القسم الثّاني: في بريّة فاران المسيرة إلى سهول موآب

القسم الثّاني
في بريّة فاران
المسيرة إلى سهول موآب
10: 11 – 31: 35

نلاحظ في هذا القسم أربعة فُصول.
1- نرافق بني إسرائيل من سيناء إلى بريّة فاران (10: 11- 16:12). ارتفعت السّحابة فأشارت إلى بني إسرائيل بالرّحيل. فصوّر لنا الكاتب تنظيمَ سير بني إسرائيل في البرّية وكأنّهم في طوافٍ دينيّ (10: 11- 28). ثمّ عرض موسى على حَميّه حوباب أن يرافقهم فيكون لهم دليلاً (10: 29- 32). وهكذا انطق بنو إسرائيل وراء تابوت العهد وسط الهُتاف والصّراخ (33:10- 36).
في المراحل الثلاث الأولى نتعّرف إلى موقف بني إسرائيل المطبوع بالتذمّر والتمرّد. فاسم "تبعيرة" (أو تعبيرة) يذكّرنا بالنّار التي أكلت (أو عبرت بين) المتذمرين من الشعب (11: 1- 7). واسم "قبروت هتأوة" (أي مقبرة التأوّه والشهوة) يذكّرنا بالضربة العظيمة التي ضربهم بها الرب ولَحْم السلوى ما يزال بين أسنانهم. تأفّف الشعب من المنّ الذي يبست نفوسهم منه، وتأوّهوا إلى وفرة المآكل في مصر، وطالبوا بلحوم تقيتُهم. هنا يرتفع دعاء موسى من أجل شعبه: لا أطيق حمل هذا الشعب كلّه لأنّه ثقيل عليّ. استمعَ إليه الربّ وأمره أن يعيّن سبعين شيخًا يعاونونه في ادارة هذا الشعب. ولمّا عيّنهم موسى أحلّ الربّ روحَه عليهم، وأعطى الشعب من المن ما يغطّي المحلة قبل أن يشتدّ غضبه عليهم فيضربهم (11: 4- 34). واسم "حصيروت " (35:11) يذكّرنا بكلام مريم وهارون على موسى: يؤكد الرب أن موسى وحده هو نبي الرب، ويضرب مريم بالبرص (12: 1- 35). ثمّ يرتحل الشعب من حصيروت ليخيّم في بريّة فاران (16:12).
2- هنا (13: 1- 15: 41) تحصل أحداث في برّيّة فاران (3:13- 26) القريبة من بريّة صين (13: 21) وفي واحةِ قادِش الواقعة في الشّمال الشرقيّ من جزيرة سيناء على مئة كيلومتر من بئر سبعْ والتي ستكون مركز تجمّع قبائل بني إسرائيل.
أمرَ الربّ فأرسل موسى اثني عشر رجلاً يجسّون الأرض (13: 1- 33)، ففعلوا وعادوا فصوّروها للشعب أرضاً عجيبة خصبة وقالوا إنّ المقيمين فيها جبابرةٌ طِوال القامات. غير أنّ كالب ويشوع حثّا الشعب على دخول الأرض بمعونة الربّ، إلاّ أنّ الشعب خاف بسبب كلام الجواسيس الآخرين، فتذمّروا على موسى وعزموا على الرجوع إلى مصر (14: 1- 38). فاضطرمَ غضب الربّ وقرّر إبادة هذا الشعب المستهين به لولا صلاة موسى: "فاصفحْ يا ربّ عن إثم هؤلاء الشعب لكثرة رحمتك ". فصفحَ الربّ عنهم على حساب عِقاب عظيم يفرضه عليهم: لن يدخل أرضَ الرب أحدٌ من بني إسرائيل الحاضرين الآن هنا، ما عدا كالب ويشوع. وضرب الربُّ الجواسيس العشرة فماتوا، وفرض على الشعب أن يقيم أربعين سنة في البرّية حتى يموت الجيل الحاضر: في هذه البرّيّة تسقط جثثكم، جثث المحصيّين من ابن عشرين سنة فصاعدًا. ندم الشعب على ما فعل وأراد أن يدخل أرض كنعان من الجنوب، مع أنّ الله لم يأمرهم بذلك، فقهرهم العماليقيون والكنعانيون في حرمة (14: 39- 45) وتوقّفت مسيرة بني إسرائيل إلى أرض الميعاد.
3 - هنا (16: 1- 22:19) نقرأ عن عصيان قورح وعن وضع الكهنة. قام قورح وداتان وأبيرام على موسى وهارون ورفضوا سلطتهما. ولكنّ الرب أكّد على امتيازات هارون وأبنائه من بعده. ولا أحد يتعدّى على هذه الإمتيازات من بني إسرائيل ولا من بني لاوي. ودعا موسىِ الجميع ليتقدّموا من خيمة الاجتماع ومجامر البخور في أيديهم. ولكنّ الرب لم يرض ببخور المتآمرين فطلعت نار وأكلتم (16: 1- 35). أمّا الكاهن أليعازار فقد أخذ المجامر وصنع منها صفائح غطّى بها المذبح، وهدفه من ذلك أن يتذكّر بنو إسرائيل ألاّ يتقدّم أحد من غير نسل هارون ليوقد بخورًا (17: 1- 5). وفي الغد وإذ كان الشعب يتذمّر ثائرًا على موسى وهارون، وإذ بدأت الضربة تبيد بني إسرائيل، توسّل هارون إلى الرب فنجت الجماعة: أخذ المجمرة وكفّر فكفت الضربة (17: 6- 15). فعرض الله أن يدلّ بمعجزة على أولوية هارون: عصا واحدة تفرخ بين عصي رؤساء القبائل، وهي العصا التي يختارها الرب. عصا هارون ستفرخ وتزهر وتنضج لوزًا، وستحفظ كعلامة للمتمرّدين (17: 16- 26). وكان نتيجة ذلك تشريع جديد يحدّد وظائف كلاً من اللاويين والكهنة، ويعيّن نصيبهم في خدمة المعبد (27:17- 32:18). وينتهي هذا الفصل بأحكام البقرة الحمراء (19: 1-22) والماء الذي يمزج برمادها فيزيل النجاسة عمّن مسّ جثة ميت.
4 - هنا (20: 1- 21: 35) يروي لنا الكاتب مسيرة بني إسرائيل من قادش إلى فيافي موآب، ويحدّثنا عن استعداد بني إسرائيل لدخول أرض الموعد. يبدأ الخبر بهذه الكلمات: وأقبلت جماعة بني إسرائيل كلّها إلى برية صين في الشهر الأول فأقاموا بقادش (20: 1، رج 13: 26)، والشهرُ الأوّل يقع في السنة الأربعين بعد الخروج من مصر، لأنّ موت هارون سيكون في الشهر الخامس من تلك السنة عينها (20: 22- 29 ؛ 33: 38). وهكذا تكون انقضت 38 سنة على حياة العبرانيين في البرّيّة بعد تمرّدهم على الرب.
يربط التقليد بقادش موتَ مريم، أخت موسى وهارون (20: 1) وخروج مياه مريبة (أو الريبة) بعد أن ضرب موسى الصخر. ولكن بما أنّ موسى وهارون لم يؤمنا بالرب إيمانًا يظهر قداسته في شعبه، فهما لن يدخلا أرض الموعد (20: 2- 13). وجاء وقت الارتحال الأخير، غير أنّ ملك أدوم عارض مرور الشعب في أرضه (20: 14- 21)، فتحوّل الشعب إلى جنوبي كنعان، وهناك في جبل هور توفي هارون وخلفه ابنه اليعازار (20: 22- 29). ولمّا انتصر الشعب على ملك عراد (21: 1-3) عوّض عن هزيمة حرمة (14: 39- 45).
ولكنّ بني إسرائيل لم يدخلوا كنعان في هذا الوقت، بل تراجعوا والتفّوا حول بلاد آدوم إلى جنوبي البحر الميّت. وعيل صبر الشعب وتذمّروا من جديد على الرب فأرسل عليهم الحيّات السامة، ولكنّهم نجوا بصلاة موسى الذي رفع حية نحاسيّة في المخيّم (21: 4- 9). وتابع الشعب مسيرته فوصل إلى وادي زارد ثمّ صعد من هناك إلى الشمال. وارتحل الشعب عبر البرّيّة الواقعة شرقي أرض موآب إلى شمال البحر الميت (21: 10- 20) قبل أن يحارب ملكي الأموريين اللذين تمتدّ أرضهما إلى باشان، شمالي شرقي الأردن. وبعد أن انتصر بنو إسرائيل على سيحون وعوج (21: 21- 35)، استولوا على أرضنا وخيّموا في برّيّة موآب عبر الأردنّ عند أريحا (22: 1).

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM