ 18:2- 22). وهناك معنى روحيّ عن حكم الله والمصير في الآخرة (11: 4 ؛ حز 19:7؛ سي 7: 9)0 البرّ أو الصدق (صدقة في العبرية. زديقوتو في السريانية) لا يعني الصدقة بل الحياة الموافقة لارادة الله. لسنا في هذه الآية أمام وعد بالحياة الأبدية، بل بالحياة الطويلة والسعيدة.
(آ 3) حرفيا: الربّ لا يترك نفس الصديق تتألم. والنفس تعني الرغبة والحاجة. كل نظام الكون والاخلاق والمجازاة يرتبط بالربّ الذي يهتمّ بالأمناء لشريعته. إنه العناية الذي يجازي (مز 34: 10- 11). ولكن أيوب والجامعة سيعيدان النظر في هذا التعليم.
(آ 4- 5) موضوع الكسل والجد. على كل إنسان أن يعمل، من الملك إلى آخر إنسان في المملكة. العمل عنصر ينمي الفتى ويزيد كرامة الإنسان (12: 24، 22، 29). من هنا شجب الكسل (6: 6- 11). أما سفر الجامعة فليس متفائلاً مثل أم (جا 2: 10- 11 ؛ 4: 4- 6). وهو يعتبر أن الفقر والغنى يأتيان من الله (جا 2: 25؛ رج أم 10: 22). هكذا قرأت السبعينية آ 5: الابن العاقل يخرج معافى من الشرّ، والابن الشرير تقضي عليه الريح في وقت الحصاد. كيّف المترجم قراءته على مناخ مصر فالهواء المحرق في الصيف يسيء إلى الصحة. وقت الحصاد هو وقت الصيف.
(آ 6) قولان في البركة. قد تأتي البركة من الانسان (11: 26 ؛ 24: 24)، ومن الله
(مز 24: 5). تقول السبعينية: الحداد المبكر يغلق فم الشرير.
(آ 7) هذا هو أمل كلّ إسرائيل: أن يذكره الربّ في كلّ ما عمله. والاسم هو الشهرة التي تدوم. لم يَرِدْ الاعتقاد بالحياة الأخرى إلا في القرن الثاني ق م. أما الاسم (الذي يذكره الخلف) فهو امتداد للحياة بشكل من الأشكال.
(آ 8) هذا هو الاسلوب الحكمي: الحكيم هو من يقبل الوصايا. هناك تعارض بين الحكيم وبين الجاهل الذي ينصح نفسه وهولا يعرف شيئًا.
(آ 9) الطريق المستقيمة والطريق المعوجة. رج 4: 10- 19.
(آ 10- 14) نجد هنا خمسة أقوال في الصدق وفي الكذب. في آ 10 ب قرأت السريانية والسبعينية: من يوبّخ بصراحة يجلب السلام. أما النصّ العبري فيستعيد حرفيا آ 8 ب. من يغمز بالعين أي من يهيّئ الفخاخ أو يتغاضى عن الشرّ الذي يصيب القريب.
في آ 11 ينبوع حياة. ماء الينبوع أفضل من ماء المطر. وهذا الماء يدل على الصحة. إن آ 11 ب تستعيد آ 6 ب. قالت القبطية في آ 11 أ: ينبوع الحياة هو في يد الصدّيق.
في آ 12 قالت اليونانية: المحبّة تستر كل الذين لا يحبّون الخصومات (في السريانية: الأشرار. يرتبط البغض والمحبّة بالعلاقات الاجتماعية كما في لا 18:19: "لا تنتقم، ولا تحقد على أبناء شعبك. أحبب قريبك كنفسك " (اعتبر يسوع هذا أعظم الوصايا. مت 22: 39، مر 12: 31، لو 10: 27).
في آ 13 يكون البيتان منفصلان. البيت الأول في 10: 21، 31 ؛ 3:14 ؛ 7:15. البيت الثاني في 29:19، 3:26. يفهم الحكيم بسرعة. أما الجاهل فتنتظره العصا.
في آ 14 المعنى واضح: يتكلّم الحكيم في الوقت المناسب، أما الجاهل فهو سبب الشقاء (سي 18:9 ؛5:20-7).
(آ 15- 16) قولان في الغنى.
في آ 15: الغنى يحمي الإنسان من الشقاء كما أن الحصن القويّ يحمي الملوك من خصومه. نحن هنا أمام ملاحظة بسيطة. وسيتحدّث الكتاب فيما بعد عن أخطار الغنى (11: 4؛ 23 ؛5 ؛ 6:28، 11 ؛ سي 14:30؛ 31: 1- 8)، ويقول إن الفقر ليس رذيلة (19: 22؛ 28: 6...).
في آ 16: تعارض في النتيجة وفي الطريقة التي يستعمل كل واحد غناه.
(آ 17- 21) خمسة أقوال عن الكلام.
في آ 17 التوبيخ. قد يأتي من المعلّم أو الأهل. من حفظ، من أهمل: نحن أمام طريقين.
في آ 18 اختلفت الترجمات. مثلاً: من أخفى البغض بشفاه كاذبة ونشر النميمة هو بليد. وقالت السبعينية: "لا بغض في شفتي البار، والبليد يجاهر بالنميمة"، فحافظت على التعارض.
إن آ 19 تعود مرارًا في كلّ الآداب ولاسيّما في التوراة (3:13؛ 23:21 ؛ سي 22: 25، 13:28، مز 140: 3).
وفي آ 20- 21 قيمة البار الاجتماعيّة تجاه عجز الشرير، وهذه القيمة تكمن بالأحرى في النظام الأدبي (18:3 ؛ 23:6 ؛ 17:10).
(آ 22) تعود الحكمة إلى الربّ كما قرأنا في الكتيّب الأول. والفرق بين قدرة الله وامكانيّات البشر أمر قديم جدًا، وقد عبّر عنه مرارًا العهد القديم (خر 14: 14 ؛ مز 127: 2). قالت السبعينية: بركة الربّ على رأس الصديق، فهي تغنيه ولا تشارك الكآبة قلبه. وقالت البسيطة: ولا يكون الوجع معه. أجل، إن الغنى يأتي مع بركة الله.
(آ 23) معارضة بين البليد والفهيم، بين الحكمة والرذيلة. قالت اليونانية والسريانية: الجاهل يصنع الشرّ وهو يلهو، أما الحكمة فتولّد العقل للعاقل.
(آ 24- 25) قولان عن مصير الأشرار والأبرار، وهما يقدّمان حقيقة معروفة لا يناقشها سفر الأمثال عكس أيوب الذي قال: "ما كنت اخشاه أتاني وما فزعت منه جاء إليّ " (أي 3: 25). إن الصديق ينال ما يتمنّاه من قبل الله.
في آ 25 كانت الصورة تدلّ على الدينونة (مز 1: 4)، ولكنها تعبّر هنا عن ديمومة الأمور. وهي تكمل صور الحياة والموت... قالت السبعينية: مالَ البار فنجا في الأبدية. (آ 26) كانت مهمّة المرسل أساسية عند الأقدمين، لأنها تشكّل وسيلة الاتصال الوحيدة (17:12 ؛ 22: 21 ؛ 13:25). هنا أوضحت السبعينية: كما يؤذي الحامض (حمص في العبرية، أو الخل أو الحصرم) الاسنان.
(آ 27- 32) كل من هذه الأقوال الستة يشير إلى الصلاَّح والأبرار وما يقابلهم. من جهة، أيام طويلة، الفرح، الطمأنينة، الحماية، الديمومة. ومن جهة أخرى، سنوات قصيرة، الموت، الخوف، الدمار، الانقطاع من أرض الاحياء. في آيتين يشير الكاتب إلى الربّ، وفي الآيات الأربع الباقية يقرّر النظامُ اللاشخصي مصيرهم.
آ 27: خوف الربّ: الطاعة لإرادة الربّ كما تعلّمها الديانة.
آ 29: طريق الربّ أبي وصايا الربّ. ولكن كيف تكون الطريق حصنًا؟ ولهذا استغنى المترجمون عن كلمة طريق وقالوا: الربّ حصن. وقالت السبعينية: مخافة الربّ حصن. أما السريانية فظلت أمينة للعبرية.
آ 30: في الأرض أي أرض كنعان وأرض الموعد التي أعطيت لشعب إسرائيل شرط
أن يسلكوا سلوكًا يوافق الوصايا. ولكنها تعني أيضاً الأرض كلّها.
آ 32: طلاقة اللسان تميّز الصدّيق. وإن الرجل الصالح يستعمل الكلام بطريقة بناءة. نقرأ في السبعينية: فم الأشرار يدمّر.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM