الفصل الرابع عشر: الحكمة والحماقة

الفصل الرابع عشر
الحكمة والحماقة
9: 1 – 18

يبدو ف 9 خاتمة ف 1- 9 وهو يغلق الباب الذي فتحه 1: 1- 7. إنّه مركّب بشكل دبتيك بفنّ يليق بنهاية الكتيّب. ولكن آ 7- 12 التي تدور حول المستهزئ لا تبدو قريبة من آ 1- 6 وآ 13- 18، ثم إن آ 10 و 11 تعرقلان مسيرة الفكرة. وإذا وضعنا جانبًا آ 7- 12 نجد أمامنا شخصين (أو تجريدين مشخَّصين) يبحثان عن التلاميذ. فعلى "الابن " ان يختار بين الحكمة والحماقة، والمعلّم يساعده على هذا الاختيار.

أ- المضمون
أوّلاً: صورة الحكمة (9: 1- 6)
الشخص الأول: السيدة حكمة. إنها في بيتها وقد أعدّت المائدة (آ 2- 5) بعد أن انتهت حديثًا من بناء بيتها. أرسلت جواريها يعلنن دعوتها للجميع (رج مت 8:22 ي، لو 14: 21- 23). إعترض بعض الشراح وقالوا: لا تقدر البنات أن تحملن دعوة إلى الرجال. وقالت السبعينية: أرسلت خدمها. بيتها واسع رحب، إنه بيت أميرة. بيت الحكمة هو الهيكل المبني على القمم. الأعمدة هي الاروقة. والعدد 7 يدل على مجموعة الاعمدة في القاعة الواحدة (1 مل 7: 1- 8). هذا يدل على متانة البناء وعلى كمال بيت الحكمة.
وذبحت سيدة البيت لوقتها "الحيوانات "، وهيّأت الخبز والخمر، وجاء التفسير الرمزي كما في القراءة عن البيت. جعلت السبعينية من الحيوانات المنحورة ذبائح وضحايا. رأى البعض في الخبز والخمر (تك 14: 18) طعامًا يرتبط بشعائر العبادة. وهكذا دخلنا في عالم الافخارستيا. وذكّرنا إرسالُ الجواري (مت 22: 3 ي ؛ لو 14: 16 ي) بإرسال الأنبياء. ولكننا لا نجد ما يؤكّد لنا ذلك على مستوى النصّ القديم.
أقامت الحكمة في بيتها، ودعت البسطاء والبلداء ليشاركوها في طعام سيمنحهم الحياة ويقودهم إلى العقل (آ 5- 6، رج أش 55: 1- 3: يقدم الربّ طعامًا يحيي النفس). إنها خيرات روحية وعد بها الحكماء من يختار الحكمة رفيقة حياته. وهذه الدعوة تكمّل دعوات 1: 20- 22؛ 8: 1- 5. ولا شيء يعارض أن نجد في الطعام الذي تقدّمه الحكمة "التأديب وأمثال المعلمين ". تلك هي الثقافة الدينيّة والتعليميّة والاخلاقيّة التي استقاها سفر التثنية وأسفار الأنبياء من أقدم التقاليد. وها هي الحكمة تقدّمها في إطار فكري مشدّدة على العقل والمعرفة.

ثانيًا: صورة الحماقة (9: 7- 12)
الشخص الثاني: السيدة حماقة. إنها تملك بيتًا في قمة المدينة (يش 2: 15"؛ حز 16: 31) وعرشاً ملوكيًا. مشيتها مشية الامراء (رج الوحش في روء13: 1ي ؛ 8:17- 16). وهي أيضاً تدعو الناس وتستعمل كلمات الحكمة (آ 4 وآ 16). ولكن بدل أن تذهب إلى لقاء مدعويها أو أن ترسل إليهم جواريها (آ 3)، فهي تبقى في بيتها متكاسلة وجالسة (آ 14)، وتحاول أن تجتذب العابرين الضائعين (آ 15). ولكن دعوتها تعود إلى مأدبة كاذبة وسرّية (آ 17) لا يأتي إليها إلاّ البلداء. إن مائدتها لا تقود إلى الحياة مثل مائدة الحكمة، بل إلى الموت والجحيم وعالم الظلمات (آ 18).
نحن هنا أمام تحذير رمزي من كل تجربة ولاسيّما تجربة الزنى (ف 7) التي تعيش في الخفية وتجرّ الإنسان إلى ملذِّات الجسد.

ثالثًا: أقوال مبعثرة (9: 13- 18)
ليس من السهل أن نحدّد أصل القسم الواقع خارج الاطار (آ 7- 12). ولقد اعتبر بعضهم الزيادات اليونانية في آ 12 كمقدّمة للفصل العاشر وقد تكون آ 7- 12 لعبت الدور عينه بالنسبة إلى النصّ الماسوري. وإن 9: 10 أ تذكّرنا بما نقرأ في 1 :7، و 9: 9، بما نقرأ في 1: 5 أ. أما آ 7- 8 اللتين تتحدّثان عن عدم جدوى أمثولة تُعطى للشرير والمستهزئ، فنجدها في كتيّب الحكماء (9:23). وتذكرنا 9: 11 بخير الحكمة. فهذه الآيات هي مدخل وهي خاتمة.

ب- تفسير الآيات
(9: 1- 6) نداء الحكمة. تبدو هنا كشخص نشيط. تنحت أعمدتها وعملها يدلّ على مهارة الصنّاع (خر 30: 6؛ 35: 10- 25؛ 1 مل 7: 14، 2 أخ 6:2- 12). تجعل بيتها هنا كما جعل الربّ هيكله وسط شعبه (2 صم 5:7؛ 1 مل 5 :19؛ حز 43: 6). في بيتها سبعة عواميد، لا اربعة. وهذا يدل أيضاً على الغنى. كثرة الذبائح والمشروبات تدل على الوفر والترف.
في آ 1: الحكمة (في الجمع "حكمات ")، كما نقول "الوهيم " (في الجمع) حين نتحدّث
عن الله. وهو جمع التفخيم. هذا ما نجده أيضاً في نصوص راس شمرا.
في آ 6: الحماقة أو البساطة في المعنى الرديء. قالت مخطوطات يونانية: اتركوا الحماقة تملكوا إلى الأبد، أطلبوا الفطنة لتحيوا وتوجّهوا عقلكم في الطريق المستقيم بواسطة المعرفة.
(آ 7- 12) لا فائدة من تأديب الأشرار. فالحكمة رغم قوتها ومجهودها وكثرة خيراتها قد تجد رفضاً لدى الأشرار والساخرين الذين يصل بهم نكران الجميل إلى الهزء والاحتقار (12:15؛ 21: 10). يعتبرون أن لا نفع في التعليم (13: 1؛ 9:23؛ 22:27؛ سي 22: 11- 13). وهم مسؤولون عن قساوتهم، لأنهم كخطأة لا يستفيدون من التنبيه. أما الحكيم فيكتسب الحكمة (1: 5؛ 14: 6؛ 19: 25؛ 21: 11) ومخافة الله ورجاحة العقل التي هي معرفة القديسين أي معرفة الله. وستأتي الثمار سريعًا: حياة طويلة وسعيدة.
في آ 10: قالت السبعينية واللاتينية: معرفة القديسين. وقالت السريانية: معرفة البار والصديق. هناك من اقترح القدوس في موازاة مع يهوه في القسم الأول من الآية (رج 3:30؛ يش 24: 19؛ أش 3:6). (جمع التفخيم): مخافة الرب، معرفة القدوس. وتزيد السبعينية: معرفة الشريعة هي الفطنة.
في آ 12 قالت السبعينية: يا ابني، إذا كنت حكيمًا لنفسك، فكن حكيمًا للآخرين. وان صرت شريرًا ستقطف الشرّ وحدك. وتزيد: من يستند إلى الكذب يغتذي بالريح وهو كمن يلاحق الطيور. يترك طرق كرمته ويبتعد عن السبل التي توصله إلى حقله. يعبر صحراء لا ماء فيها، وأرضاً مسلّمة إلى القحط، فلا يقطف بيديه إلا القحط والجدب. (آ 13- 18): نداء الحماقة. يسمع الحكماء تعليم الحكمة. أما الآخرون فيهزأون به وينجذبون بالحماقة. فالسيدة "حماقة" شخص نشيط، ونشاطه يقابل نشاط السيدة "حكمة". إنّها تجلس عند باب بينها وتدعو الناس وهي تستند إلى سحر الشرّ. أما النتيجة فموت مبكر.
إذًا نحن هنا أمام طريقين: طريق الخير وطريق الشرّ (تث 15:30- 20؛ مز 1).
في آ 13 نقرأ حسب السبعينية: المرأة الجاهلة والمتكبّرة تتحسّر إلى لقمة خبز. إنها لم تتعلّم الخجل.
في آ 15 دعوة الحماقة تستند إلى اجتذاب عالم سري يستند إلى الثمرة المحرَّمة (رج تك
3: 1- 6 والتجربة). نحن أمام مقابلة بين وليمة الحكمة ووليمة الحماقة. توصلنا وليمة الحكمة إلى العقل (آ 6) ووليمة الحماقة إلى الموت.
في آ 18 تزيد السبعينية والسريانية البسيطة مقطعًا يفسر"المياه الخفية": إبتعد، لا تتأخّر في هذا المكان، ولا تلقِ نظرك عليه. فهكذا تعبرُ مياهًا غريبة وتجتاز سيلاً غريبًا. تحاشَ المياه الغريبة ولا تشرب من نبع غريب لتحيا طويلاً وتزداد سنوّ حياتك.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM