الفصْل الأوّل
رسَالة يَشوُع
1 : 1 – 18
أ- المُقدّمة
1- يشكّل هذا الفصل مُقدّمة سفر يشوع، وبالأخصّ مُقدّمة الأخبار عن احتلال الأرض. يعود إلى أفكار سفر التثنية وتعابيره، فيربط خبر الاحتلال بسفر التثنية. حلّ وقت الدخول إلى الأرض التي أعطاها الله لشعبه. أما شروط النجاح، فشجاعة وقوّة، وإيمان ثابت بالشريعة وبتعليمات موسى.
2- نحن أمام خِطاب الربّ ليشوع الذي يعبّر فيه الكاتب المُلهم عن إرادة الله، كما بُلّغِتَ إلى موسى، وعن قصده في استيلاء بني إسرائيل على أرض كنعان. وفي هذا الخطاب، يؤكّد الربّ ليشوع، أنّه سيكون معه كما كان مع موسى (آ 2-9)، فيتوجّه يشوع بدوره إلى بني إسرائيل ويُعدُّهم لدخول الأرض (آ 10-15)، فيُوافق الجميع على البرنامج المُحدّد (آ 16-18).
3- نُحِسّ هنا بروحانية تثنية الاشتراع. فالكلمات التي تُقال، لا تتوجّه فقط إلى يشوع ورجاله، بل إلى بني إسرائيل الذين ما زالوا يتأثّرون في القرن السابع بأهل كنعان. وفي هذه الظروف، لم ينته احتلال كنعان، لهذا يأتي هذا التذكير بأعمال يشوع العظيمة، لينُعش في قلب الشعب الرجاء بأنّ الله الذي فعل في الماضي، سيعمل اليوم أيضًا مهما كانت الأمور صعبة والحالة يائسة.
ب- تفسير الآيات الكتابية
1- ألرب يخاطب يشوع (1: 1-9)
(آ 1: 1) سفر يشوع ليس بداية، ولكن سبقه سفر التثنية (ف 34) الذي حدّثنا عن موت موسى (عد 20 : 12 ؛ 27 : 14، تث 26:3؛ 31: 1-8). يشوع خَلَف موسى وهو سيُكمّل عمله (عد 15:27 ي؛ تث 3: 21 ي). وهكذا يشكّل موت موسى انقطاعًا في مسيرة التاريخ المُقدّس، كما يشكّل أيضًا حدثًا بين سائر الأحداث. ألله فكّر في كلّ شيء، وما زال التاريخ المُقدّس يُواصل مجراه: مات قائد الشعب العظيم فأحلّ الله محلّه يشوع خلفًا له.
ونلاحظ التمييز بين لَقَبٍ يحمله موسى، ولَقَبٍ يحمله يشوع: فالأول خادم الربّ وعابده (عبد في العبرية 1: 1، 2، 7، 13، 15؛ 2: 5؛ رج تث 34: 1 ي)، والثاني هو خادم موسى (مثرت في العبرية 1: 1؛ رج خر 13:24؛ 33: 11؛ عد 11 : 28)، ولن يصير خادمَ الربّ إلاّ عند موته (29:24 ".
(آ 2-3) نحن الآن في شرقيّ الأردن، في برية موآب (عربة موآب رج عد 22: 1؛ 33: 48)، وسيبدأ احتلال القسم الأكبر من المنطقة الوسطية الجنوبية التي تقابل أرض بنيامين. إنّ تقليد دخول كنعان من الشرق عَبْر الأردن، يعود إلى الجماعات المولودة من راحيل أي يوسف (إفرائيم ومنسّى) وبنيامين، ومنها انتقل إلى كلّ بني إسرائيل. إنّ عبور نهر الأردن مغامرة صعبة جدًا، لأنّه يشكّل حاجزًا بين الشرق والغرب، ولهذا شبّه الكتاب عبور الأردن بعبور البحر الأحمر. وإعطاء الأرض مشروع أصعب: ألربّ سيُعطيها، بل أعطاها منذ الآن، لأنّه يكفي أن تطأ أقدام الشعب أرضًا، ليبدأ الله بتحقيق وَعْدِه.
(آ 4) حدود أرض إسرائيل: ألبريّة في الجنوب والشرق، ألفرات في الشمَال والشرق، وألبحر المتوسط في الغرب. ولكنّ هذه الحدود الواسعة، هي مِثاليّة أكثر منها واقعية. والحقيقة أنّه لمّا قَسّم يشوع الأرض بين القبائل، كان اتساعها اتّساع أرض كنعان أو ما نسمّيه فلسطين الحالية. وهكذا نفهم النصّ من برّية سيناء جنوبًا إلى لبنان شَمالاً.
(آ 5-6) بعد الإعلان يأتي الوعد. ألربّ يطلب إيمانًا، ولكنّه يُعطي ضمانات. وهنا يشدّد الكاتب على استمرار التاريخ: كان الله مع موسى، وسيكون مع يشوع ومع الذين يقودهم. وهذا الاستمرار يمتدّ لا إلى الشعب في زمن يشوع وحسب، بل إلى الشعب في زمن الدمار والعُبوديّة. فالتخاذل والضُعف يدلان على نقص في الإيمان لدى قائد اختاره الله: أعطاه الله كثيرًا فطلب منه كثيرًا. ولهذا يتكرّر التحريض: "تشجعّ وكُنْ قويًا" (آ 6 ،7 ،9 ،18).
(آ 7-9) دعا الربُ الشعبَ لأن يمتلك الأرض التي حدّدها له، ووعده أن يكون مع يشوع كما كان مع موسى. لهذا يجب أن لا يخافوا وأن يطيعوا (تث 3: 6-8)، أن يعملوا بكلّ ما أمرهم به موسى. وأوضح الكاتب: ألتعليم، ألأحكام، ألشريعة. إذا أتممتم الشريعة تَنجُون. هذا ما قاله سفر التثنية (5: 32 ي؛ 8:29).
كلام الله كُتِب في التوراة، والمؤمن يتأمّل فيه ويسمعه، فيُحِسّ بدعوة إلى الإيمان والثقة بربّ اختاره منذ البداية، وطلب منه الطاعة لهذه الشهادة المكتوبة في التاريخ المقدّس.
2- يشوع يُكلّم الشعب (1:10-18)
تقابل آ10-18 ما قرأنا في آ 2-9. كما تسلّم يشوع أمر الله، نقل يشوع أمر الله إلى المسؤولين في الشعب.
(آ 10- 11) يبدو احتلال الأرض احتلالاً سلميًّا، كتطواف ليتُورجيّ. لهذا يأخذ الشعب زادًا لثلاثة أيام، ولا يهتمون بشيء آخر. قرّر الربّ إعطاء أرض كنعان لشعبه، فما على الشعب إلا أن يُنفّذ أوامر الربّ.
عُرفاء الشعب هم كتبته، يربطهم الكتاب بالشيوخ والقضاة (33:8؛ رج تث 1: 15). ثلاثة أيام هي الوقت اللازم لرجوع الجاسوسين (2: 16-22)، وهي تدلّ أيضًا على وقت ليتُورجيّ لازم للاحتفال بالعيد.
(آ 12-13) ألقبائل التي حصلت على حِصّتها في شرقيّ الأردن (عد 32: 1 ي ؛ تث 18:3- 20)، تشارك في المشروع العام، كما ستُشارك في الصلاة في المَعبد الواحد (3: 1 ي).
(آ 14) كان الاحتلال مشروعًا سلميًّا، يتمّ بطريقة ليتورجية، فصار الآن مشروعًا حربيًا يُشارك فيه الجميع. يبدو أننا أمام تقليدين، والأوّل منهما يعود إلى تث 18:3-20.
(آ 15) "إلى أن يريح" أو أن يسكن (رج تث 12: 9؛ 25: 19؛ يش 21: 4 ي، 1 مل 8: 56). ألراحة تُقابل الرجوع إلى البيت، بعد يوم طويل من العمل، وهي تُلمِّح إلى الرجوع من المنفى إلى أرض الموعد.
(آ 16-18) تُعطينا صورة اشتراعية عن مفهوم السلطة. فالشرط الضروري لكي تفرض السلطة نفسها هو أن يكون الله مع حاملها. هكذا بدا داود (1 صم 18:16؛ 17: 37؛ 18: 38)، فسار وراءه الناس (مثل يوناتان)، حتّى على حساب مصالحهم الخاصة، وتخلوا عن شاول. مشكلة السلطة راودت فكر الكاتب الاشتراعيّ، بعد فقدان الثقة بالملكية، على أثر موت يوشيا وبسبب مُعارضة الأنبياء الكذبة للأنبياء الحقيقيين (تث 14:17 ي ؛ 9:18 ي).
ج- ملاحظات حول الفصل الأول
1- جعل الله يشوع وارثًا لموسى وخلفًا له، وهذه الرسالة تقع في خط تث 34: 9؛ عد 18:27-23، حيث ينال المُختار الروح بوضع اليد، فتُعطى له القوة والحكمة لمساعدته في رسالته. ويعبّر الكاتب عن هذه النعمة بقوله: أنا أكون معك، فيدلّ على أنّ الله يعضُد الذين اختارهم ليقوموا بعمل ما، أمثال إبراهيم وإسحق ويعقوب. أما نتيجة هذا الحضور فثقة بالنصر وشجاعة. ولكن لن يتمّ النصر إلا بشرط أن يعمل القائد والشعب بوصايا الله.
2- هذا النجاح يعود إلى الله الذي يُعطي بنفسه الأرض. بعد أن يتخذ الناس الوسائل ويصلوا إلى أهدافهم ويمتلكوا الأرض، لا يجب أن ينسوا أنّ الله منحهم الوسائل التي أعانتهم على بلوغ هدفهم. وهكذا تكون العطيّة، إمكانية العمل والنجاح
3- ونتوقّف عند مفهوم الراحة الذي يعود بنا إلى صورة العامل في نهاية نهار مُتعب. إنطلق منها المؤرخ الاشتراعي، ليحدّثنا عن الرجوع من السبي وعن الراحة في أرض الربّ، بعد تعب العُبودية والمنفى. فأرض الميعاد هي أرض الراحة (مز 95: 11؛ 8:132) التي يُعطيها الربّ لأحبائه. ولكن هناك أرضًا من نوع آخر وراحة مختلفة عن راحة هذا العالم، وهي التي يحدّثنا عنها صاحب الرسالة إلى العبرانيين (3: 11)، فيُذّكرنا بوَعْد الدخول إلى راحة الله، وينّبهنا إلى التأخير. فأرض الموعد هي العلامة الحِسيّة لخلاص الربّ في الخلق (تك 2: 1 ي) وتتميم المواعيد القديمة. بهذا المعنى يكلّمنا الكتاب عن الراحة الثانية