الفصلُ الثاني: تَقْدمَةُ الحنْطَة

الفصلُ الثاني
تَقْدمَةُ الحنْطَة
2 : 1 – 16

أ- مقدِّمة
يتطرّق الكاتب في هذا الفصل إلى تقدمة الحنطة كذبيحة؛ ولكنّه سيجعل التقدمة ترافق المُحرقة (رج عد 15: 1-13). إنّ مراسيم هذه التقدمة قديمةُ العهد، لأنّها تمثّل ما كان يصنع في الولائم العاديّة (تك 18: 6-8؛ قض 6: 9-12). نجد هنا الرباطَ بين عالَم البدو وعالم الزراعة. الأوّلون يقدّمون مواشيهم، والآخَرون محاصيلَ أرضهم. وكلّ تقدمة تكرّم الرب. لهذا جمع المشترعِ تقدمة الحنطة إلى ذبيحة البقر أو الضَأن. هكذا هو عيد الفصح: عيد بدويّ، يُذبح فيه الحمَل، وعيد زراعيّ يؤكل فيه الفطير. جمع المشترع العيدين في عيد واحد فقدّس عالمَ البدو وعالم الحضر ، ووحّدهما في عبادة الله الواحد.
يدلّ هذا الفصل كيف كان الكهنة يَعرضون على الشعب الشرائع والأحكام (رج تث 33: 10). يبدأون بالقاعدة العامّة (آ 1-3)، ثم يتوسّعون في درس الحالات المستجدّة التي لا تتضمّنها القاعدة العامّة (آ 4- 10، 14-16)، ويذكرون خلال الحديث محرقاتٍ قديمةً أخذ الناس يُهملونها (آ 11-13)، لأنّه يجب إلاّ يضيع شيء من تقاليدَ ترتبط بموسى وجبلِ سيناء. لا شكّ في أنّ تعليم الكهنة هذا كان شفهيًّا قبل أن يُدوَّن، وقد نسب إلى موسى الذي هو أساس التشريع في بني إسرائيل، ليكون قوّةً يتمسّك بها الشعب العائش في حالة الانهيار، بعد أن ضاع كلّ شيء.

ب- تفسير الآيات الكتابيّة
(آ 1-3) القاعدة العامّة: التقدمة (منحة في العبرانيّة) هي هِبَة الإنسان لرئيسه. في ما بعدُ ستَعني تقدمة الحنطة بالمعنى الحصريّ.
لا يحرق الكاهن التقدمةَ كلَّها، بل عِيْنةً منها ترمز الى التقدمة كلِّها. وما تبقّى من التقدمة يأكله الكهنة.
(آ 4-10) تقدمة الدقيق المخبوز: السؤال المطروح: هل يُسمح بتقدمة الدقيق المخبوز؟ الجواب: نعم. يقدِّم منه الكاهن عِيْنة، وما بقي يكون له ولعياله. هذه العِينة تكفي لأن يتذكّر الرب مقدِّم التقدمة.
كان الكهنة يميّزون في التقادم بين ما هو مقدَّس (قدش) وما هو مقدَّس كلَّ التقديس (قدش قدشيم أي قدس الأقداس). قدّس الشيء: جعله بعيدًات الاستعمال اليوميّ العاديّ. وبما أنّ تقدمة الدقيق هي مقدّسة كلَّ التقديس، فلا يأكلها إلاّ هارون وأبناؤه ممثِّلو الله القدّوس في المكان المقدّس.
الخَبزُ على الصاج عادةُ البدو الرُحَّل. أمّا القَلي بالزيت فعادةُ الفلاّحين، وقد عرفها بنو إسرائيل في مصر.
(آ 11-13) أحكام متفرّقة عن المحرقات: لا خميرَ في العجين، فالخمير محرّم لأنّ فيه الحياة. وهو لا يُحرَق (كالعسل) مثلَ دم الحيوان الذي يسيل على الأرض (17: 11). إن منع المشترع الخبزَ الخمير فلكي ينبّه المؤمنين الى ارتباط هذه الذبيحة بعيد الفصح، أقدمِ أعياد بني إسرائيل، وليحذّرهم أيضًا من مشاركة الكنعانيّين في طقوسهم، وكانوا يقدّمون لآلهتهم خبزًا فيه خميرٌ (عا 4: 5).
تقرّبون البواكير... إنّ أوّل السلسلة يحتوي السلسلةَ كلّها. وهكذا عندما نقرّب البواكير فكأنّنا قدّمنا كلّ شيء، والربّ يتقبّل البواكير وما ترمز إليه، فيُنْمي القطيرَ كلّه: يأخذ بواكيره ويترك الباقيَ لاستعمال البشر.
أهمّية الملح. للملح فوائدُ عديدة فهو يعطي الأكلَ طعمَه، ويمنع الفساد عن الأجساد. ثم إنّ له دورًا في حياة البدو (بيننا وبينكم خبز وملح) فيدلّ على وليمة الصداقة والعهد (عد 18: 19) بين الضيف ومُضيفه. في هذا الإطار يبدو الملح رمزًا إلى العهد بين الله وشعبِه. الله أمين وعلى الشعب أن يتشبّه بربّه.
(آ 14-16) تقدمة بواكير الغلّة (خر 23: 16؛ 34: 22): تدخل هذه التقدمة في إطار الذبائح، لأنها "تذكار" كسائر التقدمات (رج آ 2، 9).
كان المؤمنون يحملون الى المعبد أُولى غلالهم، فيعتبرونها بواكيرَ وتقدمات (17:23-20).
لا شكّ في أنّ هذه التقدمة ترجع في أصلها الى الطقوس الكنعانيّة، فأخذ العبرانيّون بها ونظّموا الاحتفالَ الذي سيأكل الناس فيه غلّة السنة الجديدة (23: 12-14).

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM