الفصل السادس والعشرون: السعادة الآتية

الفصل السادس والعشرون
السعادة الآتية
33: 1- 26

يتضمّن ف 33 سلسلة أقوال خلاصيّة تصوّر السعادة المحفوظة لشعب إسرائيل (آ 1- 13)، والعودة النهائيّة لمملكة داود والكهنوت اللاويّ (آ 14- 22)، واختيار الشعب والسلالة الداوديّة اختيارًا لا عودة عنه (آ 23- 26). تفوّه "النبيّ" بهذه الأقوال في أوقات مختلفة، فجُمعت وأعيدت قراءتها (وربّما أضيفت أشياء) قبل أن تُنشر في شكلها الحالي.

1- عودة المدن إلى عزّها السابق (13: 1- 13)
أ- قراءة النصّ
آ 1- مس 33= سب. 4. "ش ن ي ت"، ثانية (13:1). هذا يلي ما قرأنا في 32: 6- 8 أو 32: 26. وهكذا يصبح 33: 1- 13 (الذي هو سلسلة أقوال إلهيّة) ملحقًا لما في ف 32. إنّ 32: 2 ب ؛ 33: 1 ب هما حاشيتان تدوينيّتان في حياة إرميا، داخل ف 32- 33. غير أنّ الموادّ التي نقرأها هنا تفترض دمار يهوذا وأورشليم (43:32؛ 33: 10، 12). وهكذا يكون الحصار سياقًا على مستوى الموضوع لا على مستوى التاريخ.
آ 2- صنعها فكانت ("هـ ي ه"، بدل: "ي هـ و ه"). سب: صنع الأرض وكوّنها. الربّ اسمه: رج 18:32 ب.
آ 3- "و. ب ص روت": ما هو منيع، لا يُؤخذ (في 15: 20 سور منيع). هناك من قال: خفيّ. رج أش 6:48: الخفايا التي لم تعرفها.
آ 4- "ملوك ". سب: ملك (في المفرد). رج 18:22، 21. تتحدّث مس عن أكثر من قصر ملكيّ في المدينة. إن آ 4 ب- 5 أ نصّ صعب: "التي هُدمت والمتاريس والسيف المقبلين على حرب الكلدانيّين ليملأوها من جثث البشر". تركت سب "المقبلين" وقرأت "الأسوار" بدل السيف، ولكنّها ظلّت شبيهة بما في مس. كانت هناك تحصينات في المدينة (أش 22: 10). في أي حال، يبقى النصّ لا متماسكًا.
آ 5- "عن هذه المدينة". سب: "منهم". إخفاء وجه الله استعارة تشير إلى الغضب والدمار، وتراجع الله عن حنانه وحمايته. رج أش 17:8؛ 8:54؛ 64: 6.
آ 6- "عصابة" (أرك ه). اللحم الجديد سيحل محلّ الجرح. رج 8: 22؛ 30: 17؛ أش 58: 8. تستعمل اللفظة للحديث عن إصلاح الهيكل (2 أخ 24: 13)، عن إعادة بناء أسوار أورشليم (نح 4: 1). سر تقرأ "ل هـ م" أي الأسوار. بدل "لها" أي المدينة.
آ 7- سب (بعض المخطوطات): "أورشليم" بدل "إسرائيل" الذي يوافق سياق ف 32- 33.
آ 8- كت: ل ك و ل. قر: ل ك ل (خطأ ناسخ).
آ 9- وهي تكون. أي المدينة. رج آ 6. "لي اسم وفرح". سب: للفرح. أي سبب فرح. "ا ت م" لهم (أصنعه لأهل أورشليم، لا للأمم).
آ 10- في هذا الموضع، أي أورشليم. رج 36:32، 43.
آ 11- رج 7: 34 ؛ 16: 9؛ 25: 10. مس: "ت و د ه" (المديح، الشكر). سب: العطايا. رج 17: 26 من أجل ذبيحة الشكر في إعادة بناء الهيكل. النشيد الليتورجيّ في آ 11 ب عبارة معروفة. رج مز 106: 1 ؛ 107: 1 ؛ 118: 1؛ 136 (اعرفوا للربّ لأنّه صالح).
آ 13- رج 26:17؛ 32: 44. تُقسم الأرض: موضع للهيكل، شراء الأرض، موضع للمراعي. من يحصي الغنم هو الذي يقودها إلى المرعى.
ب- التفسير
آ 1- سياق "كلام الله" هنا هو ذاك الذي رأيناه في ف 32: ما زال إرميا في السجن خلال حصار المدينة سنة 588- 587.
آ 2- الله هو القدير. يخلق الأرض، يكوّنها، يثبّتها. إذا كانت تلك قدرته، فماذا لا يفعل؟ رأى قمحي وبعض الشرّاح اليهود في الضمير (صانعها) أورشليم. فصارت الجملة: الذي صنع أورشليم. نتذكّر هنا أنّ الاسم يدلّ على الشخص. الربّ يفعل بذاته، ويفعل باسمه، هو قدير واسمه قدير.
آ 3- لهذا يقول للنبيّ: ادعني، نادني باسمي وأنا أجيبك.
آ 4- الربّ الذي هو سيّد الأرض، هو في الوقت عينه سيّد أورشليم والقصر الملكيّ (أو البيوت).
آ 5- لماذا المقاومة؟ ألنملأ البيوت بالجثث حين تتسقط المدينة؟ نلاحظ دومًا أنّ الكاتب يترك السبب الثاني الذي هو نبوخذ نصر والبابليّون، ويتوقّف عند السبب الأول الذي هو الله.
آ 6- هنا تتبدّل الأحوال. هذا ما سوف أفعله: عصابة للجرح والشفاء (3: 22؛ 8: 22؛ 30: 17). "ش ل و م"، السلام، ومعه البركة والوفرة والازدهار. "ا م ت" الأمان والحق (رج 11، 26).
آ 8- ويعود كلّ شيء إلى ما كان عليه في الماضي. بنو يهوذا وإسرائيل يطهّرون من خطاياهم. رج حز 36: 25. يكون لهم الغفران (31: 34).
آ 9- بكون لي هذا العمل مصدر اعتزاز. أو تكون المدينة التي أعيد بناءها عنوان بهجة. فرح الله بعمله كما في الخلق حين رأى ما صنعه فإذا هو حسن جدًّا. رج 13: 11؛ صف 20:3.
آ 10- وتُقرأ بصوت الربّ مقابلة بين الماضي وخرابه، والحاضر وفرحه (آ 11). لا لأنّ إسرائيل صار أهلاً لعطيّة الربِّ، بل لأنّ الربّ صالح ورحمته إلى الأبد.
آ 12- لم يعد هنا مسكن للرعاة. ولكن تبدّل الوضع بقدرة الله. هو قال وهو سيفعل. بل هو فعل. هذا ما يكتشفه قارئ نصوص إرميا بعد العودة من السبي.
ج- دراسة عامّة
دلّ ف 32 على تأثير "الناشر" الاشتراعيّ. وف 33 الذي هو امتداد ف 32، أدخلنا في دورة الخلاص التي بدأنا ندخل فيها مع ف 30- 31. إنّ ف 33 هو مجموعة أقوال نبويّة تتعلّق ببناء المدينة والأرض (آ 2- 9، 10- 11، 12-13). وما تبقى يرتبط بإعادة الحياة إلى نسل داود (آ 14- 16، 17- 18، 19- 22، 23- 26، نجد في بداية كلّ قطعة: قال الربّ).
يرتبط ف 33 بما في ف 32 بحاشية تدوينيّة تجعل تقبّل الكلمة لدى إرميا في ذات الوضع الذي فيه اشترى الحقل من ابن عمه حنمئيل بن شلّوم (آ 1؛ 2:32، 8). كل هذا جُعل في إطار حصار المدينة؛ بحيث تُعلن قيامتها قبل سقوطها. عودة شراء الحقول في الأرض (ف 32)، وبناء أورشليم ومدن يهوذا، كلّ هذا ارتبط بتلميح إلى الله الخالق (32: 17؛ 33: 2). وارتبط عمل الخلق بعمل الخلاص كما في أشعيا الثاني. وبدا وجهُ إرميا في ف 32- 33 بشكل مختلف عمّا هو في التقليد: تلا صلاة طويلة تميّز حقبة ما بعد المنفى (17:32- 23)، ودُعي لكي يطلب من الله وحي أسراره العظيمة (آ 3 ؛ رج صورة دانيال الذي كشف له الله أمورًا مخفيّة حول المستقبل). في آ 4- 9، تشير الأشياء الخفيّة إلى إعادة بناء أورشليم المدمَّرة بيد العدوّ. وهذا البناء هو استعادة الظروف التي عرفها الشعب في بداية تاريخه بعد أن طهّره الله من إثمه وغفر له خطيئته (31: 34).
نحن هنا (آ 2- 9) أمام نظرة لاهوتيّة. فالربّ هو الذي يجدّد مدينته فيصبح الهيكلُ سبب افتخار له. وتأتي وحدتان تشيران إلى انتظار البناء هذا: آ 10- 11= 32: 36، 43. هما تشيران إلى دمار المدينة (31: 36) والأرض (32: 43). وكذلك تتطرّق آ 12- 13 إلى الأرض الخربة مع نظرة إلى عودة الرعاة مع قطعانهم. هذه الانتظارات تتأسّس على تبدّل الخبرة الماضية التي عاشتها الجماعة. حيث لم يعد بشر ولا حيوان. سُمع صوت البشر، صوت العريس والعروس، صوت المرنّمين للربّ.

2- عودة سلالة داود (33: 14- 26)
أ- قراءة النصّ
آ 14- لا نجد في سب آ 14- 26. فقد أضافها النصّ الماسوريّ في نسخة إرميا الثانية. رج 23: 5- 6 الذي هو نصّ تتوسّع فيه آ 14- 16. "الكلام الصالح، الطيّب"، أي الوعد (أو العهد). رج 29: 10. رج 23: 5- 6 حيث يظهر إسرائيل (6:23) ولا يظهر هنا (آ 15- 16).
آ 15- رج 23: 5 حيثُ تستعمل لغة آ 14. نجد تلاعبًا على الألفاظ: "أ ص م ي ح. ل دود. ص م ح. ص د ق ه: أنبت لداود نبتًا صدّيقًا (هذا ما لا نجده في 13: 5 "ويحكم كملك ويكون حكيمًا". هذا ما لا يظهر في آ 14- 16 وإن وُجد في مخطوطات عديدة).
آ 16- في تلك الأيام (23: 6: في أيامه). "وتُسكن أورشليم". في 23: 6 ويسكن إسرائيل. بالرغم من وجود "إسرائيل" في آ 14، يعكس استعمال أورشليم هنا تحوّلاً في 23: 6. في 23: 6 يُسمّى النبت (أو: الفرع، الغصن) باسم صدقيا (الربّ صدقنا، برّنا). في آ 16، سياق إعادة بناء أورشليم (آ 6- 13) قد يكون أثّر على توسّع النصّ في قول حول اسم المدينة. بعض المخطوطات مع سر: اسمه (رج 6:23). رج حز 35:48 لاسم آخر للمدينة (الربّ هنا. ي هـ و ه. ش م ه). إنّ مدلول الجملة "هذا (هو الاسم) الذي به تسمّى الربّ برّنا"، يعود إلى بناء المدينة والأرض، وعودة سلالة داود. قد يمثّل النصّ الماسوريّ انتقال الاسم من النبت إلى المدينة.
آ 17- "لا ينقطع لداود رجل". أي لن ينقص داود شخص يعتلي العرش. نلاحظ "بيت إسرائيل" حيث اسرائيل تعني إسرائيل ويهوذا (آ 14).
آ 18- الكهنة الذين من أصل لاويّ. هي عبارة اشتراعيّة. رج تث 17: 9، 18؛ 18: 1؛ 8:24؛ 9:27؛ يش 3:3؛ 33:8؛ رج حز 19:43 ؛ 15:44. يُستعمل التعبيرُ عينه (لا ينقطع) لرسامة الكهنة وللجالس على عرش داود.
آ 19- رج آ 23؛ 26:32؛ 12:35؛ 8:43.
آ 20- "إن أمكن أن تنقضوا عهدي مع النهار". رج لا 42:26؛ عد 25: 12. استعملت آ 21 اللفظة العاديّة "ب ري ت ي" (عهدي). إن خلق النهار والليل بيد يهوه (تك 1: 5؛ 8: 22) يُصوّر هنا بكلمة "عهد"، فيدلّ على مضمونه كواجب محدّد لا على توافق بين جزئين (رج 31: 35- 36).
آ 22- رج تك 17:22 مع صورة الكواكب (النجوم) والرمل. ما قيل عن ابراهيم، يقال عن ذريّة داود وذريّة الكهنة.
آ 24- "العشيرتين: إسرائيل ويهوذا (آ 14). وربّما: داود ولاوي (آ 17- 22). أو: يعقوب وداود (آ 26). "أمامهم". من هم هؤلاء؟ "أولئك الشعب". أي شعب؟ هم الذين اعرفوا أنّ الربّ رذل العشيرتين. هم اليهود الذين وافقوا على الهجوم الذي نجده في ف 2- 20، فجاء من يهاجمهم (أشخاص ذات نظرة مختلفة).
آ 25- رج آ 20. "عهدي مع الأيّام". بل "عهدي مع النهار" (بهس، رج آ 20). هناك من قال: أما برأت، خلقت (ب ر ا ت ي في العبريّة) الأيّام؛ "ح ق و ت"، الترتيب (رج 31: 35، 36).
آ 26- "م ش ل ي م"، متسلّطين (ملوكًا). سر: متسلّط (صيغة المفرد). كت: ا ش و ب. قر: أ ش ي ب، أعيد. رج 32: 46 من أجل خاتمة الملحق (رج 33: 11؛ 49: 39). "داود عبدي" (آ 21، 26). ق "نبوخذ نصر عبدي" (25: 9؛ 27: 6).
ب- التفسير
آ 14- تأتي أيام. أجل، سيتدخّل الله من أجل شعبه.
آ 15- يُذكر داود وسلالته الشرعيّة، وذلك بعد المنفى. ولكن البشر فشلوا. فلا نجد الخلاص إلاّ في الربّ. رج 23: 5- 6؛ أش 1: 26؛ هو 2: 1.
آ 17- سيعود نسل داود ويجلس على العرش. وسيعود الكهنة يقدّمون المحرقات والذبائح (آ 18). وهكذا نعود إلى ما كنا قبل الذهاب إلى المنفى.
آ 19- عهد الله مع داود والكهنة، ثابت كعهده مع النهار والليل. والنسلان سينموان نموًّا عجيبًا. رج مز 35:89؛ سي 42: 24- 25.
آ 23- ولكن هناك أناسًا لا يصدّقون: رذل الله اسرائيل ويهوذا، فلم يعودا شعبًا يُحسب له حساب.
آ 25- فيردّ الربّ على هذا الاعتراض: عهده مع يعقوب وداود كعهده مع النهار والليل. وعاد النصّ إلى ما قبل موسى والخروج، عاد إلى ابراهيم وإسحاق ويعقوب. رج 29: 14؛ 31: 2؛ 33: 7- 11.
ج- دراسة عامّة
حين يعيد الربّ أمجاد يهوذا، حين ينزل السلام والخير على الأرض والمدن، يبقى أن نعرف ماذا يصير نسل داود ونسل الكهنة. إن هذا الانتظار يشير إلى سيناء والهيكل والخدم التي تقوم فيه (رج 30: 20- 21؛ 31: 23، 40؛ 33: 11)، إلى المغفرة والتنقية من الآثام (1 34:3؛ 8:33). ولكن لا يُقال شيء عن البيت الملكيّ (ما عدا 30: 9) وتنظيم شعائر العبادة. هنا في آ 14 ي، نجد عودة بيت داود مع الكهنوت اللاويّ. سيكون دومًا شخص يجلس على العرش من نسل داود. ولن يدمَّر الهيكل من بعد، ولن يُستبعد الكهنة من الخدمة المقدّسة (حز 44: 15- 27). أجل، سيتميّز المستقبل بملك من نسل داود وبدوام الذبائح. والربّ الذي خلق الليل والنهار ونظّمها، هو الذي يكفل دوام هاتين المؤسّستين. وهكذا تُبنى المدينة من جديد كما في أيام عزّها، ولاسيمَّا مع يوشيا الذي قام بإصلاح لعب فيه إرميا دورًا هامًّا.

د- الخلاصة
ويُطرح سؤال: كيف يعاد بناء أورشليم؟ هنا نقرأ ف 33 الذي ارتبط ب 32، وأخذ موضوعه، ورسم لوحة عن إعادة بناء أورشليم. يتأسّس تحقيق كلمة الله هنا على سلطة الله الخالق (آ 2، 20، 25). يرجم القسمُ الأول من النصّ (آ 2- 13) إرادةَ الله الذي يريد أن يعيد أورشليم إلى ما كانت عليه في السابق، ويجعلها مدينة السلام. والقسم الثاني (آ 14- 26) يعلن عودة نسل داود، وتنظيم الكهنة اللاويّين من أجل تنظيم شعائر العبادة. وهكذا انضمّت هنا السلطة الملكيّة والسلطة الكهنوتيّة كما عند النبيّ زكريّا بعد العودة من المنفى (زك 4: 1- 14). نجد أنّ الأحداث ستريل سلالة داود فلا يبقى سوى الكهنة في شخص يشوع بن يوصاداق الكاهن العظيم (زك 9:6- 14).

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM