الفصلُ الأول: المُحْرَقة

الفصلُ الأول
المُحْرَقة
1 : 1 – 17

أ- المقدّمة
تسمّى هذه الذبيحةُ محرقةً لأنّها تُحرقُ كلُّها في النار على المذبح. لا يؤكل منها شيء، ولا يكون للكاهن المحتفل إلاّ جلدُها (7: 8). أمّا كلمةُ "علة" العبريّة فهي تدلّ على أنّها تُرع على المذبح، أو أنّ دخانها يرتفع وَقيدةً ترضي رائحتُها الرب.
في آ 3-9 نجد التفاصيل الرئيسيّة: إذا كانت الضحيّة من البقر. ثم نجد التفاصيل ذاتَها إذا كانت الضحية من الضأن. أمّا في آ 14-17 فنجد طقوسًا خاصّة بذبيحة الطير.

ب- تفسير الآيات الكتابيّة
(آ 1-2) الأحكام العامّة: تشكّل هاتان الآيتان قسمًا من البُنية الإخباريّة بحسب التقليد الكهنوتيّ.
يَذكُر خيمةَ الاجتماع (في العبرانية "أهل موعد" أو خيمة الموعد) حيث كان الربّ يجتمع بشعبه بناءً على موعد سابق (رج خر 22:25؛ 42:29)، ويلتقي موسى ليرُدّ على أسئلة أفراد الشعب الملتمسين جوابًا من الرب، بحسب ظروف حياتهم الخاصّة (خر 33: 7-12).
قرّب قربانًا: كلمة "قربان" كلمة خاصّة بالأسلوب الكهنوتيّ (رج خر 28:20؛ 43:40) نقرأها في سفرَي اللاويّين والعدد، وهي تدلّ على كلّ ما نقدّمه لله.
تؤخذ الذبيحة من الحيوانات الطاهرة التي تؤكل (22: 18-20).
(آ 3-9) محرقة البقر (رج خر 29: 10-18): تدخل المحرقة مع القربان كالدقيق (2: 1) والبواكير (2: 12) وقطعة الفضة (عد 7: 13).
تكون الذبيحة ذكرًا، لا أنثى (رج 6: 14). يكون الحيوان صحيحًا سليمًا لا عيب فيه (17:22؛ ملا 1 :6-14).
يضع المؤمن يده على رأس الذبيحة فيعلن أنّ الذبيحة ذبيحتُه، وأنّها تقدّم باسمه، وأنّ ثمارها تعود إليه.
التكفير: إنّ قيمة الذبيحة التكفيريّة (خر 45: 15-17) ترتبط برَشَاش الدم. كان الأشوريّون والبابليّون يعتبرون أنّهم بطقوس التطهير يحصلون على شفاء المريض وعودته الى الحياة. لذلك أخذ هذا الطقسُ معنًى دينيًّا عندهم، قبل أن ينتقل الى العبرانيّين. إلاّ أنّ هؤلاء ربطوه بكلمة "كفر" التي تعني ستر وغطى. إنّ الطقوس تستُر الخطايا فلا يعود الله يراها (تث 21: 8؛ خر 30: 15 ي)، ويعفو عنها (راجم في العربيّة كفر الذنب أي محاه).
التقدمة هي هديّة تجعل قابلَها ينسى الإساءة (تك 32: 31).
في البداية كان مقدّم الضحيّة يَنحَرها بيده. ولكن الكهنة واللاويّين سيستأثرون بهذا الدور في ما بعدُ، فيكتفي المؤمن بوضع يده على رأس الضحيّة. وبما أنّ الدم هو رمز الحياة (17: 4؛ تث 12: 32) فلا يحقّ لأحد أن يرشّه إلاّ الذي أختاره الربّ سيّدُ الحياة.
يذكر النصّ تارةً الكهنةَ أبناءَ هارون (آ 5، 8، 11) بصيغة الجمع، وطورًا الكاهنَ بصيغة المفرد (آ 9، 12، 13، 15). هذه الصيغة ترجع إلى ما قبلَ الجلاء؟ أمّا تلك فإلى ما بعدَ الجلاء يوم تنظّم الكهنة بشكل تسلسليّ.
تُهَيّأ الضحية كما في الوليمة وتُحرق كلُّها.
(آ 10-13) محرقة الضَأْن أو المَعْز: مراسيم هذه المحرقة تشبه مراسيم محرقة البقر، إلاّ أنّنا لا نجد ذِكْرًا لوضع اليد على رأس الذبيحة، ولا لقيمة الذبيحة التكفيريّة.
شِمال المذبح. للشِمال معنَيان في العهد القديم. هو المكان الذي يأتي منه الدَمار والموت (رج ار 1: 14؛ 4: 6؛ خر 9: 2)؛ وهو مكانُ سُكنَى الله ومنه سيأتي (مز 48: 2، حز 1: 4). في هذا النصّ نحن أمام المعنى الثاني. إنّ كلمة "صفون" (اي الشِمَال) ترتبط بمعنى دينيّ لا بمكان جغرافيّ عند العبرانيين. أمّا عند الكنعانيّين، فعرشُ بَعل إلهِهم هو في جبل الشمال (اش 14: 13)
(آ 14-17) محرقة الطير: هذه الآيات زيدت في ما بعد، ومقدّمة الفصل (1: 2) لا تذكر إلاّ البقرَ والضأن.
هذه المحرقة هي خاصّة بالفقراء والمعوزين (7:5؛ 8:12).
تختلف هذه المحرقة عن سابقتيها في أنّ الكاهن هو من يقدّم المحرقة، وهذا ما يدلّ على أما بعد الجلاء، يوم أخذ دورُ الكهنة ينمو على حساب دور أبناء الشعب من غير الكهنة.

ج- المعاني التي نستنتجها من الفصل الأول
نجد في هذا الفصل الكثيرَ من معاني الذبيحة وأهدافها.
أولاً: الذبيحة هي قربانٍ نقدّمه الى الرب كهديّة المرؤوس الى رئيسه والإنسان الى خالقه. لم يكن معقولاً في الشرق أن يقترب الإنسانُ من رئيسه دون هديّة في يده، ليجد استقبالاً لديه. وهكذا هو الأمرُ بالنسبة إلى الله. ولكن في الأحكام القديمة (تث 17:16) لم يكن هدفُ مقدِّمِ الذبيحة أن يحصل على رضى الله، بل أن يعترف شاكرًا ببركة الله له،ْ ولهذا كان يعطي قدْرَ ما تسمح له يده (7:5؛ 18:12). وكلمة قربان تدلّ في سفر اللاويّين على كل أنواع الذبائح.
ثانيا: يضع مقدِّم الذبيحة يده على رأس الضحيّة. بهذه الحركة يجعل الحيوانَ ممثِّلاً إيّاه في تقدمة ذاته للرب، أو هو يُحلِّه محلَّه ليحتمل القصاص عنه. هناك طقوس بابليّة تلجأ الى هذه الوسيلة لشفاء إنسان من مرضه. وفي أرض إسرائيل كان الشهود يضعون أيديَهم على رأس من فعل السوء، لينقلوا إليه مسؤوليّة الذنب الذي شهدوا به (14:24 ؛ دا 34:13).
ثالثًا: يقبل الربّ الحيوان كتكفير عن خطايا مقدِّمه. يرشّ الكاهن الدم على المذبح، فيُلغي الرب نتائج الخطيئة أو النجاسة، هذا إذا كان من تمييز بين الاثنين (14: 7؛ 16: 15-20). كان الأقدَمون يقولون بقوّة سحرية في الدم؛ أمّا بنو إسرائيل فجعلوا قوة التكفير في الله، والدم لا يستطيع التكفير إن لم يُرَشّ على المذبح. كان التكفير يتمّ في ذبيحة الخطيئة، ولكنّ سفر اللاويّين يعتبر كلّ ذبيحة للتكفير، ولو كانت تقدمةً من الدقيق (5: 11-13؛ 17: 11)
رابعًا: إذا كانت غاية الدم في الذبيحة للتكفير، فأجزاء الضحيّة التي تحرق ترضي الله، فتبعد غضبَه، وتعيد العلاقاتِ الطيبةَ بين الله ومقدِّم الذبيحة. ذاك هو معنى العبارة "وَقيدة" ترضي رائحتها الربّ. هذا يعني أصلاً أنّ الله يتنشق دخانَ المحرقة العطِر، فينظر نِظرة رِضى الى الذي قرّبها (تك 8: 21؛ أم 26: 19). لا شكّ في أنّ سفر اللاويّين يحتفظ بتعبير طقسيّ قديم، ولكنّ المضمون الحاليّ هو أنّ الذبيحة قد جَدّدت وثبَّتت رباطَ المؤمن بربّه (سي 35: 1- 11).
خامسًا: إعتبروا الذبائح طعامًا للآلهة (دا 14: 6-9) في عالم الشرق، فقدّموا لها الحيواناتِ الداجنةَ وغلالَ الأرض والزيت والخمرة. ويسمّي سفر اللاويّين (6:21-8؛ 25:22) الذبيحة "طعامَ الآلهة"، إلاّ أنّه لا يُعقَل أن تكون نصوصُ سفر اللاويّين يومَ جُمعت ، قد احتفظت بهذا المعنى القديم. لا شكّ في أنّ التقدمة صارت تَعني ما يستطيع الإنسان أن يُعطيه لربّه لأنّه يَخصّه.
سادسًا: نقرأ كلمة " اشة " في العبريّة، وهي تدلّ على رجوع علاقات الصداقة مع الله. إلاّ أنّ الكلمة ارتبطت بـ " اش " أي النار، فتُرجمت "وَقيدة". فقالوا: تحترق الوَقيدة فتُرضي رائحتها الربّ

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM