الفصْلُ التّاسع
قَبيلة دَان
17 : 1 – 18 : 31
أ- المقدّمة
1- يروي هذا الفصل، كيف صنع رجل اسمه ميخا صنمًا، وجعل له كاهنًا من بيت لاوي. وحين أرادت قبيلة دان أن تبحث عن أرض، سألت كاهن معبد ميخا، فدلّهم على الطريق، فاحتلّوا قرية يعاريم في أرض يهوذا، ثمّ عادوا فأخذوا اللاوي والأفود والترافيم، وجاؤوا إلى لاييش فاحتلّوها وقتلوا أهلها وأقاموا فيها، وجعلوا لهم كاهنًا هو يوناتان بن جرشوم.
2- هل هناك وحدة أدبية للنصّ؟ يعتبر النقاد أنّ هناك مرجعين، واحد يعود إلى اليهوهي وآخر إلى الالوهيمي. نجد بيت ميخا وبيت الله مع الأفود والترافيم (17: 1- 5). الكاهن هو تارةً ابن ميخا، وطورًا لاوي شاب من الجوار، ومرّة ثالثة لاوي كهل من بيت لحم. في ف 18 امتزج التقليدان، ولكنّ الأمر واضح في آ 16-17 أ، و 17 ب-18، و 30-31.
3- ما كان هدف الكاتب من إيراد هذا الخبر؟ لا تَثْبيتَ ذكريات تاريخية وحسب، بل مساعدة قرائه ليحكموا على معبد في شماليّ البلاد، سيُصبح مركزًا هامًا للعبادة في عهد يربعام الأول. عاد إلى خبر قديم وربطه بما حدث في أيام يربعام. كان الصنم من فِضّة، ولكنه صار من ذهب. وإذا كان ما فعله ميخا يُعدّ تجاوزًا يوم لم يكن ملك في إسرائيل، فكيف سمح يربعام لنفسه، أن يبني معبدًا ويصنع صنمًا يوم كان للشعب هيكل في أورشليم ؟ كيف سمح لنفسه أن يصنع ما يريد (6:17 ؛ 18: 1، 31)، تاركًا جانبًا الشريعة ومتُطلّباتها؟
ب- تفسير الآيات الكتابية
1- معبد ميخا (17: 1-13)
(آ 17: 1-6) يتحدّث هذا المقطع عن أصل الاشياء المخصّصة للعبادة.
ميخا أي من هو مثل الله. جبل إفرائيم يقع وسط كنعان، ويُقيم فيه بنو بنيامين وإفرائيم ومنسّى. أخذ ميخا مال والدته، ولكنّه خاف من لعنتها (لا 5: 1؛ أم 29: 24)، فردّ المال. واتفق الابن وأمّه على تكليف صائغ بصُنعْ تمثال من فِضّة. وبما انّ ميخا ربّ البيت، يحقّ له ان يمارس الكهنوت وينقله إلى أبنائه. إذًا كلّ شيء عادي في بناء هذا المعبد المحليّ، ولن يصير مرفوضًا إلا في زمن إصلاح يوشيا. في البداية كان الخبر يُشرّف ميخا وعبادته، ولكنّ المؤرخ الاشتراعي سيرفض هذه العادة ويفسّر عمل ميخا: لم يكن لاسرائيل ملك، فكان كلّ واحد يعمل ما يريد.
(آ 7-13) إقامة اللاوي في بيت ميخا. مرّ من هناك فاستبقاه ميخا.
جاء هذا اللاوي من بيت لحم في يهوذا التي هي غير بيت لحم في زبولون، والتي تبعُد 10 كلم إلى الشمال الغربيّ من الناصرة. أقام اللاوي في قبيلة يهوذا فحُسب منها. وكان بحاجة إلى حماية وإلى عمل، فجال البلاد يبحث عن مكان يُقيم فيه، فوجده عند ميخا. فرح ميخا وابنه بهذا اللاوي، وسمّياه كاهنًا وأبًا، وسيُحسن الربّ إلى ميخا (وبيته) لأنه جعل في معبده إنسانًا يعرف الطقوس وطرق الوصول إلى إرادة الله.
2- هُجرة الدانيين (18: 1- 31)
هذا الخبر عن معبد ميخا، يُهيئنا لنتحدّث عن الدانيين الذين يبحثون عن أرض يُقيمون فيها. حاولوا أن يسكنوا قرب الشاطئ، فعارضهم الفلسطيون وسكّان البلاد الأصليّون (1: 34-35). وهكذا ظلّوا دون حصّة يرثونها وسط أسباط إسرائيل.
نقرأ شهادة عن هُجرة دان في يش 19: 40-48، وهي تُقابل حدثًا تاريخيًا. ما استطاع الدانيون أن يُقيموا في أرضهم غربيّ بنيامين، لأنّ الأموريين طردوهم من هناك إلى الجبل (1: 34). ولكن نشير هنا إلى أنّ هجرة الدانيين، تمّت في وقت مُبكّر جدًا، لأنّ وجود دان في أرضه الجديدة واضح من قراءة تك 49: 17؛ تث 33: 22؛ قض 17:5. هل هاجر بنو دان كلّهم أم هاجر بعضهم؟ على كلّ حال، دان قبيلة صغيرة جدًا، ولهذا سُمّيت عشيرة (13: 2؛ 18: 11، 16، 17؛ رج تك 23:46). بحسب 18: 11، 16، 17 تستطيع دان أن تجند 600 رجل وهذا ما يدلّ على المغالاة في أرقام نقرأها في عد 1: 39 (627000 جندي)؛ 26: 42؛ 1 أخ 12 : 36 (40000 جندي). إذا كان قسم من دان هاجر إلى الشمال، فقِسْم آخر بقي في أرضه.
(آ 18: 1- 10) وانطلق الجواسيس الخمسة من دان ليبحثوا عن أرض تُقيم فيها قبيلتهم. وصلوا إلى بيت ميخا، وعرفوا صوت اللاوي الذي ربما أقام بيانهم قبل أن يصل إلى هنا. سألوه فأجابهم، فانطلقوا إلى لاييش (أي الليث والأسد رج تث 33: 22) التي ستتخذ اسم دان والتي هي اليوم تل القاضي القريب من أحد منابع الأردن (تبعد 35 إلى الغرب من بانياس أي قيصرية فيلبّس). نشير هنا إلى علاقة أهل لاييش بالصيدونيين، وإلى أنّهم شعب مُسالم يهتمّ بالتجارة لا بالحرب.
(آ 11-13) وانطلقت عشيرة دان في بداية عهد القضاة، ونشيد دبورة يجعل قبيلة دان في الشمال. في 13: 25 محنة (أو محلّة) دان تقع بين صرعة واشتاؤول، فتبعد 10 كم عن قرية يعاريم. وفي طريقهم مرّوا على بيت ميخا.
(آ 14-18) وسرد الجواسيس ما رأوا في بيت ميخا: ألأفود والترافيم والصَنَم. فماذا ستفعلون؟ ألا نأخذهم؟ وهكذا اقترب الجواسيس من صاحبهم اللاوي، فأخذوه وأخذوا معه أشياء العبادة.
(آ 19- 21)، حاول اللاوي أن يتكلّم فأسكتوه: أيّهما أفضل أن تكون كاهنًا لبيت رجل واحد أم كاهنًا لسِبْط وعشيرة؟
(آ 22-26) حاول ميخا أن يحتجّ على فِعْلة الدانيين فأسكتوه. حسب نفسه مباركًا من الربّ (17: 13)، فاذا هو قد خسر كلّ بركة.
(آ 27- 31) وهكذا ابتدأت قصّة دان ومعبدها. بدأت بقتل سكان المدينة المسالمة وتأسيس معبدها الذي يعارض معبد أورشليم وتنظيم صَنَم صنعته أيدي البشر، وهذا ما لا يتوافق ومتطلّبات الشريعة.
ألكاهن هو يوناتان بن جرشوم بن موسى (خر 2: 22؛ 18: 3)، وهو يرتبط بمنسّى الملك الشرّير (2 مل 21) أو الكاهن المارق الذي كان أوّل خادم لمعبد جرزيم. وظلّت الحالة هكذا حتى السَبْي إلى بلاد الرافدين في زمن تجلت فلاسر سنة 734 ق. م. (رج 2 مل 29:15)، وظلّ الصَنَم في لاييش أو دان.
وهكذا انطلق الكاتب من خبر قديم، فأعطاه بُعْدًا لاهوتيًا. أنكر أصل معبد دان كهنته، وشدّد على معبد أورشليم المرتبط بهارون الكاهن.