القسم الثالث: رسَالة يسُوع في الجليل الفصل الثالث والثلاثون: اختيار الاثني عشر

الفصل الثالث والثلاثون
اختيار الاثني عشر
12:6-19؛ مت 15: 1-4؛ مر 13:3-19

أ- مقدمة: مسائل التاريخ واللاهوت الكتابي.
1- تكوين الاثني عشر.
إنَّ يسوع كوَّن منذ حياته على الأرض مجموعة الاثني عشر. أجل، إنّ تكوين هذه المجموعة قبل موت المعلّم واقع تاريخي ثابت. هناك بعض الكتّاب الغربيين الذين حاولوا أن يشكّوا في هذا الواقع فأرجأوا تنظيم الحلقة الرسوليّة إلى ما بعد القيامة لكنّهم لم يتوصّلوا إلى زعزعة الاشارات التي بين أيدينا.
فإذا عدنا إلى 1 كور 15: 5 التي تعدّد الذين نعموا بظهورات القائم من الموت، فهي تذكر "الاثني عشر" كمجموعة مميّزة عن تلك المكوّنة من الرسل أي سائر حاملي رسالة الانجيل. وقد عرف بولس من التقليد، سنة 49، في أورشليم، وقد تعود معرفته إلى عشر سنوات قبل ذلك حيث التقى بطرس والآخرين، عرف بوجود مجموعة الاثني عشر شاهدًا. ميَّزهم الربّ فلعبوا دورًا لم يجادلهم فيه أحد، دورًا مسيطرًا في الجماعة الفصحية الأولى. وتشهد أقدم طبقات التقليد الازائي في هذه الجماعة، على تعليم أكيد في شأن الاثني عشر: إنّ اختيارهم وتكوينهم في مجموعة مميّزة يعود إلى حياة يسوع على الأرض. قال مر 14:3: "أقام إثني عشر". ثم في آ 16: "أقام (صنع) الاثني عشرة. إنّه تعبير سامٍ وهو سابق ولا شكّ لمرقس، يستلهم 1 صم 6:12 (الرب أقام موسى وهارون)، 1مل 13: 33 (أقام كهنة، 2 أخ 2: 17؛ رج مر 1: 17).
نحن أمام عمل خلاَّق يجمع هؤلاء الرجال في سلطة واحدة ويضمّهم إلى نشاط يسوع، ونحن لا نجهل أن يهوذا الخائن كان "واحدًا من الاثني عشر" (مر 14: 10؛ مت 14:26 ؛ لو 47:22؛ يو 6: 71). وأخيرًا أورد لنا لوقا (28:22 ي) ومتى (28:19) قولا ثمينًا من أقوال يسوع في سياقين مختلفين.. وقد أعيد تكوينه على الشكل التالي: "ستجلسّون على اثني عشر كرسيًّا وتدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر". إنّ هذا القول الذي يتناسق مع رجاء اليهود بتجديد القبائل الاثنتي عشرة في الأيّام الأخيرة، ويدلّ على رقم 12 رسولاً بطريقة ترضي المؤرّخ، ينسب إلى التلاميذ الأعزّاء على قلب يسوع مشاركة في نصره المسيحيانيّ وتسلطه على إسرائيل آخر الأزمنة. وهذا ما يتوافق موافقة كاملة مع النظرة الاسكاتولوجيّة (في المعنى الواسع) لكرازة يسوع.

2- إرسال الاثني عشر
كوّن يسوع مجموعة الاثني عشر وأرسلهم في مهمة عبر الجليل. أجل، إذا كان يسوع أسَّس حقا الاثني عشر ليكونوا معه ويقاسموه حكمه على إسرائيل الجديد، أما يبدو طبيعيًّا أن يكون أرسلهم ليبشّروا مثله أهل الجليل باقتراب هذا الاسرائيل الاسكاتولوجي الذين يشكّلون نواته الأولى بانتظار أن يصيروا رؤساءه المقبلين. ليس إرسال الاثني عشر استباقًا اختلقه مرقس انطلاقًا من كلمات نسبتها الكنيسة إلى المسيح القائم من الموت، كما قال بولتمان. فإرسال الاثني عشر في جولة كرازة مع تعليمات مناسبة هو أمر يشهد له التقليد السابق للأناجيل الازائيّة ويؤكّده المناخ الفلسطيني لهذه التعليمات، خاصة الضيافة المؤمَّنة للمرسلين، السلام الذي يعود إلى الرسول إِن لم يقبله الناس. ويكفل هذا الواقع تاريخيًّا أنّه يقع في منظار اسكاتولوجي يتوافق موافقة كليّة مع ما نعرفه عن رسالة يسوع في الجليل. الاشارة الأولى لهذا المناخ الاسكاتولوجي: قطيع يحتاج إلى راعٍ أمين، حصاد وفير (مت 9: 36). هاتان صورتان معروفتان لدى الأنبياء، وهما تدلان على الأزمنة المسيحانيّة والاسكاتولوجيّة (حز 34: 23 ي؛ زك 13: 7؛ أش 27: 12: يؤ 4: 13). بالاضافة إلى ذلك، على المرسَلين، شأنهم شأن يسوع نفسه (مت 17:4 وز)، أن يعلنوا اقتراب الملكوت المنتظر (مت 7:10). وما يفسّر هذا الاقتراب فهو السَفَر العاجل مع أقل ما يمكن من المتاع (مت 10: 9- 10) ودون أن يسلّموا على أحد (لو 10: 4). أخيرًا ينتمي إلى أقدم ما في خطبة الارسال التنبيه التالي: "لن تكمّلوا مدن إسرائيل حتى يأتي ابن الانسان " (مت 23:10 ب). لا وقت لنا: قبل أن تكمّلوا الحصاد سيأتي السلطان المسيحانيّ وملك الكون الذي أنبأ به دانيال (13:7). مجيء غير محدّد ولكنّه يتحقّق فعلاً بموت يسوع وقيامته.

3- كيف رأى الازائيون رسالة الاثني عشر في الجليل:
إن تاريخية تأسيس الاثني عشر على يد المسيح خلال حياته على الأرض، والحديث عن مهمتهم الرسوليّة في الجليل لا ينفيان الترتيب الأدبي أو اللاهوتي عند هذا الانجيلي أو ذاك. يمنح الانجيليون الثلاثة تكوين مجموعة الاثني عشر أهمية كبرى، ولكن مرقس (13:3- 19) يتفرّد بالحديث عن هذا التأسيس ويعتبره حدثًا مميّزًا عن إرسالهم إلى الجليل (مر 6: 6 ب- 13).
وحين نتحدّث عن الارسال نتساءل دون أن نستطيع أن نستنتج استنتاجًا أكيدًا: هل النظام الأولاني للمرجع (متى الآرامي كما ترجم إلى اليونانية) هو الذي يأخذ به الانجيل الأوّل؟ أم أنّ متى اهتمّ بالطريقة المنطقية فقلب نظام مرقس (الذي لا يذكر الارسال إلاّ بعد "يوم الأمثال " في 4: 1- 34)، وذلك بسبب فشل حَمْل الانجيل بصورة مباشرة؟ وهذا الفشل نلاحظه في أسلوب التعليم بالأمثال (رج مت 13:13).
وأخيرا نعود إلى ما يتعلّق بصورة خاصة بالتعليمات حول الرسالة: يجب أن نحدّد وجهات الازائيين المختلفة. إنّ مرقس جعل وحدة تأسيس الاثني عشر كحدث أساسي في تكوين الملكوت، إلاَّ أنّه أوجز خطبة الارسال ولم يشدّد بما فيه الكفاية على تعليمات يسوع (مر 8:6- 12) كقاعدة الحياة الرسولية في الجماعة الفصحية. أمّا متى إنجيلي الكنيسة فاهتمّ بتعليمات يسوع ووسّع خطبة الارسال بزيادات مثل الاعلان المسبق للاضطهادات لدى اليهود والوثنيين (مت 10: 17- 39). وقد ضمّ هذا الاعلان إلى التعليمات عن الرسالة فقدم للكنيسة "ملخصًا قصيرًا وكاملاً للمرسل " في إطار مسكوني يتوافق بصعوبة مع الحدود الموضوعة مؤقتًا أمام الرسالة في الجليل.
أمّا لوقا الذي يمرّ بسرعة على التعليمات الموجّهة إلى الاثني عشر (2:9- 5)، فهو يستعيدها ويتوسّع فيها بمناسبة الحديث عن إرسال "سبعين آخرين " (10: 1- 12 لا يجاريه متى ولا مرقس): فباهتمامه بحلقة التلاميذ المرسلين، وهي حلقة أوسع من حلقة الاثني عشر، أسّس لوقا على مبادرة يسوع الوضعَ الذي يصوره في سفر الأعمال: مع اسطفانس وبرنابا وفيلبس وبولس الذين يحملون البشارة دون أن يكونوا من مصاف الاثنىِ عشر. ومن خلال الرقم 70 الذي هو رقم الامم الوثنية في نظر العالم اليهودي، نستشف رسالة بعد فصحية تتوجّه إلى العالم كلّه.

ب- تأسيس الاثني عشر.
12:6-16؛ مت 10: 1-4؛ مر 13:13:3-19.
يميّز مرقس بوضوح كبير بين دعوة الرسل الأربعة الأولين (1: 16- 20)، واختيار الاثني عشر "ليكونوا معه " (3: 13- 19)، وإرسال الاثني عشر في مهمّة رسوليّة (6:: 6- 13). إذن، خبر تأسيس الاثني عشر هو في مكانه. أمّا لائحة أسماء الرسل فتأتي في سياق آخر. ولهذا يحس مرقس بصعوبة حين يريد أن يُقحم هذه اللائحة في خبره. نقرأ في آ 14: "وأقام الاثني عشر". ثم في آ 16: "وأقام الاثني عشر وجعل لسمعان اسم بطرس ". ثم تأتي الأسماء الأحد عشر متسلسلة تسلسلاً غير منطقي ومرتبطة بحرف العطف (الواو: كاي اليونانية).
تبع لوقا مرقس ولم يُرد أن يرتّب نصّه، بل أخذه كما وصل إليه من مرجعه. في آ 13 ب بدأ جملة طويلة لن يكملها إلاِّ في آ 20. قال في آ 13: "وإذ اختار إثني عشر منهم سمّاهم رسلاً وهم... وتابع في آ 20: "وإذ رفع عينيه إلى تلاميذه، قال ".
في متى، تبدو هذه المقدمة كمدخل لخطبة الارسال (ف 10). نتذكّر هنا مخطّط الانجيل الأوّل وكيف يستند القسم الأوّل كلّه (23:4- 9: 35) إلى بناء على أساس التضمين والاحتواء. وهكذا، تتجاوب لائحة الاثني عشر مع نداء التلاميذ الأربعة الأولين في 18:4- 21: فالتلاميذ الأربعة الأول في اللائحة يُذكَرون كما في 4: 18- 21 وبالكلمات عينها التي استُعملت لتصور دعوتهم. "وصعد إلى الجبل " (مر 13:3). لن نحدّد موقع هذا الجبل على الخريطة. فلسنا على مستوى الجغرافيا، بل أمام مدلول لاهوتي. ففي العهد القديم، كان الجبل موضعًا مقدّسًا بصورة خاصّة، عليه تقدَّم الذبائح (1 صم 12:9؛ 1مل 4:3) وتقيم جماعة الأنبياء (1 صم 10: 5؛ 2 مل 1 :9؛ 25:4). الجبل يدلّ على جبل سيناء بصورة خاصّة. واختيار يسوع للاثني عشر على الجبل يدلّ أنّنا أمام الشعب الجديد الذي يُقابل شعبًا آخر اجتمع ليأخذ شريعة تجعل منه شعبًا خاصًّا لربّه.
وزاد لوقا على مرقس الاشارة إلى الصلاة: "صعد إلى الجبل ليصلّي فقضى ليله في الصلاة لله ". شدَّد لوقا مرارًا على صلاة يسوع في الساعات المهمّة من حياته؟ في العماد: "بينما هو يصلّي انفتحت السماء" (3: 21). وقت التجلّي: "وبينما هو يصلّي تغيّرت هيئة وجهه " (9: 29). حين أعطانا الصلاة الربيّة: "وكان يسوع يصلّي في أحد الأماكن. فلمّا أتمّ الصلاة قال له واحد من تلاميذه: يا ربّ علّمنا أن نصلّي " (11: 1).
إمتدّت صلاته طوال الليل. غطّت الظلمة الكون وامّحى كل شيء أمام عظمة الله. وهكذا وحَّدته الصلاة بأبيه، لا سيّما وأنّ إرادة أبيه هي إرادته. صلَّى، فكان اختيار تلاميذه مطابقًا لارادة الله.
إختار إثني عشر. هذا هو رقم الكمال الذي عرفه الشعب اليهودي حين تحدّث عن الأسباط الاثني عشر، كما عرفته الشعوب القديمة في الشرق والغرب. فأبناء اسماعيل هم 12 بحسب عشائرهم (تك 16:25). وكذا نقول عن أولاد عيسو أو أدوم (تك 36: 15 ي). والرسل الذين هم نواة الشعب الجديد كانوا 12 رسولاً.
يذكر متى أوّلاً نداء إلى الاثني عشر ثم تولية سلطان لهم. وبين الحدثين يُدخل نصّ مرقس الموازي (مر 7:6) إرسالهم الذي سيتحدّث عنه متى فيما بعد (مت 10: 5). بعض الشرّاح يقولون إن متى ارتبط بمرقس فأعطى نص مرقس ترتيبًا منطقيُّا (الارسال بعد تولية السلطة). أمّا غيرهم فلاحظ أنّ لو 9: 2 يجعل الارسال بعد تولية السلطة. وهكذا يكون من المعقول أنّ متى ولوقا تبعا بأمانة مرجعًا، وهذا المرجع ليس مرقس.
مهما يكن من أمر، فالمسيرة تبدأ في نظر الازائيين الثلاثة مع "دعوة" (نداء) الاثني عشر. إنّه النداء الأوّل الذي يشير إليه متى. أمّا مرقس ولوقا فقد ذكرا نداء أوّل وقت اختيار الاثني عشر على الجبل، وهو الذي ندرسه الآن. فهل نستطيع القول إنّ متى الذي لا يورد حدث الاختيار هذا، على معرفته به، دمج النداءين معًا: نداء الدعوة ونداء الارسال؟ في هذه الحالة، يكون النداء الثاني (الذي يظهر وحده) إعادة للنداء الأوّل الذي تضمّنه كما فهم ذلك مر 3: 14 إلاَّ أنّ تفحّصًا دقيقًا لفعل "دعا" (بروسكالايو) في إنجيل متى يدلّ على أنّ وهذا الانجيلي يستعمل دومًا هذا الفعل كما في 10: 1 في الصيغة عينها، وأنّه لا يربطه أبدًا بحدث ينتمي إلى ماضٍ بعيد ولا إلى دعوة بالمعنىٍ التقني لهذه الكلمة. وهذا المعنى التقني ليس مؤكّدًا بالنسبة إلى مر 13:3 أيضًا. إذن، من المعقول أنّ متى يشير إلى نداء (دعوة إلى اجتماع) كما فهمه لو 9: 1 من أجل الرسالة في الجليل.
ودُعي الاثنا عشر إلى الاجتماع فقلّدهم يسوع سلطانه في طرد الشياطين واجتراح المعجزات. هذا ما يقول متى ( 10: 1) ومرقس (3: 13- 15). أمّا لوقا فسيتحدّث عن السلطة المعطاة للرسل في الفصل العاشر. بدأت بشارة الخلاص، فضمَّ يسوع إليه الاثني عشر وأشركهم في سلطانه.

ج- لائحة الاثني عشر.
أراد متى أن يجمع قبل خطبة الارسال حالاً كل ما يتعلّق بحلقة الاثني عشر، فأقحم هنا لائحته التي تبدو وكأنّها قطعة غريبة. نلاحظ مثلاً الرباط في آ 5: هؤلاء الاثنا عشر، يسوع أرسلهم. ق لو 2:9: "ثم أرسلهم ليبشّروا". ولهذا يكاد الشرّاح يتّفقون على القول إنّ اللائحة ارتبطت في الأصل بتأسيس الرسل كما هو الأمر في لوقا (6: 14 ي) ومرقس (16:3- 19)، فبدلّ متى مكانها. ولكن الجدال لا يزال قائمًا: هل استقرض متى نصه من مرقس مع بعض التصليحات كما تشير إلى ذلك توافقات بين مرقس ولوقا ضد متى؟ مثلاً:
مكان اسم متى يقع في الانجيل الأوّل بعد توما وفي الانجيلين الثاني والثالث قبل توما. بدأ مت 10: 2 اللائحة: الأوّل سمعان. أمّا مر 3: 16 ولو 6: 14 فألغيا كلمة "الأوّل ". سمّي متى العشّار (آ 3). فلم يذكر لوقا (آ 15) ومرقس (آ 18) هذه الصفة. وإن لم يكن استقرضه من مرقس، هل أخذه من مرجع سابق للازائيين؟. وهذا المرجع تضمّن النص الأوّلاني في المقدّمة التاريخيّة لخطبة الجبل كما يدلّ على ذلك بعض التوافقات بين متى ولوقا ضد مرقس. مثلاً، مكان اندراوس. يأتي حالاً بعد بطرس في متى ولوقا، أمّا في مرقس فيأتي بعد يعقوب ويوحنا وشَرْحِ اسميهما. يرد اسم يعقوب وبوحنا مع لقب "ابني الرعد" عند مرقس، ولا يرد كذلك عند متى ولوقا... وهناك توافق بين متى ومرقس ضد لوقا.
أوّل رباط متّاوي باللائحة يتحدَّث عن "الإِثني عشر رسولاً". ولن ترد هذه العبارة عند متى بعد ذلك، بل سيقول: "الاثنا عشر" (10: 5؛ 17:20؛ 26: 14، 20، 47) أو "الإِثنا عشر تلميذًا" (10: 1، 11: 1؛ رج 28: 16) أو "التلاميذ" (13: 10؛ 14: 15؛ 8:26، 56). فالإِنجيل الأوّل يخلط بين التلاميذ والرسل، وفي هذا يتجاوز مرقس ولوقا. أمّا العَبارة الخاصّة في 10: 2 فهي تستعمل كلمة "رسول " في المعنى الدقيق الذي اتخذته في استعمال الكنيسة الأولى لتدلّ على الإثني عشر وعلى بعض الشهود الرسميين الآخرين لقيامة يسوع. قد يكون الإِثنا عشر اعتبروا ساعة رسالتهم الجليلية على أنّهم "السليحين " (أبوستولوي أو المرسلون) "سليحي " يسوع لو أنّ هذا النظام القانونيّ اليهودي وُجد في زمن المسيح، ولكن هذا الشيء ليس بأكيد. ولكن لا شيء يفرض أن يكون هو بنفسه قد أعطاهم هذا اللقب رغم ما كتب لو 13:6 الذي استهلّ نص مرقس مشيرًا إليهم كمرسلين موقتين.
تبدأ اللائحة بأوّل المدعوين (مت 18:4- 22). سمعان المسمّى بطرس واندراوس. ثم يعقوب ويوحنّا. لا يقول متى مثل مرقس ولوقا إن يسوع سمّى سمعان بطرس، ولكنه يشدّد وحده على أن بطرس هو الأوّل. وهذا ما يتوافق مع المكانة المميّزة التي أُقرّ له بها في تأسيس الكنيسة (مت 17:16 ي). وزاد متّى أيضًا "العشار" قرب إسمه. فالإِنجيل الأوّل المرتبط ارتباطًا خاصًّا بالرسول متّى يُحيلنا هنا إلى مت 9: 9 (دعوة العشار أو موظف "الجمارك ") حيث حلّ إسم متّى محل لاوي (مر 14:2؛ لو 27:5). يمكننا أن نتساءل: سعى متّى إلى أن يماثل بين التلاميذ والإِثني عشر، ولهذا قد يكون وضع إسمًا مكان آخر لأن لاوي لا ينتمي إلى مجموعة الإِثني عشر.
إن تداوس في لائحة متّى ومرقس سيصبح لباوس في عدد من المخطوطات ويقابل يهوذا في لو 16:6؛ أع: 1: 13؛ يو 22:14. ولكن من الممكن أن يكون تردّد بين أشخاص عديدين: تشتت الإِثنا عشر باكرًا فما عُرفت هوية هذا أو ذاك. ثم إنه كان ليسوع أشخاص محبوبون إلى قلبه مثل نتنائيل ولعازر. وقد يكون الشك باقيًا على إسمين هما تداوس ولباوس، هذا إذا قبِلنا مع كولمان الالماني ان يهوذا هو واحد وهو يهوذا الاسخريوطيّ، تكرر في النص المخطوط خطأ.
إنّ متّى يعطي إشارة صغيرة عن اصل ثلاثة رسل ومستقبلهم: متّى الذي كان عشارًّا. سمعان الذي كان وطنيًا غيورًا. ويهوذا الذي سيكون خائنًا. لا ننسى أنّ متى يقدّم لنا صورة مثالية عن الرسل، وهذا ما يدلّ على الطريق- التي سلكوها ليرتفعوا إلى مستوى رسالتهم. ولكن كلمة يسوع وعمل الروح نجحا في تحويلهم تحويلاً فعليًا إلى مشاركين في عمل المسيح وإلى اساسات في كنيسته. لهذا كرمتّهم الكنيسة دومًا، وهذا ما تشهد عليه اللوائح العديدة التي ظهرت في أشكال متنوعة في الجماعات الأولى.
هناك إذن أربع لوائح تتألف من 11 أو 12 رسولاً ثم هناك لائحة جزئيّة (يو 2:21) وأسماء متفرّقة: مت 2:10- 4؛ مر 16:3- 19؛ لو 14:6- 16؛ أع 1: 13. فإذا قابلناها بعضها ببعض، نجد أنه لم يكن للكنيسة الأولى لائحة رسميّة تحتفظ بدرجة ثابتة لكلّ رسول. حتّى الأسماء التي أوردها لوقا في إنجيله وفي أعمال الرسل، لا تتتابع في الترتيب عينه.
إلاَّ أننا نستطيع أن نميّز ثلاث مجموعات من أربعة أسماء. المجموعة الأولى تتألف من بطرس واندراوس ويعقوب ويوحنّا. بطرس يمثل دائمًا رأس اللائحة. وتتضمّن المجموعة الثانية فيلبس، برتولماوس، توما، متى. وفيلبس يمثل دومًا الدرجة الخامسة في اللائحة. والمجموعة الثالثة تتضمّن يعقوب بِن حلفى، تداوس، سمعان، يهوذا. ويحتل يعقوب دومًا الدرجة التاسعة في اللائحة.
جعل مرقس اندراوس في الدرجة الرابعة مبرزًا الأسماء الثلاثة: بطرس ويعقوب ويوحنّا، وهم شهود مميَّزون في حياة يسوع: إقامة ابنة يائيرس (مر 5: 37)، التجلّي (مر 9: 2)، النزاع في بستان الزيتون (مر 14: 33). إذن، يبدو أن مرقس رتَّب لائحة متى بالنظر إلى إنجيله. شدّد مرقس على المجموعة الرئيسيّة المؤلفة من ثلاثة، وهذا ما يوافق كرازة بطرس الذي لا يهتم كثيرًا بأن يحتل المكان الأول. أما متى فاهتم بإبراز أولويّة بطرس.
قلنا إن متى زاد كلمة "عشار"، فدلّ على وظيفته القديمة. ذكر هذه الإِشارة فوقَّع إنجيله حين ذكر نفسه مع سائر الرسل. ونقول لو أن لفظة "عشار" وُجدت في اللائحة الرسميّة التي تتناقلها الكنائس، لما كان مرقس ولوقا أغفلاها، وهما اللذان تحدّثا عن نكران بطرس ليسوع وفيه ما فيه من تشديد على خطيئة أحد الرسل بل أوّلهم.
سمّى متّى ومرقس سمعان "كانانايوس " فتُرجمت الكنعانيّ " أو "الغيور" (من قنا العبريّة) وقال آخرون: القانوي أي الذي من قانا. أما لوقا فكتب الغيور. هناك من يعتبره من حزب الغيّورين، هؤلاء الوطنيّين الذين يحاولون أن يتحرّروا من سلطة الأجنبي. وآخرون شدّدوا على غيرته من أجل الشريعة. إنه يعارض متّى كل المعارضة: متّى هو العشار الذي يُبغضه معلّمو الشريعة، أمّا سمعان فيشتعل غيرة من أجل الشريعة. لقد فتح يسوع حلقة الرسل للأضداد، فوحَّدهم في شخصه حين دعاهم إليه.
وأخيرًا، يهوذا الإسخريوطيّ. أُعطيت تفسيرات عديدة. هو ابن قريوت القرية الواقعة جنوبي فلسطين (رج يش 25:15؛ عا 2:2). هو الكذاب حسب جذر آرامي وعربي (خرط أي كذب). نحن أمام صفة محقّرة أُعطيت ليهوذا بعدما فعل ما فعل. هو "سيكاريوس " أي حامل "سيكا" ذلك الخنجر الصغير الذي استعمله الغيّورون ليقتلوا خصومهم.
قال عنه متّى ومرقس: هو الذي أسلم يسوع. أمّا لوقا فقال: كان خائنًا.

د- وتبعت الجموع يسوع (6: 17- 19).
نقرأ هنا إجمالة عن نشاط يسوع المسيحانيّ: مت 15:12- 21؛ مر 7:3 - 12؛ لو 17:6- 19. كان مرقس (1: 32- 34 وز) قد أعطى إجمالة سابقة وتبعه لوقا. أمّا متّى (23:4- 25) فاستعمل مر 7:3- 12، ولهذا أوجز نصّه هنا.
تشدّد هذا الإجمالة على المستمعين إلى يسوع: "جمهور من تلاميذه وجمع كبير من كلّ اليهودَيّة وأورشليم وساحل صور وصيدا. جاؤوا إليه ليسمعوه وُيشفوا من أمراضهم ". يشدّد لوقا على الحضور الملموس لهذه الجموع ببعض عبارات لافتة: رفع يسوع عينيه نحو تلاميذه (آ 20). أو: يحاول جميع الناس أن يلمسوه (آ 19). إنهم يزحمونه كما في البداية (5: 1). يوجّه يسوع كلامه إلى كلّ إسرائيل الذي يراه ويلمسه: هناك الإثنا عشر، ثم التلاميذ، ثم الشعب. ولكن العلاقة بالسامعين سوف تتبدّل في ف 7- 8.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM