الاتكال على الربّ

الاتكال على الربّ
المزمور الحادي والعشرون

1. المزمور الحادي والعشرون هو مزمور شكر ينشده الكاهن طالبًا إلى الله أن ينصر الملك. فالملك انسان مبارك من الرب الذي يملأ يدَه خيرًا ويُلبسه بهاء ومجدًا. ويحدّثه الكاهن باسم الله، وينبّهه إلى أنه سيجد نفسه وجهًا لوجه أمام الصعوبات، ولكن الله معه وهو ينصره على أعدائه فلا يفلت منهم أحد.

2. الرب يستقبل ملكه ليجعل له التاج على رأسه.
آ 2- 7: فعل شكر الكاهن لله من أجل الخلاص الذي تمَّ للملك مسيحه.
آ 8: صرخة الشعب لاستقبال الملك: الملك يتّكل على الرب، وبرحمة العلي لا يتزعزع.
آ 9- 13: وعد جديد من الله للملك: انتصارات جديدة ومُلك طويل.
آ 14: صرخةُ الشعب وصلاته إلى الرب: إرتفع يا رب بعزتك، نرنّم ونشيد لجبروتك.
في القسم الأول، يعبّر الكاهن عن فرحة الملك الذي حلّ ضيفًا على الرب. والله حليف الملك وقد باركه ببركاته، فأعطاه بغية قلبه وملتمس شفتيه: الإكليل، المجد، الخلاص، النصر على الأعداء، وأيامًا طويلة. حلّ الملك ضيفًا على الرب، فقال له ما في قلبه، وهو متأكّد أن الله يسمع ويستجيب.
في القسم الثاني يبدو الملك وكأنه لا يطلب شيئًا، ولكنه يعرف أنه بعد حفلة التتويج في الهيكل، ستعترضه الصعوبات المرتبطة بالملك، فيعلن له الكاهن أن النصر سيكون حليفه. يترك الملك الهيكل، وهو متأكّد بأنه سينتصر على أعدائه. وهذا ما يقوله الشعب عندما يعلن أن الملك يتّكل على الرب (آ 8)، لأنه هو المنتصر الحقيقيّ في حرب الشعب.

3. طلب الشعب من الله المعونة والنصر لملكه، فاستجاب له. رأى ملكَه متوجًا ومغمورًا بقدرة الله وبركته، فأحسّ بالطمأنينة. عظمةُ الملك شعاعٌ من عظمة الله، والحياة الطويلة علامة رضاه لأنها مشاركة لحياته التي تدوم. أما أعداء الله فسيحترقون في النار والتنور اللذين هما علامة غضب الله على المدن والأمم الكافرة.
نجد علاقة بين مز 2 ومز 20 ومز 21. إن مز 20 هو صلاة توسّل قبل التتويج. مز 2 هو صلاة التتويج. ومز 21 هو صلاة شكر بعد التتويج. في مز 20 يبدو الملك شخصًا بشريًا عاديًا. في مز 2 يصبح ابن الله ويُعطى تاجَ الذهب وصولجان الحديد علامة قوته. وفي مز 21 يكون وكيلَ الله الذي يتمّم عمله على الأرض.
4. الملك الذي ينشده هذا المزمور هو يسوع المسيح الملك الممسوح. كان قريبًا من الله الآب (لو 10: 21؛ 15: 11) وقد ظهر عمله الخلاصيّ في حياته يوم القيامة. دفعته قوى الشر إلى الموت (روم 6: 9)، فانتصر عليها وقام بالمجد والبهاء (عب 2: 9)، فنالت الشعوب كلها البركة على يده. (غل 3: 14).
المسيح ملك، ومُلكه تجلّى يوم القيامة، وهو يجعل أحبّاءه يشاركونه الملك، يجلسون كالرسل على اثني عشر كرسيًا، ويرافقون الحمل أينما يذهب، ويعبّرون عن فرحهم وبهجتهم مردّدين: "هللويا. الملكُ لربنا الاله القدير".

5. شخص الملك
الملك هو الشخص الرئيسيّ في هذا المزمور. ولكنه شخص صامت. يتكلّمون عنه أو يكلّمونه، ولكنه هو لا يتكلّم. إذا جعلنا جانبًا آ 8 وآ 14، ليس الشعب هو الذي يتكلّم، كما في مز 20، بل مسؤول عن شعائر العبادة. هذا يبدأ فيتوجّه إلى الله باسم الملك: "يا ربّ، تعزّزُ الملك فيفرح". ثم يتوجّه إلى الملك باسم الله: "يدك تطول جميعَ أعدائك، ويمينك كلّ مبغضيك".
إن الموضوع الليتورجي يجعل هذا المزمور قريبًا من بعض المواضيع الفرعونيّة في المملكة الوسيطة. استُقبل الملك في هيكل بناه لإلهه، فنال كلام وحي يؤكّد له الانتصار التامّ على جميع أعدائه. ولكن يختلف هذا المزمور عن النصوص المصريّة. فليس الرب هو الذي يدلّ على فرحه حين يستقبل الملك الذي مسحه، بل هو الملك يعلن ابتهاجه لأن إلهه قد استقبله.
ويُذكر التاج الذهبيّ فنحسّ أننا في حفلة تتويج. هذا في المعنى الماديّ. وهناك المعنى الرمزي حيث التتويج يدلّ على التمجيد، وحيث تتحدّث النصوص بالأحرى عن إكليل المجد. ففي آ 4، 7 نجد السبب الحقيقيّ لفرح الملك: عطيّة البركة والسعادة والحياة، وكلّ هذا تحت نظر الله.
ويصوّر المزمور فرح الملك، لأنه يجد نفسه أمام الله، في بيت الله. فقد اجتاح هذا الضيفَ قوّة خلاصيّة ينقلها الله إلى شعبه. نقرأ في 18: 29- 30: "الرب يضيء سراجي، إلهي ينير ظلمتي. بعونه اقتحم الجيوش، وبه أتسلّق الأسوار".
والملك هو، أمام إلهه، نموذج الانسان المبارك الذي تتمّ كلُّ رغباته. فكل حرمان على مستوى تحقيق هذه التمنّيات، يشكّل في نظر التوراة شرًا خطيرًا. ولكن حين يأتي الملك إلى الربّ، فهو يجد امكانية حوار مليء بالثقة. إنه يستطيع أن يعبّر عن رغبات قلبه. وهو متيقّن أن الرب يسمع له، ويستجيبه (2: 8؛ 1 مل 3: 5؛ أس 7: 1).
ونرى هنا الأمور كما في هياكل المملكة الجديدة في مصر. فيهوه يشبه الاله المصري: يتقدّم إلى ممسوحه بيدين محمّلتين بالسعادة والحياة (4: 7؛ 26: 2؛ 23: 6؛ 25: 13...). ويُلبس مختارَه الجلالَ والبهاء (23: 6؛ 45: 3، 7...)، ويغطّيه بمجد الملوك، وفيه يتمّ ملء المصير البشريّ.
لا يطلب الملك شيئا، على ما يبدو. ولكن الكاهن يلتفت إليه ويقدّم له كلمة من عند الرب. فحين يترك الملك الهيكل، فهو سيجد نفسه وجهًا لوجه أمام الصعوبات المرتبطة بوظيفته. فليذهب اذن وهو متأكّد من نصر لا ظلال فيه، من نصر تام يُفني فيه جميع أعدائه.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM