المرأة الزانية
7: 53- 8: 11
ولا أنا أحكم عليك. إذهبي ولا تعودي إلى الخطيئة من بعد.
إنتهى الفصل السابق على ردّات الفعل تجاه الوحي: لدى الشعب. لدى الرؤَساء. فكلمة الوحي لا تتحمّل الموقف الحيادي: من ليس معي فهو ضدّي. وهكذا انقسم السامعون. بعضهم رأى في يسوع النّبي الشبيه بموسى (تث 18: 18). والإرتباط بالنّبي قد يتمّ بالماء الحي الذي وُعد به، والذي يشير إليه الماء الذي خرج من الصخر في البرّية (خر 17: 6). وآخرون رأوا فيه مسيح نهاية الأزمنة الذي يحتفلون بمجيئه المرتقب في عيد المظال.
ورغم معارضة المجلس الأعلى، لم يكن جواب الوحي عن يسوع كلّه سلبياً. فبعضهم آمن. وحرس الهيكل تأثّروا بما سمعوا (آ 46). وفي المجلس الأعلى نفسه، إنبرى نيقوديمس لكي يدافع عن يسوع (آ 50).
ويرد خبر المرأة الزانية (8: 1- 11).
كاد هذا الخبر الإنجيلي يضيع. فهو غائب من أهم مخطوطات القديم يوحنا: البردية رقم 66 (سنة 200 تقريباً)، البردية رقم 75 (بداية القرن الثالث)، والشواهد الكبار في القرنين الثالث والرابع (الفاتيكاني، السينائي، الإسكندراني). أما التقليد الشرقي فلم يعرف هذا الخبر قبل القرن العاشر. أما في الغرب فوُجد في بعض المخطوطات اللاتينية منذ القرن الخامس. وقد احتفظ به إيرونيموس في اللاتينية الشعبية.
غير أن هذا الخبر كان معروفًا في الكنيسة الأولى. فاوسابيوس القيصري يروي لنا فيقول: "روى بابياس خبراً آخر عن إمرأة اتهمت بخطايا عديدة أمام الرب. وقد عرف هذا الخبر في الإنجيل حسب العبرانيين". إذن، لم يكن هذا النصّ جزءاً من إنجيل يوحنا الأولاني: فأسلوبه وألفاظه أقرب إلى لوقا منه إلى يوحنا. وهناك مخطوطات تجعله بعد لو 21: 38. ومخطوطات يوحنا تتردّد فتجعله تارة بعد 7: 36 وطوراً في نهاية الإنجيل.
إن الخبر أكيد وصحيح. ولكن قد يكون أرعب بانفتاحه الكبير بعضَ المسؤولين في الكنيسة الأولى. فالزنى كان يعتبر من الخطايا القليلة التي يفرض على مرتكبها توبة علنية. هذا يعني أن مثل هذه الخطيئة لا تُغفر إلاّ مرة واحدة في الحياة. وتصرّفُ يسوع تجاه المرأة الزانية بدا للبعض (الذين نسوا: "إذهبي ولا تعودي إلى الخطيئة") كتسامح مفرط تجاه الخيانة الزوجية.
ومع هذا، فالنصّ جزء لا يتجزأ من الإنجيل، بعد أن نقلته إلينا الكنيسة.
إن نصّ المرأة الزانية الذي اقحم خلال القرن الرابع بين 7: 52 و8: 12، هو جدال حول مسألة قانونية (آ 5) تهدف إلى الإيقاع بيسوع. يجب أن نفسرّ لا 20: 10 الذي يقول: "أي رجل زنى مع إمرأة قريبه يموت موتّا. فليقتل الزاني والزانية" (رج تث 22: 22). وإن آ 5 تعلمنا أن على المجتمع أن يرجم المرأة. وبعد سنة 100 ب م، صار الخنق عادة معروفة في العالم اليهودي، عقاباً لجرائم لا تحدّد الشريعة فيها شكل العقاب بوضوح.
إتخذ يسوع موقفاً ضد الشريعة وممثّليها، فلم يحكم على المرأة. ولكن آ 7 ب (يرميها بأول حجر) تدلّ على أنه أخذ بالعقاب الأقسى الذي هو الرجم فارتبط مع تث 17: 7 (أيدي الشهود تكون عليه لقتله). بالإضافة إلى ذلك، طلب أن يمتحن الشهود هم أيضاً: هل هم أبرياء من كل خطيئة؟
إن قساوة الحل الذي قدّمه في خط العهد الجديد، يقابل مع مت 5: 28 (وأنا أقول لكم: من نظر إلى إمرأة ليشتهيها، فقد زنى بها في قلبه) أو مر 10: 9 (ما جمعه الله لا يفرّقه الإنسان).
نحن نخطىء إن استخلصنا من هذا المقطع أنه لا يحق لأحد أن يعلن حكماً إلاّ إذا كان بلا خطيئة. أو أن الحكم بالإعدام منافٍ للتقليد البيبلي. فجواب يسوع لا يتوجّه إلى قضاة رسميين يسألونه نصيحة، بل إلى أناس يحاولون أن يهلكوه بالموقف الذي يتّخذه. ثم إن يسوع يعرف الأسباب التي دفعت المتهمين ليراقبوا هذه المرأة.
أول ما نكتشف في هذا النصّ هو أن يسوع هو المعلّم.
منذ البداية، جعله يوحنا في موقف السلطان والتعليم. فالخبر يبدأ في مساء يوم من التعليم في الهيكل. وعاد كلّ واحد إلى بيته (7: 53). وذهب يسوع بدوره إلى جبل الزيتون كما اعتاد أن يفعل (رج لو 22: 39). وفي الصباح الباكر نجده في الهيكل يعلّم الشعب جميعاً (رج 21: 37). نحن لسنا هنا أمام مضمون تعليم، بل أمام الفعل التّعليمي بحدّ ذاته أي: تفسير الشريعة بحكمة. إنه معلّم، وبصفته معلّماً سيخضع لإمتحان وتفتتح الدعوى على المرأة الزانية (آ 3- 9) بانتظار أن تكون دعوى وحكماً على يسوع.
منذ البداية يظهر التعارض بين الكتبة والفرّيسيين، المفسّرين الرسميين للشريعة، وبين يسوع. أوصانا موسى في الشريعة... وأنت ماذا تقول؟
الزنى يتبعه الحكم بالإعدام. كيف يتمّ؟ بالرجم، كما يقول تث 22: 23- 24 عن صبية غير متزوجة: "إذا كانت فتاة بكر مخطوبة لرجل، فصادفها رجل في المدينة فضاجعها، فأخرجوهما إلى باب تلك المدينة (حيث المحكمة) وأرجموهما بالحجارة حتّى يموتا". فاستنتج بعض الشرّاح أن المرأة الزانية في يوحنا رجمت، لأنها كانت عذراء غير متزوّجة. ولكن لا ننسى أن الرجم كان الطريق العادية للحكم بالإعدام عند اليهود (رج حز 16: 38- 40). وتلك كانت الحالة في أيام يسوع.
لماذا اقتادوا هذه المرأة إلى يسوع؟ فالمجلس الأعلى قد حكم عليها وانتهى! ولكن يسوع يقول: "ألم يحكم عليك أحد"؟ ثم كيف نتخيّل أن السلطات اليهودية ربطت حكماً رسمياً بواعظ "صغير" لا مكان له يعلّم فيه (هو يعلّم على الطرقات). وظنّ شرّاح آخرون أن الحكم لم يصدر في المرأة، لأن المجلس الأعلى لم يعد له بعد سنة 30 ب. م. سلطان الفضاء والحكم، بعد أن سلبه الرومان إمكانية الحكم بالإعدام. وقد نكون أمام خطف سريع لإمرأة أخذت في زنى، فطُلب من يسوع أن يوافق.
مهما يكن من أمر، فالفخ مرعب وسيسقط فيه هذا "الواعظ" لا محالة. إذا انضمّ يسوع إلى القائلين بالحكم على هذه المرأة حسب ناموس موسى، دخل في خط التمرّد على السلطة الرومانية. هذا من الوجهة السياسية. ومن الوجهة الدينية، يعارض أعظم ما في تعليمه حول إله رحيم وحنون. كان رفض أن يحكم، فهو يعارض موسى، السلطة العليا في العالم اليهودي. فخّ محكم، وهو قريب من حدث الجزية التي تُدفع لقيصر (مر 12: 13- 17).
ووقف يسوع وجهًا لوجه أمام الشريعة.
نحن لا نجد في هذا النصّ الجواب على جميع أسئلتنا. فما لا يقوله يساعدنا على تركيز الخبر على يسوع الخاضع لمحنة صعبة قد تدلّ على ضعفه أو قوّته. فناموس الموت يعاقب بالإعدام هذه المرأة. هو يحكم على خطيئتها وحدها بشكل نهائي. ولا يقول شيئًا عن الرجل الذي خطئت معه، والذي هو مسؤول مثلها. جاء جواب يسوع لبقًا. وبدت لباقته انفتاحًا على الحياة لا انغلاقًا على الموت.
في البداية كان جواب يسوع الصمت. ظلّ يسوع جالسًا، ولم يجب على سؤالهم الأول إلاّ بخطوط رسمها على الأرض. هل كتب أموراً واضحة؟ تخيّل تقليد يعود إلى القدّيس ايرونيموس، أن يسوع دوّن خطايا متهميها. وافترض آخرون أنه كتب نصّ إر 17: 13: "كل الذين يتركونك يخزون. والذين مالوا عنك يكتبون على التراب". أو خر 23: 1: "لا تضع يدك بيد الشرير لشهادة زور".
وفكّر آخرون بالقاضي في الشرع الروماني، الذي يكتب أمامه الحكم قبل أن يعلنه. أما يسوع، فرسم خطوطًا على الأرض ليطول الصمت فيعطي الحكم الآتي وزنه وأهميته. وإصبعه المنتصب هو تساؤل وحكم على قضاة ينسون خطاياهم الخاصة.
وألحّ القضاة، فأحالهم يسوع إلى وضعهم كخطاة أمام هذه الشريعة التي يرفعون رايتها: "من لم يخطىء يومًا...". فراحوا وهم يجرّون أذيال الخيبة. وكان أول الذاهبين الشيوخ الذين كانوا أحكم من غيرهم في التعرّف إلى حالتهم الخاطئة.
وانتهت المحنة، وخرج يسوع منتصراً. فلم يبقَ إلاّ ذاك الذي لم يعرف الخطيئة (يسوع) وتلك التي أعلنت خطيئتها (المرأة). وقال اغوسطينس: "بقي اثنان في الساحة المرأة التعيسة والرحمة اللامتناهية).
لم يبق هناك إلاّ يسوع والمرأة (آ 10- 11).
إنتهت المواجهة وانتهى الجدال. والخبر سينتهي. تلك كانت حالة خبر الجزية لقيصر. ولكن "طعم الفخ" هنا ليس شيئاً مادياً لا روح له. ليس مجرّد نقد نتبادله. ليس قطعة نقود. إنه كائن بثري قد أذلّ وأهين. إنه إمرأة لا مستقبل لها وقد سُجنت في حلقة الموت. لقد أغلقوا عليها في دائرة حكمهم. إنفتحت دائرة، ولكنها ظلّت مسجونة فيها لا تجسر أن تخرج منها. إنها تحتاج إلى من يكلّمها ويسمح لها بأن تخرج من سجن خطيئتها. هذا ما فعله يسوع. قال لها: "إذهبي، ولا تعودي إلى الخطيئة من بعد).
حينئذ صارت إنسانة، وانفتح المستقبل أمامها من جديد. لم تلغَ الشريعة ولم تُمح. ولكنها صارت "إنسانية" (رحيمة)، صارت طريق حياة وفداء. وكشف يسوع عن نفسه أنه معلّم حكمة، معلّم الإنسان.