الربّ راعيّ

الربّ راعيّ
المزمور الثالث والعشرون

1. المزمور الثالث والعشرون هو مزمور شكر ينشده المرتّل بعد أن عاش حفلات العيد في الهيكل. سيرجع إلى بيته بانتظار أن يعود ثانية إلى الهيكل فيقضي فيه أيامًا وأيامًا: أعود إلى بيت الرب وأسكن فيه. يُنشده ليعلن إيمانه وثقته بالرب الذي يرافقه في طريق يعود فيه، فلا ينقصه الطعام أو الشراب، ويحفظه من كل شرّ. الرب راعيَّ فلا يعوزني شيء. أنشدته جماعة اسرائيل الآتية من المنفى بقيادة الرب راعيها الذي يرد شعبه عبر البرّية، وينتظره في هيكله ليستقبله كالضيف ويقدّم له الطعام والشراب.

2. مسيرة شعب الله وكل فرد من الافراد بقيادة الرب الراعي.
آ 1: مقدمة: عندما يهتمّ الله بشعبه يغمره ببركاته فلن يحتاج بعد ذلك إلى شيء. يعطيه الطمأنينة والطعام (81: 16- 17). أليس من واجب الراعي أن يحمي قطيعه ويرعاه؟
آ 2- 4: طريق الرجوع بقيادة الرب من عالم العنف والظلم إلى عالم الراحة والبر. اسرائيل خاطئ وقد سعى وراء الآلهة الكاذبة (أش 49: 4)، ولكن الله عزم على أن يبرّره من أجل اسمه (25: 11؛ 31: 4). وهنا نسمع كلمات هي صدى لما نقرأه في أشعيا (41: 10؛ 43: 5): "لا تخف لأني أنا معك". "عزّوا، عزّوا شعبي" (أش 40: 1؛ 50: 3). هذه العصا التي استعملها الله ضد شعبه (أش 10: 5) سيستعملها ضد أعداء شعبه، هؤلاء الذئاب الذين يهدّدون القطيع.
آ 5- 6: يستضيف الله شعبه في وليمة مسيحانية. يذكر المزمور الخبر والخمر وزيت الضيافة، وكل هذا عطيّة أرض الميعاد (تث 28: 3- 8). ويكون العطاء وافرًا فتفيض الكؤوس خمرًا ويسيل الزيت (العطور) على الرؤوس فيغضب الاعداء. وبعد ذلك لن يعرف الشعب الاضطهاد ولن يلاحقه بغضُ الأمم، بل ستلاحقه سعادة الله ورحمته فيكون في الراحة طول الأيام (16: 11؛ 21: 5).

3. منذ عهد الآباء (تك 48: 15) نعرف أن الله يرعى شعبه وكل فرد من أفراد الشعب. ولكننا نجد هذا الموضوع بشكل خاصّ في الكتب النبوية. يقول هوشع (4: 16): "يرعاهم الرب كالحمل في الأرض الرحبة". وإرميا (23: 3): "أجمع غنمي وأردها إلى حظائرها فتثمر وتكثر". ويقول أشعيا (40: 11) عن الرب أنه يرعى قطيعه كالراعي، فيجمع الحملان بذراعه ويحملها في حضنه ويستاق المرضعات رويدًا. هذا ما شعر به المرتّل من سعادة في حياته مع الله: مراع خصبة، مياه باردة منعشة بعد حر البرّية وتعب الطريق. وهذا ما شعر به الشعب عندما ترجّى أن تخرج الينابيع من تحت الهيكل علامة بركة على الراجعين من المنفى.
وسيكون المرتّل، وهو يمثّل الشعب، ضيف الرب، والضيف له حرمته. بعد ضيق الطريق، يجد في الهيكل الراحة والحماية، ويُدعى إلى مائدة يترأسها الرب يصبّون فيها الزيت على رأسه (عا 6: 6) ويجعلون الخمر تسيل انهارًا (25: 8). وهذه الوليمة هي رمز لوليمة نهاية الازمنة التي يتحدّث عنها أشعيا (55: 1) فيقول: "أيها العطاش جميعًا هلمّوا إلى المياه".

4. قال العهد القديم إن الرب هو الراعي الذي يحمل الخلاص إلى شعبه (مي 5: 3؛ حز 34: 23؛ 30: 25) والمسيح هو الراعي الصالح الذي يهتمّ بقطيعه. فقد قال عن نفسه (يو 10: 1- 16): "أنا هو الراعي الصالح". والعصا التي يحملها ليقود بها قطيعه ستكون صليبه لأنه يبذل حياته من أجل خرافه.
وتسير الكنيسة على هدي راعيها، فتأخذ الحياة الالهيّة بالمعمودية، وتتغذّى بجسد الله بالإفخارستيا وتمسح أبناءها بزيت الروح في سرّ التثبيت. وهكذا يستطيع كل أبنائها أن يسيروا في طريقهم إلى الآب، فلا يخافون من الأعداء، بل يعبرون ظلمة الموت ويصلون إلى مكان الراحة والبرودة والسعادة.

5 أ. الله راعي شعبه
الراعي هو القائد وهو الرفيق. هو الذي يتسلّط على الخراف وبالتالي على البشر، وهو الذي يرافق خرافه فيعيش حياتها ويعرف مثلها الحرّ البرد والعطش والجوع. الراعي هو الرجل القوي الذي يقدر أن يدافع عن قطيعه بوجه الوحوش، وهو الأم الرؤوف التي تعرف الخراف وتكيّف حياتها على حياتهم. سلطة الراعي لا تناقَش، ولكنها مؤسَّسة على المحبّة والتضحية. قال يسوع: "الراعي الصالح يبذل حياته عن الخراف" (ي، 10: 11).
حين خرج العب، قاده ربّه كما يقود الراعي خرافه (78: 52)، وساقهم في البرّية فلم يعوزهم شيء. لهذا سجدوا له وأعلنوا أنهم الشعب الذين راعيهم الرب والغنم الذي تقوده يده (95: 7). الرب يعمل كراعٍ: "يرعى قطيعه ويجمع الحملان بذراعه ويحملها في حضنه ويسوق المرضعات رويدًا رويدًا" (أش 40: 11). الربُّ يقود خرافه إلى ينابيع المياه (أش 49: 10)، وإذا تفرّقت معها (أش 56: 8).
هذا في العهد القديم. وانتقلت الصورة إلى العهد الجديد، فيسوع هو راعي الرعاة (1 بط 5: 4)، راعي نفوسنا وحارسها الذي يشفينا من جراحنا بجراحه (1 بط 2: 24- 25). أرسل إلى الخراف الضالة من آل اسرائيل (مت 15: 24؛ لو 19: 10) وجمع تلاميذه قطيعًا صغيرًا (لو 12: 32) ووعدهم بالملكوت. ولكن انجيل يوحنا سيعود إلى صورة الراعي فيقدّمها في مثل بلسان يسوع نفسه: "أنا الراعي الصالح والراعي الصالح يبذل نفسه في سبيل الخراف... أنا الراعي الصالح أعرف خرافي وخرافي تعرفني" (يو 10: 11، 14)
كانت الخراف مظلومة، كانت الخراف معرّضة للسرّاق واللصوص، كانت الخراف مشتّتة في كل مكان بسبب رعاة السوء والأجراء الذين لا يهمّهم أمر الخراف. يئس الناس من هذه الحالة ودعوا الرب ليرعاهم بنفسه. وأحسّ الرب أن رعاة الأرض يرعون أنفسهم (حز 34: 11). لذلك قرّر أن يقوم بعمل الراعي. يَنشد خرافه ويفتقدها ويجمعها. ولكن ما ظلّ صورةً في العهد القديم، تحقّق في العهد الجديد يوم جاء يسوع بنفسه يطلب غنمه ويرعاها ولا يهتمّ إلاّ بأن يجمعها لتكون رعيّة واحدة لراع واحد (يو 10: 16).

5 ب. المزمور 23 ومراحل التدرجّ المسيحي
عندما نتكلّم عن أسرار التدرّج نعني المعمودية والتثبيت والإفخارستيا، وفيها يتدرجّ المسيحي ليصل إلى ملء عطيّة الايمان. فكيف قرأ التقليد المسيحي المزمور 23 في إطار التدرّج المسيحي؟
عندما نقرأ الكرازات المسيحية الأولى، ندهش لعدد الاشارات والتلميحات إلى المزمور 23. فقد كتب كيرلس الأورشليمي (315- 387) في كرازته الرابعة: "عرفك الطوباويّ داود بفضيلة سرّ (الإفخارستيا) حين قال: هيأتَ مائدة أمام عينيّ تجاه مضطهدي. فما يعني بهذا إلاّ مائدة الأسرار السرّية التي هيأها الله لنا؟ مسحتَ رأسي بالزيت. مسح رأسك على الجبين بوسم الله لكي تصبح موسومًا ومكّرسًا لله. وترى أيضًا أنه يشير إلى الكأس التي قال عليها المسيح بعد الشكر: هذه هي كأس دمي".
ويقول القديس امبروسيوس (339- 397) أسقف ميلانو في إيطاليا: "إسمع أيَّ سرّ قبلت، إسمع داود يكلّمك. هو أيضًا نظر مسبقًا إلى هذه الأسرار، فابتهج وأعلن أن لا شيء ينقصه. لماذا؟ لأن الذي قبل جسد المسيح لن يجوع أبدًا. كم مرّة سمعت المزمور 23 دون أن تفهمه؟ أنظر كم يليق بالأسرار السماوية".
ونقرأ أيضًا في ديديمس: "الغنى الالهي كله للذين لا تعطى لهم بعد خيرات الأرض بسبب صغر سنهم، وهكذا يستطيعون أن ينشدوا: الرب يهديني فلا يعوزني شيء". إذًا كان المعمّدون الجدد ينشدون هذا المزمور. وفي هذا يقول امبروسيوس: "بعد أن خلع المعمّد ثياب الضلال وتجدّد شبابه كالنسر، ها هو يُسرع نحو المائدة السماويّة. يصل فيجد المذبح معدًّا فيهتف: هيّأت أمامي مائدة".
ويفسّر لنا القديس غريغوريوس النيصي (330- 395) هذا المزمور على أنه مزمور التدرّج فيقول: "يعلّم المسيح الكنيسة بهذا المزمور أن عليها أن تصير نعجة للراعي الصالح. فالكرازة تقودك إلى المراعي وينابيع التعليم. ويجب أن تُدفن معه في الموت بالمعمودية. ولكن هذا ليس موتًا، بل ظلّ الموت وصورته. بعد هذا يهيّئ مائدة الأسرار. ثم يمسح بزيت الروح، وأخيرًا يأتي بالخمر التي تُفرح قلب الانسان وتسكره بسكر العفّة".
وكان الموعوظون يتعلّمون هذا المزمور ليتلوه يوم الفصح. وفي هذا يقول أوسابيوس: "حين نتعلّم أن نذكر الذبيحة على المائدة مع علامات الجسد والدم الأسراريّة حسب فرائض العهد الجديد، نتعلّم أن نقول بصوت النبي داود: هيّأت أمامي مائدة تجاه مضطهديّ. مسحت رأسي بالزيت. فالكلمة تدلّ بوضوح من خلال هذه الآيات، على المسحة الأسراريّة وذبيحة مائدة المسيح". ويقول أحد الآباء متوجّهًا إلى الموعوظين: "احفظوا عن ظهر قلوبكم آيات هذا المزمور وردّدوها بصوت عال... إحفظوا هذا المزمور الذي سُلِّم اليكم. واذ تمتلكونه بأفواهكم، تحقّقونه في حياتكم وكلامكم وسيرتكم... المائدة المحدودة هي المذبح القرباني الذي يُظهر الخبزَ والخمر كل يوم في شبه جسد المسيح ودمه. والعطر المسكوب على الرأس هو زيت الميرون".
ونتوقّف الآن على كل آية من الآيات هذا المزمور لنرى كيف فسّرها التقليد.
آ 2- تتكلّم عن المراعي التي إليها يقود الراعي خرافه. رأى غريغوريوس النيصي في هذه المراعي الكرازة المهيّئة للمعمودية حيث تتغذّى النفس بكلام الله. وقال في ذلك كيرلس الاسكندراني: "نفهم بالمكان الأخضر الكلمات اليانعة دائمًا التي هي الكتاب الملهم الذي يغذّي قلوب المؤمنين ويعطيهم القوّة الروحيّة". وكتب تيودوريتس أن الكتاب يعني بالمراعي "التعليم المقدّس الذي يحوي كلمات الله التي تتغذّى منها النفس قبل أن تصل إلى الطعام الأسراري".
آ 3- "يقودني إلى مياه الراحة". نقرأ عند أثناسيوس الاسكندراني (295- 372): "إن مياه الراحة تعني ولا شكّ المعموديّة المقدّسة التي بها يُنزع ثقلُ الخطايا". ويربط كيرلس أسقف الاسكندرية موضع الاخضرار بمياه الراحة فيقول: "موضع الاخضرار هو الفردوس الذي سقطنا منه والذي يقودنا إليه المسيح ويقيمنا فيه بمياه الراحة أي بالمعمودية. ويعطي تيودوريتس التفسير عينه: "مياه الراحة رمز للحياة، رمز للمياه التي فيها يعمّد من يطلب النعمة. يتعرّى من عتق الخطيئة ويستعيد شبابه".
آ 4- "إني ولو سرت في وادي ظل الموت لا أخاف سوءًا". يقول غريغوريوس النيصي: "يجب أن تُدفن معه في الموت بالمعمودية. ولكن هذا ليس موتًا، بل ظلّ الموت وصورته". ويقول كيرلس الاسكندراني: "بما أننا عمّدنا في موت المسيح، تسمّى المعمودية ظلّ وصورة الموت الذي لا نخافه".
"تكون عصاك وعكازك هاديًا لي". الكلمة اليونانية "بارقليط" تلمح إلى الروح القدس. وهكذا نقرأ عنه في غريغوريوس النيصي: "ثم يقودك بعصا الروح القدس، لأن البارقليط (أو الهادي) هو الروح القدس".
آ 5- "تدهن بالزيت رأسي". يقول كيرلس الأورشليمي: "دُهن رأسُك بالزيت على الجبين بالوسم الذي تقبله من الله لكي تتَّخذ علامة الوسم". وقال اثناسيوس: "هذه الآية تدلّ على الميرون السريّ". وأوضح تيودوريتس: "هذه الأشياء جليّة للذين تدرّجوا وما عادوا يحتاجون إلى شرح. هم يتعرفون إلى الزيت الروحي الذي مُسحت به رؤوسهم".
"هيّأت مائدة أمامي". فبعد المعمودية والتثبيت، يتكلّم المزمور عن الإفخارستيا. يقول كيرلس الأورشليمي: "إذا أردت أن تعرف نتيجة السرّ، إسأل الطوباويّ داود الذي قال: هيّأت أمامي مائدة تجاه مضطهديّ. واليك ما يعني بهذا الكلام. قبل مجيئك كان الشياطين يهيّئون للبشر موائد رجسة مملوءة بقوات شيطانية. ولكن حين جئت يا رب وضعت أمامي مائدة هي مائدة أسراريّة وروحية هيّأها الله لنا". ويشدّد القديس قبريانوس (200- 258) القرطاجي على السكر الروحي فيقول: "ولكن السكر الذي يأتي من كأس الرب لا يشبه ذلك الذي تعطيه الخمر العادية. لهذا يزيد المزمور: أنه حقًا عجيب. فكأس الرب تسكر بحيث تبقي على العقل وتجر النفوس إلى الحكمة الروحية. بها يعود كل واحد من تذوّق الأمور الدنيا إلى تفهّم الأمور الالهية. وكما الخمر تحرّر الروح وتوسّع النفس وتزيل كل حزن، كذلك يفعل الدم الخلاصي وكأس الرب. فهما يزيلان ذكر الانسان العتيق وينسيان الحياة العادية ويضعان فرح نعمة الله ويريحان القلب الحزين والحالك الذي يرهقه ثقل الخطيئة".
ونشير أخيرًا مع الآباء إلى موضوع الرعاية. يقول غريغوريوس النيصي: "يدعوك داود في المزمور أن تصير نعجة يكون المسيح راعيها، لا يعوزها شيء، أنت الذي صار لك الراعي الصالح مرعى ومياه راحة وطعامًا ومسكنًا وطريقًا وهديًا يوزّع نعمته حسب حاجاتك. فهو بهذا يعلم الكنيسة أن عليك أن تكون نعجة الراعي الصالح الذي يقودك بالكرازة الخلاصيّة إلى مروج وينابيع التعاليم المقدّسة". ويرى القديس كيرلس الاسكندراني في المزمور "نشيد الوثنيين المرتدّين الذين صاروا تلاميذ المسيح والذين تغذوا وشبعوا روحيًا فعبّروا عن عرفان جميلهم لمعطيهم الطعام الخلاصي فيدعونه راعيًا ومغذّيًا. فهاديهم ليس قدّيسًا وحسب مثل موسى، بل رئيس الرعاة ومعلّم التعاليم الذي فيه كل كنوز الحكمة والعلم".

6. آ 2 إن الذي عمل ليقود باستقامة قطيع المسيح الهادئ الوادع يقول عن الراعي الصالح: "الرب راعيّ فلا يعوزني شيء. يقودني نحو المرعى الخلاصي حيث تنبت الاعشاب الالهية". لهذا فالراعي نفسه يقول عن قطيعه الخاص: "يذهب ويعود ويجد المرعى" (يو 10: 19). "مرج عشب طري" يدلّ على التربية الالهية، نجد فيها أرضًا معشبة روحية: التعليم الاخلاقي ليس فقط دواء ضد العطش بل حلاً من الخطايا.
آ 3 "ينعش نفسي". أنا نعجة ولكني ضللت. اختبرت الخطيئة وخرجت من المرعى، ولكن الراعي أعاد النعجة الضالة فردّ نفسي. نلاحظ: ليس أحد شريرًا بطبعه ما دام قادرًا أن يعاد حيث كان يعيش. فالخطيئة تأتي على الذين مالوا عن الله. لهذا يمكن أن تُغفر.
"في سبيل البر يقودني من أجل اسمه". "يقودني". يتكلّم هنا عن الراعي الذي يسير أمامنا ويفتح لنا الطريق لنمشي على السبيل التي رسمها لنا ونتبع خطاه. فحين يعيد خرافه الخاصة يسير أمامها وهي تتبعه.
"البر" يعني الطريقة التي بها ترسم فينا ممارسة الأعمال البارة: "السبل" هي وسائل تحقيقها، البرّ فضيلة شاملة أو أساسية. وسبلها هي أنواع الفضيلة. لهذا، فبعد أن دعا اسمه عليّ قادني في السبل التي تكلمت عنها.
آ 4 لا شيء مضر يقدر أن يوقف الذي يعيش مع الله أو يسيء اليه. هذا ما يقوله النبي: "ها الرب السيد يأتي إلى عوني، فمن يسيء إليّ" (أش 50: 9)؟ فإن سرت يومًا في الضيق والمشقة (وهذا ما يعنيه ظل الموت)، لا أخاف من ضرر هذه الحالة لأن الله معي. أكون مخطئًا إن تكلمت هنا عن الشرور. فنحن أمام حالات متكرّرة كالفقر والمرض والضيق وأمور من هذا النوع. وهذا ما تكلّم عنه أيوب حين قال: "ألا نقبل منه أيضًا الشر" (أي 2: 10)؟ فالذي لا يكون الله معه تحصل له شرور معارضة للخيور. أما الخطيئة فبعيدة عن كل انسان يعيش مع الله.
يقول آخرون إن العصا تعاقب وتدرّب. فقد قال بولس: "ماذا تريدون؟ أن آتيكم بالعصا" (1 كور 4: 21). فالعصا التي تسند تحلّ محلّ المشورة والتشجيع والتحريض.
"تهيئ أمامي مائدة تجاه مضايقي". تتضمّن هذه الكلمات سرا لا يدرك تجعلنا نرغب في الضيق. فكما في مباريات القوى. فلكل مباراة جزاؤَها. ولكلّ محنة توضع مائدة روحية وعقلية بسبب هذه المحنة عينها. فكل مرّة تكون في محنة توضع أمامك المائدة الروحية. فاسعَ لتكون لك عينان لترى موائدي. حينئذ ترفع آيات الشكر وتقول مع الرسول: "وعدا ذلك فإننا نفتخر أيضًا بشدائدنا" (روم 5: 3).
"أمامي" يدلّ على أن المائدة المهيّأة منظورة ومعروفة لديّ "أمام مضايقي"، أمام القوات العديدة التي تريد بي شرًا وتظلمني. أما الرب فيريدني أن أقف بشجاعة ضدّها. لهذا هيّأ أمامي مائدة وضع عليها طعامًا مغذيًّا. وحين أشبعُ من هذا الطعام، أستطيع كالمصارعين أن أقاوم بسخاء قوّة العدو. عندما نلتقي خيورًا كاملة يكون أعداؤنا أقوياء وعديدين. قال الرسول: "فُتح لي باب وأعدائي عديدون" (1 كور 16: 9). أفيضت عليه الحكمة بغزارة، "زيت الكهنة، مسحة الكهنة التي حمل هارون رمزها". هي "كالزيت الثمين المصبوب على الرأس والنازل عل لحية هارون" (133: 2).
"وكم هي جميلة كأسي المسكرة"، لم تكتف الحكمة بأن تهيّئ مائدة، بل صبّت أيضًا من خمرها، الخمر التي ينبوعها الكرمة الحقّة. صبّت هذا الخمر فمزجت الرؤى الالهية بالكلمات البشريّة. قسمت محتوى الكأس فسقت كل واحد كأسًا ثمينة ومختارة...
آ 6 وتلاحقني رحمتك كل أيام حياتي. ينتج الانسان ثمار خلاص، لا بأعماله، بل بحبّ الله الذي هو رحمة. فالرب غني بالرحمة بسبب حبه العظيم للبشر. فالذين أعطتهم الذنوب والمعاصي الموت، سيدعوهم الرب من جديد إلى الحياة مع المسيح. من هنا كلمة القديس: رحمتك تلاحقني...
"وأسكن في بيت الرب طوال الأيام". يقيم في مكان اخضرار جديد فيسكن في بيت الرب لا إقامة ظرفيّة بل كل أيام الحياة الخالدة فيتمتع بنور دائم. أتكل على رحمتك وأحبك فأعرف أنني لن أحرم من الاتكال عليك لأني تعلمت من رحمتك كل أيام حياتي. فرحمتك وحبك يؤهلانني لأن أسكن في بيتك وفي كنيستك. أتفرّغ إلى نوع الحياة الذي عرفته في بيت الله المكرّس وهيكله المقدّس فأصل بقربك إلى أيام كثيرة وحياة خالدة. (ديديمس).

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM