الفصل السابع والعشرون: طاعة للكلمة وأمانة

الفصل السابع والعشرون
طاعة للكلمة وأمانة
34: 1- 35: 19

نقرأ في هذا الفصل توسّعين. توسّع أول يتوخه إلى حزقيا: أين صارت الطاعة لكلمة الله؟ وتوسّع ثان يتحدّث عن الريكابيّين الذين ظلّوا أمناء لله رغم الظروف القاسية التي مرّت فيها البلاد. سمع الريكابيّون لصوت أبيهم يوناداب بن ريكاب، ولم يسمع شعب يهوذا لصوت الربّ في ما يخصّ تحرير العبيد في السنة السبتيّة.

1- كلام إلى صدقيا (34: 1- 7)
يتضمّن هذا المقطع قولاً يوجَّه شخصياً إلى الملك صدقيا، خلال حصار أورشليم على يد الجيوش البابلونية سنة 588- 0587 الوضع الحرب ميؤوس منه بعد أن احتلّ العدوّ كل مدن يهوذا، فلم يبقَ سوى لاكيش وعزيقة اللتين ما زالتا تقاومان. لم يعد من أمل لصدقيا بأن يحتفظ بعرشه ويردّ البابلونيين. كل ما يستطيع أن يحصل عليه هو أن ينجو بحياته. يبدو هذا القول قريباً من ذاك الذي وجّهه إرميا إلى عبد ملك الكوشيّ (39: 15 - 18) أو باروك (ف 45).
أ- قراءة النصّ
آ 1- مس 34= سب 1 4. إن العبارة التي تدلّ على قبول كلمة الله، هي موسّعة لأنها تتضمّن مناسبة قبول الكلمة. رج 21: 1؛ 32: 1؛ 8:34؛ 35: 1؛ 40: 1. في بعض المرات لا يُذكر الظرف الذي فيه قيلت الكلمة: 7: 1؛ 11: 1؛ 18؛ 1؛ 30: 1. رج 21: 1-2؛ 2:32؛ 3:37-5 في ما يتعلّق بالحصار وبلقاء إرميا وحزقيا. تعطنا آ 17 تفاصيل أخرى حول هذه المناسبة. سب: "وكل منطقة حكمه". مس: كل الشعوب والممالك. هم يمثّلون الفرق العسكرية التي أمدّته بها البلدان الخاضعة له. مس: كل مدنها. أي مدن يهوذا مع أورشليم. رج 19: 15. سب: وعلى كل مدن يهوذا.
آ 2- "انطلقْ كلِّم صدقيا". هي النسخة الوحيدة عن لقاء إرميا مع صدقيا. مس: ها أنا أعطي. سب: تسلَّم تسليمًا. رج 28:32. سب تضيف "ويأخذها" به "ملك بابل": "فيأخذها ويحرق بالنار". اعتبرت بهس أن عبارة "يحرقها بالنار" قد دوّنت فيما بعد، وعلى ضوء ما حدث للمدينة.
آ 3- رج 32: 4؛ 39: 5- 7 ؛ حز 17: 11- 21. إن تمرّد صدقيا على سيّده السابق كان السبب في مواجهته الشخصيّة مع ملك بابل. ترى بهس أن عبارة "تذهب إلى بابل" قد كُتبت فيما بعد، وعلى ضوء الأحداث، وهي تتعارض مع آ 5 التي تتحدّث عن موته. لا نجد في سب "ويكلّم فمه فمك".
آ 4- لا نجد في سب "إنك لا تموت بالسيف". هناك من رأى في هذه الآية خياراً مشروطاً: إن سمع صدقيا كلام الربّ واستسلم، يعفو عنه نبوخذ نصر (رج 17:38- 18).
آ 5- "تموت بسلام". شهد صدقيا مقتل ولديه، وُفقئت عيناه، واخذ أسيراً إلى بابل (39: 5- 7). إذن، وُعد صدقيا بأن يموت في مدينته لا في بابل. رج 18:22؛ 2 أخ 16: 14؛ 21: 19 حول مراسم الحداد. وهذا يعني أن صدقيا دُفن في أورشليم بعد أن ندبته النادبات. وأحرقوا له البخور (العطور).
آ 6- إرميا النبي. رج 2:32. لا نجد "النبي" في سب.
آ 7- لا نجد "اللتان بقيتا" في سب. غير أن سب (الاسكندراني) تتوافق مع مس. بما أنه لم يبق سوى لاكيش وعزيقة، فهذا يعني أن الأزمة صارت في ذروتها.
ب- التفسير
آ 1- ما الذي ينتظر صدقيا بعد أن وصلت الحالة بالشعب إلى اليأس؟ بعد أن هاجم نبوخذ نصر أورشليم والمدن المحيطة بها؟
آ 2- وأرسل الربّ إرميا إلى صدقيا. ستسقط أورشليم في يد ملك بابل، وتُحرق.
آ 3- وصدقيا لن يفلت من قبضة نبوخذ نصر يقف أمامه. إن 32: 1- 5 (مقدّمة إلى ف 32)، قد استعاد عبارات ف 34.
آ 4- ماذا يكون مصير حزقيا؟ رج 2 أخ 16: 14؛ 21: 19. إذا قبل الملك بأن لا يقاوم، فستكون له حياته مغنمًا. ولكن الملك أراد أن يقاوم، فعُوقب عقاباً كبيراً.
آ 6- متى قال إرميا هذا الكلام؟ بعد أن هاجم نبوخذ نصر كل مدن يهوذا، فلم يبق سوى لاكيش وعزيقة، بالإضافة إلى أورشليم.
ج- دراسة عامّة
إن موضوع إرميا وصدقيا خلال الحصار البابليّ على المدينة المقدسة، يبدو في أشكال مختلفة من التقليد: وفد أرسله صدقيا إلى إرميا (21: 1- 7؛ 3:37-10). دعوة إرميا إلى حوار مع الملك (37: 16- 21؛ 38: 14- 27). إرسال الله إرميا إلى صدقيا (34: 1- 7). إن الحضور البابليّ هو ثابتة في هذه الأخبار (رج 37: 5). غير أن وضع إرميا يتبدّل تبدّلاً كبيراً. قد يكون حراً طليقاً في المدينة (ربّما في الهيكل). وقد يكون في السجن لأنه تكلّم بمثل هذا الكلام على الملك (3:32- 5). قد يُسأل سراً في غرفة في سجنه (37: 16- 17)، وقد يُسأل علناً في الهيكل (38: 13- 14). والجواب هو دوماً الدمار (21: 6؛ 37: 8-10). ولكن تبقى امكانية لصدقيا بأن ينجو بحياته وحياة بيته إن هو استسلم إلى البابلونيين (17:38- 23؛ رج 34: 4- 5؛ 17:37).
هناك عنصران (آ 2- 3، 4- 5) يتضاربان في هذه القطعة. في الأول (آ 2- 3)، ستُحرق المدينة ويمضي صدقيا إلى بابل بعد مواجهة مع الملك البابليّ. في الثاني (آ 4- 5)، يموت الملك بسلام، ويُدفن دفنة تليق بالملوك. ولكن يبدو أن العنصر الثاني بقي مشروطاً بتصرّف صدقيا تجاه البابليين: إن هو استسلم. ولكن صدقيا لن يستسلم، بل يحارب حتى النهاية.

2- شريعة تحرير العبيد (8:34- 22)
أخذ الشعب التزاماً بتحرير العبيد، والسنة هي السنة السابعة. ولكنهم تراجعوا، ورفضوا الطاعة لشريعة الله. فعزم الربّ على تسليم المدينة وشعبها إلى ملك بابل.
أ- قراءة النصّ
آ 8- رج آ 1. لا نجد في سب "كل" (الشعب) و"الذي في أورشليم" و"لهم". فصارت: "وكانت كلمة الربّ إلى إرميا بعد أن قطع الملك صدقيا عهداً مع الشعب بأن يُعلن الاعتاق". مس: لكي ينادي لهم بعتق، لكي ينادي بتحرير العبيد. رج آ 15، 17؛ أش 61: 1؛ حز 17:46؛ لا 25: 10. في حز 17:46 وفي لا 25: 10 تعود لفظة "د رور" (في الاكادية: اندورارو) إلى سنة اليوبيل.
آ 9- "حرّين، فلا يستعيد انسان يهودياً من اخوته" (رج آ 10). من أجل "ع ب د"، رج 13:22؛ 14:25.
آ 15- "فسمعوا" (أطاعوا). سب: ارتدّوا (آ 11). لا نجد في سب "حرّين حتى لا يستعبدهما أحد فسمعوا وأطلقوا".
آ 11- لا نجد في سب معظم هذه الآية. لا نجد سوى: "أخضعوهم عبيداً وإماء". "و ي ك ب وش وم" (كت) قر: "وي ك ب ش وم": فأخضعوهم. أي أعادوهم إلى العبوديّة. نلاحظ هنا فعل "ش و ب"، عاد، ندم (على ما فعل). رج آ 15، 16.
آ 12- استُعملت هنا عبارتان بشكل مقدّمة، لتدلاّ على تقبّل كلمة الله. "فكانت كلمة الربّ إلى إرميا". (كانت كلمة الربّ إلى إرميا) من لدن الربّ. رج آ 1، 8؛ 26:32؛ 33: 1. لا نجد في سب "من لدن الربّ".
آ 13- رج 22:7. "من بيت العبوديّة". رج خر 2:20 ؛ تث 6:5.
آ 14- "في نهاية السبع سنوات". رج تث 15: 1، 12. سب: ست سنوات. في السنة السابعة (خر 21: 2؛ تث 12:15)، لا في نهايتها (تث 15: 1)، ينتهي دين العبودية (الذي بسببه يُستعبد شخصٌ من الأشخاص). إن القول الاختتامي الاشتراعيّ حول الآباء الذين رفضوا أن يسمعوا للرب (7: 24، 26؛ 11: 1)، هو قول مقولب، ويدلّ على اتجاه لتجاهل الشريعة. رج نح 5: 1- 13.
آ 15- "رجعتم": لا نجد "أ ت م" في سب (أنتم). كما جُعل الفعلُ في الغائب الجمع (رجعوا). "اليوم" أي في اليوم الحاضر تمارَس الشريعة.
آ 16- "ممّن أطلقتموهم". رج تث 14:21 (حسب رغبتهم). لا نجد في سب "اخضعتموهم أيضاً".
آ 17- نجد تلاعب على الكلمات مع "درور". لم تعلنوا التحرير لاخوتكم، فأنا "أحرّر" السيف والوباء والجوع. كت: ل زوع هـ. قر: ل زع وهـ: الرعب. رج 15: 4؛ 9:24؛ 18:29 مع الجملة عينها.
آ 18- قطعوا العجل شطرين. هكذا كانوا يقطعون العهد. رج تك 15: 9- 18. يُلزم الواحد نفسه بشيء ما، وإن هو خالفه يستعدّ لأن يتحمّل مصير الحيوان المشطور، أي أن يُقتل (يُقطع).
آ 19- في سب نص قصير: رؤساء يهوذا والوجهاء والكهنة والشعب.
آ 20- أجعلهم، رج آ 18. لا نجد في سب "في أيدي طالبي نفوسهم". 7:21 ؛ رج 33:7 ؛ 16: 4؛ 19: 7 بالنسبة إلى 20 ب؛ ق تث 26:28.
آ 21- لا نجد في سب "في أيدي طالبي نفوسهم". رج 2:21.
آ 22- هي مزج 8:37 و 9: 11 ب.
ب- التفسير
آ 8- سياق النصّ: التزام بتحرير العبيد تطبيقاً للشريعة.
آ 9- هناك عملان. الأول: يحرّر اليهودي عبدَه العبراني (وأمته). الثاني: لا يستعبد أحذ يهودياً من إخوته (نح 8:5).
آ 15- ونفذ الرؤساء ما وعدوا به. ولكنهم ما عتموا أن تراجعوا (آ 11). في أي حال، كيف يخرج العبيد من أورشليم وهي مدينة تحت الحصار؟
آ 12- تجاه هذا الوضع جاءت كلمة الربّ. هي تلتي ضوءاً على الأحداث، وتدفع المؤمن إلى الأمانة للوصايا.
آ 13- وعاد الله إلى زمن العبوديّة في مصر (تث 12:15؛ رج 2 مل 4: 1). ولكن الآباء لم يسمعوا. فماذا يفعل الأبناء؟
آ 15- بدأ الأبناء بنوايا حسنة: رجعوا إلى الطريق القويم، ولكنهم رجعوا فنجّسوا اسم الربّ وأرجعوا عبيدهم.
آ 17- بعد الحكم، يُعلن العقاب مع تلاعب على لفظة "حزر". أنتم لا تحرّرون عبيدكم، فأنا أحرّر الوباء والجوع والسيف. أطلقتُ هذه الضربات عليكم لأنكم لا تطلقون عبيدكم. هذا ما حدث مع فرعون، ملك مصر (مثلاً، خر 3:10- 4).
آ 18- ونجد صورة "قطع العهد". كانوا يشطرون الذبيحة، ومن نقض العهد يُشطر كما شُطرت هذه الذبيحة. هذا ما سوف يتمّ لجميع الفئات. يسلّمون إلى السيف...
آ 21- لماذا تراجع الرؤساء عن تحرير العبيد؟ بدأ الفرعون بهجوم من فلسطين، فرفع البابليون الحصار عن المدينة. فلما رأى اليهوذاويون أن الضيق ابتعد عنهم، تراجعوا عمّا لزموا به أنفسهم.
آ 22- ولكن المصريين لم يتابعوا الحملة، فعاد البابليون يحاصرون المدينة. فأخذوها، وأحرقوها. هذا ما حدث في الواقع سنة 587، والنصَ قد كُتب بعد ذلك الوقت. ربّما في زمن نحميا.
ج- دراسة عامّة
إن كلمة الخلاص التي وُجِّهت إلى صدقيا (كانت مشروطة) في آ 4- 5، تبعها قول اشتراعي يهاجم فيه الملكَ والرؤساء الذين أخذوا عهداً على أنفسهم ثم تراجعوا.
إن اعلان تحرير العبيد هو خبر فريد في التقليد البيبلي (نح 5: 1- 13). وهو يدلّ على اهتمام الكاتب الاشتراعيّ بتطبيقْ العهد، كما يربط خبر دمار مدينة أورشليم بنقض هذا العهد الخاص (رج 17: 19- 27 وارتباط حرق المدينة بتدنيس السبت. في أي حال، من تجاوز وصيّة تجاوز سائر الوصايا). في تقليد يشجب الجماعة لفسادها، وإرشاد يشدّد على عبادة الأصنام المنتشرة حتى في الهيكل، يبدو تحرير العبيد مثلاً بسيطاً ليبزر حرق المدينة. لهذا، نحن بالأحرى أمام مدراش (درس وتأمّل دينيّ) يُضاف إلى التقليد فيعكس نشاط الجماعة خلال الحقبة الفارسية، لا أمام حدث تاريخيّ حصل قبل سقوط أورشليم.
د- خلاصة
نجد بعد كتاب التعزية (ف 35- 31) أخباراً سيرويّة، وننسى التعارض بين إرميا والأنبياء. غير أننا نجد دوماً موضوع الكلمة (كشخص حي) الذي هو موضوع أساسيّ في إر.
في آ 1- 7، وجّه النبيّ إلى صدقيا قولاً إلهياً يدعوه فيه إلى الخضوع لملك بابل. فإن لم يخضع، يكون وكأنه لا يخضع لكلمة الله، فيقع في الأسر في هذا القول يجهل إرميا المصير الدقيق الذي يعدّه نبوخذ نصر لصدقيا (39: 6- 7: 52 ؛ 10- 11؛ 2 مل 7:25)، ويعلن ذات اليقين السياسيّ الذي أعلنه في ف 27- 28. هذا يعني أن النبيّ تلفّظ بهذا القول بعد بداية الحملة البابليّة الثانية على يهوذا سنة 588. ورغم خطورة الوضع، لن يسمع الملك للنبيّ. لا شكّ في أننا لا نجد في النصّ مقاومة، ولكن الملك لا يسمع الكلمة التي نقلها إليه النبيّ باسم الله، وهذا هو المهمّ الوحيد في نظر"الناشر" الذي نظّم تلاحق الأخبار.
إن حدث تحرير العبيد (آ 8- 22) يدلّ بطريقته الخاصة على عدم الأمانة لكلام النبيّ، بل على قرار حرّ اتّخذ بتحرير العبيد والاماء الذين هم في الحقيقة إخوة وأخوات. استند سكّان أورشليم (الخاضعون لحصار قاسٍ من قبل البابلونيين) إلى تث 15: 12- 18، فالتزموا بقسم (خوفاً من الخطر إذا التزمنا بهذا الأمر، فقد يعفو الربّ عنا). ولكن ما إن زال الخطر حتى عادوا عن التزامهم. السياق التاريخيّ واضح: بعد بدء الحصار بقليل (588)، تقرّر تحرير العبيد ووضعهم في خط الدفاع مع المقاتلين. فلما رفع البابلونيين الحصار تجاه مجيء المصريين، عاد اليهوذاويون عن قرارهم، فاعتبر النبيّ هذه العودة خطيئة ضدّ الله (آ 17 ي) وخيانة لالتزام أخذوه.
ما معنى هذا الحدث؟ دلّ اليهوذاويّون أنهم لا يستطيعون أن يكونوا أمناء لكلمة التزموا بها أمام الله. فهل يستطيعون أن يُصغوا لأقوال نبيّ أرسله الله؟ وقد نجد هنا أيضاً امتداداً لما شارك به إرميا في الإصلاح الاشتراعي الذي أطلقه الملك يوشيا سنة 622.
3- درس من الريكابيين (35: 1- 19)
يورد ف 35 حواراً بين إرميا والريكابيين، وهو حوار يلعب دور الفعلة الرمزيّة: لقد ظلّ الريكابيون أمناء لمبادئ الأجداد، فرفضوا رفضاً قاطعاً بأن يتجاوزوها (آ 8- 11). أما بنو اسرائيل، فتركوا الربّ وتوجيهاته دون أن يحسّوا بالحياء.
أ- قراءة النصّ
آ 1- مس 35= سب 42. نجد هنا عبارة المقدمة مع إشارة إلى الظرف الذي فيه تقبّل إرميا كلمة الربّ (21: 1؛ 32: 1؛ 8:34؛ 40)، مع أن "في أيام يوياقيم" تبقى حاشية عامة جداً (رج 26: 1 ؛ 36: 1 بالنسبة إلى أخبار حصلت في أيام يوياقيم).
آ 2- "بيت الريكابيين" أي جماعة الريكابيين. أعضاء (هذه العشيرة). رج آ 3 ب، 5 أ. وقد يعني "البيت" الموضع الذي أقام فيه الريكابيون. هم لم يبنوا لهم بيوتاً، بل كانوا يقيمون في الخيام أمانة لتوجيهات الأجداد. رج آ 10- 11 حيث تركوا الخيام بعد حملة نبوخذ نصر وأقاموا في أورشليم. هنا أنطلق (هـ ل ك) إرميا إلى "البيت" الذي يقيم فيه "بيت الريكابين".
آ 3- "بن إرميا". هو شخص يحمل إسم النبيّ حسب التقليد. رج 52: 1. لهذا سفته سب: إرمين.
آ 4- "رجل الله". هي المرّة الوحيدة التي نجد فيها هذه التسمية في إر. قيلت عن صموئيل وإيليا وأليشاع وأشخاص آخرين لم تُذكر أسماؤهم (1 صم 2: 27- 36؛ 1 مل 13: 1-10). هناك من يقرأ: بن حانان. مس: يجدليا. سب: جدليا (رج 7:40). معسيا بن شلوم هو حافظ الاعتاب (رج 52: 24 وأهميّة هذه الوظيفة). قد يكون هو معسيا واله صفنيا الكاهن في 25:29؛ 24:52.
آ 6- يوناداب بن ريكاب هو مؤسّس الجماعة (2 مل 10: 15- 17، 23)، التي ارتبطت بالقينيين في 1 أخ 2: 55. وحده خبر إر 35 بتحدّث عن نشاطهم ضد حياة الحضر (الكرمة، الزراعة، بناء البيوت)، رافضين الحياة في المدينة والعمل في الزراعة من أجل العيش في الخيام ورعاية القطعان. سواء كان ف 35 من استنباط الكاتب، أو عكسَ مجموعة انفصالية في شعب يهوذا، هذا ما لا نستطيع أن نحدّده. وفي أي حال، لا يتأثّر الخبر بذلك.
آ 7- مس: لا تغرسوا كرماً ولا يكن لكم من ذلك شيء. سب: لا يكن لكم كرم. مس: متغرّبون. يجب أن يبقى الريكابيون "غرباء" داخل الجماعة اليهوديّة، فلا يُقيموا في موقع محدّد.
آ 9- "ولا حقل ولا زرع". يجب أن نقرأ: أرض زرع أي أرض تزرع. رج حز 17: 15 (بهس).
آ 11- "جيش ارام" (في سر: ادوم). في سب: جيش الاشوريين. "سكنٌ في أورشليم". هم يشرحون لماذا سكنوا في المدينة وفي البيوت. رج 1 مك 29:2- 41 وتراجع على مستوى الايمان بسبب الضغط الحربي. لم يلاحظ صاحب الخبر الارميائي التعارض بين مبادئ الريكابيين وممارستهم كما تظهر في هذه الآية.
آ 12- مس: إلى إرميا. سب: إليّ. رج 1: 4، 11، 13؛ 2: 1؛ 34: 12 حول مقدّمة قصيرة لقبول الكلمة.
آ 14- "هـ وق م" أقيم كلامُ يوناداب. أي نفِّذ. حافظوا عليه. أطاعوه. لا نجد في سب "إلى هذا اليوم، لأنهم سمعوا أمر أبيهم". "مبكّراً في الكلام". أي تكلّم وألحّ (13:7؛ 3:25. رج أرسل وألحّ، 25:7؛ 4:25؛ 7:26 ؛ 19:29 ؛ 15:35 ؛ 44: 4 ؛ 2 أخ 16:36. مبكرا في الشهادة، 11: 7. مبكراً في التعليم، 33:32. بدأ باكراً، وواصل التعليم والشهادة...).
آ 15- مبكراً في الارسال. أي أرسل باكراً، وأعاد الكرة وألحّ. رج آ 14. "كل عبيدي الأنبياء": هي جملة مقولبة نقرأها في 25:7؛ 26: 5؛ 19:29 ؛ 44: 4. رج "عبيده" في 25: 4. هذا يعني أن الربّ يكفل كلام الأنبياء. يؤمّن لهم الغطاء. ما الذي يعتبره الأنبياء كلامهم، وما علاقته بتنبيههم ضدّ طرق الشرّ وعبادة الأصنام (رج 28: 18).
آ 17- لا نجد في سب "لأني كلمتهم فلم يسمعوا، ودعوتهم فلم يجيبوا".
آ 18- مقدّمة الآية أقصر في سب: لهذا، هكذا قال الربّ. ويصوَّر في سب تصرّفُ الريكابيين بشكل يختلف بعض الشيء عمّا في مس.
آ 19- لا نجد مقدمة مسح (لذلك...) في سب التي تنهي الفصل بهذه الجملة: "كل أيام الأرض" (شك 22:8 كما في سب). في مس: لا ينقطع... رج 17:33- 18 حيث بيت يعقوب وسلالة الكهنة لا ينقطعان، شأنهما شأن الريكابيين. فالتواصل والاستمراريّة هما جزاء الأمانة للمبادئ. هذا في ما يتعلّق بالريكابيين. أما داود ولاوي فسيجازيهما الربّ خير جزاء بالرغم من خياناتهما.
ب- التفسير
آ 1- الإطار: زمن يوياقيم. رغم الظروف، ما زالت هذه الكلمة ترفع صوتها. ويُذكر يوشيا الذي كان أميناً لشريعة الربّ عكس ابنه يوياقيم. لا ننسى أننا نتحدّث هنا عن أمانة جماعة لم تتخلّ عن وصيّة الآباء.
آ 2- الريكابيون هم جماعة جسّدت مثالاً رفيعاً ودافعت عنه. هو مثال حياة بني اسرائيل كما عاشها الآباء والقبائل في البرية: رفضوا الحضارة الكنعانيّة ومدنها وزراعاتها ولا سيمّا الكرمة. وهكذا دلّوا "على تعلّق شديد بالربّ" (رج 2 مل 10: 15- 16). إذن، ذهب إرميا إلى الريكابيين وقدّم لهم خمراً.
آ 3- أطاع إرميا قول الربّ، وجاء بالريكابيّين إلى الهيكل ليراهم الناس ويتعلّموا منهم الأمانة.
آ 4- سُمِّي حانان "رجل الله" على مثال إيليا (2 مل 1: 9). هذا اللقب الذي أعطي عادة لأليشاع، يقال عن إيليا في مقطعين يتّصلان اتصالاً أدبياً بدورة أليشاع (2 مل 1: 13). معسيا هو حارس الأعتاب أو حارس الأبواب. ليس بوّاباً كالبوّابين العاديين، ولا كاهناً من الكهنة، بل هو موظّف كبير يتسلّم تقادم المؤمنين (2 مل 12: 10؛ 4:22).
آ 5- ترد في آ 5- 7 وصيّة يوناداب لأولاده: على مستوى الزراعة، على مستوى الكرمة والخمر، على مستوى بناء البيوت.
آ 8- أطاع الأبناء وصيّة أبيهم. قالوا في آ 10 إنهم يسكنون الخيام، في البرية، بينما نراهم يقيمون الآن في أورشليم، وفي البيوت. غير أنهم يبرّرون موقفهم الحاضر بسبب جيش نبوخذ نصر (آ 11).
آ 11- جيش الاراميين. كان مع جيش البابلونيين أو الكلدانيين.
آ 12- بعد هذا الخبر، يستخلص الربّ (أو النبي) العبرة ويدعو الشعب إلى أن يقبلوا تأديب الربّ ويسمعوا كلامه.
آ 14- كلّم يوناداب أبناءه فسمعوا له. كلّم الربّ شعبه فلم يسمع.
آ 15- لقد كلّم الربّ شعبه. بدأ باكراً، منذ أيام البرية. وألحّ في الكلام. أصلِحوا أعمالكم (18: 11) رج 3:7، 5 ؛ 3:36، 7؛ زك 1: 4. لم يسمع الشعب. أما بنو يوناداب فسمعوا (آ 16).
آ 17- لهذا سيأتي العقاب على يهوذا وسكّان أورشليم. بل هو أتى. فيا ليتهم رجعوا عن طريق الشرّ وتركوا الآلهة الكاذبة!
آ 18- بدا بنو يوناداب أمناء. لهذا، جازاهم الربّ على أمانتهم. سيدوم نسلهم على الدوام، على مثال سلالة داود كهنوت لاوي. "لا ينقطع رجل يقف أمامي كل الأيام". أي يكون بقربي ويخدمني.
ج- دراسة عامّة
تنتهي هذه المجموعة (26: 1- 32:36) بخبرين يقعان في عهد الملك يوياقيم. فيشكّلان خاتمة ف 26. إن خبر الريكابيين الغريب (ف 35) يقدّم تعارُضاً (لصالح الريكابيّين) بينهم وبين الأمّة مع جماعة حزقيا (8:34- 22). نُقض العهد فدمّرت أورشليم ومدن يهوذا على يد البابلونيين. فإذا أرادت الجماعة أن تبقى على قيد الحياة، يجب أن تتعلّم الأمانة من الريكابيين.
يقع الخبر قبل حفلة العهد (8:34- 11) بعشر سنوات تقريباً، أي في السنة الأخيرة لحكم يوياقيم، ساعة اجتاح البابلونيون الأرض وأخذوا يوياكين إلى المنفى. هذا الاجتياح دفع الريكابيين للّجوء إلى أورشليم ولخيانة ميراثهم. هم يرفضون الحضارة وقيم الساكنين في القرى والمدن، ويعيشون في البريّة على مثال الجماعة التي رافقت موسى فلم تتكّل إلاّ على عناية الله في تأمين الطعام والشراب. في النهاية حكم الربّ بلسان إرميا على يهوذا وأورشليم ووعد الريكابيين بنسل لا ينقطع.
د- خلاصة
مع ف 35 نترك عهد صدقيا ونعود إلى عهد يوياقيم. الخبر الوارد هنا يتحدّد موقعه، على ما يبدو في نهاية عهد يوياقيم، ساعة لجأ أهل الريف إلى أورشليم خوفاً من الجيش البابلي (600- 599).
يتضمّن النص خبراً قديماً (آ 3- 11، 18- 19)، أضيفت إليه فيما بعد مقدّمة (آ 1- 2)، وتفسير له معناه (آ 12- 17). ماذا نتعلّم من هذا الخبر؟ دعا إرميا مجموعة الريكابيين إلى إحدى غرف الهيكل وطلب منهم أن يشربوا خمرة صُبّت في الكؤوس. رفض الريكابيون أن يطيعوا هذا الأمر، فعادوا إلى أمانتهم لمبادئ وضعها جدُّهم يوناداب بن ريكاب. فالريكابيّون يشكّلون مجموعة تعيش حياة البدوّ، فيرفضون عادات الحضر انطلاقاً من موقف دينيّ. أسّسهم يوناداب حوالى سنة 845، فاعتبروا حياةَ الحضر خطراً على إيمانهم القويّ بيهوه.
حين قدّم إرميا (أو: الناشر) هذا الخبر، لم يتوخّ أن يدعو اليهوذاويين إلى الأخذ بحياة الريكابيين، حياة البدو، بل إلى التمثّل بهم في طاعة شرائع وضعها لهم جدهم. وانطلق النبيّ من هذا المثل ليوبّخ اليهوذاويين الذين لا يسمعون كلمة وصلت إليهم (آ 12- 17). إذن، سيحلّ بهم الشقاء. أما الريكابيون فسوف يقيمون في أرضهم

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM