القسم الثالث: رسَالة يسُوع في الجليل الفصل الثاني والثلاثون: رجل يده يابسة
 

الفصل الثاني والثلاثون
رجل يده يابسة
6:6-11: مث 9:12-14؛ مر 3: 1-6

إن هذا المقطوعة تكمّل المقطوعة السابقة فتدّل على أن راحة السبت ليست عبوديّة، كما لا يجب أن تكون مناسبة للكسل والتأخّر عن العمل. السبت مكرّس "لعمل الخير" (9:6؛ مر 4:3). إذا عُدنا إلى الحالة المعروفة في حدّ ذاتها، فقد كان الجدال ممكنًا، لأن شفاء يد يابسة ليس أمرًا ملّحًا بحيث يفرض نفسه يوم السبت. هذا العمل يمكنه أن ينتظر. ولكن يسوع يرفض أن يناقش حالة خاصة. إنه يريد أن يؤكد المبدأ العام بقوّة: الإِنسان هو الأوّل، والسبت في خدمته. ثم إن يسوع هو ربّ السبت، فلا يستطيع أحد أن يلومه. وأخيرًا إذا كان شفاء مريض هو عمل خلق عظيم، فيجب أن يعمل يوم السبت وهكذا ينال السبت أكبر إكرام.
1- الفريسيّون يراقبون يسوع (آ6- 8)
جاء يسوع إلى المجمع. وإذا رجل يده يابسة. هذا ما يتفّق عليه الإِنجيليّون الثلاثة. هنا نتذكر ما حصل لرجل الله في أمل 4:13 ي. مدَّ الملك يربعام يده ليمسكه فيبست يده... فقال الملك لرجل الله: إستعطفِ الربّ، فاستعطفَ رجل الله الربّ فارتدّت يد الملك إليه وعادت كما كانت أوّلاً. نرى هنا دور المتشفّع الذي يلعبه رجل الله على مثال موسى (خر 32: 11) وصموئيل (1 صم 7: 5؛ 12: 19) وأرميا (ار 7: 16؛ 3:37). أمّا يسوع فلا يستعطف ويتشفّع، بل يجترح المعجزة قائلاً: "مدَّ يدك ". ولمّا قال له هذا، مدّها فعادت صحيحة مثل اليد الأخرى.
إهتمّ لوقا بأن يعطينا معلومات دقيقة. كان يوم سبت آخر، وكان يعلم. هذا ما لا يقوله متّى ولا مرقس. اليد اليمنى (لا اليد فقط) هي يابسة. اليد اليمنى هي عضو العمل البشري ورمزه، وشفاؤها يدلّ على خلاص الإنسان الذي يُعاد إليه دورُه كسيّد على الخليقة.
قال مت 12: 10: "فسألوه ليتّهموه ". وقال مر 2:3: وكانوا يراقبونه ليتّهموه ". أمّا لوقا فتوسّع. قال: "راقبه معلمو الشريعة (أو الكتبة) والفريسّيون ليجدوا ما يتّهمونه به. أمّا هو فعرف أفكارهم " (آ 7). ماذا ستكون ردّة الفعل عندهم؟ كان التقليد اليهوديّ الرسمي يسمح بإنقاذ إنسان يوم السبت، ولكن عمل يسوع الخلاصي الذي يدشّن السبت العظيم يعيد على بساط البحث كل الفرائض التقليديّة المتعلّقة بحفظ السبت.
أجل، إن موقف يسوع يدلّ على أنه يفهم السبت في معناه العميق. وسيصوّر هذا الشفاء السبت المسيحانيّ في وجهته الأساسيّة كيوم خير، كيوم طيّب (رج 1 صم 8:25؛ أس 17:8)، كيوم خلق جديد، وإعادة الكون إلى جماله الأوّل. فالأشفية في نظر يسوع هي أكثر من علامة بسيطة عن مجيء الملكوت. إنها جزء لا يتجزأ من الأزمنة المسيحانيّة (رج أش 3:32- 4؛ 35: 5- 6). ويسمّي سفرُ الأعمال زمن إرسال المسيح كزمن "تجديد" (إعادة بناء) كل ما تكلّم عنه الله بالأنبياء (أع 3: 21).
عرف يسوع أفكارهم. هذا ما قاله لوقا في 22:5 حين تكلّم الفريسيون في انفسهم عن يسوع الذي يغفر الخطايا مع متّى ومرقس (رج مر 8:2؛ مت 9: 4)، واعاده هنا وحده كما سيعيده أيضّا في 47:9 . إنه الربّ وهو العارف بما في القلوب.
إن اليد اليابسة لا تشكّل خطرًا مباشرًا على الحياة. فماذا سيفعل يسوع حين يرى شقاء هذا الرجل؟ لقد اتخذ خصومه موقفًا عدائيًا واضحًا. في الصراع السابق حول راحة السبت (6: 1- 5) لاحظوا خلسة أن التلاميذ يتجاوزون الشريعة. أما الأن فهم يراقبون يسوع ليمسكوه وهو يتجاوز الشريعة، وهكذا يقتادونه أمام محكمتهم.
ودعا يسوع الرجل ليقف في الوسط كمتّهم في المحكمة: هل يُحكم عليه أم يُعفى عنه؟ هل ستعود إليه الصحة أم أنه سيبقى في مرضه. هنا يقابل يسوع العمل الذي سوف يعمله مع عمل خصومه الذين يراقبونه بمكرهم: هو يريد أن يعمل الخير، هم يريدون أن يعملوا الشر. هو يريد أن يشفي إنسانًا معطوبًا، وهم يريدون أن يقتلوا. كانت الشريعة لا تسمح بأي عمل طبّي، لا تسمح حتّى بالعناية بالمريض (هذا هو المعنى الحرفي لفعل "تيراباوو")، وبالأحرى، لا تسمح بتخليص بهيمة من الموت. هنا يتخّذ يسوع برهانه من حياة أبناء الريف الذين يتوجّه إليهم: إذا أرادوا أن يخلّصوا خروفًا من حفرة، فهم لا يتردّدون في تجاوز تعليم المعلّمين. ألا يفهمون أن باستطاعة يسوع أن يشفي إنسانًا رغم ما يقوله التعليم الرسميّ؟
إنطلق يسوع من تفسير خاص يسمح بإعانة حياة مهددة. ثم عمَّم هذا التفسير على كلّ شفاء وعلى كلّ عمل صالح يُعمَل يوم السبت. فمن لم يشفِ كان وكأنه قد قَتل، ومن لم يعمل الخير كان وكأنه يعمل الشر. وهكذا يجعل يسوع السبت في خدمة الخير والحياة. هذا ما سيقوله في يو 17:5: "أبي يعمل كل حين، وأنا أعمل مثله ". فعمل الله ليقود العالم إلى كماله لم ينتهِ بعد وهو لا يتوقف. ويحدّد يسوع موقع عمله على مستوى عمل الآب وفي قلب عمل الآب المستمر. فكيف يتجاسر الفريسّيون أن يراقبوه!

2- مراحل تكوين الخبر.
هنا نتوقف عن تفسير المقطع ونتعرّف إلى مراحل تكوين الخبر قبل أن يصل إلينا في الصيغة التي نقرأها اليوم.

أوّلاً: في البداية.
في البداية نحن أمام خبر شفاء. هناك إشارات تفترض أن ذكر السبت لم ينتمِ إلى الطبقة القديمة. لا يُذكر السبت إلاَّ في البداية. وفي الأقسام الذي يتقابل فيها متّى ومرقس بصورة دقيقة لا يُذكر السبت (مت 9:12؛ مر3: 1) فيبدو الخبر متماسكًا جدًا: "ودخل إلى المجمع وكان هناك رجل يده يابسة. فقال للرجل: مد يدك، مدَّها فشُفيت ".

ثانيًا: النصّ السابق لمرقس
وتوسّع خبر الشفاء هذا في جدال في إطار يوم السبت. ففي النصّ الحالي، إنحصر الشفاء في تعليقات قصيرة. فتركّز كلّ شيء على المواجهة بين يسوع وخصومه: تم الشفاء في قلب المجمع (الفريسيّون هم هنا في بيتهم، في بيت الشريعة). حصل الشفاء يوم السبت وقد يكون حصل خلال إجتماع ليتورجيّ. وإطار هذه المواجهة صار أوسع من الجليل. إنه يهيئ الدرب للمواجهات الأخيرة في أورشليم، في الهيكل، حالاً قبل الآلام.

ثالثًا: تقديم مرقس
أبرز مرقس عنف هذه المواجهة، فَبنى خبرَه كلّه على سلسلة من التعارضات ليتجاوب الواحد مع الآخر. أ: دخل يسوع إلى المجمع. ب: اليد اليابسة. ج: مراقبة يسوع. د: السؤال. هـ: فعل الخير. ونعود إلى الوراء. هـ هـ: فعل الشر. و: خلص. وو: قتل. دد: صمت. ج ج: نظر حوله. ب ب: اليد التي تعافت. أ أ: خرج الفريسيّون من المجمع.
إختفى الأشخاص الثانويون، أي المجمع والتلاميذ، فظل يسوع وحده تجاه خصومه. سنتعرّف إليهم في نهاية الخبر (رج مت 14:12. ذكرهم لوقا في البداية). انهم يراقبون يسوع ويأملون انه سيجترح الشفاء ليقدروا أن يشكوه. لا يهمّهم أمر المريض، بل أمر يسوع. ولهذا سيسكتون خلال المقابلة كلّها. أمّا يسوع فيعمل ويتكلّم في وضح النهار، لأنه يريد أن يتجنّب كلّ التباس. في المشهد السابق لم يكن هو موضوع الهجوم المباشر بل تلاميذه، ولهذا اكتفى بالرد. أمّا هنا، فقد اتخذ بنفسه المبادرة فشكّل موقفه تحديًا لهم. طالب يسوع بملء مسؤوليته لما سيحدث. جاء بالمريض إلى وسط القاعة، ثم طرح على خصومه سؤالاً على طريقة الجدالات في المدارس الربانية: "هل يسمح "؟ سؤال لبِق ولكنه ملتبس. إنه يسمح بتجاوز شريعة السبت من اجل خلاص الحياة. في هذا المعنى يكون الجواب بالإِيجاب. ولكن حسب الربانيّين، لا تسري هذه الشريعة إلاَّ في خطر موت قريب. إذن، يكون الجواب: كلا.
لم يُرد يسوع أن يحصر نفسه في هذه الفتاوى المفصلة. فالسبت بالنسبة إليه هو ساعة الخلاص. ومن لم يشفِ مريضًا قتله. لهذا بدّل النظرة العادية إلى الجدالات في هذا الموضوع تبديلاً كليًا. وإذا قابلنا هذا الحدث مع أحداث أخرى جرت في يوم السبت ظهرت إصالة المقطع الذي ندرس (رج لو 13: 10- 17؛ 14: 1- 6؛ يو 5: 1- 19؛ 9: 1- 41). إن جواب يسوع يشكّل إنتقالة بين سائر الأخبار الإزائيّة والأخبار اليوحنّاويّة. ففي خبريْ مرقس ولوقا، بل وفي خبر متّى الذي يدمج خبر مرقس مع لو 14: 5، يصوَّر سؤال يسوع بمثل ملموس: "من لا يحلّ ثوره أو حماره " (لو 15:13)؟ "من منكم يسقط خروفه (مت 12: 11) أو إبنه أو ثوره (لو 14: 5) في حفرة"؟ في هذه السلسلة الأولى، ظلّت البراهين المقدّمة من النمط الربانيّ. وجواب يسوع لم يَبدُ ثوريًا، وهو قد يلتقي تفاسير مدارس متحررة في إطار من استقامة الرأي. ولكن هذا الخبر بعيد كل البعد عن هذا الجو: فمرقس يتجنّب أن يعطي مثلاً ملموسًا. لسنا أمام خيار بين آراء لاهوتيّة مختلفة وممكنة، بل أمام خيار جذريّ: "هل نعمل الخير أم نعمل الشر؟ هل نخلص نفسا أم نقتلها؟ ". وهذا الخيار الجذريّ يرتبط بالوصية الأساسيّة: لا تقتل.

3- مُدَّ يدك. مَدَّها فعادت صحيحة (6: 9- 11).
إنّ يسوع يعمل في وقت محدَّد من التاريخ، في زمن محدّد وفي ظروف معيّنة. هكذا نظر إلى الرجل المريض، هكذا نظر إلى الفريسيّين. فكان نظره إلى قلب تاريخ الخلاص حاسمًا للحياة المسيحيّة. فحياة يسوع وكلمته التاريخيّة تحدّدان حياة الكنيسة وزمنها إلى أن يعود.
حين رأى يسوع الرجل في الوسط، وحين رأى الجميع آلامه ورغبته في الشفاء، طرح السؤال على الحاضرين. إن هذه الحالة المحدّدة والفردية تخضع لسؤال مبدأي. هنا زاد لوقا بعضا الشيء على مرقس. قال مر 3:3: "قم في الوسط ". أما لو 8:6 فقال: "قم وقف في الوسط ". وقال مر 4:3: "وقال لهم ". أما لو 9:6: "أمّا يسوع فقال لهم: أسألكم". ولكن يبقى لوقا متتبّعًا لخطى مرقس مع بعض تصحيحات سنذكرها في أوانها.
من يتجرّأ على القول إنّ شريعة السبت تمنع من فعل وتفرض علينا أن نفعل الشرّ ؟ فالسبت ليس لليهود فقط يوم راحة، بل يوم عمل خير، يوم الفرح. وما الذي يجعل من السبت يوم العيد والفرح؟ طعام فاخر، دراسة الشريعة، عمل صالح. وطلب أيضا من اليهوديّ أن يؤمِّن طعامًا للمسافرين المحتاجين الذين يمرّون عليه. هل نسي اليهود كل هذا؟ وها إنّ يسوع يعيد إلى السبت معناه الحقيقيّ. فيه يختبر المؤمن الفرح، فيه يعطي الفرح.
هل ننقذ حياة؟ هل ننقذ نفسًا؟ لا يتكلّم النص اليوناني فقط عن حياة الجسد، بل عن النفس، عن حياة الانسان كله. وهذا الانسان يريد الحياة كاملة. أما يستطيع أن يستعيدها بالشفاء؟
لخّص متى نصه كعادته وطوَّل خطبة يسوع: "أي إنسان منكم له خروف... " (آ 11- 12). وسبق على اعتراضات قد تأتيه من قرائه اليهود الذين يجادلونه حول إلحاحيّة هذا الشفاء فلم يتكلّم عن خلاص نفس (أو حياة)، بل أعطى مثل الحيوان الذي وقع في حفرة. أمّا قرَّاء مرقس الأمميون (أي من الأمم الوثنية)، فما كانوا يستطيعون أن يفهموا مسألة دينيّة يطرحها وجود خروف وقع في بئر يوم السبت. لهذا احتفظوا، كما قلنا، بمثل ذي بُعد شامل يُدركه الانسان بسهولة.
طرح يسوع السؤال وأجال نظره في الحضور. نظر إلى كل واحد، ونظر إليهم كلِّهم. لا جواب. ما أرادوا أن يقرّوا بخطأهم، ولا هم استطاعوا أن يفلتوا من حكمته. فالصورة التي كونوها عن الله تملي عليهم تسلط حرف الشريعة. أمّا يسوع فيعلن إرادة الله، يعلن صورة أخرى عن الله. إلهه هو إله الرحمة، الإِله القريب جدًّا من البشر، والإِله الذي لا يُدركه البشر.
تفرّد مرقس فأبرز موقف الخصوم. سكتوا ساعة طلب منهم سؤال يسوع جوابًا واضحًا. "نظر إليهم وهو غاضب حزين لقساوة قلوبهم " (مر 3: 5). إنّ مرقس يلاحظ دائمًا ردّة الفعل عند يسوع رأى الأبرص فأشفق عليه (1: 41) ثمّ انتهره (43:1)، جاء الأصّم فرفع يسوع عينيه نحو السماء "وتنهّد" (34:7). وطلب الفرّيسيون منه آية "فتنهّد من أعماق قلبه " (12:8). حدّثه الشاب الغني فنظر إليه وأحبّه (10: 21). أمّا ردّة الفعل هنا فهي قاسية وعنيفة، فيها الغضب والحزن لأن خصومه "قساة القلوب ". هذه اللفظة النادرة في العهد الجديد (ما عدا في بولس) تدلّ على العمى الذي يسيطر على التلاميذ (مر 3: 5؛ 17:8) أو اليهود (يو 12: 40؛ 2 كور 3: 14؛ روم 7:11، 25) أو الوثنيين (اف 18:4). إنّها تدلّ على عجز جذري عن إدراك واقع الله: فالانسان المتروك على نفسه أو الذي فضَّل النور على الظلمة، لا يقدر أن يتعرّف إلى ما فعله الله من أجل شعبه. منذ فرعون، صارت قساوة القلب هذه أساس الموقف الرافض للايمان.
نشير هنا إلى أنّ لو 6: 15 يقول: "وأجال نظره فيهم جميعًا". هو لا يذكر غضب يسوع ولا حزنه، لأنّ ربّه مليء بالنعمة والجمال، فلا يمكن أن تسيطر عليه هذه العواطف التي لا تليق بالانسان، فكيف بابن الله. أمّا متى، فلا يشير مطلقًا إلى نظر يسوع.
ولاحظ مت 14:12 ومر 6:3 أنّ الفرّيسيين عزموا على قتل يسوع. وضمَّ مرقس إلى الفرّيسيين الهيرودسيين أي جماعة هيرودس أنتيباس حاكم (تتراخس) الجليل وبيريه (4 ق. م.-39 ب. م.). فلا يمكن أن يتمّ عمل ضد المسيح من دون مساندتهم. نجد هؤلاء الهيرودسيين مع الفرّيسيين وهم يسألون يسوع عن دفع الجزية لقيصر "لكي يمسكوه. بكلمة (مر 13:12).
أمّا لوقا فكتب عن الفرّيسيين: "جنَّ جنونهم وتشاوروا: ماذا يفعلون بيسوع "؛ لا يفصح لوقا عن نواياهم، لا سيّما وأن تهديدهم سابق لأوانه. ثمّ لا ننسَ أنّ لوقا لا يدخل الفرّيسيين أبدًا في المؤامرة التي أدّت إلى موت يسوع. إنّه ينسب مسؤولية هذا الحدث إلى رؤساء الكهنة.
عادت اليد صحيحة، أعيد تكوينها. هذا رمز عن تجديد الكون الذي هو وجهة رئيسيّة في زمن الخلاص. فالذي بدأ الآن سيجد ملء كماله في يوم من الأيام.
وتنتهي أخبار المعجزات عادة بالحديث عن إعجاب الجموع. أمّا هنا فالاعجاب يتحول إلى "مجلس موت " يقرّر إزالة يسوع. إجتمع الأضداد على يسوع: الفرّيسيون هم معارضو الرومان والهيرودسيون هم معاونوهم. اجتمعت القوّة الدينيّة والقوّة السياسيّة على يسوع.
وترك الفرّيسيون المجمع. هذا التحرّك الذي يقابل دخول يسوع إلى المجمع في بداية المشهد يدل على معنى رمزي. نزع يسوع القناع عن الذين يتظاهرون بأنهم مدافعون أمناء عن الشريعة. ولكنهم يتجاوزونها في الواقع اليومي. أمّا يسوع فبقي في المجمع ربّما مع ذلك الذي شُفي، كما ظلّ وجهًا لوجه مع المرأة الزانية (يو 9:8). لم يحكم أحد على اليابس اليد، ويسوع لم يحكم عليه. لم يحكم أحد على الزانية، ويسوع لم يحكم عليها. حلَّت الرحمة محل الدينونة. فذهبت الزانية على أن لا تخطأ فيما بعد، وذهب الرجل الذي شفي وهو يمجّد قدرة الله. أمّا خصوم يسوع فظلّوا في عماهم ولم يؤمنوا.

خاتمة:
إنّ هذه المجادلات الخمسة (5: 12- 6: 11) التي توقفنا عندها هي كبرى مواضيع الكرازة النبويّة عن زمن المسيح: المغفرة التي تحرر، الوليمة ومشاركة الله في حياته، السبت وإِعادة كل شيء إلى جماله. كوَّنت فِعلتان من أفعال قدرة يسوع الاطار لكلمته: "مغفورة لك خطاياك " (5: 20). وترتبت صور العالم الجديد حول موضوع الطعام مع كلمة يسوع: "ما جئت لأدعو الأبرار إلى التوبة، بل الخطأة" (32:5). وتركز الجدالان الأخيران على كلمة جديدة من يسوع: "ربّ السبت هو ابن الانسان " (6: 5).
فالسلطة التي كانت موضوع جدال (4: 32، 36: ما هذا الكلام) صارت ثابتة ومتينة. أُعلنت بقوّة مرّتين، في 5: 24: "سأريكم أنّ ابن الانسان له سلطان على الأرض " وفي 6: 5: "وربّ السبت هو ابن الانسان ". أدخلت أوّلاً الناس في الحيرة والخوف (26:5) ولكنّها ما تعتّم أن تواجه الجنون (6: 11)، تواجه الرفض، تقابل ما يحمل عمل الربّ من جديد. ولكن يسوع قال: "يجب عليَّ أن ابشّر سائر المدن بملكوت الله " (43:4) فبعد علامات القدرة والسلطان تتخذ البشارة شكل خطبة هي شرعة الملكوت.
ِ

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM