الفصل الثامن والعشرون: إهانة يسوع

الفصل الثامن والعشرون
إهانة يسوع "النبي"
22: 63- 65

تتحدّث الأناجيل الأربعة عن إهانات أصابت يسوع خلال آلامه بيد اليهود. ولكنها تختلف في تفاصيل عديدة. الزمان، المكان، الصورة.
1- نظرة إلى الأناجيل الأربعة
إن مر 14: 65 يحدّد موقع الاهانات بين المحاكمة الليليّة في السنهدرين وإنكارات بطرس الثلاثة. ما زلنا في قصر عظيم الكهنة (مر 14: 53- 54). وأهل السنهدرين انفسهم، وبعد أن حكموا على يسوع بأنه يستحق الموت، أخذوا يسيئون معاملته، فاقتدى بهم الخدم في هذا العمل المهين. ميّز مرقس بين "بعضهم" وبين "الخدم" في مر 14: 65. فالبعض هم جزء من الكل المذكور في 14: 64 (حكموا جميعاً). هم أهل السنهدرين. أما الخدم (هيباراتس) فيفترقون عن شرطة الهيكل.
في مت 26: 67- 68، الظروف هي هي. وقد يكون أهل المجلس (آ 66) هم فاعل الفعل في آ 67 (فبصقوا في وجهه ولطموه). أما لفظة "بعضهم" (لكمه) فتدلُّ على فئتين من المهينين ليسوع. فقد تأتي الكلمات من قسم آخر من أهل المجلس. أما في لو 22: 63- 65، فلا نجد ذكراً لأهل المجلس (حرّاس يسوع). فلن يعقدوا جلستهم قبل الصباح. أما الآن فما زلنا في الليل (22: 54- 55) حيث انتهى بطرس من إنكار معلمه. وحرس يسوع الذين أوقفوه قضوا وقتهم يهزأون منه.
قد لا يدخل يوحنا في هذا الخطّ. إلاّ أن الصفعة التي نالها يسوع خلال الليل على يد خادم عظيم الكهنة حنان، قد تجد مكانها في موضوع الإهانات التي أصابت يسوع "النبي".
وإذا انتقلنا إلى طبيعة هذه الإهانات، هناك توافق واختلافات. فالإهانة في يو 18: 22 هي قصيرة و"معلّلة": أعطيت صفعة بملء اليد ليسوع لأنه قدّم جواباً "غير لائق": "أهكذا تجاوب عظيم الكهنة"؟ أما عند الإزائيين، فهناك تفصيل في نوعية الضرب الذي تلقّاه يسوع. هناك اللكمات. وزاد عليها مرقس ومتّى الصفعات (ضرب على الوجه بيد مفتوحة، رج مت 5: 39) والبصاف (فعلة إهانة. وقد يصبح طقساً؛ رج عد 12: 14؛ تث 25: 9). واستعمل لوقا ألفاظاً أخرى: تلاعبوا به (امبايزاين). نجد هذه اللفظة في الإنباء الثالث بالآلام (18: 32؛ مر 10: 34؛ مت 20: 19). وفي حفلة الإهانة عند هيردوس (23: 11)، وفي سخرية الجنود الرومان (مر 15: 20= مت 27: 31. غير موجود عند لوقا) وأخيراً سخرية اليهود تحت الصليب (مر 15: 31- مت 27: 41)، وسخرية الرومان (لو 23: 36). أجل عند لوقا، تلاعبوا بيسوع (كالكرة بين أيديهم) وضربوه.
حين نقرأ مرقس ومتّى نحسّ بـ "فيض" من البغض من قبل القضاة الذين حكموا الساعة على يسوع. عند لوقا نجد بعض الأشخاص الثانويّين الذين يريدون أن يمضوا "الليلة" الطويلة دون أن يملّوا. وأخيراً تمتزج هذه "الوحشية" مع "عمل مسرحي" يختلف من إنجيل إلى آخر. حسب لوقا، غطّوا وجه يسوع بحجاب. الكلمة اليونانية "باريكلبتاين" تعني غطّى من كل جهة (خر 28: 20؛ عب 9: 4)، أحاط كالثوب. إذن، لا نفكِّر بعصاب على العينين، بل بحجاب كبير على مثال حجاب المرأة في الحداد. وبعد هذا طلبوا منه أن "يتنبأ": من الذي ضربك؟ حسب مرقس، يغطَّى الوجه أيضاً، ويطلب من يسوع أن يتنبّأ في المطلق. حسب متّى، لا يغطَّى الوجه، ولكن على يسوع أن يعرف (يتنبأ) من ضربه، كما في لوقا.
وإذا تابعنا مسيرة الآلام تذكّرنا إهانات أخرى مماثلة عند هيرودس انتيباس (لو 23: 10، رجال هيرودس)، عند بيلاطس (من قبل الجنود الرومان) خلال المحاكمة (يو 19: 1- 3) أو بعد الحكم الأخير (مر 15: 16- 20= مت 27: 27- 31). وهناك هزء اليهود عند الصليب (مر 15: 29- 32 وز) وهزء الجنود (لو 23: 36: كان الجنود يسخرون منه). هكذا نضع أمام عيوننا مختلف العناصر في مسألة شغلت شراح الكتاب المقدس: أين، متى، كيف آسيئت معاملة يسوع وأهين خلال آلامه؟
2- مقابلة بين الأناجيل الإزائية
أ- على مستوى المبنى أو النقد الأدبي
نشدّد هنا على ارتباط الأناجيل بعضها ببعض. ونتوقَّف عند نقطتين.
أولاً: الوجه المغطّى
إذا كان متّى قد تبع مرقس، كما يقول الشّراح، فكيف أهمل الإشارة إلى الوجه المغطى بحيث لم نعد نفهم سؤالا الإزائيين: من ضربك؟ قال أحدهم: لا يتوافق الحجاب مع البصاق واللطم. وقال آخر: لا يرتبط متّى هنا بمرقس. ولكن التفاصيل واضحة بأن متّى يرتبط بمرقس في هذا المقطع.
ثانياً: عبارة "من الذي ضربك"
إتفق متّى ولوقا على مرقس فجعلا الجنود يسألون يسوع: من الذي ضربك؟ هنا نتذكر أن لوقا جهل متّى والعكس بالعكس ولم يلتقيا على مستوى الأخبار إلاّ عبر مرجع مشترك هو مرقس.
ب- على مستوى المعنى أو النقد التاريخي
إنّ المشهد يأخذ معاني عديدة ليست كلّها واضحة بالنسبة إلينا. ففي لوقا يبدو النص معقولاً: تغطّى وجه يسوع بحجاب فما استطاع أن يعرف من ضربه. نحن أمام "حزّورة" سمّاها الجلادون "عرافة ونبوءة". هذه اللعبة معروفة في محيطاتنا حيث تعصب عين أحدهم فيعرف من ضربه.
عند متّى، يبدو المشهد أقلّ وضوحاً. إذا لم تكن عينا يسوع معصوبتين، فما الذي يمنعه من أن يقول (يتنبأ) من ضربه. هناك من قال: عليه أن يعرف اسم الشخص الذي ضربه. ولكن لا شيء يسمح لنا بهذا الافتراض. وقال آخرون: أعمته الضربات واللكمات. ولكننا نزيد هنا على النص. هل نقصت متَّى اللباقة في الكتابة، أم أنه فعل ما فعل بسبب اهتمام لاهوتي عنده لا بدّ من أن نكتشفه.
مع مرقس لا نرى ما الذي يجب أن يعرفه (يتنبأ به) يسوع. ولهذا بدا الحجاب على الوجه بلا فائدة (غيابه عند متّى أزعجنا). قال الشّراح: ليس له أن "يحزر" شيئاً محدّداً بل أن يدلّ بشكل عام أنه نبي. إنطلق الخدم من كلامه عن الهيكل فدعوه هازئين لكي يمارس لعبته كنبي. أو أرادوا أن ينزع من رأسه هذه الفكرة.
من خلاله هذه الطروح وهذه التفاسير، لا نستطيع أن نعرف ما الذي حدث حقاً. ولهذا تخلىّ عدد من الشّراح عن البحث. لم ينكروا أنه حدث شيء ما، ولكنهم ظنّوا أن التعبير يرتبط قبل كل شيء بالكتب. لم يهتمّ الانجيليون بأن يرووا بدقة تفاصيل هذه الأحداث (واختلافهم يبرهن عن ذلك)، بقدر ما أرادوا أن يبيِّنوا تتمّة الكتب في الآلام.
وقدّمت عدّة نصوص. 1 مل 22: 24 (لُطم ميخا على فكه): نبي يهان لأنه افترق عن سائر الأنبياء. مي 4: 4 الذي يتكلّم عن قاضي إسرائيل الذي ضرب على خدِّه بالقضيب. ولكن لا تقارب على مستوى الألفاظ مع النصوص الإنجيلية. أما مع أش 50: 6 (أدير ظهري للضاربين، وخدّيّ لناتفي اللحى) فنوى وضعاً مماثلاً لوضع يسوع ولغة تشبه لغة الانجيليين. وحين نتذكّر تأثير أناشيد عبد الله المتألم على اللاهوت المسيحي الأول، نفهم الدور الذي لعبه أش 50: 6 هنا. هذا لا يعني أن المسيحيين الأولين اخترعوا هذا الحدث ليقولوا إدنَّ قول الأنبياء قد تم! هم انطلقوا من حياة يسوع فرأوا فيها مثالاً، وأبرزوا هذا المثال مستندين إلى الأسفار المقدّسة.
ولكن العودة إلى الكتب لا تكفي لتفسّر التفاصيل في هذه النصوص. فلوقا لا يعود إلى أشعيا. ثم إنّ هناك أموراً من مرقس ومتّى لا نجدها في أشعيا. أما يكون من الأفضل القول إننا أمام تيارات عديدة من التقليد دُمجت فأعطت هذا النص المتشعّب.
ج- على مستوى النصوص
هنا نعود إلى مرقس ونتوقّف عند اختلافتين رئيسيتين في 14: 65.
أولاً: البصاق والغطاء
النص الذي نقرأ: بصقوا وغطّوا وجهه. ولكننا نجد في النص البازي والسريانية السينائية وغيرهما: بصقوا على وجهه. أما في السريانية البسيطة والأرمنية والجيورجية فنقرأ الأمثولتين: بصقوا على وجهه وغطّوا وجهه. إذن، يبدو أنه يجب أن نقول: بصقوا على وجهه ولكموه. وهكذا يصبح مرقس قريباً من متّى كما نعرفه الآن. هو لم يقرأ الإشارة إلى الوجه المغطّى، لهذا لم يجعلها في إنجيله. وفي داخل مرقس، إن حذفنا "غطّوا وجهه" يصبح الترتيب أفضل.
ولكن ذكر الحجاب هو في محلّه في لوقا، بعد الضرب وحالاً قبل "تنبأ" الذي يفسّرها. ولكنه ليس في محله عند مرقس: فكيف نبصق على إنسان ونصفعه ووجهه مغطّى.
ثانياً: تنبّأ لنا أيها المسيح
هناك شهود ينتمون إلى نسخات قيصرية والاسكندرية، فيزيدون "لنا أيها المسيح". هذه الأمثولة تزيل الصعوبة الثانية التي أشرنا إليها: توافق متّى ولوقا ضد مرقس. فإذا وُجدت هذه العبارة عند مرقس (أقله في بعض المخطوطات) نفهم وجودها عند متّى ولوقا. وهكذا يصبح مرقس مثل متّى. ولكن هل نستطيع أن ندافع عن هذا الموقف على المستوى النصوصي؟ يبدو أنه لا يمكن. وهذا التنسيق ببين النصوص يجعلنا نرتاب في يد أزالت كل اختلاف بين إنجيل وآخر. هذا مع العلم ان عبارة "لنا أيها المسيح" لا توجد في المخطوطات الكبرى، بل في مخطوطات ثانوية.
3- بُنى الأناجيل الثلاثة
وبما أننا لا نجد اختلافات هامة عند متّى ولوقا، نستطيع أن نقدّم بنى الأناجيل الثلاثة الأولى كما يلي:
متّى مرقس لوقا
بصاق بصاق هزء وضرب
لكمات لكمات
صفعات
غطاء
تنبأ تنبأ تنبأ
المسيح
من ضربك من ضربك
الصفعات

أ- بنية لوقا
ونبدأ فنقابل بين لوقا ومرقس. كانوا يقولون إن لوقا يرتبط بمرقس هنا وفي أماكن عديدة من إنجيله، فيصحّحه ويكمِّله: تحاشى بعض العبارات القاسية، أحلّ الجنود محلَّ أهل المجلس حين جعل جلسة المجلس تتمّ في الصباح. هكذا خفّف من مسؤولية الرؤساء اليهود وألغى مشهد الإهانات الثاني على يد الجنود كما أورده مر 15: 16- 20 (ليس في لوقا ما يقابله). وأخيراً أوضح "تنبأ" في مرقس بسؤاله (من ضربك؟) جاء به من مخيلته أو من مرجع آخر. وهكذا كان شبه اتفاق بأن لوقا استند إلى مرقس في ما كتب.
ولكن ظهر وعي جديد يقول إن خبر الآلام اللوقاوي يستعمل مرجعاً خاصاً. تارة يكتفي به وطوراً يمزجه مع مرقس. إن الامكانية الأولى تتحقق في النص الذي ندرس. فنصّ لوقا لا يرتبط في شيء بنصّ مرقس. الممثّلون مختلفون وأعمالهم مختلفة. وإذا ألغينا "غطوا وجهه" من مرقس، لن يبقى شيء مشترك بين مرقس ولوقا سوى "تنبأ". فهذه اللفطة لم يأخذها لوقا من مرقس، بل وجدها في مرجعه كعنصر من لعبة معروفة.
ب- خبر مرقس
ونتساءل هنا: هل نصّ مرقس متماسك أم هو مركّب من تقليدين أو ثلاثة؟ فهناك عملية تلحيم مع "ويقولون له" أو: "وأوسعه الخدام لطماً". أجل، هناك تقليد يصوّر الاهانات التي تلقّاها يسوع حسب نمطية عبد الله المتألم. وهناك تقليد (يمثله لوقا) يجعلها مشهد هزء على مثال لعبة "إعرف من ضربك". وهناك تقليد ثالث ذكر واقعاً ملموساً من تلك الليلة، ذكر لطمة ألقمها ليسوع خادم حنان خلال الاستجواب.
ولكن كيف نتخيَّل كثر من تقليد في آية واحدة هي مر 14: 65؛ يبدو أن هناك في خبر الآلام حسب مرقس طبقتين تتوزّعان مختلف الأحداث، بل تتوزّع عناصر الحدث الواحد. لقد اكتشف كون في نزاع جتسيماني تقليدين مختلفين (آ 32، 35، 40، 41، ثم آ 33- 34، 36- 38). تقليد يرتكز على موضوع كرستولوجي لساعة ابن الانسان، وتقليد يتوسّع في موضوع إرشادي هو الصلاة والسهر الضروريان تجاه المحنة. ومثّل لوقا التقليد الثاني مع بعض التصحيحات. أما يوحنا فمثَّل التقليد الأول. ودمج مرقس التقليدين.
وهناك مثل آخر: إنكار بطرس ليسوع كما حلّله ماسون. هنا أيضاً نجد تقليدين. مرتين صاح الديك، صارت الانكارات ثلاثة. وصلىّ يسوع ثلاث مرّات. ونقول الشيء عينه عن جلسة السينهدرين. عرف مرقس جلستين. أو بالأحرى تحدّث بالتفصيل عن جلسة تمت في الليل (15: 55- 64)، وأشار بسرعة إلى جلسة تمّت في الصباح (15: 1) لم نعرف موضوعها ولا علاقتها بجلسة الليل. أما لوقا فلم يتكلّم إلاّ عن جلسة واحدة تمّت في الصباح (لو 22: 66- 71) فجاءت قريبة من جلسة الليل عند مرقس. فاستنتج عدد من الشّراح أننا أمام نسختين عند مرقس. وأنه لم يكن هناك إلاّ جلسة واحدة في الصباح، وهذا أمر طبيعي. والنتيجة هي أن مرقس يجاور بين تقليدين يمثِّل أحدهما (وهو الافضل) لوقا.
وهكذا نجد في مر 14: 65 تقليدين. فالكلمات الست الأخيرة (وتلقّاه الخدم باللطمات) تعود إلى تقليد آخر. أما الكلمات الأولى فقد تكون من تقليد قريب ممّا في لوقا مع بعض التصحيحات في الإنجيل الثاني والإنجيل الثالث.
هزئ "الناس" من يسوع لأنه ادّعى أنه "نبي". فكان هذا التذكّر في أساس ما صاغه الانجيليون من صورة لعبد الله المتألم، أو لعبة معروفة. وكانت لفظة "تنبأ" هي العنصر الأساسي والمشترك بين مختلف التقاليد.
ج- خبر متّى
استعمل متّى (26: 67- 68) خبر مرقس، كما فعل في سائر خبر الآلام. وأبرز البنية المركّبة لمرقس حين جعل الصفعات بعد اللكمات وقبل "تنبأ". ونرى محاولة "الترتيب" عينها في حدثَي النزاع ونكران بطرس ليسوع. ولكن وجود "من ضربك" يدلّ على أن متّى عرف لوقا أو المرجع الذي استقى منه لوقا. وهذا المرجع عرف الحجاب، ولكن متّى أهمله. فجاءت النتيجة غير معقولة، لأنه بدون حجاب لوقا في خلفية عبد الله المتألم كما في مرقس، تصبح لفظة "تنبأ" (من ضربك) ذات معنيين. إذا كان متّى وهو لاهوتي أكثر منه راوياً، قد أهمل ما هو معقول، أتراه اهتم بالحدث من زاوية التعليم والكرازة. هنا تتخذ إشارة خاصة بمتّى كل أهميتها. فقبل عبارة "من الذي ضربك" زاد: لنا، يا مسيح. نحن هنا أمام صدى لما في آ 63 (هل أنت المسيح). حين كرّر متّى هذا اللقب حالاً قبل النداء إلى "التنبؤ"، قام بتقارب له معناه من أجل فهم المشهد كلّه.
هناك معنى للفظة "مسيح" عرفته جماعة قمران: لا مسيح ملكي بل مسيح كهنوتي. نجد هذا المعنى في أماكن عديدة من الأناجيل الإزائية، ولا سيما في سؤال قيافا وجواب يسوع (مر 14: 61- 62 وز). إن كرامته كعظيم كهنة اسكاتولوجي، واعتداده التجديفي بأن يدمّر الهيكل وأن ينظّم عبادة جديدة، قد جعلاه مستحقاً الموت. هذا الاعتداد هو الذي يفسّر عند متّى التحدّي الهازئ "يا مسيح، تنبأ"، لأن النبوءة موهبة محفوظة لرئيس الكهنة (رج يو 11: 51). إن عودة "يا مسيح" (في آ 68) إلى "المسيح" (في آ 63) لها قيمتها على مستوى متّى التدويني، وقد جعل مشهد السنهدرين قبل الاهانات (كما عند مرقس). ولكنها تعبرّ على هذا المستوى عن هدف لاهوتي أبرزه متّى فأهمل التفصيل الذي يتحدّث عن الحجاب الذي يغطّي وجه المسيح.
وهكذا يلتقي التقديم المتّاوي مع المعنى العميق للحدث، وهذا ما جعل التقليد يحتفظ به ويرويه. تحدّث لوقا عن تقنية اللعبة "الصبيانية" بما فيها من قساوة. وفكر مرقس بشكل خاص بالنبي المهان الذي هو عبد الله المتألم. وبيّن متّى في يسوع، المسيحَ، وعظيم الكهنة، والنبي الذي رذله شعبه. ووراء هذه التقديمات الثلاثة نستشفّ مشهداً (لا نستطيع أن نعرف كل تفاصيله) دار حول لقب "النبي" فتوففت عنده الجماعة الأولى وتأمّلت فيه.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM