الفصل الرابع: نصائح وإرشادات

الفصل الرابع
نصائح وإرشادات
10: 12 – 11: 32

أ- المقدّمة
بعد حديث عن طبيعة إله بني إسرائيل الذي له السماوات، وسماوات السماوات، والأرض وكلّ ما فيها، تشكّل هذه المقاطع الجزء الثالث الذي أدخله المؤرّخ الاشتراعي في مقدّمة سفر التثنية. بعد أن ذكّر بني إسرائيل بتاريخ خلاصهم أردف يصف لهم الأرض التي وعدهم الله بها. إلا أنّ يُسْرَبني إسرائيل لا يرتبط بالأرض، بل بوفائه لربّه. فيهوه هو سيّد التاريخ وسيّد الطبيعة، وهو يستطيع أن يجلب الغلال الوفيرة كما يستطيع أن يأتي بالمجاعة. فعلى الشعب أن يختار بركة الله او لعنته.
لا شكّ في أنّ هذا الكلام يتوجّه إلى المنفيين الذين يتحمّلون الآن نتائج لعنة العهد، والذين يستطيعون أن يرجعوا إلى الرب فيتمتّعوا ببركته.

ب- تفسير الآيات الكتابية
1- متطلّبات العهد: 10: 12- 22
آ 12: والآن... في نهاية استعراضه الأحداث يورد الكاتب ما يطلبه الرب.
آ 12- 13: نجد هنا المتطلّبات الرئيسيّة للديانة الاشتراعية. خوف الله (5: 29؛ 6: 13)، وحبّه (6: 5)، وخدمته وعبادته (6: 13)، والأمانة لشريعته (5: 33، 11:7).
آ 15: يذكر الكاتب اختيار الرب لشعبه اختيارًا مجّانيًا. الرب هو الحرّية بالذات فلا يرتبط بشيء من الأشياء ولا بشخص من الأشخاص. هو يملك كلّ شيء (رج مز 50: 10) حتّى سماوات السماوات، أي قمّة الكون العلوي.
آ 16: تتحدّث عن ختانة القلب (إر 4: 4). القلب غير المختون هو القلب المغلق على الله (خر 6: 12، إر 6: 10)، هو القلب الغريب عن الله وعن القريب (إر 9: 25، حز 7:42- 9).
في الأساس كان الختان يرتبط بالزواج (تك 34: 14- 18)، ثمّ رافق دخول الإنسان في عهد الجماعة مع المسؤوليات التي تفرضها الختانة. بعد ذلك صارت الختانة علامة هذه العضوية. ولكن، لأجل أنّ سائر الشعوب الذين التقى بهم بنو إسرائيل كانوا يمارسون الختان (ما عدا الفلسطيين)، لم يعد الختان كافيًا ليميّز بني إسرائيل من سائر الأمم، وهذا ما يفسّر أنّ الوصايا العشر لا تذكر الختان.
ولكن لمّا ذهب الشعب العبراني إلى الجلاء وعاش بين البابليين غير المختونين، صار الختان من جديد بالنسبة إليه علامة مميّزة، ونتج عن ذلك أنّ الكهنة فرضوا ممارسته في اليوم الثامن بعد الولادة (تك 17: 9- 14)، وقالوا إنّ من تخلّف عن الختان جعل نفسه خارج الجماعة المختارة. بهذه الصورة أخذ الختان أهمّية كبرى بعد الجلاء.
آ17- 19: نقرأ هنا فريضة جديدة تتعلّق بمعاملة الأجنبي (17:24): فأحبّوا الغريب لأنّكم كنتم غرباء في ممر لن نجد أيّ نص في التوراة يطلب من بني إسرائيل ما تطلبه منهمِ هذه الآية. والسبب الأوّل: لأنّ الرب رب الكلّ، فعلى المؤمن أن يتشبّه به فيكون أخًا للكل. والسبب الثاني: لقد استقبل المصريون بني إسرائيل لمّا كانوا غرباء (8:23)، فعلى بني إسرائيل أن يستقبلوا الغرباء (5: 15؛ 15: 15؛ 16: 12؛ 18:24- 22). فكلّ ما نريد أن يفعله الناس لنا، فلنفعله لهم (مت 12:7).

2- اللعنة أو البركة: 11: 1- 32
نقرأ هنا عبارات تدعو الشعب إلى المحافظة على وصايا الله وأحكامه.
11: 1- 9: الرجوع إلى أحداث التاريخ
"أوامره " (آ 1). هذه الكلمة تدخل على المراسيم الطقسية (لا 8: 35؛ عد 1: 53) وبطريقة أعمّ على الطاعة والخضوع لله (تك 5:26).
في آ 2 يميز الكاتب بين جيل الآباء وجيل الأقدمين (رج هو 7:2- 14).
في آ 6 يورد الكاتب حادث داتان وابيرام (رج عد 16: 1ي: تمتزج قصّتهما بقصّة تمرّد قورح) اللّذين رفضا أن يتبعا موسى وشكّا في رسالته، فجاء عقاب الله عليهما ليؤكّد رسالة موسى ويدافع عنه (رج 1: 1ي؛ 9: 1ي). وقد بيّن هذا الواقع أيضاً أنّ مَن انفصل عن شعب الله ورفض أن يسير إلى حيث يقوده الله، يكون قد جعل نفسه خارج مخطّط الله الخلاصي.

آ 15- 17: الأرض المقدّسة
أرض تدر لبنًا وعسلاً. كان بنو إسرائيل قد عرفوا في مصر طريقة لري الأراضي. أمّا في كنعان فالرب يهتمّ بريّ الأراضي بواسطة المطر المبكّر (في تشرين وقت الفلاحة) والمطر المتأخّر (في آذار أو نيسان، وقت الاكتناز).
إذن، حياة الشعب تتعلّق بعطية الله له. ولكن إذا نسب الشعب هذه الخيرات إلى آلهة أخرى (بعل، هدد) فالرب سينتزع من يد شعبه ما أعطاه إيّاه (رج هو 7:2- 14).

آ 18- 28: إن حفظتم جميع هذه الوصايا
لتطول أيّامكم... ما دامت السماء والأرض، أي ما دامت السماء فوق الأرض. هذا يدلّ على الثبات كما نقرأه في المزامير الملوكية (72: 25؛ 89: 30).
في آ 24 نرى الحدود المثالية. رج 1 :7.
في آ 26- 28 نقرأ عبارات بركة ولعنة. البركة إن سمعتم لوصايا الرب. واللعنة إن لم تسمعوا لوصايا الرب وتطيعوا أوامره. مستقبل بني إسرائيل بين أيديهم والطريق أمامهم. لا الذي يختارونه، طريق الحياة أم طريق الموت؟

آ 29- 32: الاحتفال بعيد العهد
يبدو أنّ هذا المقطع حفظ لنا تذكار طقس قديم يرتبط بتجديد العهد في الزمن السابق للملكية. وكان هذا الاحتفال يتمّ في شكيم التي كانت مركز اتحاد القبائل (رج يش 24: 1 ي) والتي كانت واقعة بين جبل جرزيم وجبل عيبال (رج يش 8: 30- 35؛ تث 27: 1-13؛ 31: 10 ي). أمّا هذا العيد فكانوا يحتفلون به مرّة كلّ سبع سنوات.
الجلجال تقع قرب أريحا حيث خيّم بنو إسرائيل لأوّل مرّة بعد عبورهم الأردنّ (يش 4: 1ي). يمكن أن يكون هناك مكان آخر قرب شكيم اسمه الجلجال، إلا أنّ الكاتب الاشتراعي جمع التقاليد حول أوّل يوم لبني إسرائيل في الجلجال (قرب أريحا. رج 27: 1 ي) تاركًا لشكيم الاحتفال بعيد تجديد العهد

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM