الفصَل الخامِس عَشَر: دَمُ الذّبَائح وَكُلُّ دَم

الفصَل الخامِس عَشَر
دَمُ الذّبَائح وَكُلُّ دَم
17 : 1 – 16

أ- مقدّمة
يبيّن هذا الفصل بوضوح كيف تكوّنت شريعة القداسة: لقد أعاد الكهنةُ الشرائع القديمة، وكتبوها بطريقة تتكيّف والظروفَ الجديدة. أمّا الهدف الرئيسيّ من كتابة شريعة القداسة فهو تحذير بني إسرائيل من العبادات الوثنيّة (آ 7). أمّا المقطع الخاصّ بتعليم الشعب كيف يتصرّفون، فهو تفسير (آ 5) جديد لفريضةٍ قديمة تبدو بشكل فَتْوى (آ 3-4)، فريضةٍ تطوّرت فوجدنا في تطوّرها مرحلتين. في المرحلة الأولى (آ 4) نرى العلاقة بين هذه الفريضة والدم المحرَّم، ونفهم أنّ الفريضة هي تحذير المؤمنين، فلا يستعملون دم أيّ حيوان، سَواءٌ أكان للذبيحة أم للطعام، وهي تأكيد على أنّ الدم يعود الى الرب، لأنّه مُلْك الرب (1 صم 14: 32-33). نحن هنا في زمن لم يكن الشعبُ فيه يميّز بين نَحْر الحيوان للذبيحة، ونَحر الحيوان للطعام اليوميّ (تث 12: 15-16). وبما أنّ المعبد قريب، وكلّ قبيلة لها معبدها تجتمع حوله، فكلّ إنسان يستطيع أن يذهب الى هذا المعبد، وعلى مذبحه ينحَر حيوانه ليأكله.
في المرحلة الثانية نرى أنّ الأمور قد تبدّلت: زالت المعابد المتعدّدة والمتوزعة في أرجاء أرض كنعان، ولم يبقَ إلاّ معبد واحد، معبدُ أورشليم. ورجع بنا الكاتب الى إطار سيناء، حيث كان للشعب معبدٌ واحد تُذبح فيه الذبائح، هو خيمةُ الاجتماع (آ 4) بحسب التقليد الكهنوتيّ. وهكذا فما كان يُصنع في خيمة الاجتماع، زمنَ موسى، يجب أن يُصنع في معبد أورشليم بعد الرجوع من الجلاء، وبعد أن هُدمت كلّ معابد البلاد، فلم يبقَ لله إلاّ معبدٌ واحد علامة شعبه الواحد.

ب- تفسير الآيات الكتابيّة
(آ 17: 1-9) الذبائح والضحايا: إنّ شريعة الذباب والضحايا تشبه سائر الشرائع التي ذكرناها (خر 20: 22 ي؛ رج تث 12: 1 ي ). إنّها تفرضه نمَطًا خاصًّا لذبح الحيوانات، وتعتبر أنّ إله بني إسرائيل يعيش داخل المخيّم بينما تبقى البريّة موطنَ الشياطين (راجع ما قلناه عن عزازيل في الفصل السابق). وبما أنّ الحياة في الدم (آ 11)، وبما أنّ الله سيّد الحياة، فنَحر كلّ حيوان يعتبر عملاً طقسيًّا شبيهًا بالذبيحة المقدّمة للرب. فمن نحرَه خارجَ المحلّة يكون وكأنه يقدّم هذا الدم لغير الله.
إنطلق سفر اللاويّين في تشريعه من جوّ الحياة في بريّة سيناء، فلم يجد من صعوبة في فرض شريعة تجعل كل الحيوانات تُذبَح في مركز واحد، في معبد الربِّ الواحد. أمّا سفر التثنية فينطلق من واقعٍ آخرَ يفترض أنّ بني إسرائيل مشتَّتين في طول أرض كنعان وعرضها. ولهذا نراه يميّز بين ما يقدّمه الإنسان من ذبائح لله، وما يَنحَرُه من حيوان ليكون طعامًا له (تث 12 : 13- 15).
أمّا نتائج هذا التشريع فتتلخّص كما يلي: أولاً: لا تأكلوا دمًا. من يأكل الدم يتعدَّ على الله، لأنه يأخذ منه شيئًا يخصّه دون سواه. ثانيًا: لا يُراق دم الحيوان إلاّ بطريقة دينيّة، لأنّ إراقة أيّ دم هي بمثابة ذبيحة تقدّم للرب. ثالثًا: لا يراق الدم في أيّ مكان، بل قرب المعبد. أمّا الحيوان الذي نقتله صيدًا فنريق دمه على الأرض، بحسب المراسيم الطقسيّة، ثم نطمر هذا الدم بالتراب.
"لا يذبحوا ذبائحهم للآلهة التيوس ويخونوا الرب" (آ 7). نجد تحذيرًا من عبادة آلهة كانت تصوّر بشكل تيس، وكانوا يعتبرونها تؤمُّ البراري والخرائب (اش 13: 21 ؛ 34: 12-14). والخيانة تعبّر عنها في العبرانيّة كلمةُ "زنا". فكما أنّ الزانية تترك زوجها لتلحق برجل آخر، هكذا يخون شعب الله ربَّه، فيلتحق بآلهة آخرين يعبدها ويقدّم لها الذبائح (هو 2: 4 ي). كان الكنعانيّون يمارسون البَغاء المقدّس قرب معابدهم، فيمثّلون بعملهم مجيء الخِصب والحياة إلى الأرض. فانطلق الكاتب المُلْهم من هذه العبادة ليسمّي عبادة آلهة بني كنعان زنًى بالنسبة إلى الربّ الإله.
"أيّ رجل من بني إسرائيل أو الغرباء" (آ 8). لا تطبّق هذه الشريعة على بني إسرائيل وحسْب، بل على الغرباء النازلين وسْطَ شعب الله. كل من يخالف شريعة الذبائح يكون مصيره الموت.
(آ 10-16) تحريم أكل الدم: نجد في هذا المقطع التفسير اللاهوتيّ للشريعة التي تحرّم أكل الدم: نفسُ كلّ جسد هي في دمه، والمحافظة على حياة الإنسان والحيوان تعني المحافظةَ على دمه. وإذا كان الله سمح بعد الطوفان بقتل الحيوان ليكون طعامًا للإنسان (تك 9: 3)، فهذا فضلٌ من الله، وعلى الإنسان أن يبادل الله فضلَه فيتقيّد بالوصايا التي فرضها عليه.
ويُطرح السؤال (آ 13): ما العملُ أمام صيد من الوحش أو الطير؟ الجواب: لا تأكلوا دم أيّ جسد، لأنّ نفس كل جسد هي في دمه. إذًا، يسفك دم الحيوان قبل أن يؤكل لحمه

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM