الفصل الرابع: من سيناء إلى بريّة فاران

الفصل الرابع
من سيناء إلى بريّة فاران
10: 11 – 13: 16

أ- المقدّمة
يروي هذا الفصل المسيرة إلى فاران ويورد بعض ما حدث لبني إسرائيل في الطريق. النص كهنوتي ولكنّه مطعم بالتقليدين اليهوهي والالوهيمي.
يبدأ الكاتب بالحديث عن برّيّة فاران (10: 12)، وينهي بالحديث عن نزول الشعب في برّيّة فاران (12: 16)، ويحدّد الزمان الذي تمّت فيه هذه الأحداث: في العشرين من الشهر الثاني... فكأنّه بذلك يعلن أنّه يبدأ قسمًا جديدًا من الكتاب، وأنّ 10: 11- 12 يشكّل مدخلاً إلى هذا القسم الجديد.

ب- تفسير الآيات الكتابية
1- إرتحال القبائل ودليلها حوباب
10: 11- 36
10: 11- 28: إرتحال القبائل بترتيب ونظام
بعد مقدّمة بحسب الأسلوب الكهنوتي (آ11- 12)، يرسم لنا الكاتب كيف ارتحل بنو إسرائيل بحسب الترتيب الذي عرفناه سابقًا (2: 1- 34)، وبقيادة الرؤساء ذاتهم. غير أنّ مكان اللاويّين في الجماعة لم يعد بعد الفرقة الثانية (17:2). إنّ بني قهات وبني مراري يسيرون وراء يهوذا ويحملون المسكن فينصبونه ساعة الوصول إلى المرحلة المقبلة (4: 25 ي) ويضعون فيه تابوتَ العهد. ثم إنّنا لا نجد في هذا المقطع ذكرًا للكهنة ودورهم (4:4- 32)، ولا للعجَلات التي قدّمها الرؤساء.
في العشرين من الشهر الثاني: إذا قابلنا هذه الآية 11 مع خر 19: 1 نفهم أنّ الإقامة في سيناء دامت اثني عشر شهرًا.
هذا الرحيل يشبه طوافًا دينيًّا لا قافلة من البدو أو جيشًا يسير إلى الحرب. نتذكّر في هذا المجال كيف حمل اللاويون تابوت العهد وطافوا حول أريحا سبعة أيّام (يش 13:6)، وكيف نقل داود تابوت العهد إلى أورشليم (2صم 3:6- 5، 12- 17)، وكيف ثبّته سليمان في الهيكل الذي بناه (1 مل 3:8- 11).

آ 29- 32: دعوة حوباب ليرافق بني إسرائيل
كان بنو إسرائيل بحاجة إلى دليل يوجّههم عبر الصحراء. من أجل ذلك سأل موسى بني مديان أن يعينوه في هذا الأمر، وهم العائشون في البرّيّة، وهم الذين ارتبط بهم عبر امرأته صفورة.
ولكنّنا نتساءل: من هو حَمو موسى؟ حوباب (رج قض 1: 16، 4: 11) أو رعوئيل (خر 2: 18) أو يثرون (خر 18: 1)؟ هناك تقاليد عديدة تربط موسى بالقينيين (وحوباب منهم) أو بالمديانيين (ورعوئيل ويثرون هما منهم). ولقد حاول الشراح أن يبيّنوا أنّ رعوئيل اسم قبيلة (حوباب الرعوئيلي)، غير أنّ السؤال يبقى مفتوحًا! هل قبل حوباب بالمهمّة؟ إنّ سفر العدد لا يقول في ذلك شيئًا، ولكنّ سفر القضاة (4: 11) يقول إنّه قبل بالمهمّة، والدليل على ذلك وجود نسله في كنعان مع بني إسرائيل.

آ 33- 36: المرحلة الأولى بقيادة تابوت العهد
يروي التقليد الالوهيميّ ارتحال بني إسرائيل (آ 33- 34) ثم يُقحم في النص دعاءً إلى الرب يشبه هتافات الحرب (آ 35- 36).
تابوت العهد يمثّل الرب وهو يقود الشعب إلى مكان الرّاحة. تابوت العهد يلعب هنا دور السحابة (17:9- 18) التي هي ظلّ يقي الشعبَ من الحر.
جبلُ الرب المذكور هنا هو جبل سيناء.
ثلاثة أيّام. إعتاد البدو أن يسيروا ثلاثة أيّام قبل أن يقدّموا ذبائحهم (خر 3: 18 ؛ 3:5). أيكون بنو إسرائيل ذاهبين للاحتفال بعيد من الأعياد لا يذكره النص هنا؟
قم يا رب (آ 35). هذه الآيات أنشدها المزمور 68 فصوّر مسيرة البريّة وكأنّها طواف إلى معبد الرب في أورشليم.

2- تذّمر الشعب في تبعيرة وقبروت هتأوة
11: 1-35
نحن هنا أمام أحداث ارتبطت بمرحلتين عاشهما الشعب بعد الارتحال من سيناء: تبعيرة (آ1- 3)، وقبروت هتأوة (آ 4- 34). أورد الكاتب أحداثًا عن تذمّر الشعب لتكون عبرةَ للشعب الذي يسمعه أو يقرأه.
يصدر التذمّر مرةً عن الشعب (آ1، 4)، ومرة عن أوباشٍ بين الشعب. كيف يعبّرون عن تذمّرهم؟ تارةً بالكلام القاسي (آ 5- 6) وطورًا بالبكاء (آ10، 13).
نقرأ هذا الفصل المركب فنستخلص منه المواضيع الآتية: أوّلاً: موضوع تذمّر الشعب وعقاب الرب له، وسبب التذمّر: الحنين إلى مصر والنفور من المنّ. ثانيًا: موضوع السلوى: يعجز موسى عن إطعام الشعب فيطعمه الرب. ثالثًا: موضوع السبعين شيخًا الذين يحلّ عليهم روح موسى ولا ينسى الداد وميداد.

أوّلاً: تذمّر الشعب
في آ 1- 3 نقرأ عن تذمّر الشعب، وهو ما يشكّل نواة ف 11. نلاحظ طريقة التحدّث عن الله وكأنه إنسان من البشر: يسمع، يغضب. ونلاحظ أيضاً طريقة قديمة في الكتابة سنجدها في سفر القضاة (7:3- 11): خطيئة، عقاب، صلاة، خلاص . ولكن في سفر العدد صلاة موسى تنقذ الشعب، أمّا في سفر القضاة فالعمل الحربي ينقذ الشعب.
آ 1- وتذمّر الشعب. نقرأ صيغة اسم الفاعل في العبرانية وهي تدلّ على أنّ هذا التذمّر لم يكن فعلاً عابرًا، بل دام طويلاً فدلّ على الروح السيّئة التي أثارته.
آ 4- وبكوا. النصّ الأصلي يقول: عادوا (شوب في العبرانية. راجع ثاب في العربية) إلى البكاء. وهذا يدلّ على انحطاط خلقي. رغم كل ما فعله الرب لهم، فهم ما زالوا يبكون ويحنّون إلى مصر أمّا الترجمة اليونانيّة (واللاتينيّة على إثرها) فقالت: جلسوا (يشب في العبرانية. راجع يتب في السريانية) وبكوا. وهذا يعني أنّهم وقفوا مكانهم ورفضوا متابعة السير، كل هذا بفعل هؤلاء الأوباش الذين انضمّوا إليهم. ويمكن أن يكون هذا الجلوس للبكاء بداية طقسي من النواح الجماعي نقرأ مثله في النصوص الاوغاريتية أو حتى في أسفار التوراة (نح 1: 4، مرا 2: 10).
يحدّد الكاتب صفة المتذمّرين: هم أوباش (سفسف في العبرانية. راجع سَفَّ في العربيّة) رافقوا العبرانيين من مصر (خر 12: 38) وظلّوا يحنّون إلى ممر (آ 5، 18- 20) فيتأسّفون على خيرات مصر التي تركوها وراءهم (2:14- 4 ؛ 12:16- 14 ؛ 2:20 – 5؛ خر 14: 11 ؛ 13:16؛ 17: 1- 7). قابلوا بين طعام مصر اللذيذ والمنّ الحقير (21: 5) الذي هو بنظرهم كلا شيء (آ 6) فتذمّروا.
إنّ الخطيئة تقوم في تفضيل طعام الأرض على ذلك الآتي من فم الله (تث 3:8)، على خبز السماء (مز 78: 24 ي ؛ 105: 40)، على طعام الملائكة اللّذيذ والمنوّع (حك 16: 20- 29). أين إيمان الشعب بعد أن رفضوا الرب (آ 20)؟ أين أملهم به ورجاؤهم بعد أن قالوا إنّ الحياة لا معنى لها، وحسبوا خروجهم من مصر متاهة وضلالاً؟

ثانيًا: موضوع السلوى
إنّ الخبر المتعلق بطيور السلوى يعود إلى التقليد اليهوهي (آ 4، 13، 18- 23، 31-33)، وهو يستند ولا شكّ إلى ذكريات تاريخية. فالطيور الرحّالة أمر معروف في المناطق المتاخمة للبحر، وقد وجد فيها هؤلاء البدو الرحّل (أي العبرانيون) عطيّة من السماء. أمّا المعجزة ففي العدد الكبير من الطيور. يقول الكاتب: غطّت الأرض.
في الأساس كان إرسال السلوى عطية عجيبة تدلّ على قدرة الله (خر 16: 6- 8) لا عقابًا على ثورة الشعب وتمرّده. وقد قابل الكتاب المنّ بالسلوى، والمنّ هو ذلك الطعام الآخر العجيب الذي عرفه العبرانيون في البرّيّة والذي هو نتيجة صلاح الله في معاملته لشعبه (مز 78: 26- 31). ولقد دأب الكتاب على ذكر المن والسلوى معًا (خر 16: 1 ي ؛ مز 78: 24- 31، حك 16: 2- 19). سأل الشعب طعامًا فأعطاه الله ما سأل (تلاعب على الكلام: سأل، سلو. مز 105: 45).
آ 7- كان المنّ كبزر الكزبرة. تشدّد هذه الآية على شكل المن الطبيعي، بينما يشدّد سفر الخروج (16: 1ي) والتثنية (8: 2- 3) على الطابع العجائبي. ولكنّ المنّ ليس طعامًا عاديًّا ككلّ طعام. وعلى هذا قال ترجوم يوناتان: ويل لشعب كان طعامه خبز السماء فتذمّر وقال: المنّ هو كبزر الكزبرة. أيكون القدّيس يوحنّا (6: 41- 43، 58- 56) عرف هذا التفسير فطبّقه على سر القربان المقدّس؟
آ 15 - لا أرى بليَّتي، أي البليّة التي حلّت بموسى من قبل الرب الذي حمّله هذه المسؤولية الثقيلة.
آ 33- أيكون وباء رافق عطاء السلوى فأدخل في التقليد فكرةَ العقاب؟ وهكذا أصبح "اللحم " الآتي من السماء عطاء ملتبسًا: طعام عجيب للذين طلبوه بتواضع، عقاب أليم للذين طالبوا به في جوّ من العصيان والتذمّر!

ثالثًا: السبعون شيخًا
يعود ذكر السبعين شيخًا (آ16- 17، 24- 25) إلى التقليد الالوهيمي. لا شكّ في أن التقليد اليهوهي يلمّح إلى وجود هؤلاء الشيوخ في مصر (خر 18:3؛ 49:4) وفي سيناء (خر 24: 1- 2، 9- 11)، ولكنّ دورهم بجانب موسى (25:16؛ 17: 5 ؛ لا 9: 1) أو يشوع (يش 7: 6؛ 8: 15) دور مغمور. وهكذا يبدو أنّ بني إسرائيل أخذوا هذا التنظيم عن المديانيين (خر 13:18- 26)، وكان معروفًا عند الحثيين والفينيقيين والموآبيين (يش 9: 11)، وسنراه معمولاً به في زمن القضاة (8: 14) والملوك (2 مل 23: 1) والجلاء وبعده (حز 8: 1؛ 14: 1 ؛ 20: 1 ؛ عز 10: 8- 14).
هؤلاء الشيوخ هم تارة رؤساء الشعب (7:22، 14، أش 14:3)، وطورًا يتميّزون عنهم (قض 14:8)، وكانوا يشكّلون مجلسًا بلديًا (1 صم 26:30- 31) وصل عدد أعضائه إلى 77 في سكوت. كانوا يجلسون عند باب المدينة (أم 31: 23) فيمثّلون الشعب في المفاوضات (2 صم 3: 17؛ 3:5) ويكفلون أهلها (تث 7:21- 8) ويمارسون القضاء (تث 12:19؛ 18:21- 21؛ 15:22- 19؛ 7:25 ي).
إذًا، يبدو تنظيم الشيوخ تنظيمًا حضريًا. ولكنّنا نتساءل: هل كان تنظيمًا بدويًّا كما يتصوّره التقليدان الالوهيمي والاشتراعي الآتيان من الشمال واللذان يفضّلان الشورى على الحكم المطلق الذي عرفته مملكة الجنوب؛ في التقليد الالوهيمي يساعد الشيوخ موسى في الأمور الصغيرة تاركين له الأمور المهمّة (خر 18: 13- 26 ؛ تث 1: 9- 15). أمّا في التقليد اليهوهي فهم يقفون بعيدًا عن موسى، الوسيط الوحيد للعهد (خر 14: 1-3، 9- 11) ولا يمارسون إلاّ الوظائف الكهنوتية.
في النص الذي نحن بصدده، نجد الشيوخ يقبلون الروح الذي حلّ على موسى ويشاركونه في الموهبة النبويّة (11: 24- 25) دون أن يكون لهم ملء الروح.
آ 17- وأخذ من الروح. كلّ وظيفة في شعب الله هي لخدمة الجماعة وهي تفترض روحًا خاصاً بها.
آ 18- قدّسوا أنفسكم. لا بدّ من الطهارة الطقسية للمشاركة في الوليمة المقدّسة أو تقدمة الذبيحة. من دون هذا الاستعداد الداخلي لا يستطيع المؤمن أن يلتقي بربّه وإلاّ خاطر بحياته (خر 19: 10- 22).
آ 25- إستقرّ عليهم الروح فتنبأوا. المعنى لكلمة تنبّأ: دخل في نشوة، انجذب، أخذ يدور على نفسه (1 صم 10: 10 ي). هذه الظواهر التي تميّز النبوءة في بداءتها ليست إلاّ عنصرًا جانبيًا وعابرًا لحضور الروح الذي يعطيه الرب، ولا نراها عند موسى الذي قبل القسم الأكبر من روح النبوءة.
نقرأ هنا: تنبّأوا ولم يزيدوا (راجع اليونانية والسريانية)، أي لم يعيدوا الكرّة، وفي هذا تشديد على أنّ موهبة الشيوخ أدق من موهبة موسى. أمّا اللاتينية فتسير على خطى الترجوم وتقول "لم يتوقّفوا"، وفي هذا تشديد على طابع الاستمرار لموهبة هؤلاء الشيوخ.
آ 26- تنبّأ الداد وميداد ولم يذهبا إلى خيمة الاجتماع. ليس روح الرب مرتبطاً بمكان من الأمكنة، ولكنّ هذا لا يعني أنّه يُعطى بطريقة عشوائية، بل للذين اختارهم الرب بواسطة موسى.
هذا المشهد عن الروح الذي يحلّ على السبعين شيخًا قريب من مشهد حلول روح صموئيل وأبناء الأنبياء على شاول ومرسليه (1 صم 10: 5- 10، 8:19-24). نحن هنا أمام قوّة لا تقاوَم، تمسك بالإنسان لساعات ثمّ تتركه. نحن هنا أمام تيّار نبويّ بدائي سيتميّز عنه موسى فتكون النبوءة عنده كتلك التي سنراها عند إيليا وأليشاع وسائر الأنبياء الكبار.
يبدو موسى في هذا المقطع متعبًا بسبب عجزه عن إشباع الشعب وضعفه أمام بكاء الأوباش وحزنه أمام غضب الرب. ولكنّنا نتساءل: هل الشعب هو ما يثقّل كاهله (منشأ في العبرانية. راجع في العربية نشأ التي تعني رفع وحمل)، أم إنّ الرسالة السامية ثِقْلٌ عليه كما كانت على إرميا (33:23- 40)؟ ونرى موسى يتذمر مثل إيليا (1 مل 19: 4) وإرميا (7:20- 8) ويعاتب الله ويهاجمه ويهدّده بأنّه سيتخلّى عن المهمّة (آ15). ولكنّ يد الرب قويّة وكلمته تتحقّق. غير أنّ الثقل يبقى على أكتاف موسى. لهذا يجب على موسى وعلى الشيوخ أن يستمعوا لحاجات الشعب ويهدئونه ويسكتونه عندما يتذمّر ويعيدونه إلى الرب.
إنّ عطية الروح وصلت إلى الشيوخ بانتظار أن تصل إلى الشعب كلّه الذي هو مملكة كهنة وأمّة مقدّسة (آ 29 ؛ خر 6:19). ولكنّ هذا لا يتمّ حقًّّّّّا إلاّ في نهاية الأزمنة التي أعلن عنها النبي يوئيل (3: 1) وتحقّقت يوم العنصرة (أع 17:2).

3- كلام مريم وهارون في موسى (القريب من الله) وعقاب الله لهما 12: 1- 16
نحن أمام خبرين ممزوجين الواحد بالآخر، الخبر الأوّل (مصدر يهوهي) يروي كلام مريم في المرأة الكوشية (آ 1) وغضب الله عليها (آ 9) وعقابه لها بالبرص (آ 10). الخبر الثاني (مصدر إلوهيمي) يورد قول هارون ومريم على موسى (آ 2- 8). يبدو موسى حقًّا نبيًا مثل إيليا واليشاع وفوق أبناء الأنبياء والرّائين العاديين. أمّا هارون فيبدو حقيرًا ذميمًا كما في حادثة العجل الذهبي (خر 32: 1- 4).
آ 1: زوجة كوشية. يمكن ان تكون من الحبشة، وقد تكلّمت عليها مريم لسواد وجهها. ويمكن، وهذا الأصحّ، أن تكون من قبيلة كوشان المذكورة في النصوص الأشورية والمصرية، والتي كانت تقيم بشمالي الجزيرة العربية قرب قبيلة مديان (رج حب 7:3؛ قض 8:3 ؛ 2 أخ 21: 16). وهكذا يتحدّث النصّ عن صفورة المديانية (خر 2: 21) وهي الغريبة عن قبائل بني إسرائيل.
آ 2: أما كلّمنا نحن أيضاً؟ نقرأ في سفر الخروج (15: 20) أنّ مريم كانت نبيّة، ولكنّنا لا نجد أيّ نص يحدّثنا عن وحي وصل إلى هارون وحده بمعزل عن موسى.
أنا أئتمنه على شعبي. ثلاثة معان لهذه العبارة التي قالها الرب في موسى. الأوّل: أئتمنه على كل بيتي كرجل أثق به فأعطيه سلطة خاصة. الثاني: هو يقيم في بيتي كنبيّ دائم قرب معبد الرب. الثالث: هو أمين في كلّ بيتي، أي هو رجل بارّ قديس جعلته فضائله يستحق نعمًا روحية لم تكن لسواه.
آ 8: فمًا إلى فم، أي في حوار حميم كما بين الصديق وصديقه (خر 33: 11، تث 34: 10). شبه الرب: في العبرانية "تمونة" أي شكل وصورة وظل. يمكن هذه الكلمة أن تدلّ كما في الخروج 33: 20- 23 على شخص تراه من ظهره. على كل حالة لا يستطيع موسى أن يرى وجه الله لئلاّ يموت. وقالت الترجمة اليونانية: يرى مجد الله.
آ 11: لا تحمّلنا مسؤولية الخطيئة. وقال النص اليوناني: لأنّنا لا نعرف كيفا أخطأنا، بمعنى أنّنا كنّا جهلةً فتصرّفنا على هذه الصورة، لأنّنا ما عرفنا كرامة موسى فقلنا سوءًا فيه. وهكذا تكون الغيرة داخل العائلة سبب معارضة مريم وهارون لموسى. القضية قضية سلطة موسى كنبيّ يفسّر كلام الله، وعلى هذه السلطة اعترض الأنبياء الصغار.
تستند سلطة موسى إلى الطابع المميّز لموهبة النبوءة التي منحها الله له. هو فوق الأنبياء العاديين والرائين الذين يرون رؤى الليل أو يكلّمهم الله في الحلم أو في الألغاز.
لماذا هذا التفضيل لموسى؟ بسبب إيمانه وحياته الصالحة. فالتقليد اليوناني (واللاتيني على إثره) يتحدّث عن تواضعه ووداعته (آ 3) وعن أمانته لله (آ 7) والتقليد اليهودي عن عفّته. فبعد رؤية العليقة الملتهبة امتنع موسى عن معاشرة امرأته. ولكن يبدو أنّ هذا التفضيل راجع إلى نداء الرب وإلى الرسالة التي حمّله إيّاها. لقد جعل موسى في كلّ بيت الرب كالعبد الحائز على ثقته (عا 7:3) مثل داود (2 صم 7: 5، 11- 16) وأشعيا (3:20) وعبد يهوه (أش 42: 1؛ 3:49).
وسيذكر التقليد اليهودي فضائل مريم التي انتظرت ما سيحلّ بأخيها على شاطئ النيل، ويورد كل ما فعلت لتنقذ منقذ الشعب. لأجل ذلك انتظر الشعب سبعة أيّام لكي تشفى ثمّ رحلوا.
إنّ عظمة موسى جعلت بعض الآباء يشبهونه بالمسيح مع التشديد على أنّه أدنى من المسيح الذي وحده عرف الآب وعرَّفنا به (يو 1: 18؛ 6: 46) وإن رفض الشعب شهادته (يو 11:3).

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM