الفصل السادس والعشرون: الوعد لسمعان بطرس

الفصل السادس والعشرون
الوعد لسمعان بطرس
5: 1-11

إن الحدث الإِنجيليّ الذي نتأمّل فيه اليوم هو كرازة تُعنَى عنايةً خاصّة بالكنيسة. إختلف لوقا عن مرقس (16:1- 20) فرسم لنا يسوع عائشًا في عُزلة تامّة (14:4- 44). قبل ان يُكلّم تلاميذه جمعَهم حوله. فالجزء الجديد الذي يبدأ في 5: 1 يَلي تصويرَ بداية المُهمّة التي فيها كرّس يسوعُ لشعبه نشاطًا واسعًا وعامًّا أخذ له كلّ وقته واهتمامه. وحين ألّف لوقا هذا المقطع (4: 14- 44) فكّر في توسّع شعب الله الجديد بعد الفصح. ولهذا فنحن لا نَدهَش إذا انتقل الانتباه في 5: 1- 11 آلى مُعاوني يسوع الرئيسيّين الذين أرسلهم، ولا سيّما سمعانَ بطرس رئيس الحلقة الرسوليّة. إن الكنيسة تخرج من عمل الرسل. هذا هو فكر لوقا.
تبدأ المعجزة والإِعلان الذي يرتبط بها (5: 4- 11) بلوحة تبينّ لنا يسوع مهتمًّا بالتعليم (5: 1- 3). إنه هنا في عظمة المبشّر المسيحانيّ وحاملِ كلمة الله، تحيط به الجموع التي تَزحمه: هذا ما يدلّ على المستقبل المحفوظ للكنيسة. ويؤكّد هذا المشهد التفسيرَ الذي يرى في الخبر اهتمامًا إكليزيولوجيًّا (كنسيًّا). فخبر رسالة يسوع الذي بدأ في العُزلة يلقي بنوره على الحدث الذي نعالج. أوّلاَ: يلقي بنوره على اللوحة التي فيها نرى يسوع يتابع تعليمه وحدَه (5: 1- 3). ثانيًا: ويمتدّ هذا النور أيضًا على عمله (4:5- 7)، وثالثًا: كما يمتدّ على الوعد (8:5 - 11) الذي به أظهر يسوع سموّ سلطانه، فله كلُّ المبادرة في هذا الحدَث الذي فيه دعا سمعانَ ورفاقه.
نجد الوجهة الاكليزيولوجية التي تميّز هذا الخبر في اهتمام رئيسيّ عقائديّ، وفي اهتمام ثانويّ تحريضيّ.
يظهر الاهتمام الأوّل في الرغبة بأن يتأسّس على إرادة عبّر عنها يسوعُ قبل الفصح، يتأسّس سلطان يرتبط بالأولويّة والمهمّة الملقاة على عاتق الرسل. قدّم لوقا مرّةً أولى سمعان ومعاونيه، وسمّى "صيادي بشر" (آ 10 ب) هؤلاء الذين سينفرزون عن جمهور التلاميذ (17:6) ليصيروا فيما بعدُ "الرسل " الاثني عشر (13:6). ويسمّي لوقا أيضًا الثلاثة الذين نجدهم معًا أكثر من مرّة (8: 51؛ 28:9 وز؛ أع 1 :13). إلاَّ أنّ الاهتمام الرئيسيّ يتسلّط خصوصًا على مكانة بطرس ودوره في الكنيسة. فهو كرئيس الرسل في قلب الخبر، كل هو في قلب الإِنجيل كلّه (45:8، 8:22 ضد مرقس؛ 22: 41 ضد متى؛ 22: 31- 32؛ 23:24؛ أع 1- 5).
والاهتمام الثانويّ يحرّك أيضا الخبر كلّه. فقد اهتمّت كنيسة الرسالة اهتمامًا خاصًّا بأن يكون في داخلها أناسٌ تركوا كلّ شيء وكرّسوا حياتهم للنشاط الرسوليّ. من هذه الوجهة يبدو سلوك سمعان بطرس ومعاونيه مثالاً يجب أن نقتدي به. وإن مِثلَ هذا الالتزام الكامل لا يمكن أن يكون إلا عمل النعمة. "فالمعجزة" الحقيقيّة في نظر لوقا تَكمُن في أن عمل يسوع (آ 6 ي) وكلمته جعلا سمعان مستعدًّا للخدمة الرسوليّة بقوة النعمة. هذا ما حاول الصيد العجائبيّ أن يحقّقه بالاشتراك مع كلمة يسوع. فلا يبقى للتأويل إلاَّ أن يُبرِز الموضوعَ الرئيسيّ والموضوع الثانويّ.

1- يسوع يعلّم
"وفيما كان الجمع مزدحمًا عليه يسمع كلمة الله، وكان هو واقفا على شاطئ بحيرة جنيسارت، أبصر سفينتين راسيتين عند الشاطئ، وقد انحدر منهما الصيّادون يغسلون الشِباك. فركب إحدى السفينتين، وكانت لسمعان، وسأله أن يبتعد قليلاً عن البَرّ. ثم جلس يعلّم الجموع من السفينة" (آ 1-3).
تبدأ المقطوعة بتعبير بيبليّ: وكان أنه فيما كان يعلّم... هكذا يُدخل لوقا خبره في مُجمَل الأحداث التي تميّز زمن المسيح. إن الإِنجيليّ يُهمل التحديدات الكرونولوجيّة وهو الذي لم يُشِر إلى عودة يسوع إلى الجليَل (رج يو 3:4، 43).
ويحدّد لوقا موقع الوعد المُعطى لسمعان بطرس والنداءَ الموجَّه إلى الرسل الثلاثة الرئيسيّين في سِياق خاصّ يساعده على أن يبرز حالاً المدلول الإِكليزيولوجيّ والكرازيّ لبطرس والمهمَّة الرسوليّة. وهكذا يرسم أوّلاً مشهدّا على الشاطئ يشبه مشهدَ مر 7:3، 9 (رج أيضًا مر 13:2)، مشهدَ تعليم كما في مر 4: 1- 2. إستعان بهذين التعليقين اللذين أخذهما من مرقس فرسم صورة يبدو فيها المسيح المعلّم في كل عظمته في علاقة توحّده بالكنيسة. وكلامُ الراوي سيتيح للكنيسة فيما بعد لكي تكتشف كل بُعدِ الوعد في آ 10 ب، وهو يشكّل ذُروة خبر 5: 4- 11.
ويرينا لوقا الجموع مستعدّةً للسماع: من الوُجهة الاكليزيولوجيّة، يبدو هذا التقديم مرتبطًا بالتقديم الذي يُرينا المسيح يعلن كلمة الله. والنجاحُ الذي تشهد له الكنيسة يشكّل البرهان المسيحانيّ. يبدو أنه يجب أن نعتبر السِمات التي تدلّ على يسوع يحيط به شعبٌ يَزحَمه (رج مر 9:3، 4: 1، 32:6)، ويصعد إلى السفينة، يجب أن نعتبرها من المكمّلات.
ووقف يسوع بكلّ مَهابة على الشاطئ. هذا ما يذكّرنا بالقائم من الموت في يو 21: 14. ولكن وِقفته هنا هي وِقفة إنسان يعلّم (17:6). يتفرّد لوقا فينسب إلى يسوع إعلان "كلمة الله " (8: 11، 21، هذا ما لا يقوله مرقس؛ 28:11. نصّ خاصّ بلوقا). من الوُجهة اللاهوتيّة، تبينّ هذه العبارة أنّ الوعظ في الكنيسة بدأ مع يسوع. أو بالأحرى، إنّ كرازة الرسل كانت فيما بعد امتدادًا لكرازة يسوع. والمضمون هو هو، فلا حاجةَ إلى تحديده في آ 1 وآ 3.
أبعدت السفينةُ يسوع عن الجموع (آ 3) بُعدًا يليق بمهابته. إن سفينة (قارب) بطرس هي مِنبرُ الوعظ ليسوع، كما في مر 4: 1. جلس فيها يسوع ليعلّم (لم يعد واقفًا كما في آ 1): هذا ما يوافق الوضع الذي يعرفه لوقا.
ويشدّد لوقا على القول: كانت لسمعان. هذا ما يهيّئنا لما سيقوله لنا الخبر عن الأمر الذي سيعطى له. لم يعد من الضروريّ أن يقدّم للقراء بُعد 38:4- 39. لقد اكتفى لوقا هنا كما في 38:4 بأن يسمّيه سمعان. ولكن الأمور ستتبدّل بعد 6: 14: "سمعان الذي دعاه بطرس ".
وهناك مقطع آخر في لوقا يدلّنا على يسوع وهو يأمر البحر بسلطانه: 8: 22- 25. ففي "كيريوس " (الرب) (آ 8) الذي يقف على البحيرة ويُعلن كلمة الله للجموع المستعدّة لسماعه، فيه يرى الإِيمان منذ الآن الرب الممجّد في العالم الآخر، وذلك الذي يسمع كلمته في الكنيسة من أعلى السماء. لا شذ في أن إعلان كلمته يفترض معاونين أرضيّين، وهذا ما سنتحدّث عنه فيما بعد.

2- أمر يسوع والمعجزة
"ولمّا فرغ من الكلام، قال لسمعان: تقدّم إلى المياه العميقة وألقُوا شباككم للصيد. فأجاب سمعان وقال: يا معلّم، قد تعبنا الليل كلّه ولم نُصب شيئًا. ولكن من أجل كلمتك ألقي الشِباك. فلمّا فعلوا أخذوا من السمك شيئًا كثيرًا حتى تخرّقت شباكهم. فأومأوا إلى شركائهم في السفينة الأخرى ليأتوا ويساعدوهم. فأتوا وملأوا السفينتين معًا حتى كادتا تغرقان " (آ 4- 7).
لا يقول لنا لوقا من رافق سمعان في سفينته (رج آ 9؛ مر 1: 16-17، مثلاً اندراوس). فهمّه أن تبرز أولوّيته في ملء ضيائها (رج أيضًا 9: 32 الذي يتميّز عن مرقس). من الواضح أنه حين أعطى يسوع الأوامر لبطرس، هيّأ يعقوب ويوحنا، رفيقاه في العمل (آ 7، رج آ 10)، سفينَتهما، وكأنهما يستعدّان للمعجزة التي ستحصل (آ 7).
إذا كان صيد الليل (وهو أفضل وقت للصيد) عقيمًا، فأيّ نجاح سيكون لصيد النهار؟ هذا ما أشار إليه بطرس. ولكنه بدا مستعدٍّا لكي يطيع يسوع: يجب أن تنفَّذ كلمة يسوع: "فلمّا فعلوا" (آ 6؛ رج 46:6-49؛ وأيضًا 28:5؛ 19:8 ي).
وأنزل بطرس مع معاونيه الشبكةَ الطويلة من القارِب.
لم يكن هدف اعتراض سمعان فقط أن يشدّد على خضوعه لكلمة المعلّمٍ، وهذا الخضوع يشكّل مثالاً يقتدي به كلّ مسؤول في الكنيسة. فالهدف كان أيضا إبرازَ الطابَع الغريب لأمر أعطاه يسوع، ولعظمة المعجزة التي سَتحصل.
ويشدّد الخبر (آ 8) على الوُجهة العجائبيّة للصيد: "كميّة كبيرة من السمك "؛ "كادت الشباكُ تتمزّق "؛ الحاجة إلى مساعدة؛ إمتلأ القاربان، كادا يغرقان. هنا يختلف لوقا عن يو 21: 1- 14. فالصيد العجيب لا يرمز إلى النجاح الذي به يمارس سمعانُ نشاطه الرسوليّ. فعلى المعجزة أن تهيّئ القارئ إلى انتقال من مستوى إلى مستوى، من صيد السمك، إلى صيد البشر والعمل الرسوليّ. إن الصيد العجيب الذي برهن على قدرة يسوعِ في مجال مألوف لدى هؤلاء الصيّادين، هذا الصيد أعطى لسمعان ورفاقه الثقة والشجاعة من أجلِ المُهمّة الرسوليّة التي حدّدها يسوع لسمعان حين قال له في آ 10: "إنك منذ الآن صيّاد للناس ". لا شكّ في أنّ هذا الإِعلان يشكّل ذُروة الخبر. اختلف لوقا عن مر 1: 17- 20 فبينّ أن القدرة التي بها حوّل يسوعُ هؤلاءِ الصيّادين إلى تلاميذ، لا ترتبط بكلمته وحدَها، بل بالعمل الذي به برهن عن سلطانه.

3- نتيجة المُعجزة والوعد لسمعان بطرس
"فلمّا رأى ذلك سمعانُ بطرس، خرَّ على ركبتَي يسوعِ، وقال: تباعدْ عنّي يا ربّ، فإنّي رجل خاطئ. فالرِعدةُ اعترته هو وجميع مَن معه بسبب صيد السمك الذي أصابوه. وكذلك يعقوب ويوحنا ابنا زبدى اللذان كانا شريكين لسمعان. فقال يسوع لسمعان: لا تخَف. إنك منذ الآنَ صيّادٌ للناس. ولمّا بلغوا بالسفينتين إلى البَرّ، تركوا كلّ شيء وتبعوه " (آ 8- 10).
وبرز من جديد شخص سمعان بطرس. هنا يسبّق لوقا على 14:6 فيعطيه شواذًا لقب "بطرس " الذي يدلّ على المهمّة التي سيتولّاها فيما بعد. لم يتردّد لوقا في أن يستعمل مرّةً أولى اللقب الذي سيلقي ضوءًا على ما ستقوله نبوءة آ 10 ب عن مستقبل بطرس.
وخرَّ سمعان بطرس أمام بهاء يسوع وقدرته الإِلهيَّين. أمام الربّ أحسَّ انه عَدَمٌ ولا شيء (رج 6:7). ما شعر به هو ورفاقُه، هو الرِعدة لا الذهولُ والتعجّب الذي يمكن أن يكون بدايةَ الفهم: إرتعد حين وجد نفسه بطريقة غير منتظَرة أمام فعل إلهيّ لم يسمع به، وِذلك في مجال عمله اليوميّ. فبدا له حضور يسوع أمرَا لا يُطاق (رج 37:8) مثل حضور تابوت العهد أمامَ أهل بيت شمس الذين قالوا: "مَن الذي يقدر أن يقف أمام الربّ الإِله القدّوس؟ إلى من يذهب فيبتعد عنّا" (1 صم 20:6)؟ وتوجّه سمعان إلى يسوع وسمّاه "الربّ " (كيريوس)، وهذا ما يعبّر عن بهائه الإلهيّ بوضوح لا نجده في لفظة "المعلّم " في آ 5.
حين كتب لوقا هذا المقطع، عرف أنّ سمعان بطرس سقط في يوم من الأيّام (33:22- 34، 54- 62) ثمّ نهض (22: 32، 61؛ رج يو 21: 15 - 19). لهذا اختار عبارة "الرجل الخاطئ" التي تسبّق على كل ما يمكنه أن يحصل، وتؤسّس دور بطرس فقط على نعمة يسوع. فإذا كان بطرس خاطئًا، فيسوع جاء يأخذ خطأة في خدمته. إن كان بطرس خاطئًا فنحن أيضًا خطأة، نحن الذين. في الكنيسة. والتعارض يظهر بوضوح أكثر فيما بعد حين تجتمع المُهمّة الملقاة على بطرس (22: 31- 32) مع الإِنباء بخيانته لمعلّمه (33:22- 34).
سنعرف فيما بعد (آ10 أ) أنّ يعقوب ويوحنا ابنَي زبدى اللذين كانا في السفينة الأخرى (آ 7) شهدا الحدث. يُذكَران على حِدة، وُيذكَر أيضا الذين كانوا مع سمعان بطرس (آ 9) في السفينة الأولى. حسِبَهما مر 1:19- 20 منخرطين في مشروع عائليّ. أمّا لوقا فقدّمهما لا "كزميلَين " (آ 7) بل "كشريكين " لسمعان. إنهما رفيقان في عمل واحد. هذا الوضع يشير مسبَّقًا إلى العلاقة التي ستقوم بينهم فيما بعد في الكنيسة.
بدأ يسوع وشجّع سمعان الذي استولت عليه الرعدة، ثمّ جعله تلميذَه وأعلن له مستقبله الرسوليّ. خرَّ سمعان أمام بهاء الربّ الإلهيّ، فكلّمه يسوع وكأنّه كائن سماويّ (رج مر 6:16؛ لو 1 :13، 30؛ 2: 10؛ أع 27: 24) يتراءى للبشر: "لا تخف " (آ 10 ب: تشجع). هكذا سيتحدّث يسوع بعد موته وتمجيده (مت 28: 10؛ رؤ 1: 17)، ولكن أيضًا خلال حياته على الأرض (مر 5: 36؛ 6: 50).
إن كلمة يسوع (آ 10 ب) التي جاءت فيما بعد لم تكن أمرًا يدعو سمعان إلى أن يتبع يسوع. إنها نبوءة تعلن نشاط سمعان الرسوليّ، وهي تُتمّ منذ الآن ما به تنبّئ: على سمعان بطرس أن يترك مهنته كصيّاد سمك ويهتمّ منذ الآن بصيد الناس. إن العبارة "تصطاد الناس " (آ 10 ب) وعبارة "صياد بشر" (مر 1: 17؛ مت 4: 19) تدلّان على أن المهنة لم تتبدّل إلاَّ في موضوعها: انتقالٌ من صيد السمك إلى صيد البشر وجَمْعُهم في شِباك الكنيسة.
منذ الآن (رج ار 16:16 وما فيها من نبرة محقّرة، نحن بعيدون عنها). تفهمنا هذه العبارة أن تتمّة هذا الإعلان الذي حقّقه يسوع نفسه في 13:6- 14 و 9: 1- 6 يبدأ فعلاً منذ الوقت الحاضر، بما أنّ سمعان قرّر أن يتبع يسوع. لقد تعلّم عن خبرة نتيجة طاعته لكلمة يسوع (آ 5-6). وهكذا يصبح إعلان آ10ب وكأنه أمر يوجّهه يسوع. فمعجزة يسوع وكلمته تتعاونان لتطلقا التزامًا سيحدّد حياة إنسان بكليّتها. افترض بعضهم فأخطأ حين رأى في خبر لو 38:4- 39 إستعدادًا سيكولوجيًّا لعطاء الذات الذي سيقوم به بطرس في 5: 11. إن قلنا كذلك، خفَّفنا من سلطان يسوع ورحمته اللذَين ظهرا عَبْرَ عمله وكلمته.
ولا بدّ من أن ينتهي الخبر (آ 11) مُوردًا ردّة فعل بطرس ورفاقه. ردّة الفعل: "تركوا كلّ شيء" (رج 28:5؛ 33:14) ليَتبعوا يسوع ويصيروا تلاميذه. عادت معجزة يسوع وكلمته إلى نشاط سمعان الرسوليّ وحدَه دون أن تتضمّن نداء لاتّباع يسوع. فالخبر شدّد على هذا النشاط الرسوليّ الجديد الذي سيبدأ حالاً (13:6- 14؛ 9: 1- 6): "منذ الآن" (آ 10 ب) ستبدأ. ولكن إنْ ذكر لوقا في النهاية أنّ سمعان ورفاقها " تركوا كلّ شيء" وتبعوا يسوع كتلاميذ، فلكي نرى أن إعلان يسوع في آ 10 ب قد بدأ يتحقّق. لسنا أمام نداء من يسوع ولو بشكل معجزة صنعها. ولسنا أمام نداء ليكونوا تلاميذ كما في مر 1: 16- 20= مت 18:4- 22. نحن أمام وعد تلقّاه سمعان فدفعه مع رفاقه إلى اتّباع يسوع. ليس الهدف الرئيسيّ من الصيد العجيب دعوةَ الشهود ليكونوا تلاميذ، بل تهيئتُهم لمهمّتهم الرسوليّة وإفهامُهم مضمون هذه المهمة.
هناك تماثلٌ في نظر لوقا بين أن نكون تلاميذ ونكون مسيحيّين. ولقد اهتمّت الكنيسة الرسوليّة بالطريقة التي بها سيقرّر أناس أن يتركوا كلّ شيء ويكرّسوا حياتهم للنشاط الرسوليّ. في هذا المنظار، يتضمّن الخبر موضوعًا ثانيًا لا نستطيع أن نهمله: بطرس ورفاقه هم مثال يجب أن نحتذيه: رأوا المعجزة التي صنعها الربّ، سمعوا الوعد الذي قدّمه لهم، فأتمّت النعمة ما بدا من قبلُ، وكأنّه التزام بطوليٌّ لا قِبَل للإِنسان به.
هذا الموضوع التحريضيّ يبقى في الدرجة الثانية. فالموضوع الإكليزيولوجيّ هو الأهمّ، ولا بدّ من إبرازه في نهاية هذا التأمّل.
تأثّر تدوين 5: 1- 11 بنصّ مر 1: 16- 20 و7:3- 9 و 4: 1- 2. أمّا نواة الخبر الأوّلانيّة فتذكّرنا بلا شكّ بنصّ يو 21: 1- 8، 11: ففي الحالتين يرتبط الصيد بنشاط بطرس الرسوليّ ويكتفي يوحنا بأن يلمّح إليه. فالتأكيدات اللاهوتيّة في الخبرين تتكاملان: حسب تعليم الكنيسة الأولى، بينّ يوحنا أن المهمّة الرسوليّة لا تُفهَم جوهريًّا إلا بعد الفصح. واتّفق لوقا مع التقليد الإزائيّ فبحث عن أساس هذه المهمّة في الأحداث السابقة للفصح (رج أع 1: 21- 22). إن الوعد المعطى هنا لبطرس في بداية حياة يسوع العلنيّة يوافق في نهاية رسالته المهمّة التي أُوكل بها في العليّة (22: 31- 32) من أجل زمن بعد الفصح ولأسباب لاهوتيّة ورساليّة. بدا أساس رسالة بطرس في نظر لوقا مرتبطًا بالوِظائف التي نالها من كلمات المسيح القائم من الموت. وإن اختيار الاثنيّ عشر أيضا (13:6- 14) من أجل الرسالة (9: 1- 6) لم يتجدّد بعد القيامة من أجل الزمن الذي يلي الفصح. فنشاط الرسل في فكر لوقا يستند فقط إلى الكتب المقدّسة (24: 46- 47) وتنبؤات يسوع حول امتداد الرسالة من أورشليم إلى أقاصي الأرض (أع 1 :8). ولكنهم لن يبدأوا رسالتهم قبل أن يحِلّ الروح الذي هو موضوع وعد الآب (48:24؛ أع 1: 4، 8).

خاتمة:
حاولنا أن نقرأ خبر الصيد العجيب بعينَي لوقا. فقد أراد في هذا الحدَث وعَبْرَه أن يرينا الكنيسة في نهاية الزمن الرسوليّ، بل الكنيسةَ في كلّ العصور. وأراد أن يبينّ لنا أن هذه الكنيسة تأسّست على المهمّة التي سلّمها يسوع إلى بطرس ورفاقِه في الرسالة، وهي تحتاج إلى قدرة الربّ لتقوم بعملها الرسوليّ حتى نهايةِ العالم.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM