الفصل الأوّل: إحصاء الجماعة وتنظيمها

الفصل الأوّل
إحصاء الجماعة وتنظيمها
1: 1 – 4: 49

أ- مُقدّمة
1- قبل الارتحال إلى أرض الميعاد نظّم موسى الشعب ورتّبه. أحصى الرجال القادرين على حمل السلاح من كلّ سبطٍ وعشيرة (1: 1- 54)، ثمّ رتّب الوحدات الاثنتي عشرةَ إلى أربع فرق حربيّة وجعل على كل فرقة رئيسًا وحدّد لها مكانًا في وسط المَسيرة أو حول المسكن لحمايته (2: 1- 34). وأحمى موسى أيضاً الكهنة واللاويّين وسلّمهم المسكن وحدّد لكلّ واحد مسؤوليتَه في خدمةِ المسكن ونقلِه من مكان إلى آخر (3: 1- 4: 49).
نجد في هذا الفصل ملاحظات إنشائية (1: 1- 4، 17- 19، 47- 45؛ 2: 1) تشكّل إطارًا إخباريًّا تُقحَم فيه لوائحُ الرؤساء (1: 5- 16)، والاِحصاءات (1: 20- 46؛ 4: 36- 48)، وسلاسل أنساب (3: 1- 3، 17- 20) وشروح قانونيّة (3: 5- 10، 44- 51) ولاهوتيّة (3: 11- 13، 40- 41). يُورد الكاتبُ فكرةً ثم يعود إليها فيوضحُها ويفسّرها. يتحدّث مثلاً في 1: 14- 16، 20- 46 عن أمر الرب بالانطلاق إلى الحرب، ثمّ يعود إلى ذلك في 2: 2- 34 فيعطي المعلومات عن مواقع إقامة المخيّم. يذكُر اللاويّين (1: 47) الذين لا يُحصَوْن مع سائر القبائل ثمّ يعود إلى ما قاله في 3: 5- 13، 14- 39 ؛ 4: 1- 49. إذًا نحن أمام بحثٍ لاهوتي وعمليّ ينطلق من مُعطَيات قديمة سنجد مِثْلَها في سفر أخبار الأيّام الأول (ف 1- 9، 24- 27) وشروح المعلّمين.
فلوائحُ القبائل (1: 20- 43) وسلسلة الأنساب قديمة وهي تعود إلى زمن القُضاة أو بداية عهد الملوك، وتنظيمُ الكهنة يعكسُ الصراع الذي عاشه بنو إسرائيل بعد إصلاح يوشيا أو العودة من الجلاء (3: 1- 10). أمّا تنظيم وظائف الكهنة فسنجد مثله في 1 أخ 24- 26 .
2- إنّ هذا التنظيم يساعدنا على معرفة طبيعة شعب الله ودوره بحسَب الرواية الكهنوتيّة: هو أُمّة، وهو جيشٌ يستعدّ للقتال، وهو جماعة مقدّسة. يُحصى بنو إسرائيل بحسَب الأسباط والعشائر والبيوت، وهكذا يرتبط كلّ فرد من أفراد الشعب بيعقوبَ وبالآباءِ الذين قَبِلوا الوعْد. أمّا عدد المحصيّين، وهو كبير جدًّا، فيدلّ على خِصب عجيب للشعب المرتبط بالوعد (رج تك 12: 2، 13: 16؛ 27:46).
هذا الشعب هو جيش، فلا يُحصي موسى إلاّ القادرين على الخروج إلى الحرب الّذين يُجنَّدون على الطريقة القديمة. ثم يمرّ موسى بينهم فيقسمُهم إلى أربع فرق ويجعل لكلّ فرقةٍ رئيسًا. هذا ما فعله يَشوع (يش 6: 12- 13) وجدعون (قف 7: 2- 8، 16) وشاول (1 صم 11: 8- 11؛ 13: 15- 18) وداود (2 صم 18: 1- 2) وأحاب (1 مل 20: 27). مثل هذا التنظيم الحربي المثالي سنجده في نصوص قُمْرَان التي تتحدّث عن الحروب الروحيّة في آخر الأزمنة، عن حرب أبناء النور على أبناء الظُّلمة.
والشعب جماعة مقدّسة يقوم في وسطها المسكن (2: 2، 7) أو خيمة الاجتماع أو خيمةُ الشهادة التي تحتوي تابوتَ العهد الذي لا يمسُّه إلاّ الكهنة أبناء هارون (4: 16). أمام الخيمة يقف موسى وهارون والكهنة، وتقف وراءها وعلى جنبيها العائلاتُ اللاويّة الثّلاث، أي قهات وجرشون ومراري (1: 53 ؛ 3: 23، 29، 53). وبعيدًا عن الخيمة تُخيّم سائر القبائل المقسومة إلى أربع فرق. تقف كلّ فرقة إلى جهة، أمّا بنو يهوذا فيقفون إلى الشّرق من جهة مَدخل المسكن (2: 3). هذا الترتيب المِثالي نجده في جُغرافية الأرض المقدّسة وفي صورة هيكل أورشليم بحسَب سِفر حزقيال (ف 40- 44)، وهو يهدف إلى التشديد على قداسة تابوت العهد الذي يحميه الكهنةُ مع اللاويّين، كلّ بحسَب وظيفته، وإن تقدّم أحد سواهم فليُقتلْ (1: 51؛ 3: 10، 38 ؛ 4: 17، 20).
يُفرَز الكهنة واللاويّون من بين سائر الشعب ويُكرَّسون للعبادة (1: 47- 53)، من أجل هذا يُعْفَوْن من الخِدمة العسكريّة (1: 47). فيتوجّب عليهم المحافظة على المسكن وآنية العِبادة (3: 1ي) يرتّبونها وينقلونها بإِمرة الكهنة. اللاويّون هم للربّ (3: 12) وهم يَتولّون باسم الجماعة خِدمة المسكن. هم لا يخدمون باسمهم الخاص، بل باسم الشعب، وهم البدَلُ عن كل بِكْرٍ فاتحٍ رَحِم في بني إسرائيل (3: 12، 40- 51)، كلُّ بِكْر هو للربّ منذ يوم خلّص شعبه من أرض مصر (3: 13). وهكذا فبنو إسرائيل هم جماعة مقدّسة لأنّ تابوت العهد في وسط مَحلّتهم، ولأنّ كل شيء عندهم مُوجّه لعبادة الله، ولأنّهم الشعب الذي خلَّصه الربّ وافتداه.
3- من أجل هذا نفهم أن يكون آباءُ الكنيسة والشُرّاح المسيحيّون قد أطالوا تحليل هذه النصوص على الطريقة النَّمَطّية فرأوا في هذا الشعب صورةً مسبقة عن الكنيسة: لم يُحصَ كلّ واحد لأنّ عدد المؤمنين لا يمكن أن يكون كاملاً على الأرض. ورأوا في رؤساء الأسباط (1: 16) الرّسلَ الاثني عشرَ. أمّا تنظيم المُخيّم فهو ذلك الموجود في الجماعات المسيحيّة (2: 1ي ؛ رج 1 كور 14: 40)، ومَرَاتِب الخِدمة الكهنوتيّة تذكّرنا بمراتب الكهنوت في الكنيسة. كلّ هذا يجعلنا نُقابِل بين لاهوتِ الشعب المُختار وبين لاهوتِ الكنيسة التي هي جَسَدُ المسيحِ السِرّي.

ب- تَفسيرُ الآيات الكِتابية
1- الإحصاءُ الأوّل
1: 1- 47
هذا الإحصاء الأوّل يساعد موسى على تقدير قوى بني إسرائيل قبل الانطلاق إلى احتلال أرض الموعِد. سيكون إحصاءٌ آخر (ف 26) يهيّئ الشعب لاقتسام الأرض. في كلا الحالين نلاحظ أنّ الربّ يأمر موسى بإحصاء الشعب، لأنّ كل إحصاء يتمّ من دون أمر الرب يُعتبر خطيئةً كبيرة (رج 2 صم 24: 1ي واحصاء داود للشعب). هذا ما يقوله سفر الخُروج (30: 11- 16) عندما يحدّد طريقة الإحصاء في بني إسرائيل.

1: 1- 4: أمَر الربّ فأحصى موسى جماعةَ بني إسرائيل
في اليوم الأوّل من الشهر الثاني، أي بعد انقضاء شهرٍ على بناء المسكن (خر 45: 7) وتنصيب الكهنة (لا 8: 1ي).
خيمة الاجتماع تدلّ في التقليد الكهنوتي على المسكن، ذلك المعبد المتنقل الذي تحدّث عنه سفر الخروج (ف 25- 30، 35- 39) وتصوَّره على مِثال هيكل سُليمان. الله حاضر وسط بني إسرائيل عبر هذه الخيمة.
بيوتُ آبائهم أي العائلات. تلك هي الوحدة المستقلّة داخل القبيلة والتي تساعد كل فردٍ على الارتباط بيعقوبَ عبر آبائه وأجداده. "أنت وهارون". جعل هارون مع موسى، وهو رئيس السُّلالة الكهنوتيّة. الجيش (صبا في العبرانيّة. راجع كلمةَ الصَّباؤوت) يدلّ على عدد الأفراد الذين يقدّمهم كل سبطٍ : 50000 تقريبًا بحسَب طريقةِ العدّ في ذلك الزمان.

آ 5- 16: لائحة بأسماءَ الرؤساء
وهذه أسماؤهم. يبدو أنّ هذه الاسماء الاثنين والثلاثين قديمةٌ جدًّا وقد ظلّت مستعملةً بعد الجلاء وحتى في زمن المسيح: عَميناداب، نَتنائيل (رج 1: 45- 51) جَملائيل (أع 5: 34؛ 22: 3).
من رأوبين... يقول تقليد بني إسرائيل إنّه كان ليعقوبَ اثنا عشر ابنًا هم آباء الأسباط الاثني عشر، ومنهم سبط لاوي. بنو لاوي هم أصلاً جماعة من الكهنة لا أرض خاصة بهم. بنو يوسف قُسِموا إلى سبطين: أفرائيم ومنسّى. إنّ ترتيب الأسباط في هذه الآيات لا يشبه الترتيب الذي نجده في سفر الخُروج (1: 2- 4، رج تك 23:35- 26) ولا ذاك الذي نقرأه في آ 20- 43 (رج 26: 1ي الذي يطابق ما نقرأه هنا).
نحشون هو أخو امرأة هارون (خر 6: 23) أو جدّ داود المذكور في سِفر راعوت (4: 18-22). فإذا أخذنا بما يقوله سِفر راعوت ترجع هذه اللائحة إلى القرن الثاني عشَر.
هؤلاء اختيروا... (آ 16): يبدو أنّه كان لهم وظيفة تمثيلِ الشعب (رج 16: 2). رؤساء عشائر (أي ألوف. في العبرانية "الفي "). قبل زمن الملوك كان على كل قبيلة أن تجنّد من يجب تجنيدُهم فتقدم وحدة تسمى "ألفًا" (1 صم 19: 21) مهما كان عددهم (رج 12: 37 حيث كلمةُ الف تعني عدد الجنود التي تستطيع العشيرة أن تقدّمهم).

آ 17- 19: تنفيذُ أمر الربّ
إنتسبوا إلى عشائرهم. في العهد القديم، الشّرط الأساسي ليكون الإنسان من الشعب المختار هو أن يكون من نسلِ إبراهيم. من هنا أهميّة سلسلة الأنساب (رج 1 أخ 1- 9).
إنّ تنطيم الشعب بحسب العشائر والعائلات (أو البيوت) ظلّ تنظيمًا معمولاً به في شعب إسرائيل حتّى بعدَ أن انتقل العبرانيّون من البَداوة إلى الحضارة. فالتحقيقات القضائيّة (يش 7: 16- 18) وتعيين المَلِك (1 صم 10: 25- 21) وتجنيد الرجال (1 صم 17: 16- 18؛ عا 5: 3)، يتمّ داخل هذا الإطار. وبما أنّ الجيش لم يكن نظاما بعد، فقد كان الحاكم أو الملك يأمر بجمع الرجال لحَمْلَةٍ من الحملات فيجعل عليهم رئيسا ويسيرون إلى القتال (قض 7: 2- 8 ؛ 1 صم 11: 8- 11 ؛ 13: 15- 18؛ 2 صم 18: 1- 2). كل هذا يدلُّنا على أنّ ما يصوّره الكاتب الكهنوتيّ بعد الجلاء يرتكز على تقاليد بني إسرائيل القديمة.

آ 20- 43: نتيجةُ الإحصاء
نحن هنا أمام وثيقةٍ من وثائق المحفوظات مكتوبة بأسلوب بسيط وموحَّد.
ترتيب القبائل يختلف عن ذاك الذي قرأناه في آ 5- 15: ينتقلُ جاد إلى المركز الثّالث. يُمكن أن تكون قراءة هذه اللائحة مُمِلّة بالنسبة إلينا، أمّا بالنسبة إلى بني إسرائيل فتردادُ هذه اللوائح يخلُق ارتياحًا في قلب المؤمن الذي يتعرف شيئًا فشيئًا إلى كلّ جماعة شعبه.
كان عددهم 46500 (آ 20) أي 46 فرقة تؤلف مجموعةً مكوّنة من 500 رجل. هلِ نستطيع أن نقرأ الأعداد بهذه الطريقة؟ هل نحن أمام أرقام خياليّة يعتبرها الكاتب حقيقةَ وواقعًا؟

آ 44- 47: الخاتِمة
أولَئك هم المعدودون: 603500. وهذا ما يجعل عدد العبرانيّين يقارب ثلاثةَ ملايين نسمة وهو رقم غيرُ معقول. فكيف تستطيع برّية سيناء أن تقيتَ هذا الشعب! يذكُر سِفر القُضاة (5: 8) أنّ عدد رجالِ ستِّ قبائل كان أربعين ألفًا، وهو عدد يبدو صحيحًا بالنسبة إلى الزمن الذي عاش فيه داود ( 2 صم 24: 1- ي).
لم يُحصِ موسى بني لاوي مع سائر القبائل، وهو سيُحصيهم فيما بعد (ف 3- 4)، لأنّ وظيفتهم تختلف عن وظيفة سائر القبائل.
إنّ كلمة "ألف " تعني كما قلنا "فِرقة حربية". فيكون عدد الفرق 598 فرقةً، وعدد الرجال 5550 رجلاً، وهو رقم معقول إذا قابلناه بما نقرأه في وثائق ماري (مدينة قديمة على شاطئ الفُرات) أو سائر نصوص الشّرق القديم. ويتوضِّح الأمر إذا عرفنا أنّ بعض نصوص التوراة القديمة (قض 6: 15، في 5: 1) يسمّي "ألفَا" جزءًا من القبيلة سيُسمّى فيما بعد "مشفحة" أي فصيلة.

2- ترتيبُ المُخيّم
1: 48- 2: 34

آ 48- 54: تعليماتٌ عامّة عن دَوْر اللاويّين
"مسكنُ الشّهادة" هي عبارة تَرِدُ في زمن متأخّر (10: 11، خر 38: 21). إذًا كُتِب هذه المقطع في زمن متأخّر نحن نعرف مثلاً أنّ داود لمّا أحصى الشعب (2 صم 24: 9، 1 أخ 21: 6) لم يُحصِ قبيلة لاوي ولا قبيلة بِنيامين الموكلة بحِراسة معبد جبعون. علاوةً على ذلك، كان الناس منذ عهد القُضاة (17: 1؛ 18: 30) يختارون أُناسًا من بني لاوي ليخدموا في معابد القبائل المتعدّدة.
"غضبُ الله " يتبعه العِقاب (تث 25: 23- 27)، وهو يرتبط بحضور الربّ المقدّس الذي يغيظه شعب لا يأخذ هذا الحضورَ بالجديّة المفروضة (لا 10: 1ي). إنّ حضور الربّ وسط شعبه يشكّل حِمايةً له وخطرًا عليه. فعلى الشعب الخاطئ أن يبقى بعيدًا عن خيمة الاِجتماع (17: 28)، وعلى بني لاوي أن يكونوا حاجزا بين الشعب وخيمة الاجتماع.

2: 1- 34: نظامُ نَصْب الخيام وموقع كلّ قبيلة في المسيرة
نحن هنا أمام تأليف جاء بعد تأليف الفصل الأول فكمّله بتقاليد جديدة.
يصوّر الكاتبُ الشعبَ المثاليّ على ما نقرأ في حزقيال (48: 30- 34)، ويصوّره لنا في مسيرته إلى أرض الربّ. وزّع موسى القبائل حول المعبد أربع مجموعات تتألف كلّ منها من ثلاث قبائل وجُعلت كلّ مجموعة في إِحدى الجهات الأربع. يذكر القبائل بحسب الترتيب الذي عرفناه في الفصل الأوّل، ولكنّه يبدأ بقبيلة يهوذا التي احتلّت المقام الأوّل بعد سنة 721 وسقوط السّامرة.
كانت خيمةُ الاجتماع في الوسط، وكان يهوذا ويساكر وزبولون إلى الشّرق منها، وبنيامين وأفرائيم ومنسّى إلى الغرب، وجاد ورأبين وشمعون إلى الجنوب، وأشير ودَان ونفتالي إلى الشّمال.
يأمر موسى الشعب بالارتحال أو بالتوقّف، فنحسّ كأننا أمام شعب يسير في تَطْواف دينيّ، لا أمام جيش يتوجّه إلى القتال. لا شكّ في أنّ الكاتب يستقي أفكاره من الاحتفالات التي كانت تقام في زمن القُضاة والتي كانت وقفًا على الذّكور دون النساء والأولاد.
إنّ تنظيم القبائل في أربع رايات (دجل في العبرانيّة تعني أيضاً الكتيبة والفَوْج) حول رايةٍ خامسة، هي الراية الرئيسية، أمر معروف في النصوص الكتابية القديمة (خر 13: 18، يش 1: 14، 4: 12، قض 7: 11) التي تتحدث عن خَمس رايات (حموشيم في العبرانيّة. راجع خمسة في العربيّة)، ونعرف أيضاً أنّ جيش رَعمسيس الثّاني في حملتِه على الحثّيين نَصب خِيامه بشكل مربّع حول خيمة الملِك.
كان تابوتُ العهد يسير إلى الحرب مع العبرانيّين (10: 35- 36، 1 صم 4: 4- 8) ويرتاح في المحلّة تحت خيمةٍ خاصة به (2 صم 11: 11). ونعرف أيضاً أن بني دان أخذوا مسكن ميخا ومعبده وجعلوه وسط جيشِهم ليحميَهم (قض 18: 20).
إنّ تنظيم اللاويين حول المعبد يذكّرنا بالحُصون التي بناها رحبعام (2 أخ 11: 5- 10) حِزامًا دينيًّا وحربيًّا (وبالمدن اللاوية. رج يش 21: 8- 42) حول أورشليم المدينةِ المقدسة.

3- قانونُ ونظامُ بني لاوي
3: 1- 4: 49
بعد أن نظّم المشترع الشعب حول خيمةِ الاجتماع (ف 1- 2)، ها هو يهتمّ بالمعبد وخِدْمته. كان قد ذَكر التنظيمات العامّة المتعلّقة بقبيلة لاوي (1: 48- 54)، وها هو يتوسّع في ما قاله فيكمّله، ويميّز بين الكهنة واللاويّين، ويهتمّ بصورةٍ خاصة بالكهنة.

3: 1- 4: الكهنةُ بنو هارون
لا تتضمّن هذه اللاّئحة إلاّ نسل هارون.
لم يُحصَ موسى وهارون مع اللاويّين (رج 26: 59، خر 6: 20 يقرأ عكس ذلك) لأنّ التقليد الكهنوتي يحسب أنّ اختيار الكهنة سابق لاختيار اللاويّين. أمّا في سفر التثنية (10: 8- 9 ؛ 18: 1- 8) فاختيار اللاويّين سابق لاختيار الكهنة.
إلى اليعازار سينتسب صادوق، رئيسُ الكهنة في عهد سُليمان، والى ايتامار سينتسب مزاحمُه أبياتار (2 صم 20: 25).
كان ملوك بني إِسرائيل يُمْسَحون (1 صم 10: 1) علامةَ تبعيّتهم لله، كما كان ملوك كنعان يُمسحون علامةَ تبعيتهم لملكِ مصر بعد الجلاء سيُمسَح رئيسُ الكهنة (خر 29: 7) لأنّه يحلّ محلّ الملِك، ثمّ سيُمسح كلّ الكهنة. ولكنّ هذه العادة ستُلغى في زمن الحُكم الروماني لأسباب نجهلها.
ناداب وأليهو. يذكّرنا الكاتب بما حدث لا بني هارون (لا 10: 1- 7) اللذين ماتا لانهما قرّبا للربّ نارًا غير مقدّسة.
قلنا إنّ المُشترع لم يربط هارون بجدّه قهات بن لاوي (عكس ما نقرأ في خر 6: 16- 25، عد 57:26- 62). وهذا يعني أن لا عَلاقة بين بني هارون وسبط لاوي (خر 4: 14- 16 يقول هارون اللاّوي. هذا القول يعود إلى التقليد اليهوَهي). فما أراده الكاتب هو أن يبيّن أن الكهنة فوق اللاويّين فلا يمكن أن يكون هارون وابناؤه من بني لاوي. منذ إِصلاح يوشيا تَمّ الفصلُ بين الكهنة واللاويّين، وفي زمن عزرا نُسِب الكهنوتُ إلى عائلة هارون وصار الكهنة يُمسحون بالزّيت المقدّس (خر 28: 41 ؛ 30: 30؛ 40: 15، لا 7: 36 ؛ 10: 7)، ولم يكن الأمر كذلك فيما سبق (خر 29: 7، 29، لا 3:4؛ 16:5 ؛ 12:18).

آ 5- 10: أللاويّون ووظائفُهم
كان المشترعُ قد تحدّث عن اللاويّين ووظائفهم (1: 48- 50) وها هو يوفّق بين دوْر اللاويّين وكرامة الكهنة (آ 1- 4). نقرأ هنا ثلاثة أفعال: "قرّب (قرب في العبرانية) أي أجعلهم قربانًا أمام الرب. "ليقفوا" (عمد في العبرانية) كالخادم بين يدي الملك. ليخدموا (شرت في العبرانية) أي ليساعدوا الكهنة ويُعينوهم. من أجل هذه الوظائف أفرز موسى اللاويّين من بني إِسرائيل.
كانت خِدَم العبادة الدّنيا (قطع الحطب، جلب الماء) مؤمنةً بواسطة عبيد أغراب أو أسرى الحرب (يش 23:9-27 ؛ رج عد 31: 25-47)، سيُسمّون "نتينيم (عز 2: 43- 54، 3: 31 ؛ 7: 46- 50) أي المُعطون (راجع نتن في العبرانية أي أعطى) لخدمة المعبد، ويُسمّون أبناء عبيد سليمان (عز 2: 55- 58). كانوا يشكّلون في الهيكل كما في أوغاريت جماعةً خاصة تقف بجانب الكهنة والموسيقيّين والبوّابين (عز 7: 7). إلاّ أن حزقيال (44: 7- 16) سيثُور على عادة تشغيل غير المختونين في الهيكل ويقترح إحلال اللاويّين الآتين من معابد المناطق محل "هؤلاء العبيد"، لأنهم ضلّوا عن الربّ واتّبعوا الأصنام. ولما كان إصلاح يوشيا، أرجع الملك اللاويّين قَسْرًا الى أورشليم فاهتمّوا بخدمة بيت الله، وحصر خدمة المذبح بالكهنة. تلك كانت الحالة لمّا كُتب هذا المقطع الذي لا نجد فيه أيّ أثرٍ معاد للاويّين الذين هم مُكرَّسون للربّ (8: 16).

آ 11- 13: إختيار اللاويّين
بعد الشّرح القانوني (آ 5- 10) يأتي الشرح اللاهوتيّ الذي لا يَذكر الكهنة، بل يهتمّ باختيار الله للاويّين وبارتباط هذا الاختيار بقول الرب: "كلّ بِكْرٍ هو لي " (خر 22: 8، تث 15: 19). وهكذا نتذكّر الضربة العاشرة التي بها ضرب الله مصر (خر 11: 1ي) ونفهم المبدأ القائل: إِنّ بني لاوي هم بَدَل سائر الشّعب.
هذه الآيات تتحدّث عن تكريس اللاويّين، إنّهم كالأبكار من الناس. أمّا البِكر من الحيوان فيُذبح للربّ.

آ 14- 39: إحصاء اللاويين
بعد مقدّمة (114- 16) تورد أمر الله بإحصاء بني لاوي وتذكُر تنفيذ موسى لهذا الأمر، نقرأ سلسلة أنساب بني لاوي (آ 17- 20، خر 6: 16- 25)، ثمّ وثيقةً (آ 21 - 39) تعطينا معلومات عن كلّ من جرشون (آ 21- 26) وقهات (آ 27- 31) ومراري (آ 33- 37).

آ 40- 51: اللاويّون وفِدْية الأبكار
يعود المشترع إلى ما قاله (3: 11- 13) إنّ اللاويّين يحلّون محلّ أبكار بني إِسرائيل، ويردّد مرةً أخرى أنهم حصّة الله. ثمّ يعُدُّ أبكار بني إسرائيل، فإذا هم 273 22، أي بزيادة 273 على عدد اللاويّين. لهذا ستُدفع فدية 5 مثاقيل عن كل نفسٍ منهم.

4: 1- 20: خِدمةُ بني قهات
يذكر الكاتب بني قهات أوّلاً (عكس خر 6: 16، رج عد 3: 17) لأنّ وظيفتهم هي أرى الوظائف. الخدمة (آ 3) هي خدمة المعبد وهي تحلّ بالنسبة إلى اللاويّين محلّ الخدمة العسكريّة المفروضة على كل بني إسرائيل. هذا يدلّ على أنّ اللاويّين ليسوا كهنة، لأنّ الكهنة وحدهم يغطّون التابوت. اللاويّون يمسّون التابوت المغطّى بستارٍ يحجبه عن عيون أفراد الشعب.

آ 21- 28 خِدمة بني جرشون
كلّم الرب موسى: احصِ بني جرشون... من ابن ثلاثين فصاعداً... تلك كانت خدمة جرشون تحت يد ايتامار بن هارون الكاهن.

آ 29- 33 خِدمة بني مراري
أحصِ بني مراري... يحملون ألواح المسكن وعوارضه وعمده وقواعده... يخدمون خيمة الاجتماع تحت يد ايتامار بن هارون الكاهن.

آ 34- 49 عددُ اللاويّين العاملين في خدمة الربّ
هذا الإحصاء الثاني يرتبط بإحصاء بني إسرائيل كما في الفصل الأول. أمّا الإحصاء الأوّل (3: 15- 35) فيرجع إلى تقليد آخر.
الأرقام التي نقرأها في آ 36 (2750 رجلا) لا تتوافق مع ما قرأناه في 3: 28. نحن أمام تقليديْن مختلفيْن.
أراد الكاتب أن يحدّد تنظيم العبادة خلال مسيرة الصحراء، فجمع معلومات جديدة وضمّها إلى معلومات سابقة (قابل 4: 2 و 1: 47). أمّا سياق هذا الفصل فإحصاءٌ من نوع نعرفه (رج 1: 1- 46 ؛ 3: 14- 39)، وهو دَمْج ثلاثة احصاءات للعائلات اللاويّة الثلاث كل إحصاء يبدأ بمقدّمة (11- 3، 21- 23، 29- 31)
يُحصى بنو لاوي من ثلاثين سنةً وصاعدًا، يُحصى المؤهّلون لدخول الخدمة الدينيّة التي تحلّ محلّ الخِدمة العسكريّة.

ج- ملاحظات حول الفصل الأوّل
1- عندما نقرأ لائحة الرؤساء نفهم أن الشعب جماعة مرتّبة بحسب دَرَجات. فالرجال الاثنا عشرَ الذين اختارهم مولى ليسوا مجرّد مُفوَّضين لإحصاء الشعب، تنتهي وظيفتهم بانتهاء مهمّتهم. إنّهم يَدعوُن الشعب إلى الاجتماع، وهم رؤساء الأسباط، رؤساءُ حرب.
بعد أن أوْلاهم موسى وهارون هذا الدَّور المثلّث أخذوا يدوِّنون اسم كلّ فرد من بي إسرائيل على لوائح أنسابِ سبْطه.
2- إنّ الرقم النهائيّ لعدد الرجال (وهو 603550 رجلا)، وإن يكنْ له أساس في الواقع، إلاّ أنّه يقابِلُ لا شعب إسرائيل التاريخي بل شعب إسرائيل المثاليّ كما يحب الكاتب الكهنوتيّ أن يتصوَّره. هذا الرقم المرتفع إلى حد الخيال يدلّنا على أنّ مواعيد الله لإبراهيم قد تحقّقت بصورةِ عجيبة (تك 22: 17 ؛ أش 51: 2)، وأنّ الربّ بارك يعقوبَ الذي نزل إلى مصر بَسبعين رجلاً (تك 46: 27) فصار أبناؤه مثل هذا الشعب الكبير. بالاضافة إلى ذلك، فالعدد 603550 يمثّل جميع المعدودين في بين إسرائيل أي بالعبرانية "روش كول بني إسرائيل. " فماذا أعطيْنا لكلّ حرفٍ من هذه العبارة العبرانية قيمتَه العدديّة (مثلاً الراء= 200، الشين= 350) نصلُ إلى هذا الرّقم المذكور هنا.
3- إنّ اللاويّين يُعفَوْن من الخدمة العسكريّة على أن يقوموا بأعمالِ المسكن الماديّة: يرفعون المسكنَ، يَنصبُونه، يحملونه (1: 50- 51). يتفقّدون (فَقَدَ في العبرانيّة) المسكن ويحرسونه (شمر في العبرانية) ويُبعِدون عنه كلّ ما لا يحقّ له الاقتراب منه (زر في العبرانية. راجع في العربية الزريّ) ويسهرون على جميع أمتعتِه. دَوْرُهم دورُ الوسيطِ بين الله والشعب. يُخيِّمون حول المسكن فيمنعون بني إسرائيل من تنجيس قداسة الله فيحلّ عليهم غضب الله وعقابه فيموتون. وهم إذ يحافظون على قداسة الله يمنعون الموتَ عن الشعب. أمّا قداسة الربّ فموضعها خيمة الشهادة التي تحمل لَوْحَيْ الشّهادة، ومِن عليها يُوحي الله بكلامه إلى موسى (خ 25: 22). وهكذا نستنتج أنّ واجبات اللاويّين تَفْرض عليهم إلى جانب دورِهم في العبادة، تعليمَ الشعب وإِرشادَه (رج تث 33: 9- 10).
4- يشدّد الكاتب في الفصل الأوّل من سفر العدد على الوجهة الحربيّة لشعب الله: إنّه جيش متأهّب وهو يتوق إلى المستقبل الموعودِ به. على الشعب أن يتابعَ المسيرة حتّى يتِمَّ الوعدُ في نهاية الأزمنة.
5- بالنسبة إلى التقليد الكهنوتي، مكانُ خيمة الاجتماع يكون وسط المحلَّة (2: 17، 5: 13) للتعبير عن حضور الله القُدّوس وسط شعبه. ذاك كان تصوّر حزقيال (ف 40- 48) أيضاً الذي جعل من الهيكل المركزَ المُخصِبَ للأرض الجديدة. غير أنّ التقليد الالوهيميّ (11: 24- 30) جعل خيمةَ الاجتماع خارج المحلّة وبعيدًا عنها ليشدّد على أن الانسان لا يَقترِبُ إلى قداسة الله. ولكنّ الكاتب الكهنوتيّ يشدّد بدوره على هذه القداسة إذ يجعل بني لاوي يُخيّمون حول خيمة الاجتماع (1: 48- 53) وتَبقى سائر القبائل بعيدةً عن مركز حضور الله (2: 2).
6- يهتمّ الكاتب في أن يكونَ الكهنوت شرعيًّا أي أن يرجعَ إلى هارون وأن يرتبط بواسطة موسى بعهد سيناء (3: 1- 2). والكهنوت ينتقل بوساطة التّكريس: مَسْح بالزيت وحمل التَّقادم. والكهنوتَ يَطبُ من حامله احترامًا عميقًا لقداسة الله، وهذا يعني تقيّدًا كاملاً بوصايا الله، وإِلاّ كان عقابُ الخاطئ الموتَ وانقطاعَ ذُرّيته.
7- يؤكّد سفر العدد (3: 5- 13) على قداسة الكهنة فيبدو اللاويّون في هذه الحالة أَقربَ إلى الشعب منه إلى الكهنة: مُنعوا من الخدمة المقدّسة تحت طائلة الموت وخضعوا لهارون وأبنائه. هم يسهرون على المسكن ويقومون بالأعمال التي لا يحقّ للشعب أن يقوم بها. ولكنّ هذا الخضوعَ للكهنة ليس حطّةً ومَهَانة، بل هو نتيجة لطابعهم المقدّس، لأن الخِدَمَ الدُّنيا التي يقومون بها ليست أشغالاً شاقّة أو عِقابًا، بل خدمة الله القُدّوس الذي تكرّسوا له. هذا هو معنى كلمة "لوى" التي تدلّ على شخص أعطيَ للمعبد بموجب دَيْنٍ أو نَذْر.
8- يقوم اللاويّون بخدمة المسكن، إلاّ أنّ لمسَ الأشياءِ المقدّسة محصور بالكهنة (4: 15- 20). وهكذا تبرز قداسة الكهنة الذين ليسوا فقط رؤساء اللاويّين، لكنْ وسطاءهم وحُماتهم أمام قداسة تابوت العهد. فكما أنّ اللاويّين يحمُون الشعب من قداسة تابوت العهد، هكذا يحمي الكهنة اللاويّين من قداسة التابوت فلا يتركونهم يمسّونه أو يرونه إلاّ مغطّى بسِتر

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM