الفصل العشرون: عشاء الرب

الفصل العشرون
عشاء الرب
22: 7- 20

تتواصل رواية الآلام في لوقا بخبر عشاء الربّ. هناك الاستعداد لأكل عشاء الفصح في حلقة يشارك فيها يسوع وتلاميذه. وهناك حديث عن عشاء يسوع الأخير الذي فيه يحتفل يسوع بالفصح ويعيد تفسيره. قاسم الرسل الخبز والخمر، فأعطى هذه العناصر المادية مدلولاً جديداً. كما أوصى تلاميذه بأن يعيدوا في الأيام الآتية هذا العشاء تذكاراً له.
1- نظرة عامة
ما زال يسوع يتمّم قصد الله. وهذا القصد يظهر في صور مختلفة. أولاً بالفعل والفاعل: "إقترب عيد الفطير" (آ 1). "جاء يوم الفطير" (آ 7). "أتت الساعة" (آ 14). "يأتي ملكوت الله" (آ 18). كل هذا يدلّ على تحرّك تاريخ يتمّ في هذه الساعة. وهو تحرّك يجد تمامه في ملكوت الله (آ 16، 18). وبعد هذا تأتي لفظة "يجب، ينبغي" (داي) التي سبق لوقا واستعملها ليشير إلى مصير يسوع. خصوصاً في 2: 49 (يجب أن أكون عند أبي)؛ 4: 43 (يجب أن أعلن إنجيل ملكوت الله)؛ 9: 22 (يجب على ابن الانسان أن يتألّم كثيراً)؛ 13: 33 (يجب أن أسير في طريقي اليوم وغداً)؛ 17: 25 (يجب عليه قبل ذلك أن يتألّم كثيراً)؛ رج 22: 37؛ 24: 7، 26، 44.
أ- عشاء يسوع والفصح
الله هو الذي يقود تاريخ الخلاص المركّز على الفصح الذي يعود ست مرات في هذه الآيات. "يقال له الفصح" (آ 1). "عشاء الفصح" (آ 7). "هيّئا عشاء الفصح" (آ 8). "أين أتناول عشاء الفصح" (آ 11)؟ "قاما بتهيئة عشاء الفصح" (آ 13). "أن أتناول عشاء الفصح" (آ 15). هذا الفصح (حمل الفصح) "يُذبح" (آ 7). "يهيّأ" (آ 8، 9، 13). "يؤكل" (آ 8، 11، 15، 16). هي الألفاظ الذبائحية الوحيدة التي يوردها الانجيلي. في الواقع، هو يُدخل آلام يسوع في إطار العيد اليهودي، عيد الفصح، قبل أن يدلّ في شخصه على تجليّ هذا العيد والكشف عن صورته العميقة.
في إطار قصد الله الذي ظهر في الماضي عبر التحرّر من العبودية، طُلب من شعب الله الذي نال هذه النعمة بشكل مجاني أن يتذكّر هذا التحرّر بالاحتفال بالفصح. وفي هذا الإطار تتسجّل مبادرة يسوع: "أرسل بطرس ويوحنا" (آ 8). تفرّد لو 22: 8 فذكر بطرس ويوحنا. أما مر 14: 13 فقال: "أرسل اثنين من تلاميذه". وفي مت 26: 17- 18 طرح التلاميذ السؤال على التلاميذ، فأجابهم يسوع: "اذهبوا إلى المدينة". لقد شدّد لوقا على الدور المميّز لهذين الرسولين بين الرسل. فسيشهدان وحدهما مع يعقوب قيامة ابنة يائيرس (8: 51)، ويشاركان في التجليّ (9: 28). يُذكران في المقام الأول بعد الصعود (أع 1: 13)، ويجترحان أول معجزة في تاريخ الكنيسة (3: 1، 3، 4، 11). هما يخطبان معاً في الشعب (4: 1، 13، 19)، ومعاً يذهبان إلى السامرة (8: 14) ليضعا ختم الاثني عشر على هذه الكنيسة الفتيّة. وهما مدعوان مع سائر الرسل إلى الخدمة (لو 22: 24- 27).
إن إرسال بطرس ويوحنا يذكّرنا بارسال تلميذين ليهيّئا دخول يسوع إلى أورشليم والهيكل. "لما اقترب من بيت فاجي وبيت عنيا، أرسل اثنين من تلاميذه" (19: 29). الموازاة لافتة بين الإرسالين: فيسوع الملك (رج 19: 38) لم يدخل إلى المدينة إلا ليصل في النهاية إلى هذا البيت الحميم حيث تنتظره علّية تحفظ عادة للضيوف. ولكن جاء يسوع (19: 30- 35) إلى أورشليم في إطار مسيحاني وهو راكب على جحش. أما هنا فهو صورة مسبقة عن رجل الآلام في ذاك الرجل الذي يحمل جرّة ماء، أو الخادم الذي يغسل أقدام تلاميذه. ما بدأه يسوع في الهيكل حيث ستُذبح حملان الفصح (الحمل الفصحي)، سيتمّ في البيت، في هذه العلّية حيث سيؤكل حمل الفصح "حين تأتي الساعة".
هل أكل يسوع مع تلاميذه الفصح اليهودي كما تشير إليه الشريعة أم لا؟ ما زال هذا السؤال موضوع الجدال. فالأناجيل الإزائية لا تتفق مع يوحنا. حسب مت، مر، لو، إحتفل يسوع بالوليمة الرسمية، بالفصح اليهودي، وصُلب غداة هذا العيد، في اليوم الأول الذي فيه يؤكل الفطير. مثل هذا الأمر يبدو صعباً. وحسب يو، سبّق يسوع في الوليمة الطقسية ومات ساعة تذبح الحملان الفصحية في ساحة الهيكل. إفترض بعض الشّراح أن ما قاله الازائيون يوافق الحقيقة التاريخية. وقال آخرون: بل هو يوحنا. ولجأت فئة ثالثة إلى كلندار مختلف تبعه يسوع وهو المعمول به في محيط قمران. أو ذاك المعمول به في جماعات الشتات اليهودي التي لا تذبح حملاً كما في الهيكل. أن تكون هذه الوليمة الوداعية، من الوجهة التاريخية، إحتفالاً فصحياً أم لا، يبقى أن يسوع أعطاها مدلولاً فصحياً بالنظر إلى موته هو.
ب- إطار العشاء السّري
يتضمّن نصّ العشاء السّري في الإنجيل اللوقاوي شيئاً خاصاً له فائدته: إنه يسبق خبر تأسيس الافخارستيا (آ 19- 20) بتذكّر الفصح اليهودي والوعد بأن هذا الفصح بتمّ في ملكوت الله (آ 15- 18). فالتقليد المخطوطي لم يفهم دوماً هذا العرض، لم يفهم ما سمّي "النصّ الطويل" في المخطوطات اليونانية. لهذا، اقتطع منه آ 19 ب- 20، فقدّم لنا "النصّ القصير" كما نجده في المخطوطات اللاتينية. غير أن موضوع لوقا أوضح: ففي هذا المدى الجديد، في العلّية المخصّصة للضيوف، في قلب هذا البيت، أتمت الافخارستيا الفصح اليهودي داخل الميثاق الجديد، العهد الجديد.
لا يصوّر لوقا من هذا الفصح إلا العناصر الجوهرية: حمل الفصح وكأس الخمر. ويتجادل الشّراح: هل نحن أمام الكأس الأولى أم الكأس الثالثة؟ كانت الوليمة تتضمّن: (1) طعاماً بسيطاً (مثل مازة) مع الكأس الأولى. (2) تقديم الاشكال الرئيسية مع الكأس الثانية، وذلك بعد القراءة وتلاوة جزء من الهلل الفصحي (مز 113- 118). (3) يُتلى فعل الشكر على الخبز الفطير، على حمل الفصح مع الأعشاب المرة، وتُشرب الكأس الثالثة (مع مباركة على "كأس البركة"، رد 1 كور 10: 16). (4) الكأس الرابعة ونهاية نشيد الهلل الفصحي.
يبدو أننا أمام "كأس البركة"، الكأس الثالثة التي عليها يتلو رب البيت صلاة الشكر والمباركة. "مبارك أنت، أيها الرب إلهنا، ملك الكون، أنتما تغذّي العالم كله بحنانك ونعمتك ورحمتك. نشكرك أيها الرب إلهنا، لأنّك اعطيتنا هذه الأرض الطيّبة والواسعة ميراثاً. إرحم أيها الربّ إلهنا، إسرائيل شعبك وأورشليم مدينتك وصهيون موضع جلالك وهيكلك ومذابحك. كن مباركاً، أما الربّ يا من تبني أورشليم". إن هذه المباركة على الفطير هي أقدم التعابير المعروفة. إن المباركتين الأوليين، بركة الله المغذي، والبركة على الأرض، قديمتان. وبعد سنة 70 ب. م. زيدت المباركة الرابعة والصلاة لكي "يتذكّر الله مسيحه": "يا إلهنا وإله آبائنا، تذكرنا، واعتبر ضعفنا، تذكّر آباءنا، تذكّر المسيح ابن داود خادمك، تذكّر أورشليم مدينتك المقدسة، تذكّر شعبك كله بيت إسرائيل، لترتفع إليك صلاتنا وتصل وتُقبل من أجل خلاصنا وخيرنا".
خ- نصّ التأسيس
من أين جاء نصّ التأسيس؟ إختلفت الآراء. يعتبر البعض آ 15- 18 كتوضيح تدويني لما في مر 14: 22- 25. ويرى فيها آخرون خبراً قديماً للتأسيس الافخارستي يختلف عن نصّ مرقس.
وتأتي كلمات يسوع في هذا الإطار الفصحي. أولاها تلمّح إلى رغبته الحارّة (إشتهيت شهوة، رج 15: 16؛ 16: 21؛ 17: 22) في أن يأكل هذا الفصح مع تلاميذه قبل أن يتألمّ. منذ البداية بدا معنى ما يفعل واضحاً: إنه يتضمّن دخوله في الآلام. والكلمة الثانية تعبرّ بشكل نبوي على أن هذا الفصح يتمّ في ملكوت الله. هكذا يشير إلى الرجاء المسيحاني الذي تتضمّنه المباركة الثالثة التي يقوم بها ربّ البيت على الكأس الثالثة. وإذ تحدّث عن هذه الكأس كرّر النبوءة: إن تتمة الفصح في موته وقيامتة، تدشّن ملكوت الله. سينتهي خروجه (اختطافه) قريباً، وهو سيتكئ إلى مائدة الآب. ولكنه منذ الآن يدعو تلاميذه ليعيشوا معه، بشكل رمزي، هذا العبور إلى الآب. لهذا، يشركهم في الكأس التي يشرب. وهكذا ينتقل الاهتمام من حمل الفصح إلى ذاك الذي يحقّق في شخصه صورته وما تحمل من تحرير حقيقي.
في هذا الإطار الفصحي يأتي التأسيس الافخارستي فيدخلنا في فتحة رجاء عبر تذكّر تحرير تمّ في الماضي. ففعلة يسوع تدلّ على بداية جديدة: عمل كما في بداية الطعام: كسر الخبز. ولكن عمله الآن هو "فعل شكر"، افخارستيا. ثم، بعد أن تعشّوا، أخذ الكأس. يرى لوقا أن هذه الفعلة هي التي تقوم بها الجماعات المسيحية على خطى يسوع: "إصنعوا هذ دوماً لذكري" (رج 1 كور 11: 24- 25).
تبع لوقا وبولس (1 كور 11: 23- 25) ما سمّي "التقليد الانطاكي" الذي يشدّد على إعادة فعلة يسوع، كما قال هو بنفسه لتلاميذه: "لذكري". أما مرقس ومتّى فاستعادا "التقليد الفلسطيني" الذي يصوّر موت يسوع بشكل ذبيحة عبادية.
إن افخارستيا الجماعات الأولى جعلت لوقا يكتشف تقليداً قديماً جداً، نجد شهادة عنه في رسائل القديس بولس: "كأس البركة التي نباركها، أليست مشاركة في دم المسيح" (1 كور 10: 16)؟ فالمسيح يحوّل بموته المبارَكة اليهودية إلى افخارستيا مسيحية، بموته مع "الجسد الذي يبذل لأجلكم" و"الدم الذي يهُرق لأجلكم". فالموهبة التي يمنحها لرسله هي جسده ودمه، هي كل حياته التي تدخل في أعماق قلب الإنسان. فالجسد يدلّ على الإنسان الحي. والدم يدلّ على الحياة (لا 17: 11، 14؛ ثت 12: 23). أجل، أعطانا يسوع ذاته كلها. أعطانا حياته.
لا يبرز لوقا البعد الذبائحي لموت يسوع مثلاً، كما فعل مر 14: 24 (الدم الذي يسفك) ومت 26: 28 (يسفك من أجل أناس كثيرين). أشار متّى ومرقس إلى "دم العهد" (حز 24: 8) الذي فيه صار إسرائيل شعب الله. أما لوقا فتحدّث عن موت يسوع بلغة "العهد الجديد"، "الميثاق الجديد"، (كايني دياتيكي)، كما فعل بولس في 1 كور 11: 25 (العهد الجديد بدمي).
نستطيع أن نقرأ في هذا الكلام تذكّراً لما في إر 31: 31- 34 حيث يدلّ "الميثاق الجديد" على ارتداد الشعب المنفيّ ارتداداً داخلياً وعودته إلى أرضه. ولكن يبدو أن لوقا اكتشف بالأحرى تضامن يسوع ووساطته في موته: "جسدي يُبذل لأجلكم... دمي يُسفك من أجلكم". وهكذا جعل نفسه في خطّ نبوي، هو خطّ عبد الله المتألمّ ورسالته في العالم (أش 42: 6-7: جعلتك عهداً للشعوب ونوراً لهداية الأمم). حين يتحدّث لوقا عن العهد، فهو يعود إلى عهد الله مع ابراهيم (1: 72؛ أع 3: 25؛ 7: 8). وهذا العهد يتمّ في يسوع "عبد الله المتألمّ" (1: 54، 69؛ أع 3: 13؛ 4: 25، 27، 30). إن عبارة العهد في دم يسوع (العهد الجديد بدمي) تعني دخول البشرية كلها في عبوره إلى الآب، وارتباط مصيرها بمصيره كالمرسل والنبي.
إن الاحتفال بالافخارستيا يجعل هذه الشهادة ممكنة. هذا هو معنى العبارة اللوقاوية: "إصنعوا هذا لذكري". فالعبور الفصحي من الصليب إلى القيامة، يدفع الشهود إلى الدخول في عمل الابن الخلاصي. وهذا ما يجعلنا قريبين من منظار خطبة بولس في شيوخ أفسس: كلّمهم عن "كنيسة الله التي اقتناها الله بدم ابنه" (أع 20: 28). إن خروج (اختطاف) يسوع الذي نحتفل به في الافخارستيا يبدو بشكل عهد يدعو جميع البشر ويجمعهم لكي يدخلهم في اتحاد مع الآب، لكي يدخلهم في ملء ملكوت الله (آ 16- 18).
2- قراءة تفصيلية
نحن هنا أمام قسمين كبيرين: الاستعداد لعشاء الفصح (22: 7- 14). ثم العشاء الأخير (22: 15- 20).
أ- الاستعداد للعشاء (آ 7- 14)
أولاً: وجاء يوم الفطير (آ 7)
هناك علاقة بين يوم الفطير وعيد الفصح، أشرنا إليها في 22: 1 (رج 2: 41). إن هذه الحاشية تتعارض مع 22: 1 التي تتحدّث فقط عن "اقتراب" عيد الفطير لا عن مجيئه. إن التدوين اللوقاوي لما في مر 14: 12 قد حاول أن يزيل الصعوبة التي نحسّ بها حين نقرأ نصّ مر. فهذا النصّ يتحدّث عن "أول يوم من عيد الفطير، حين تُذبح الخراف لعشاء الفصح". علّق أحل الشّراح فقال: ليس من يهودي مثقّف يسمّي زمن العيد "اليوم الأول من العيد". فالأممي (من الأمم، غير يهودي) وحده يتحدّث عن يوم تقدمة حمل الفصح وليلة عشاء الفصح فيسميهما "اليوم الأول من العيد".
حرّك التعبير اللوقاوي هذه المشكلة بعض الشيء، ولكنه جعلنا نشعر أن عيد الفطير يمتدّ يوماً واحداً، بينما هو يمتدّ سبعة أيام. هذا هو السبب المعقول لتبدّلات في بعض المخطوطات مثل الكودكس البازي، اللاتينية العتيقة، السريانية العتيقة التي قالت "يوم الفصح" بدل "يوم الفطير". ولكن يبدو أن مرقس ولوقا قدّما تعبيراً شعبياً ستعارضه مثلاً نصوص تشرح خر 12: 15.
"حين يُذبح خروف الفصح". كان من الضروري، كان ينبغي. تبع لوقا مر 14: 12 حين استعمل "بسخا" في معنى "حمل الفصح". هذا ما تفعله السبعينية في خر 12: 21 (قدّموا ذبيحة فصح للربّ)؛ تث 16: 2- 6؛ عز 6: 20 (ذبحوا الفصح، ذبحوا حمل الفصح). أما الضرورة (ينبغي) الناجمة عن الفريضة "الموسوية" فنجدها في خر 12: 6 حيث نقرأ: "كل جماعة إسرائيل بين المساءين"، في العشية، بين الساعة الثانية والساعة الخامسة تقريباً. كانوا يفعلون ذلك في رواق الكهنة. خلال القرن الأول، بحضور ربّ البيت أو ممثّله. إن فعل "تيأين" يدل على مضمون ذبائحي في هذا الإطار. رج السبعينية في خر 16: 6 حيث "تيأين" يقابل في العبرية "ذبح" ويستعمل من أجل الفصح.
ثانياً: أرسل يسوع بطرس ويوحنا (آ 8- 11).
التلميذان اللذان أرسلهما يسوع (مر 14: 13) هما بطرس ويوحنا، كما يقول لوقا. يوحنا هو ابن زبدى. تلميذان لعبا دوراً كبيراً في هذا الخبر. وسيكونان "قائدين" في الكنيسة. إنما يُدعيان الآن من أجل الخدمة (22: 26). مع أن لوقا تبع مرقس، إلا أنه وضع هذين الاسمين عائداً إلى مرجع خاص به.
"عشاء الفصح" أو "حمل الفصح" كما في آ 7. إن عبارة "أكل الفصح" هي صدى لما في خر 12: 11 (كلوه بعجلة، فهو فصح الرب)؛ 12: 43- 46؛ عد 9: 11، تث 16: 7؛ 2 أخ 30: 18؛ عز 21:6. "أين نهيّئ"؟ هذا ما قاله مرقس قبل لوقا. "حالما تدخلان المدينة". بدّل لوقا بعض الشيء عبارة مرقس. "يلاقيكما رجل". قد يكون يسوع أعطاهما علامة، لأن النسوة هنّ اللواتي يذهبن عادة لجلب الماء (هذا ما نعرفه من القرن الأول ب. م.). هكذا كانت رفقة عند العين حين جاء خادم ابراهيم وجماله (تك 24: 15). وهكذا التقى يسوع السامرية (يو 4: 7). إن معرفة يسوع المسبقة أمر واضح في لوقا وفي مرقس. أما مت 26: 18 فيقول: "إذهبوا إلى فلان في المدينة وقولوا له". هذا يعني أن يسوع رتّب الأمور قبل الوقت.
"ربّ البيت" (آ 11). قد يكون ربّ البيت غير الشخص الذي يحمل الجرّة. "يقول لك المعلّم". لا حاجة إلى التوضيح. إما لأن يسوع سبق ورتّب الأمور مع ربّ البيت الذي أرسل من يحمل جرّة. وإما لان ربّ البيت قد يكون تلميذاً من تلاميذ يسوع. هنا نتذكر 19: 21 وقبل دخول يسوع إلى أورشليم: "السيد يحتاج إليه" (إلى الجحش).
ثالثا: غرفة واسعة مفروشة (آ 12- 14)
هي العلّية. غرفة واسعة في الطابق الأول. يقول المخطوط البازي: بيت. وغيره: بيت كبير "مفروش". أخذ لوقا هذا التفصيل عن مر 14: 15. لا سبعينية حز 23: 41 "كنبة واسعة" وهذا ما يدلّ على متّكأ للتمدّد إلى المائدة. "فوجدوا مثلما قال لهما". إن التدوين اللوقاوي يبرز ما وجده بطرس ويوحنا في خطّ مر 14: 16. "فقاما بتهيئة عشاء الفصح". أي جاءا بالحمل، ذبحاه، شوياه... وأعدّا الغرفة لاستقبال 13 شخصاً هم يسوع ورسله.
"ولمّا أتت الساعة" (آ 14). أي غروب شمس 14 نيسان (حسب التقويم القديم). وليلة عيد الفصح (الذي يقع في 15 نيسان). إن لفظة "هورا" لا تعني فقط "المساء" (رج مر 14: 17)، بل تشير إلى زمن تاريخ الخلاص. هي تقابل "ساعة" من نوع آخر، ساعة أعداء يسوع وسلطان الظلمة (22: 53). في وقت عصيب من هذا التاريخ، احتفل يسوع بالعشاء الأخير مع رسله، وهو عشاء ترتبط به الافخارستيا المسيحية.
"إتكّأ إلى المائدة". إعتاد اليهود في الماضي على الوقوف حين كانوا يأكلون حمل الفصح، ليدلّوا على عجلة في الانطلاق (خر 12: 11: كونوا متأهّبين للرحيل. كلوه بعجلة). غير أن هذه العادة زالت منذ زمن بعيد. وصار الاتكاء إلى المائدة في عشاء الفصح واجباً نفسياً، ورمزاً إلى الحرية بالنسبة إلى الفقراء. استعمل لوقا لفظة "إتكّأ" (انابستاين) في 11: 37؛ 14: 1، 17: 7.
"والرسل معه". لا نجد فعلاً هنا. الرسل هم الاثنا عشر الذي وردت اسماؤهم في 6: 13- 16. هذا جزء من تدوين لوقا لما في مر 14: 17 الذي يقول: "وصل مع الاثني عشر". نقرأ "الرسل" (ابوستولوي) في المخطوط السينائي والفاتيكاني والبازي، في اللاتينية العتيقة والسريانية العتيقة. كير أن السينائي صحح فكتب: "الاثني عشر" لكي يتوافق مع نصّ مت ومر. وجاء مصحّح آخر فكتب "الرسل الاثني عشر". وهذا ما نجده في الاسكندراني وعدد كبير من المخطوطات الجرّارة.
ب- العشاء الأخير (آ 15- 20)
أولاً: اشتهيت أن أتناول العشاء (آ 15)
قال لهم يسوع: إشتهيت شهوة. كم اشتهيت... هذا يدلّ على عظم رغبة يسوع. عبارة مع المفعول المطلق نجدها مثلاً في تك 31: 30 (حسب السبعينية). كما نجدها في المغارة الأولى من مغاور قمران (رؤ تك): "وأنا ابراهيم بكيت بكاء مرّاً". ما معنى هذه العبارة؟
* رغب يسوع أن يأكل عشاء الفصح المقبل، ولكنه عرف أنه سيموت قبل ذلك، قبل أن يأتي ذاك العشاء. يستند هذا التفسير إلى نظرة تقول إن يسوع لم يكل العشاء الأخير في عيد الفصح. إذا جعلنا جانباً المسألة التاريخية، هناك محاولة تفسير النصّ اللوقاوي حسب معطيات يوحنا عن العشاء الأخير، وهذا ما لا نستطيع قبوله. كما يفترض هذا التفسير أن يكون الفعل: كنت قد اشتهيت، وليس فقط: اشتهيت.
* إن الماضي (اشتهيت) يعبرّ عن رغبة لم تتمّ، لم تتحقّق: كم كنت سعيداً لو استطعت أن آكل حمل الفصح معكم قبل موتي! والسبب نجده في آ 16، 18. يودّ أن يعطي الكأس للرسل، ولكنه لا يودّ أن يشرب منها. نحن هنا في مقابلة مع لو 15: 16 (وكان يشتهي) حيث نجد استعمالاً مشابهاً للفعل "ابيتيماين". بالإضافة إلى ذلك، نفهم آ 16، 18 كامتناع غير معلن: سيشرب يسوع الكأس فقط في الملكوت. مثل هذا التفسير يبدو ممكناً، زمان حاول أن يحمّل النصّ اكثر ممّا يحمل.
* لقد رغب يسوع جدّياً بأن يأكل هذا الفصح. ولقد تحقّقت رغبته. هذا هو الوجه الأول لفهم هذا النصّ: رغبة حارة، حقيقيّة، ممكنة. وقد تمّت الآن، تحقّقت، تفسير بسيط وعادي. وهذا هو الأصحّ.
"عشاء هذا الفصح". أو: حمل الفصح هذا. الذي هو أمامكم. لسنا فقط أمام عودة إلى الاحتفال بالفصح في هذه السنة (رج آ 7). لقد صار عيد الوداع الذي تطلّع يسوع إليه يحمل الثمرة الجديدة. الرسل هم الشعب الجديد الذي معه يُقام "العهد الجديد" (آ 20). لهم أعطى جسده طعاماً، ومن أجلهم أراق دمه.
"قبل أن أتألم". استعمل فعل "باسخاين" بشكل مطلق بمعنى "ألم الموت" كما في 24: 26؛ أع 1: 3؛ 3: 18؛ 17: 3؛ رج 1 بط 2: 21-23؛ عب 2: 18؛ 9: 26؛ 13: 12. في لوقا، يربط يسوع عشاء الفصح (حمل الفصح) بآلامه الخاصة. في هذا المستوى الثالث من التقليد الإنجيلي، لسنا فقط أمام تشديد على موت يسوع، بل على مدلول هذا الموت أيضاً. وهكذا نكون في إعلان أول، خلال هذا العشاء، عن آلام يسوع القريبة. وسنجد مقابل هذا في آ 18.
ثانياً: لا اتناوله حتى يتمّ (آ 16)
"أقول لكم". قد نكون أمام عبارة سابقة للوقا. وستعود في آ 18. "لا آكله من بعد"، مرة أخرى. بعد هذه المناسبة. الموضوع في هذه الآية هو "الطعام". وسيقابله في آ 18 "الشراب". كلام واقعيّ عن المستقبل، لا إعلان عن الامتناع عن المشاركة في حمل الفصح، كما قال بعض الشرّاح. إختلفت القراءات هنا. في بردية 75 والمخطوط السينائي، الاسكندراني، الفاتيكاني: لا آكل (مي فاغو). فزادت بعض الترجمات: من بعد، من جديد. هذا ما نجده في المخطوط البازي (اوكاتي). "حتى، إلى أن" (هيوس هوتو). هذا ما نجد في 12: 50؛ 13: 8 (حتى أقلب التربة): رج 15: 8 (حتى تجده)؛ 22: 18 (حتى مجيء الملكوت).
"حتى يتمّ في ملكوت الله". استعمل فعل "بلارون" (تتمّ) في 4: 21 (اليوم تمّت هذه الكلمات)؛ 19: 31 (يتمّمه في أورشليم)؛ 24: 44؛ أع 1: 16؛ 3: 18. وهكذا أعطى يسوع بُعداً اسكاتولوجياً جديداً لعشاء الفصح الذي أخذه مع رسله. فعشاء الفصح ليست فقط تذكراً لخلاص العبرانيين من عبودية مصر، بل هو خلاص من نوع آخر، في جو الانتظار المسيحاني والرباط الذي جعله يسوع الآن بين فصح يفسّره تفسيراً جديداً وبين ملكوت الله، يدخل بعداً اسكاتولوجياً مختلفاً. سيفسّر فيما بعد، في آ 18 (حيث يُذكر الملكوت أيضاً)، في آ 19= (إعملوا هذا لذكري) حيث يعطي يسوع توجيهاً. إن حرف الجر "إن" يُفهم في المعنى الزمني. و "في الملكوت" قد يفهم في معنى الأداة: بواسطة الملكوت. يتحدّث 13: 29 عن مائدة في الملكوت توضع للوثنيين الآتين من الأقطار الأربعة، فتبدو كمقدّمة لما قيل في العشاء الأخير. رج 14: 15 والمشاركة في الوليمة المسيحانية (رد رؤ 19: 9).
إرتبطت إمالة اسكاتولوجية مختلفة مع عشاء الرب في 1 كور 11: 26 حيث تعتبر الوليمة اعلاناً لموت يسوع إلى أن يجيء. لا تعني الاسكاتولوجيا الملكوت، بل المجيء.
ثالثاً: أخذ كأساً (آ 17- 18)
تسلّم الكأس. قد يكون أحد الرفاق أعطاه إياها. إعتاد المشاركون في عشاء الفصح أن يشربوا في كؤوسهم الخاصة. أما يسوع فأدخل عنصراً جديداً. أول عمل يعني الكأس الأولى أو الكأس الثانية في العشاء الفصحي. أما التعبير عن عمله هذا فيبدو تقليدياً.
إن عدداً من الشّراح الذين أخذوا بالنصّ القصير لهذا الخبر (آ 15- 19 ب) يقولون إن الديداكيه أو تعليم الرسل (9: 1- 3) يسند خبر لوقا عن العشاء السّري الذي يتحدّث فقط عن متتالية الكأس والخمر كما في آ 15- 19 ب وبدون الزيادة في آ 19 ج د- 20. أما مقطع الديداكيه فهو: "والآن فيما يخصّ الافخارستيا، أشكروا بهذا الشكل. أولاً: عن الكأس قولوا: نشكرك، يا أبانا، على الخمرة المقدسة لداود فتاك (عبدك) التي عرّفتنا بها بواسطة يسوع فتاك. لك المجد إلى الأبد. وعلى الخبز المكسور قولوا: نشكرك، يا أبانا، على الحياة والمعرفة اللتين عرّفتنا بهما بواسطة يسوع فتاك. لك المجد إلى الأبد". ويتبع هذا صلاة تتحدّث عن الخبز المكسور للكنيسة.
يجب أن نلاحظ أن الديداكيه لا تشير إلى العشاء الأخير. ما نجده هنا هو تفسير للافخارستيا. بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن ما يقال في هذا المقطع يعكس ممارسة ليتورجية أكثر منه تفسيراً للافخارستيا. وإن عكسَ ممارسة ليتورجية، يجب أن نبيّن أن هذه الممارسة هي قديمة، قدم الخبر اللوقاوي، وأنها تحمل الكلمات التي وردت في العشاء الأخير.
"وشكر". أي شكر الله. استعمل الفعل في الصيغة المطلقة أيضاً في آ 19 (رج 17: 16؛ 18: 11). وهو يستعمل في العهد الجديد عن الشكر لله في معنى ديني كما في يه 8: 25؛ 2 مك 1: 11؛ 10: 7، كما في فيلون الاسكندراني ويوسيفوس المؤرّخ. ومن استعمال هذا الفعل هنا وفي مر 14: 23 وفي مت 26: 27 وفي 1 كور 11: 24، انبثقت لفظة "افخارستيا" فدلّت على طقس مسيحي يرتبط بتوصية يسوع في آ 19 د: "إصنعوا هذا لذكري".
إن فعل الشكر يدلّ على مباركة الله لما أعطي لنا. اعتُبرت اللفظة آتية من العالم اليهودي الهلنستي. وقد يكون لها أساس في مزامير قمران. هذا الشكر تعبرّ عنه 1 تم 4: 4- 5 فتقول: "كل ما خلقه الله حسن، فما من شيء يجب رفضه، بل يجب قبول كل شيء بالشكر، لأن كلام الله والصلاة يقدّسانه".
"خذوا هذا واقتسموه بينكم". يستحيل القول إن يسوع ذاق الكأس قبل أن يوزّعها على الرسل. فإن كان الأمر كذلك، سيكون لهذا الكلام المعنى الذي في آ 16. فتوصية يسوع في لوقا تدعو الرسل إلى مشاركة جماعيّة في العشاء الأخير. هنا نتذكّر الشرح اللاهوتي المجرّد الذي قدّمه بولس في 1 كور 10: 16- 21. إنه "مشاركة" في "مائدة الربّ".
"أقول لكم" (آ 18). رج ما قلنا في آ 16. "منذ الآن، بعد، بعد اليوم" (ابو تو نين). عبارة تميّز أسلوب لوقا. يشير هذا الكلام في فم يسوع إلى اقتراب آلامه. لهذا، لن يبقى طويلاً مع الرسل خلال عشاء الفصح. ألغت بعض المخطوطات هذه العبارة (الاسكندراني، الافرامي). ولكن احتفظ بها السينائي والفاتيكاني وعدد كبير من المخطوطات.
"لن أشرب من ثمرة (عصير) الكرمة". الخمرة عنصر من عناصر العشاء الفصحي. لسنا هنا أمام امتناع غير معلن، ولا أمام "نذر" نذره يسوع على نفسه بأن لا يشرب الخمر بعد اليوم. فشرب الخمر يقابل أكل حمل الفصح (عشاء الفصح) في آ 16. ثمرة الكرمة هي العنب وعصير العنب (الخمرة). رج السبعينية في تث 22: 9 وأش 32: 12 حيث تصبح "الكروم المثمرة" (في العبرية)، "خمرة مثمرة" (في اليونانية).
"حتى يأتي ملكوت الله". نحن أمام تعبير آخر عن التتمّة الاسكاتولوجية للعشاء الفصحي في الملكوت (رج آ 16). كان حديث عن "مجيء" الملكوت في 11: 2؛ 17: 20.
رابعاً: أخذ خبزاً (آ 19)
أخذ بعض الخبز، أخذ رغيفاً من الخبز. هذا يعود إلى الخبز الذي كُل في بداية العشاء الرئيسي. رجع لوقا إلى مر 14: 22: آخذ (اسم الفاعل) خبزاً. قال البعض: قد نكون أمام الخبز الفطير كما في سبعينية خر 29: 2؛ لا 2: 4؛ 8: 26؛ عد 6: 19.
"وبعد أن شكر". تبع لوقا مر 14: 22، ولكنه بدّل اسم الفاعل "اولوغيساس" (مدح، بارك: الله، الخبز) في موازاة مع آ 17. يرد "اوخرستيساس" لا 1 كور 11: 24، وقد يكون خاصاً بلوقا (اللوقاويّات). إن السبعينية اعتادت أن تترجم "ب ر ك" (بارك) باليونانية "اولوغاين". أما "يدا" (رج في السريانية: أودي) فتترجمه "شكر" (أش 12: 1؛ 38: 19).
"كسر وأعطاهم". قُسم الرغيف الواحد، فشاركوا فيه كلّهم. عاد الفعلان إلى مر 14: 22. نلاحظ أن بولس كتب في 1 كور 11: 24: "كسر وقال". هذا جزء من التعابير التقليدية وربّما الليتورجية مع أربعة أفعال: أخذ، بارك، كسر، أعطى. إنطلق لوقا من العبارة المستعملة هنا، فتحدّث عن "كسر الخبز" (24: 35؛ أع 2: 42؛ 20: 7، 11) الذي يدلّ على الافخارستيا. فالفعل "كلان" (كسر) يستعمل في العهد الجديد في إطار الخبز المكسور في الوليمة (24: 30؛ أع 2: 46؛ 20: 7، 11؛ 27: 35؛ رد 1 كور 10: 16؛ 11: 24؛ مر 8: 6، 19؛ 14: 22؛ مت 14: 19؛ 15: 36؛ 26: 26). كان ربّ البيت يتقاسم الخبز مع الحاضرين فيدلّ على ارتباطه بهم.
"هذا هو جسدي". تعود هذه العبارة حرفياً إلى مر 14: 22 ب (توتو استين تو سوما مو)؛ رج مت 26: 26 ج. في 1 كور 11: 24 يختلف ترتيب الكلمات. كما كان ربّ البيت في العشاء الفصحي يفسّر الخبز الفطير في عودة إلى تث 16: 3 الحم عوني، خبز العناء والشقاء)، هكذا فسّر يسوع خبز العشاء الفصحي الجديد. فماثل بينه وبين نفسه (الخبز هو جسدي. هو أنا). لم يعطِ رفاقه فقط خبزاً ليأكلوه، بل أعطاهم ذاته. إن لفظة "سوما" تدلّ على الجسد كما تدلّ على الشخص. رج 1 كور 9: 27 (أقسوا على جسدي، أي على ذاتي)؛ 13: 3؛ روم 12: 1؛ فل 1: 20.
إن "سوما" في اليونانية السبعينية تترجم عدداً من الألفاظ العبرية. وخصوصاً: "بسر" (البشرية)، اللحم والدم كما نقول في العربية. في لو 3: 6: باسا سركس: كل بسر، كل بشر، يرى خلاص الله (أش 40: 5). رج عد 16: 22؛ 27: 16؛ مز 145: 121. وقد عرف العالم اليهودي الفلسطيني عبارة اللحم والدم ليدلّ على الكائن البشري (سي 14: 18؛ 17: 31) وكذا نقول عن المسيحية الأولى (غل 1: 16، مت 16: 16؛ 1 كور 15: 50؛ عب 2: 14). هل نحن في خلفيّة التمييز بين الخبز (= الجسد) والخمر (= الدم) كما استعلمه يسوع في آ 19- 20؟
وإذا عدنا إلى فقة اللغة نتساءل: هل الفعل "استين" (يقابل "ايس"، "هو" في العربية) يعني: هو حقاً، هو مماثل كما في لو 3: 22؛ 4: 34؛ 6: 5؛ مت 3: 17؛ 10: 2؛ 13: 55؛ 14: 2؛ أو "رمزياً روحياً" كما في يو 10: 7، 11؛ 11: 25؛ 15: 1؛ 1 كور 10: 4؛ غل 4: 24. إن المقطع البولسي التفسيري في 1 كور 11: 26- 29 صار الأساس لفهم مسيحي قديم لهذا الفعل: المعنى الواقعي. بما أن يسوع استعمل الارامية، فلم يحتج إلى فعل: دين بسري هو: هذا هو جسدي.
"يُبذل من أجلكم". الذي هو هنا لكي يُبذل من أجلكم. لا نجد هذه العبارة في مر ولا في مت. أما 1 كور 11: 24 فتتضمّن شكلاً أبسط: "الذي هو من أجلكم". وزاد الشكل اللوقاوي: "ديدومينون" = المعطى. هناك مخطوطات مثل السينائي، الافرامي، البازي... (نسخة مصححة)، زادت على نصّ 1 كور: "كلومينون" = المكسور (من أجلكم). من الصعب أن نعرف أيهما أقدم، الشكل اللوقاوي أم الشكل البولسي.
ما معنى فعل "ديدوناي"؟ أعطى، بذل. أعطى من خلال تقدمة، من خلال ذبيحة، في الموت. رج لو 2: 24 (ليقدّما الذبيحة)؛ مر 10: 45 (يبذل حياته)؛ غل 1: 4؛ 2 كور 8: 5؛ يو 6: 51؛ 1 تم 2: 6؛ تي 2: 14؛ 1 مك 2: 50؛ 6: 44. في هذا المعنى نفهم الفعل في المقطع اللوقاوي الذي ندرس.
"من أجلكم". إن العمل البدلي في بذل الذات عند يسوع هو إعادة تفسير تقدمة الفصح القديم. وهذا يتضمّن وجهة سوتيريولوجية في حياته وموته. وأداة "هيبر" ترد مراراً في العهد الجديد: روم 5: 6 (مات المسيح من أجل الخاطئين)؛ 8: 32؛ يو 11: 50؛ 1 كور 15: 3، 29؛ 2 كور 5: 14؛ 1 بط 2: 21؛ رج سي 29: 15؛ 2 مك 7: 9؛ 8: 21. ويؤكّد النصّ على الوجهة البدليّة لحياة يسوع وموته دون ارتباط بموضرع عبد الله المتألمّ الذي سيظهر في آ 37 ولكن في معنى مختلف. وإذا أردنا أن نفهم علاقة هذه العبارة بموت يسوع، نعود إلى 23: 44- 49.
"إصنعوا هذا لذكري". قوموا بهذا العمل، وعندما تقومون به تذكروني وتذكرون كل ما عملته من أجلكم. لا نجد هذه التوصية في مت ولا في مر، بل في 1 كور 11: 24 ج (ستعود مع الكأس في آ 25 ج). ورث بولس ولوقا لفظة "أنامناسيس" (الذكر، التذكر) من التقليد القديم. وجاء "إصنعوا هذا" تفسيراً جديداً لحمل الفصح وما فيه من تذكّر. "تتذكرون يوم رحيلكم من مصر كل أيام حياتكم" (تث 16: 3 د). وكما أحلّ يسوع ذاته محلّ حمل الفصح، هكذا حلّ "ذكره" محلّ تذكّر (أنامناسيس) حمل الفصح. وسيفسرّ بولس هذا التذكّر بالنظر إلى الاحتفال بعشاء الرب في 1 كور 11: 20، 26. نتذكّر المسيح وما عمله في العشاء الأخير أمام الرسل. هكذا يبقى ذكره فينا وعندنا.
إن هذه التوصية (إصنعوا هذا لذكري) تعود إلى ما قبل لوقا وما قبل بولس. إنها تعود إلى تقليد ليتورجى مختلف عن التقليد الذي استقى منه متّى ومرقس. فهمها بولس تذكّرا "لموت الربّ" (1 كور 11: 26). وسيفهمها التقليد المسيحي اللاحق في شكل عملي (الممارسة الافخارستية) وفي وجه اسكاتولوجي (انتظار مجيء الربّ).
خامساً: الكأس من بعد العشاء (آ 20)
الكأس التي بعد العشاء هي "كأس البركة" (1 كور 10: 16). الكأس الثالثة التي تتلى عليها المباركة (مبارك أنت يا ربّ). نجد في 1 كور 11: 25 ذات الكلمات التي في لوقا ولكن في ترتيب مختلف. "هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي". ماثلت عبارة لوقا بين الكأس وبين العهد الجديد. أما مر 14: 28 فماثل بشكل مباشر بين الكأس والدم. "هذا (الكأس أو ما يتضمّنه) هو دمي للعهد". جاء تعبير مر قريباً جداً من حز 24: 8. أما لو فاسقط اللغة الذبائحية التي وجدها في مر. لا نجد في عبارة لو تماثلاً مباشراً كما في 1 كور 11: 25 ب (هذه الكأس هي العهد الجديد)، ولكننا أمام المعنى عينه.
"العهد الجديد" يلمّح إلى إر 31: 31، إلى وعد بميثاق يقيمه الله مع بيت إسرائيل وبيت يهوذا. هذه العبارة أخذها الاسيانيون في قمران ليصوّروا جماعتهم (المغارة الأولى، تفسير حبقوق). إن "العهد" الجديد يعكس "العهد القديم" (رج 2 كور 3: 14) الذي قطعه الله مع شعبه على الجبل: أخذ موسى دم الذبائح ورشّ نصفه على الشعب والنصف الثاني على المذبح، وقال: "هذا هو دم العهد الذي عاهدكم الربّ به" (خر 24: 8). في هذا الشكل الجديد أقيم العهد "بدمي" (مع دمي). فدم يسوع نفسه معنيّ ب "ذبيحة الخلاص" (خر 24: 5 حسب السبعينية). قد استعملت الكأس في معنى رمزي في مز 116: 13: "أرفع كأس الخلاص وباسم الربّ أدعو".
قال لا 17: 14: "نفس (حياة) كل جسد هي دمه". و 17: 11: "جعلته (أي: الدم) لكم على المذبح لتكفّروا به عن نفوسكم (عن حياتكم)". في هذا الإطار نفهم أن دم يسوع هو حياته التي تعطى لنا.
"الذي يراق من أجلكم". الذي هو هنا لكي يراق من أجلكم (رج آ 19). قال مر 14: 24: "يراق من أجل الكثيرين". ومت 26: 27: "يراق من أجل الكثيرين لغفران الخطايا". لا نجد هذه العبارة في 1 كور 11: 25، بل نقرأ: "هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي. كلما شربتم، فاعملوا هذا لذكري". نصّ مر هو أولاني. ويأتي بعده نصّ مت الذي هو توسّع ليتورجي. وحصر لو (أو مرجعه) النظرة إلى التقدمة البدليّة في تبديل من "الكثيرين" إلى "لأجلكم". وهذا ما يتوافق مع نهاية آ 19: "يسفك من أجلكم".
إراقة الدم عبارة تدلّ على الموت في العهد القديم. رج تك 9: 6؛ حز 18: 10؛ أش 59: 7 (رخو روم 3: 15)؛ لو 11: 50. ورأى شّراح عديدون في لفظة "لأجلكم" (أو: لأجل كثيرين) تلميحاً إلى أش 53: 12: فعبد الله المتألمّ "بذل نفسه للموت، وأحصي مع العصاة، وحمل خطايا كثيرين".
3- قراءة أدبية وروحية
نقسم هذا المقطع إلى قسمين: تهيئة العشاء (22: 7- 14)، العشاء الرباني (22: 15- 20) ونتوقّف عند الأمور النقدية، عند أهداف الكاتب وارتباط هذا الحدث بالتقليد الليتورجي.
أ- الاستعداد لعشاء الفصح
يتواصل خبر الآلام في لوقا مع الاستعداد لعشاء الفصح، ويُطرح سؤال: هل تدخل آ 14 مع آ 7- 13، أم تعتبر مدخلاً للقسم الثاني الذي هو العشاء نفسه؟ هي في كل حال انتقالة تختتم القسم الأولى وتعدّ القسم الثاني.
أولاً: الدراسة الأدبية
يعود مجمل الحدث (آ 7- 14) إلى ما دوّنه مر 14: 12- 17 (رج مت 26: 17- 20). قال عدد من الشّراح: إن آ 7- 13 هي نسخة عن مر مع مقدّمة بسيطة وتبديلات طفيفة. إن لوقا جعل يسوع يتَّخذ المبادرة في إرسال اثنين من تلاميذه (في مر 14: 2: سأل التلاميذ؛ في لو: أرسل يسوع)، كما سمّى التلميذين: بطرس ويوحنا (إن آ 8 هي كلها من تأليف لوقا وتتعارض مع مر 14: 12 ب- 13 حيث لا يذكر اسم التلميذين اللذين يطرحان السؤال على يسوع فيرسلهما). ويبدو أن آ 14 هي شكل دوّنه لوقا منطلقاً من مر 14: 17. العنصر الوحيد اللافت هو استعمال "هورا" (الساعة)، وهذا ما يجعلنا قريبين من اللاهوت اليوحناوي (يو 13: 1: عرف أن ساعته).
إذا عدنا إلى المستوى النقدي، بدا الحديث جزءاً من التقليد الاخباري في الانجيل، بدا خبراً عن يسوع. إعتبر بعض الشّراح أننا أمام تدوين ثانوي جاء موافقاً لخبر العشاء الفصحي. وقابل آخرون المعرفة المسبقة عند يسوع مع معرفة صموئيل حين أطلق شاول بعد أن مسحه (2 صم 10: 2- 13). ولكن معرفة صموئيل جاءت تدلّ شاول على أن الربّ مسحه حقاً. أما في هذا الحدث، فلا علامة خاصة في معرفة يسوع السابقة. على كل حال، نحن أمام تقارب خارجي. فلوقا قد ورث بالأحرى خبر مرقس.
إن مرمى الحدث كما رواه لوقا بسيط جداً: إنه مقدّمة للحدث التالي، خبر العشاء الأخير. أبرز لوقا شخص يسوع الذي اتخذ المبادرة في "يوم التهيئة". رغب أن يحتفل بعيد الفصح السنوي مع رسله المختارين حسب فرائض العهد القديم. "في الموضع الذي يختاره الربّ ليحلّ فيه اسمه" (تث 16: 6). فمنذ أيام الملك يوشيا على أبعد تقدير، أخذوا يأكلون حمل الفصح في ساحة هيكل أورشليم (2 أخ 35: 16- 19). ولكن بسبب العدد الكبير من الحجّاج، صار "الموضع" مدينة أورشليم كلّها، على أن تُذبح الحملان في ساحة الهيكل.
أرسل يسوع التلميذين. هذا ما كتبه لوقا في خطّ مرقس. أيكون يسوع رتّب الأمور مسبقاً، أم لم يرتبها؟ الأمران ممكنان. أما السبب الذي لأجله أراد يسوع أن يأكل الفصح مع رسله، فهذا ما نكتشفه في الحدث التالي (العشاء). أعطيت توصية غامضة لبطرس ويوحنا. ولكن يبدو واضحاً أن مثل هذا التعبير يتخوّف من يوضاس الذي كان يطلب فرصة مناسبة ليسلم يسوع بمعزل عن الجمع (آ 6).
نكتشف تشابهاً بين هذا الحدث وخبر دخول يسوع الملكي إلى هيكل أورشليم، لا سيّما حين أرسل التلميذين (لا يذكر اسمهما هنا) ليأتيا بالجحش (19: 29). فالتشابه يدلّ على أننا أمام مرجع مشترك. ثم إن إرسال "شخصين" اثنين في مهمة، عادة قديمة جداً (وجود شاهدين) "شرَّعها" يسوع حين أرسل تلاميذه "اثنين اثنين أمامه" (10: 1). وإذ شدّد لوقا على معرفة يسوع المسبقة، دلّ على أنه يسيطر على العناصر خلال الآمه. فهو بكامل سلطانه وملء حريته يذهب إلى الآلام والموت طوعاً.
ثانياً: مسائل ثلاث
تُطرح هنا ثلاث مسائل. الأولى: هل نحن أمام العشاء الأخير، أم العشاء الفصحي؟ الثانية: ما هي علاقة العشاء الأخير بالتقليد اليوحناوي؟ الثالثة: كيف حُسب يوم الفطير؟
* العشاء الفصحي، العشاء الأخير
لا نجد عبارة "العشاء الأخير" في العهد الجديد. فقد استعملت بالنظر إلى ما فعله يسوع مع تلاميذه "في الليلة التي أسلم فيها" (1 كور 11: 23- 25؛ رج يو 13: 1- 2). كان بولس عالماً كل العلم بالطقس الذي احتفلت به الكنيسة الأولى حوالي سنة 56 (1 كور 10: 16- 21) والذي سمّي "عشاء الرب" (1 كور 11: 20)، فارتبط بأقوال يسوع وأعماله في تلك الليلة الأخيرة مع تلاميذه. ورث بولس الخبر من التقليد القديم. ومع أن أكور 10: 11 لا تذكر العشاء الأخير على أنه عشاء الفصح، إلا أن بولس يبدو عالماً بالتفسير الفصحي للعشاء الأخير حين يتحدّث ست "المسيح حمل فصحنا" (1 كور 5: 7) في سياق عيد الفطير. وكذلك يذكر "كأس البركة" (1 كور 10: 16) فيلمّح إلى كأس الخمر التي تقال عليها كلمات الشكر في نهاية العشاء الفصحي.
رأت الأناجيل الإزائية في العشاء الأخير عشاءً فصحياً (22: 1، 7، 14؛ مت 26: 2، 5، 17- 20؛ مر 14: 1: 2، 12- 17). وتفوّق لوقا في ذلك على متّى ومرقس. فمن الواضح أن الرسولين أعدّا العدة لطعام يؤكل عند غروب الشمس، في نهاية اليوم الرابع عشر من الشهر الأول، نيسان (= أذار، نيسان)، يؤكل ليلة عيد الفصح (15 نيسان). بالإضافة إلى ذلك، وحسب الأناجيل الإزائية، يُوقف يسوع في الليلة عينها (22: 39- 47- 54؛ مت 26: 30، 47- 50، 57؛ مر 14: 26، 43- 53). ويحُكم عليه بالموت في اليوم التالي، في 15 نيسان (لو 22: 66- 23: 1، 25، 46؛ مت 27: 1، 26، 50؛ مر 15: 1، 15، 37). ثم قيل بعبارة واضحة إن هذا اليوم هو "يوم التهيئة، اليوم السابق للسبت" (23: 54- 56؛ مت 27: 62؛ مر 15: 42). وبعبارة أخرى، إن عيد الفصح (15 نيسان) في تلك السنة وافق اليوم السابق للسبت، وافق يوم الجمعة، اليوم السادس. كل هذا يدلّ على أن العشاء الأخير الذي أخذه يسوع مع تلاميذه كان عشاءً فصحياً.
* العشاء الأخير والتقليد اليوحناوي
إن تاريخ العشاء الأخير في التقليد اليوحناوي يختلف عمّ قلناه. فإن 13: 1 يتحدّث عن يسوع الذي يتعشّى "مع أخصّائه" "قبل عيد الفصح" (13: 1- 2). إشارة غامضة. ولكن يُقبض على يسوع بعد العشاء (18: 2- 3، 12- 13). وفي اليوم التالي يسلم إلى بيلاطس الوالي. أما الذين سلّموه فرفضوا أن يدخلوا إلى دار الولاية لئلا يتنجّسوا فلا يستطيعوا أن يأكلوا حمل الفصح في العشاء (18: 58). وصُلب يسوع ومات "في يوم التهيئة للفصح" (19: 14). وسيسمّى في 19: 31 "اليوم السابق للسبت"، وهو يوم عيد كبير. هو عيد في عيدين: هو يوم السبت المقدس وعيد الفصح.
وهكذا "يبيّن" التقليد اليوحناوي أن يسوع أكل الفصح عشية 13 نيسان. أي قبل التاريخ الذي أشارت إليه الاناجيل الإزائية. ومع أن التقليد الإزائي والتقليد اليوحناوي يجعلان موت يسوع في اليوم الذي قبل السبت، إلا أن التقليد الثاني يفترض أن العشاء الأخير لم يؤكل في يوم الفصح. وهذا الاختلاف بين التقليدين أثار جدلاً حول عشاء يسوع الأخير: هل كان عشاء فصحيّاً أم لا؟
تبع التقليد الليتورجي التقليد اليوحناوي فاحتفل بعيد عشاء الرب يوم الخميس، وبيوم موت الرب يوم الجمعة (كما قال الإزائيون أيضاً). فالاختلاف بين التقليدين الإزائى واليوحناوي (أي العشاء الأخير يوم الفصح أو قبل الفصح) حمل تفسيراً لاهوتياً: جعل الإزائيون العشاء الأخير عشية 15 نيسان لأنهم أرادوا أن يربطوا هذا العشاء بعيد الفصح. أما يوحنا الذي ماثل بين يسوع و "حمل لله" (يو 1: 29- 36)، فاراد أن يصوّره ذاهباً إلى الموت ساعة كانت الحملان تُذبح. أي قبل عشية 15 نيسان. هنا نتذكّر يو 19: 31- 37 (خصوصاً آ 36: حدث هذا ليتمّ قول الكتاب) مع إيراده لنصّ العهد القديم: "لم يكسر له عظم" (خر 12: 46 ج). مهما كان تفسير هذا التقليد أو ذاك، يبقى أن نعرف تاريخ العشاء الأخير وطابعه الفصحي.
* كلندار عيد الفطير
وقدّم "حلّ" للاختلاف بين التقليدين، ينطلق من الكلندار (الروزنامة الليتورجية). فالكهنة اليهود (18: 13- 14، 28) تبعوا الكلندار الرسمي. أما يسوع وأخصّاؤه فقد تبعوا كلنداراً مختلفاً. كان الأول الكلندار الصادوقي. والثاني: الكلندار الفريسي. وقال آخرون: الأول هو كلندار اليهودية، والثاني، كلندار الجليل. ولكننا أمام فرضيات نظرية. لأنه ليس من الأكيد أن مثل هذه الكلندارات وُجدت في فلسطين في القرن الأول المسيحي.
واكتشف في الآونة الأخيرة أن الاسيانيين استعملوا كلنداراً شمسياً يتألّف من 364 يوماً، ويختلف عن الكلندار الرسمي الذي كان قمرياً مع عناصر شمسية. يرتبط الكلندار الشمسي بمقاطع من العهد القديم. مثلاً: لا 23: 5 يتحدّث عن "اليوم الرابع عشر من الشهر الأول" (رج 2 مك 6- 7 أ). هناك نصّ قمراني يتحدّث عن سفر في عيد الفصح. هذا يعني أن المسافر يتبع كلنداراً غير المستعمل لدى يهود فلسطين.
وإنطلاقاً من هذا، اقترح بعض الشّراح ما يلي: صوّر الإزائيون يسوع يعدّ للفصح ويأكله في خط التقليد الاسياني. وقُتل في اليوم السابق للفصح حسب الكلندار الرسمي، كما يقول يوحنا. إذن، أكل يسوع العشاء الأخير حسب الكلندار الشمسي (الاسياني)، عشية 15 نيسان، أي مساء الثلاثاء، وصُلب حسب الكلندار القمري (في 14 نيسان، في يوم التهيئة للسبت ولعيد الفصح).
ولكن جاءت الاعتراضات على هذه الفرضية. منها: لا إشارة في التقليد الانجيلي تقول إن يسوع تبع الكلندار الشمسي لا القمري. كل ما نعرفه يأتي من يوحنا الذي تحدّث عن ثلاثة احتفالات بالفصح. ومنها: يبدو من الصعب التنسيق بين المواد الإزائية والمواد اليوحناوية. ومنها: لا نستطيع الجواب على سؤال يقول متى أكل يسوع التاريخي العشاء الأخير، أو هل أكله كعشاء فصحي. ولكننا ما زلنا هنا على المستوى الأول في التقليد الإنجيلي. ومع ذلك، لا شكّ في أن العشاء الأخير قد فهمه لوقا عشاء فصحياً، وفسّره بهذا الشكل على المستوى الثالث، فلا حاجة إلى جعل التقليد اليوحناوي يتنسق مع التقليد الإزائي.
ب- العشاء الرباني
أولاً: لوقا وسائر الأناجيل
في هذا العشاء، احتفل يسوع بالعشاء الفصحي وأعاد تفسيره. شارك رسله في الخبز والخمر، وأعطى هذين العنصرين معنى جديداً. وأوصى تلاميذه أن يعيدوا هذا العشاء لكي يذكروه في الأزمنة المقبلة. فما هي علاقة نصّ لوقا بما في سائر الأناجيل من خبر؟
اختلف الخبر هنا عن الذي احتفظ به التقليد اليوحناوي الذي يكرّس له خمسة فصول طويلة (يو 13- 17). هناك تذكر للعشاء الذي أخذه يسوع "مع أخصائه". وخلال هذا العشاء قام بعمل رمزي (غسل أقدام الحاضرين. وهذا فعل لا يقوم به العبد بالنسبة إلى سيده، بل المرأة بالنسبة إلى زوجها، 13: 15)، وأعلن أن شخصاً حميماً سوف يخونه (13: 2- 3، 18- 19، 27- 30)، وقدّم خطبة وداع طويلة (13: 31- 17: 26).
إن الخبر اليوحناوي يقدّم الطريقة التي بها تذكّرت جماعة التلميذ الحبيب العشاء الأخير، فجاء مختلفاً عمّا في الإزائيين. هل من علاقات بين نصوص مت ومر ولو؟
إن الخبر اللوقاوي يجد ما يقابله في مر 14: 22- 25 (مت 26: 26- 29). ولكنه يبدو ضُعف ما نقرأ عند الازائيين الآخرين. فمع أن لوقا استلهم مرقس، إلا أنه عمل شيئين رئيسيين في هذا المقطع. الأول: نقل موقع خيانة يوضاس (مر 14: 18- 21)، فبدّل تبديلاً خفيفاً ترتيب مرقس ليقدّم "خطبة" بعد العشاء نفسه. وهكذا أورد أقوال يسوع وجعلها في شكل خطبة وداعية. الثاني: أحلّ محلّ الخبر المرقسي للعشاء الأخير، شكلاً خاصاً به يأتي من اللوقاويات (آ 15- 17، 19 ج د- 20 وربّما آ 18 لأننا نجد في هذه الأخيرة تشابهاً مع مر 14: 25). يستحيل أن تكون آ 15- 18 إعادة لصياغة مر 14: 25، أو أن تكون آ 19- 20 مرتبطتين مع 1 كور 11: 24- 25. وهكذا نقول إن آ 15- 18 لا تعود إلى مرجع مرقس كما أن آ 19- 20 لا تعودان إلى نصّ لوقاوي وإن كان لوقا قرأ 1 كور. فالموازاة مع القديس بولس تدلّ على مرجع سابق للوقا قد استعمله لوقا. أما آ 19 أ ب (وأخذ خبزاً وشكر وكسره) فهي تعود إلى مر 14: 22. وما تبقّى من آ 19- 20 يُنسب إلى اللوقاويات.
نكتشف تدوين لوقا في استعمال فعل قال مع "بروس" (آ 15 أ). والعبارة الساميّة التي مرّت في السبعينية: إشتهيت شهوة (آ 15 ب، وقد تكون سابقة للوقا). واستعمال الاداة "برو" أمام المصدر، وفعل "باتاين" بشكل مطلق (قبل أن أتألمّ). هذا ما يدلّ على ألم الموت، رج 24: 46؛ أع 1: 3؛ 3: 18؛ 17: 3.
إذا عدنا إلى شكل النصّ، بدا الحدث قطعة من التقليد الاخباري، بدا خبراً عن يسوع. وهذا الخبر تأثّر في مرقس وفي لوقا بالاستعمال الليتورجي. إعتبر بعضر "المحدثين" أن آ 19- 20 قد أقحمتا هنا فيما بعد، فضاع تفسيرُ التوازي اللوقاوي كله. لماذا قالوا مثل هذا القول؟ بسبب غياب خبر التأسيس من يوحنا. نحن لا نعرف لماذا غاب عن يوحنا هذا الذي نجده في الأناجيل الإزائية الثلاثة وفي 1 كور. فالمشهد في يو 13 لا يعتبر فصحاً، وهذا راجع إلى المسألة الكرونولوجية (متى احتفل يسوع بالفصح) التي ناقشناها سابقاً. أجل، ليس ما يؤكّد أن يسوع احتفظ بخبر أولاني للعشاء الأخير. أجل، هناك وجهة ايتيولوجية (تحاول أن تدرس الأسباب) في خبر العشاء عند لوقا الذي يحاول أن يجذّر العشاء الأخير أو الافخارستيا في هذا الخبر. وما نقوله عن هذا المقطع نستطيع أن نقوله عن لوقا كله (والأناجيل كلها) الذي يحاول أن يجعل حياة يسوع تتجذّر في حياتنا وفي ممارستنا.
ثانياً: نقد النصوص
وقبل أن نواصل تحليل الخبر اللوقاوي عن العشاء، نودّ أن ندرس نقد النصوص في هذا الحدث. نحن أمام مسألة هامة قلّما نجد مثلها في الإنجيل كله. وهذا يعني آ 19 ب- 20 أو بالاحرى آ 19 د- 20: "الذي يبذل من أجلكم. إصنعوا هذا لذكري". وصنع يسوع الشيء عينه مع الكأس بعد العشاء فقال: "هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي (مع دمي) الذي يهرق من أجلكم". نجد هنا ستة أشكال من التقليد النصوصي:
* ما يسمّى النصّ الطويل (آ 17- 20). نقرأه في بردية 75 وفي المخطوط السينائي، الاسكندراني، الفاتيكاني، الافرامي... وعدد كبير من المخطوطات الجرّارة مع الشعبية والسريانية والقبطية والارمنية والجيورجية.
* ما يسمّى النصّ القصير (آ 17، 18، 19 أ ب حتى: هذا هو جسدي). نجده في المخطوط البازي ومخطوطات ترتبط باللاتينية العتيقة.
* نقرأ آ 19 ب، 17- 18 في مخطوطين من اللاتينية العتيقة، مع اختلاف في كلمة أو اثنين.
* نقرأ آ 19، 17، 18 في السريانية العتيقة التي نشرها كيورتون الانكليزي (حذفت لفظة "يبذل"، وتبدّل ترتيب الكلمات).
* نقرأ آ 19- 20 أ (وبعد العشاء)، 17، 20 ب (هذا هو دمي، العهد الجديد. لم تُذكر الكأس)، آ 18. نقرأه في السريانية القديمة المسماة السينائية.
* نقرأ آ 19- 20 (ألغيت آ 17- 18) في السريانية البسيطة وفي بعض نسخات البحيرية.
سنة 1881 نُشر النصّ القصير واعتبرت آ 19 ج د- 20 نصّاً أقحم في الغرب. وكان جدال انتهى بإعادة الآيتين اللتين حُذفتا. فالنصّ الطويل تسنده مخطوطات هامة. كما أنه القراءة الأصعب، وهذا ما يدلّ على صحة النصّ. فالنصّ الطويل يحافظ على الكأسين. وهكذا نقوله إن آ 19 ج ب- 20 هما جزء من خبر لوقا عن العشاء الأخير. وهكذا تشكل آ 15- 20 وحدة هامة متكاملة تتألّف من جزئين. الأول (آ 15- 18): احتفال يسوع بالعشاء الفصحي. الثاني (آ 19- 20): تفسير يسوع للعشاء أو تأسيس الافخارستيا. ينطبع الجزء الأول بالتوازي (آ 15- 16 ثم آ 17- 18) (وفي كل حالة، تبدأ الآية الثانية مع "أقول لكم") ويورد ما صنع من أجل ملكوت الله الذي فهم في شكل اسكاتولوجي. ونجد توازياً مختلفاً في آ 19 وآ 20 (كلام على الخبز، وكلام على الكأس بعد العشاء). ويتضمَّن الجزء الأول أيضاً إشارات واضحة إلى العشاء الفصحي لا نجدها عند مت ومر. فالإشارة إلى الفصح في مر 14: 22- 25 تبقى غامضة بينما هي واضحة في المقطع اللوقاوي مع لفظة "باسخا" (آ 15). إن كان الأمر هكذا، تكون هذه القطعة من التقليد الإنجيلي أقدم مما في مرقس، بعد أن اعترف الشّراح بطابعها الفصحي.
وكانت اعتبارات حول طابع العشاء الأخير. فُهم على أنه (1) مثل عشاء "قدوس" وهو عشاء مع مباركة خاصّة تقدّسه، يؤخذ في بداية السبت. على أنه (2) عشاء "حبوره" (رج حبرا في السريانية، الرفيق)، وهو عشاء نأخذه مع الاصدقاء، أو داخل الاخوّة الدينية لدى اليهود. على أنه (3) عشاء اسياني. يشارك فيه أعضاء الجماعة، كما أخبرنا يوسيفوس بذلك. كلها فرضيات لم تفرض نفسها.
وبالنسبة إلى تاريخية العشاء الأخير: (1) أرسل يسوع اثنين من تلاميذه ليعدّا مثل هذا العشاء (مر 14: 12- 13، 17؛ رج يو 13: 1). (2) احتفل به مع التلاميذ في أورشليم. (3) احتفل به خلال الليل (مر 14: 17؛ 1 كور 11: 23؛ يو 13: 30). (4) إتّكأ إلى المائدة (22: 14). (5) كسر الخبز خلال العشاء (مر 14: 22- 23). وقال لوقا بعد الخمر (22: 19). (آ) انتهى العشاء مع انشاد المدائح (مر 14: 26). نحن هنا على المستوى الأول في التقليد الإنجيلي. وفي المستوى الثالث من الشكل اللوقاوي، يقدّم الطابع الفصحي أفضل تفسير للخبر.
ثالثاً: لوقا وعيد الفصح اليهودي
إذا أردنا أن نفهم فهماً أفضل ثقل الخبر اللوقاوي، نتذكَّر بشكل موجز ما نعرفه عن عشاء الفصح الفلسطيني في القرن الأول المسيحي.
* المرحلة الأولى: مباركة (قدوس) لتقديس يوم العيد، كأس الخمر الأولى، أول طبق من الأعشاب (أعشاب خضراء. أعشاب مرة. صلصة من الثمار مع البهار والخل). وتُقدّم وجبة الطعام ولكنها لا تؤكل. وتُصبّ كأس الخمر الثانية.
* ليتورجية الفصح: يقدم ربّ البيت في اللغة الارامية جواباً على سؤال يطرحه أصغر الحاضرين: "لماذا تختلف هذه الليلة عن غيرها"؟ ويتبع ذلك نشيد الهلل في العبرية، ينشد القسم الأول الذي هو مز 113 حسب مدرسة شمعي، ومز 113- 114 حسب مدرسة هلال. وتُشرب الكأس الثانية المسّماة "كأس هاغاده".
* العشاء بالمعنى الحصري: تُلفظ مباركة على الفطير: (مصوت، الخبز الفطير). يؤكل حمل الفصح مع الفطير والأعشاب المرّة (خر 12: 8). تبارك الكأس الثالثة، الكأس التي بعد العشاء، "كأس البركة" (1 كور 10: 16).
* الخاتمة: القسم الثاني من مزامير الهلل: مز 114- 118 حسب مدرسة شمعي. مز 115- 118 حسب مدرسة هلال. ويبقى جدال حول الكأس الرابعة: هل كانت تختم العشاء في القرن الأول؟
خلال القرن الأول، كان اليهود في فلسطين يحتفلون سنوياً بالعشاء الفصحي في أورشليم، فيستعيدون خبرة آبائهم كما تصوّر في خر 12: 3- 14؛ عد 9: 1- 14؛ تث 16: 1- 8، مع تشديد على تحرّر من عبوديّة المصريين. هي ذكرانة (أنامناسيس) في المعنى الحصري للكلمة. ذكرانة لتحرّر تاريخي. واستباق لتحرير اسكاتولوجي ومسيحاني. في هذا المعنى كانوا ينشدون في القسم الثاني من "هلل" مز 118: 26: "مبارك الآتي باسم الرب".
ونرى هذين البعدين للعشاء الفصحي في الخبر اللوقاوي عن العشاء الأخير. فهو يعود بوضوح إلى عشاء الفصح (آ 15؛ رج ر 7- 8- 13). ويعود "تو بسخا" إلى الحمل نفسه. ثم الخبر والكأسان خلال العشاء. الكأس الأولى في لوقا (آ 17) تعود إما إلى الكأس الأولى (قدوس) وإما إلى الكأس الثانية (كأس ها غادة). أما الكأس الثانية في لوقا والتي تسمّى "الكأس التي بعد العشاء" (آ 20 أ) فتعود إلى الكأس الثالثة، "كأس البركة". والبعد الاسكاتولوجي حاضر أيضاً في عودتين إلى "ملكوت الله". فالعشاء الفصحي الذي لن يأكله يسوع من بعد، سيجد كماله في ملكوت الله. وهكذ نكون أمام عودة إلى ما يسمى "الوليمة المسيحانية"، وإن غابت هنا الوجهة المسيحانية.
في القسم الثاني من الخبر (آ 19- 20) يعيد يسوع تفسير عنصرَي العشاء الفصحي بكلمات من عنده (غير مأخوذة من الليتورجيا اليهودية). فكلماته على الخبز وعلى "الكأس التي بعد العشاء" قد فهمت تفسيراً جديداً لإعلان ربّ البيت على الخبز الذي أكله آباؤنا حين خرجوا من مصر. وبدل أن يماثل يسوع بين الخبز الفطير وخبز الضيق، ماثل بين هذا الخبز وجسده، ماثل بين هذا الخبز ونفسه.
وزاد يسوع في النسخة اللوقاوية، حول الجسد: "الذي يُبذل من أجلكم" (آ 19). تقدّم هذه الزيادة البعد البدلي للجسد كما تشير إلى إمالة ذبائحية (ر 19، ديدوناي). ويقدّم يسوع في هذا العشاء الامالة السوتيريولوجية لخبز أعاد تفسيره. ما نجده في آ 15 يتضمّن قيمة سوتيريولوجية لآلام يسوع. فكلماته تعود إلى موته. قد نستطيع التكلّم عن طابع هذا العشاء: هو عشاء بين رفاق مثل ما نقرأ في أع 2: 42، 46 مع إمالة اسكاتولوجية. هو تذكّر موته كما نجد في 1 كور 11: 23- 26. ولكن يبقى أن لا شكّ في علاقته بالفصح اليهودي من جهة وبموت يسوع من جهة ثانية. وهكذا ننتقل في هذا العشاء من عالم العهد القديم إلى عالم العهد الجديد.
رابعاً: الطابع اللاهوتي
إن الطابع البدلي والسوتيريولوجي لتفسير يسوع للعشاء الأخير، يبدو بشكل أوضح في كلماته على "الكأس التي بعد العشاء". "هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي، الذي يهراق من أجلكم" (آ 20). إن الشكل اللوقاوي للتفسير ليس أقل من نصّ مرقس فيما يخصّ الطابع الذبائحي. إن لفظة "يهراق" تدلّ على الموت أكثر من "يُبذل". ولكن وإن لم يكن لنا "دم العهد" (كما في مر 14: 24) الذي يلمّح بوضوح إلى خر 24: 8، إلا أن تماهي كأس الخمر مع "العهد الجديد بدمي" هو أيضاً تلميح إلى ذبيحة العهد كما في مرقس، وإن عاد "العهد الجديد" إلى إر 31: 31. إن التلميح إلى ميثاق سيناء حيث رشّ موسى دم الذبائح على الحاضرين وعلى المذبح، هو أيضاً واضح في التعبير اللوقاوي. بما أنه الآن "عهد جديد" فالميثاق عُقد لا في العجول المذبوحة بل "في دمي الذي يهراق من أجلكم".
بالإضافة إلى ذلك أوصى يسوع رسله: "إصنعوا هذا لذكري" (آ 19). فكما كان العشاء الفصحي لليهود في فلسطين تذكاراً سنوياً، هكذا طلب يسوع أن يتكرّر "العشاء" مع الخبز والخمر لكي يتمثّلوا خبرتهم معه. لقد أعطى يسوع ذاته، أعطى "جسده" و "دمه" كطريقة جديدة للاحتفال بعيد التحرير في إسرائيل. فجسده الخاص ودمه يجعلان من حمل الفصح علامة للملكوت الذي يتحقّق منذ الآن، وإن لم يصل إلى ملئه وكماله إلا في الأزمنة الأخيرة.
كان مشهد العشاء داخل إنجيل لوقا العشاء الأخير في معنى آخر. لأن الإنجيلي أعدّ العدّة لهذه الذروة حين ذكر ستة "عشاءات" أخرى في إنجيله، وجاء هذا العشاء السابع كتكملة للستة التي سبقت. في 5: 29- 32، أقام له لاوي وليمة كبيرة في بيته، حضرها عدد من العشارين. في 7: 36- 50، دعاه أحد الفريسيين إلى الطعام عنده. في 9: 12- 17، نحن أمام وليمة يهيّئها يسوع لنحو خمسة آلاف. في 10: 38- 42، كان يسوع في ضيافة مرتا ومريم. في 11: 37- 44، دعاه أحد الفريسيين إلى الغداء عنده، فدخل بيته وجلس للطعام. وفي 14: 1- 24، دخل بيت أحد كبار الفريسيين ليتناول الطعام، وهناك تحدّث عن "آداب" المائدة وأعطى مثل الوليمة. ونجد صدى لكل هذا ولا سيّما للعشاء الأخير في كسر الخبز مع تلميذي عماوس (24: 28- 32)، وربّما مع جميع التلاميذ في 24: 41- 43 وإن بدا يسوع وحده يأكل السمك المشوي الذي قدّموه له.
خاتمة
إن خبر العشاء الأخير في لو، كما في مت وفي مر، يحاول أن يجذّر الاحتفال المسيحي بالعشاء الأخير، بالافخارستيا، في أقوال يسوع وأعماله في ذلك العشاء. عاد بولس في 1 كور إلى هذا الطقس كما كان يحُتفل به في بداية المسيحية (1 كور 10: 14- 22)، عاد إليه قبل أن يذكر "عشاء الربّ" (11: 20) أو يعطيه شكل الكلمات التأسيسية (11: 23: 25). وكانت خطوات نقلتنا من العشاء الأخير إلى عشاء الربّ، إلى سّر القربان المقدس كما تحتفل به الكنائس المسيحية.
ثم إن يسوع، في الإنجيل اللوقاوي، أشار إلى آلامه في العشاء الأخير (آ 15)، فربط هذا الخبر بلاهوت نجده في الرسالة إلى العبرانيين وفى الرسالة الأولى إلى بطرس حيث قدّم موت يسوع على الصليب مع فعل "بسخاين". قالت عب 9: 26: "كان عليه أن يتألمّ مرات كثيرة منذ إنشاء العالم". وقالت: "لذلك مات يسوع في خارج المدينة ليقدّس شعبه" (عب 13: 2). ونقرأ في 1 بط 2: 21- 23: "فالمسيح تألمّ من أجلكم وجعل لكم من نفسه قدوة لتسيروا على خطاه...". ونقرأ في 3: 18: "فالمسيح نفسه مات مرة واحدة عن الخطايا، مات وهو البار من أجل الأشرار ليقرّبكم إلى الله". وهكذا نلتقي في هذه النصوص مع خبر لوقا وتشديده على ضرورة موت المسيح. قال: يا أبو، في يديك أستودع روحي. قال هذا وأسلم الروح.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM