الفصَل السَابع عَشَر: فرَائضُ القَدَاسَة وَالعَدَالَة

الفصَل السَابع عَشَر
فرَائضُ القَدَاسَة وَالعَدَالَة
19 : 1 – 37

أ- مقدّمة
القاسِم المشترَك بين هذه الفرائض المتنوعّة، قداسةُ الله التي يجب أن تتجلّى في كل أعمال وظروف حياة شعبٍ تقدّس وتكرَّس لله. فإذا عمل الشعب بهذه الفرائض، استطاع أن يعيش مع الله، ويشاركه في حياته السامية.
يعتبر هذا الفصل بالنسبة إلى الكهنة بمثابة الوصايا العشْر كما نقرأها في سفر الخروج (20: 2-17)، أو التثنية (5: 6- 21). نحن أمام ثلاثين فريضة قصيرة تعطي التعليم بطريقة سلبيّة، فتمنع المؤمن من هذا العمل أو ذاك: لا تجوروا في الحكم، لا تُحابوا عظيمًا... وكما أنّ الوصايا العشْرَ كانت الشريعة الأساسيّة التي شكّلت مضمون عهد الرب مع شعبه، كذلك كانت هذه الفرائض بالنسبة إلى الشعب العائش في زمن الجلاء.
نلاحظ أنّ كل وصيّة تنتهي بالعبارة ذاتِها: أنا الرب. ونلاحظ أيضًا نِقاط الاتّصال بين هذا الفصل والوصايا العشْر، كما نلاحظ التقارب بين سفر تثنية الاشتراع وكتاباتِ الأنبياء (أشعيا، إرميا، ميخا). وهذا يعني أنّ التعليم الأساسيّ انتشر حول المعابد، لا سيّما خلال أعياد بني إسرائيل.
يبدأ هذا الفصل بمقدّمة (آ 1-2)، وينتهي بخاتمة ( آ 37)، وبين هذه وتلك، لن نجد ترتيبًا واضحًا ومنطقيًّا. إنّ المشترع قد جمع ما وصلت إليه يدُه من فرائض، فدوّنها لئلاّ تضيع، وهدَفَ من تدوينها الى مساعدة المسؤولين على تشكيل بُنْية شعب إسرائيل ، بعد الضربة التي حلّت به بسقوط أورشليم سنة 587 ق. م. لا نجد هنا أيّ تشريع خاصّ بالكهنة، بل سردًا لواجبات الشعب الدينية والاجتماعيّة بالنسبة إلى الله والقريب. وهذه الفرائض تعكُس الحالة الاقتصاديّة والقانونيّة لزمن الملكيّة في إسرائيل.

ب- تفسير الآيات الكتابيّة
(آ 19 : 1-2) المقدمة: كونوا قدّيسين لأني أنا الربَّ إلهَكم قدّوس. تلك هي العبارة التي ينطلق منها "الواعظ" ، ليعلن فرائض الله على شعبه. "تشبّهوا بالله كالابناء الأحبّاء" قال القديس بولس (اف 5: 1) مُردّدا كلام الربّ: "كونوا كاملين كما أنّ أباكم السماويّ كامل هو" (مت 48:5).
قل لجماعة بني إسرائيل كلِّهم... قل لكلّ واحد منهم، والفردُ مَعنيٌّ بالوصايا المفروضة على الجماعة، وإلاّ جعلَ نفسه خارج الجماعة.
(آ 3- 4) ثلاث وصايا: إحترام الوالدين (رج خر 20: 12 ، تث 27: 16) أمر مهمّ للحفاظ على العائلة بعد أن تصدّعت وتفكّكت بفعل الجلاء البابليّ لسكّان المدينة (مرا 4: 2-4، 5: 2-3). ويذكر المشترع الأمّ قبل الأب بسبب مسؤوليّتها الجسيمة الناجمة عن غياب الأب (ملا 2: 4-16).
حفظ يوم السبت (خر 18:20) والامتناع عن صنع آلهة مسبوكة (خر 34: 14-17) ، أمران يشدّد عليهما الكتاب المقدّس (رج 1 مل 28:12- 30).
الأوثان تترجم في العبريّة "إليليلم" وهي كلمة قريبة من "إلوهيم" (جمع إيل أي الإله) ومن إيليم (جمع إيل، اسم الله عند الساميّين) الذي هو إله السبإيّين والذي يذكر العبرانيّين بكلمة "عليل" التي تدلّ على الوهَن والضعف. وهكذا تصيح كلمة "إليليم" نعتًا للأوثان التي لا تستطيع أن تفعل شيئًا أمام الله القدير: لها آذان ولا تسع، لها عيون ولا ترى.
(آ 5-8) الاشتراك في وليمة الذبيحة: تؤكل الذبيحة يوم تُذبح وفي غده، وما بقي يُحرق (رج 7: 16-18). عندما تطول أيام العيد، تكثر مناسبات الخطيئة قربَ المعابد.
(آ 9- 10) الحَصاد والقِطاف: عندما تَحصُدون... أتركوا شيئًا منه للمسكين والغريب. كانت بعض الشعوب تترك قسمًا من الغلّة للإله الذي يُنبت الزرع ويعطيْ الثمار. أمّا يهوه الربّ فهو يعطي حصّته للمساكين.
(آ 11-16) أعمال تعتبر خطرًا على المجتمع: لا تسرقوا، لا تغدُروا، لا تكذبوا، لا تظلموا أحدًا. السرقة والغشّ يذكرهما سفر الخروج (20: 15 ؛ 21: 16، 37) والتثنية (7:24؛ 13:25)، كما نقرأ الكثير في الكتاب عن شهادة الزُور (خر 16:20؛ 23: 21، تث 16:19 ي) وعن حِرمان العامل أجرتَه (تث 24: 14 ي).
(آ 17-18) الانتقام: "لا تنتقم ولا تحقد، بل أحِبَّ قريبك مثلَما تحبّ نفسك".
هذه الوصيّة يعتبرها رابي عقيبةَ "مبدإ الشريعة الأساسي"، والقديسُ يعقوب (8:2) يعتبرها شريعةَ الشرائع والشريعةَ المَلكيّة.
والقريب لا يكون فقط ابن بلدي وطائفتي وشعي، بل كلَّ إنسان ألتقيه على دروب الحياة.
كان المعلّمون يعتبرون أنّ القريب هو اليهوديّ فقط. أمّا يسوع فقد جعل السامريّ قريبَ اليهوديّ (لو 10: 29-37) رغم العداوة القديمة التي بينهما، وأعلن القديس بولس أنّ كل الوصايا تتلخّص في هذه الوصيّة: أحِبَّ قريبك مثلمَا تحبّ نفسك (روم 19:13؛ غل 14:5).

(آ 19-22) لا مَزْجَ ولا خَلْط: كل مَزْج محرَّم (رج11: 1-8)
(آ 23-25) فترةُ قَطْف الثمار: نحن هنا أمام محرَّم (الثمرة الأولى تخصّ روح المكان) يرتبط بعالم الزراعة، غير أنّ الكاتب سيربطه بمفهوم العبادة للربّ.
الإنسان غيرُ المختون هو نجِس، ولا يقدّس إلاّ بالختان. كذلك فثمار الارض منجّسة مدّة ثلاث سنين. وفي السنة الرابعة تقدّم للرب، فتكون هذه التقدمة بمثابة ختان. وفي السنة الخامسة تصبح مقدّسة فيأكلها المؤمنون.
(آ 26-28) إكرام الموتى: منع المشترع بعض العباداتِ المشتركة بين العبرانيّين والوثنيّين.
(آ 29-31) فرائض متنوّعة: حِفظ السبت، الامتناع عن الزنى والسحر.

(آ 32-34) إحترام الأشْيب والغريب: أحِبّوا الغريب مثلما تحبّون أنفسكم، لأنّكم كنتم غرباءَ في مصر.
(آ 35-36) الصدق في المعاملات: قُفّة عادلة. وميزان عادل (رج عا 8: 5؛ اش 10: 1 ي).
(آ 37) الخاتمة: إحفظوا جميع أحكامي واعملوا بها. أنا الرب

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM