الفَصل السَادِس عَشَر: العلاقاتُ الجِنْسيَّة

الفَصل السَادِس عَشَر
العلاقاتُ الجِنْسيَّة
18 : 1 – 30

أ- مقدّمة
يشكّل هذا الفصل مجموعةً أدبيّة واحدة، وهو يحتوي على شرائع قديمة وضعت في إطار عظة يرشد بها الكاهن المؤمنين. نجد في هذا الفصل لوائح من الزمن الغابر ( آ 6 – 18 )، وشرائع متنوّعة جاءت في ما بعد (آ 19-23)، وكلّها تتطرّق الى العلاقات الجنسيّة. أوردها الكاتب وجعل لها مقدّمة (آ 1- 5)، وخاتمة (آ 24- 30)، ليحذّر المؤمنين من هذه الخطايا، ويبيّن لهم الأسباب التي تمنعهم من الخطايا الجنسيّة.
هذا الفصل هو أقرب الى سفر التثنية منه الى شريعة القداسة، وقد هدف بإعطائه هذه القواعد الدقيقة أن يؤمّن انتقال الحياة في شعب الله المختار بالبرّ والاستقامة، وأن يحافظ على نقاوة دم بني إسرائيل. سيعود سفر اللاويّين (20: 1 ي ) الى ما نقرأه في هذا الفصل الثامنَ عشر، فيحدّد الأحكام الجزائيّة التي تلحق بالمذنبين. أمّا هنا فهو يحذّر المؤمنين من ممارسة ما يمارسه المصريّون والكنعانيّون: فالمصريّ يتزوّج قريبته، والكنعانيّ يمارس الشذوذ الجنسيّ، فعلى العبرانيّ أن لا يتشبّه بهذا ولا بذاك.

ب- تفسير الآيات الكتابيّة
(آ 18: 1-5) المقدّمة: "أنا الرب إلهكم" (آ 2). هذه العبارة هي هتاف كان يطلق خلال القيام بشعائر العبادة في بني إسرائيل. عندما كانوا يجدّدون عهد سيناء، كانوا يعتقدون أنّ الله يظهر في معبده (مز 50: 2-3)، ليعلن عن نفسه ويُسمع شعبه أوامره ووصاياه (مز 50: 7-15). ولكن هذه العبارة "أنا الرب" ترِد على لسان الكاهن الذي يتكلّم باسم الله، فيوصل الى الشعب كلمة الله.
الخطايا الجنسيّة التي يوردها "الواعظ" هي التي يمارسها شعب مصر وكنعان، ولهذا يجب تجنُّبها. كان بنو إسرائيل يعتبرون أرض كنعان مهدَ الشذوذ الجنسيّ (تك 9: 20-25)، وكانوا قد عبدوا آلهة مصر عندما أقاموا هناك، فما استطاعوا أن يتخلّصوا من تأثير المصريّين عليهم في عبادتهم (حز 7:20-8). أمّا في هذا النصّ فذكر مصر يرجعنا إلى الزمن السابق للجلاء، حيث كان تأثير مصر كبيرًا على شعب يهوذا. وبعد سقوط أورشليم سيهاجر عدد من اليهود الى مصر فيأخذون بعبادة آلهتها. "تُسخطوني بعمل أيديكم، فتقرّبون البخور لآلهة آخرين في أرض مصر التي أتيتموها غرباء " (ار 44: 8)
أساس الشرائع هو أنّ الرب إلهُ بني إسرائيل، وبنو إسرائيل شعبُه. أنا هو الربّ: هذه العبارة هي أساس شريعة القداسة. فالرب إله بني إسرائيل، هو الرب القدوَّس وهو الإله الواحد الحقيقيّ المميّز عن سائر الآلهة والمفصول عنهم. ولهذا على بني إسرائيل أن يكونوا مقدّسين، فينفصلوا عن سائر الأمم. كل هذه الفرائض التي تهدف الى نقل بني إسرائيل من العالم الوثني، هي دينيّة قبل أن تكون أخلاقيّة. وهذا يعني أنّ الشعب يعمل، لا بوحي أخلاقيّ فحسب، بل بوحي إرادة الله المخلّص الذي يطلب من شعبه أن يعمل بوصاياه .
إذًا، هناك فصل تامّ بين شرائع بني إسرائيل وشرائع بني مصر وكنعان. من حفظ وصايا الربّ كانت له الحياة والسعادة والنجاح والخير (حز 20: 11، 13، 21).
(آ 6-18) الخطايا الجنسيّة داخل العائلة: زِيدت آ 6 لتربط المقدّمة بهذا القسم الذي هو قديم جدًا، والذي يمكن أن يرجع الى أوّل حياة بني إسرائيل في كنعان، يوم بدأوا يأخذون بحياة الحضارة، دون أن يتخلّوا كليًّا عن حياة البداوة. يذكر المشرع العائلة بمعناها الواسع (أي أكثر من الأب والأم والأولاد) فيضمّنها الأَعْمام والأخوال، ويورد الفرائض التي تنظّم العلاقات في هذه "الجماعة الواسعة" مانعًا أيّ اختلاط مشوّش بين أفرادها، ليحافظ على السلام والوفاق بين أناس عديدين يعيشون معًا.
"لا تكشف عورة أمّك" (آ 7). هذه تورية تدلّ على العلاقات الجنسيّة.
لقد عرفت الشعوب القديمة الزنى مع ذوي القُربى ، وسنَّت السُنَن في هذا المجال.
أمّا شريعة القداسة فقد رتّبت هذه السنن حول فكرة واحدة وهي أنّ اللحم لا يخصب نفسه. إنّ قريبي هو من لحمي ودمي وعظامي (تك 23:2 ي؛ قض 9: 2) فلا يحقّ لي أن أمارس معه علائق جنسيّة.
كل هذه الفرائض التي نقرأها في هذا الفصل ستشكّل ما تسميّه الديانة المسيحيّة نَواة "موانع الزواج".
(آ 19-23) أمورٌ شاذّة أخرى في العلائق الجنسيّة: بعد الفرائض المتعلّقة بالأسرة، سيذكر المشترع كلّ ما هو لا أخلاقيّ في عالم الجنس: سيمنع كلّ لُواط وسُحاق، أي علاقةَ الرجل بالرجل والمرأة بالمرأة، ويمنع كلَ حيوَنة، أي العلاقة الجنسيّة بين الإنسان والحيوان.
"لا تُعطِ من نسلك لمولك" (آ 21). عندما يرِد اسم "مولك" يذكّر العبرانيَّ بكلمتين: الملك والعار. ويذكّره أيضا بملكوم إلهِ العمونيّين (1 مل 11: 5؛ 2 مل 23: 13) ومليك أحدِ آلهة بلاد الرافدَين. أمّا كلمة "ملك" في قرطاجة، فهي ذبيحة ولد تقدّم للاله.
كانت هناك عادةٌ وثنيّة يدخلُها أكثرُ من السحر: يجيز المرء ابنه عبرَ النار إلى عالم الموتى، وينتظرون من هذه "الذبيحة" أن تعيد القوة الى الأمّة، والخلاص الى الأرض المهدّدة. هذا ما فعله مثلاً الملك آحاز (2 مل 16: 3؛ 23: 10). ولكنّ الرب هو إلى الحياة، لا إلهُ الموت، وهو لا يقبل أن تُنسَب قدرته الى الأموات (ار 32: 35). في ما بعد سيفسّر المعلّمون هذه الشعائر الدينيّة، وكأنّها ذبيحة لإله وثنيّ (20: 5 ؛ رج حز 21:16).
(آ 24- 30) خاتمة العِظة: لا تتنجّسوا بشيء... إحفظوا ما أمرتكم به... أنا الربّ إلهكم

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM