الفصل الرابع عشر: نشيد موسى

الفصل الرابع عشر
نشيد موسى
31: 14 – 32: 53

أ- المقدمة
بعد قسم مبلبل تمَّ فيه تعيين يشوع خلفَاً لموسى (14:31-15، 23) كنّا قد ذكرناه سابقًا (31: 7- 8)، نقرأ أمر موسى بكتابة هذا النشيد (31: 16- 22)، ووضع كتاب الشريعة في تابوت العهد (31: 24- 9): كل هذا يبدو ترديدًا لتقاليد قديمة ألْمعنا إليها في ما سبق (9:31-13). وبعد هذا نقرأ نشيد موسى، وهو من أجمل النصوص الشعرية في التوراة، وفنّه الأدبي يجعله قريبًا من معاتبة الله لشعبه الذي نقض عهده.

ب- تفسير الآيات الكتابية
1- وصايا الرب الأخيرة لموسى: 31: 14- 30
بعد أن أمر الرب موسى بتعيين يشوع خلفًا له، أوحى إلى موسى بأن يكتب نشيدًا ينبّه فيه بني إسرائيل علّهم يتجنّبون النكبة التي ستحلّ بهم. إنّ هذا النشيد، لا بل سفر التثنية، يفسّران لنا لماذا حلّ بشعب الله ما حلّ به من دمار: عصى شريعةَ الرب فعاقبه الرب على عصيانه.

14:31- 15: تنصيب يشوع خَلَفًا لموسى
أعطى الرب موسى أوامره من خيمة الاجتماع: هناك يظهر في السحابة ويكلّم بني إسرائيل.
إنّ عقد العهد قد رافقه ظهور الله. هذا ما حدث في سيناء (خر 19: 11 ي ؛20: 21) وفي موآب (4:5- 21). وفي هذا يقول مز 50 :3 ي: "إلهنا يجيء وسوف يتكلّم: قدّامه نارٌ آكلة وسعيرها يشتدّ حوله. ينادي السماء من فوق والأرض حين يدين شعبه: إجمعوا لي أتقيائي الذين قطعوا عهدًا لي ".

آ 16- 23: مقدّمة لنشيد موسى
علّم الرب موسى هذا النشيد ليكون شهادة له على شعبه إذا خان ربّه.
يتركونني وينقضون (في العبرانية "فرر" أي نقض، كسر، هدم) عهدي. هذه العبارة التي نقرأها في سفر التكوين (17: 14) واللاويين (26: 15، 44) والعدد (15: 31)، تتواتر في أسفار الأنبياء كأشعيا (27:14، 24: 5) وإرميا بطريقة خاصّة (11: 1؛ 21:14...).
آ 16- 18 هي أكثر من لعنة، إنّها إعلان بأنّ جحود بني إسرائيل لربّهم واقع لا محالة، وأنّ العقاب المنتظر سيحلّ بهم.
سيقولون: لأنّ إلهنا لم يعد معنا. وكان عليهم أن يقولوا: إنّ ما أصابنا من الضيق هو بسب عصياننا للرب. لا، لم يترك الرب شعبه، بل الشعب ترك ربّه وتعلّق بآلهة البابليين الذين تغلّبوا على بني إسرائيل بفضل إلههم الذي اعتُبر أقوى من إله بني إسرائيل. هكذا كانوا يقولون. ولكنّ الحقيقة هي أنّ الله ليس بضعيف، وإن سمح لشعبه بأن يُهزَم فلكيْ يعاقبه بانتظار أن يعاقب البابليين على ما اقترفوا من خطايا ومساوئ عندما احتلّوا ممالك الشرق القديم.
آ 23 هي تتمة للايتين 14- 15: تشدَّدْ وأنا أكون معك. بهذه الكلمات يجعل الرب يشوع قائدًا على شعبه بعد موسى.

آ 24- 30: سفر الشريعة
تشكّل آ 24- 27 تكملة للآيات 9- 13. كُتبت الشريعة وجُعلت في تابوت العهد قرب الوصايا التي هي امتداد لها (رج 5: 24- 27؛ 10: 5). وتشكِّل أيضاً مقدّمة لنشيد موسى، لأنها تلقي الضوء كلّه على موسى: عندما كان حيًّا كان حضوره يحفظ بني إسرائيل في أمانة نسبيّة لا خيانة فيها للرب. ولكن سيكون لموته نتائج خطيرة: أنا أعلم تمرّدكم وعنادكم.
آ 30 هي امتداد للآية 22 وهي مقدّمة لنشيد موسى.

2- نشيد مولى ووصاياه: 32: 1- 52
نشيد موسى وقصيدته في مباركة الشعب قطعتان شعريتان جُعلتا في هذا المكان من سفر التثنية كتأمّل روحيّ في ما حدث لشعب الله الذي لم يعمل بوصايا الرب فحصل له ما حصل.
أمّا النشيد فهو شعر ديني يستعرض فيه موسى تاريخ شعبه: نجد مثل هذا النشيد في سفر الخروج (15: 1ي) على لسان موسى بعد عبور الشعب للبحر الأحمر، وفي سفر صموئيل الأوّل (2: 1ي) على لسان حنَّة، أمّ صموئيل، وفي سفر صموئيل الثاني (22: 1ي) على لسان داود. هذا النشيد هو تأليف أدبي كُتب في زمن الجلاء، في ظلّ الهيكل المهدّم والمدينة المدمَّرة. فبرز كأنّه دعوى يقيمها الرب على شعبه، فيكون هو المشتكي والقاضي (رج أش 1: 2 ي؛ مي 6: 1ي). إنّ الرب يعاقب المذنبين، ولكنّ عقابه لزمان، أمّا رحمته فإلى الابد. إنّ الرب سينتصر في النهاية عندما يخلّص شعبه مرّة ثانية كما خلّصه مرّة أولى، سيخلّصه بصورة مجانية لأنّه إلهُ المحبّة والعطاء.

32: 1- 6: افتتاح الجلسة
أنصتي أيّتها السماوات (آ 1). نداء إلى السماء والأرض لتكونا شاهدتين على حكم الله.
هو الخالق الذي صوّر الكائنات (آ 4). الرب هو الخالق وهو المخلّص، وفعله واحد وعمله كامل.
بنوه فسدوا (آ 5- 6): تخلّوا عن قرابتهم بالله، فجُعلوا في قفص الاتّهام: ولَدَهُم الرب في مصر لحياة جديدة محرّرة من العبودية، وربّاهم إلى أن أوصلهم إلى أرض المعياد. وما كانت النتيجة؟ أبهذا اعترفوا بجميل الرب؟ ولكنّ الرب الذي أحبّ شعبه كالوالد الذي يحبّ ابنه (1: 31) لا يستطيع أن يتخلّى عنه (هو 11: 1ي).

آ 7- 14: إحسان الرب وفضله على شعبه
هنا تبدأ لمحة سريعة إلى تاريخ بني إسرائيل (رج مز 78: 1ي ؛ 105: 1ي).
لقيهم في أرض برية، اعتنى بهم هناك، ربّاهم وعلّمهم.
وكالنسر (آ 11) الذي ينقل خرافه فيبعدها عن الخطر ويؤمِّن لها الطعام والشراب كذلك فعل الرب لشعبه (رج خر 19: 4). الرب وحده فعل هذا، فلماذا لا يعبد الشعب الرب الإله، ولماذا يريدون أن يُشركوا في عبادتهم آلهة أُخرى؟

آ 15- 18: تمرّدُ بني إسرائيل على الرب
عندما وجد بنو إسرائيل الراحة والأمان في أرض الموعد، حينئذ نسوا الرب وقايضوه بآلهة كنعان.
بنو يعقوب (في العبرانية يشورون): هو اسم لبني إسرائيل (رج 5: 26؛ أش 44: 2). هم شعب مستقيم (يشر في العبرانية) يلين وينقاد لربّه (راجع يسر في العربية)، ونحن نرى ما في هذا الكلام من سخرية لشعب لم يكن سهل الانقياد لربّه كلّ مرّة أيسر واغتنى.

آ 19- 25: إعلان العقاب
تحوّل بنو إسرائيل إلى الآلهة الغريبة، تركوا الرب الذي كان لهم أكثر من أب، فجرّدهم الرب من حقوق البنوَّة: لم يعودوا أبناءه (14: 1؛ خر 22:4، هو 11 :1)، وصاروا أهلاً لأن يُدمَّروا ويزولوا (8: 19- 20 ؛ 58:28- 68).

آ 26- 35: ليت بني إسرائيل يتَّعظون
إلى أي حال صار شعب الله بعد أن تخلّى عنهم ربّهم: يطارد العدو ألفًا منهم...
لي الانتقام والجزاء، لأنّه دنا يوم نكبتهم (آ 35) فقد تشبّهوا ببني سدوم وعمورة.

آ 36- 42: إنتصار الرب
ولكنّ هزيمة الشعب لا تعني هزيمة الرب. فالرب يبقى الإله القوي: هو يعاقب ساعةَ يشاء ويرحم ساعة يشاء. هو يدين شعبه ساعة يستحقّ الدينونة، ويشفق عليهم ساعة يتوبون إليه.
يسأل الرب شعبه: أين آلهتهم الذين اتكلوا عليهم (آ 37)؟ ليقوموا ويساعدوهم. ثمّ يقول: أُنظروا الآن. أنا هو. أنا يهوه ولا إله يقف معي. أنا موجود. والآلهة الأخرى غير موجودة. في هذا المعنى نقرأ في أشعيا (43: 10 ي): "أريد أن تعرفوا وتؤمنوا بي، وتفهموا أنّي أنا هو. لم يكن إله قبلي، ولن يكود إله بعدي. أنا، أنا الرب، ولا مخلِّص غيري. منذ البدء، أنا هو... أفعل ولا أحد يردّ يدي ".
أرفع يدي إلى السماء (آ 40) وأحلف. ولكن بمن يحلف الله إلا بنفسه، وليس أعظم من الله.

آ 43: نشيد الهتاف
رَنِّموا له أيّها الأمم، وشاركونا في الترنيم. ولتسجدْ للرب جميع الآلهة.

آ 44: وينتهي نشيد موسى كما بدأ
ووقف يشوع قرب موسى. هذا يعني أنّه بدأ بممارسة سلطاته قبل موت موسى.
آ 45-47: هي تكملة لما ورد في 27:31، وهي تشدِّد مرّة أخرى على أهمّية حفظ كلام الشريعة. لتطول أيّامكم على الأرض التي أنتم عابرون اليها.
ليست الشريعة كلامًا فارغًا، بل هي فاعلة. يقول عنها أشعيا (55: 11) إنّها تفعل كالمطر في الأرض، ويقول فيها سفر التثنية إنّها تحمل إلى العاملين بها ملء الحياة والسعادة.

آ 48- 52: إعلان موت موسى القريب
يمثّل هذا المقطع الوجهة اللاهوتيّة للتقليد الكهنوتي التي رأت في موت موسى قبل دخوله أرض الميعاد عقابًا له ولأخيه هارون بسبب مياه مريبة (رج عد 27: 12- 14). نتذكّر أنّ أوّل إعلان لموت موسى (3: 25- 28) قال: لن يدخل موسى أرض المعياد تكفيرًا عن خطيئة شعبه. ويورد النص اسم هارون مع موسى: شاركه في الخطيئة وشاركه في العقاب. أمّا موت هارون فقد تحدّثت عنه التقاليد الكهنوتية (عد 25: 22- 29)

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM