القسم الأوّل: الذّبائِحُ وَطقوُسُهَا

القسم الأوّل
الذّبائِحُ وَطقوُسُهَا
1 : 1 – 7 : 38

ونذكّر بأقسام الكتاب كما أوردناها في ما سبق:
القسم الأوّل : الذبائح
القسم الثاني : الكهنة
القسم الثالث : الطهارة
القسم الرابع : قانون القداسة

يشكّل القسم الأول مجموعةً أُدخلت في سِياق الخبر. وقد بدا هذا القسم في جُزئين مستقلّين. الجزء الأوّل (1: 1-7:6) يتوجّه الى بني إسرائيل (1: 2؛ 2: 4) فيعطيهم التعليماتِ بشأن أنواع الذبائح الفرديّة. نحن هنا أمام كتاب طقسيّ يستعمله أفراد الشعب فيتعلّمون الطريقة الصحيحة لحمل تقدمتهم إلى المعبد. بالإضافة الى ذلك نجدُ في هذا الجزء الأوّل كثيرًا من التعليمات المتعلّقة بدَور الكهنة في الاحتفالات، أي الطقوسِ الواجب اتّباعُها عندما يقدّم أحد من الناس ذبيحة. إنّ لائحة الذبائح التي نجدها هنا، كانت معروفة في بلاد كنعان، وقد تحدّثت عنها نصوصُ أوغاريت، على شاطىء سوريا الشماليّ. أمّا الجزءُ الثاني (6: 8-7: 38) فهو يكمّل الجزء الأوّل ويتوجّه بطريقة خاصّة الى الكهنة. كُتب بعد الجزء الأوّل، وهو يحتوي عددًا من الأَحكام المتنوّعة، كتلك التي اكتشفت في المستعمرات الفينيقية كقرطاجةَ ومرسيليا في القرن الثاني ق. م.
إنّ العديد من هذه الشعائر الطقسيّة قديم العهد؛ والتَرْدادُ والتضارب اللذان نجدهما فيه يدلان على أصولها المتنوّعة. ما نقرأه هنا هو ممُارسات عددٍ من المعابد القديمة في بني إسرائيل جمعت كلّها في مجموعة واحدة، وفي زمن متأخّر بعد أن تطورّت عبرَ الأجيال المتلاحقة. وهذا التطورّ كان نتيجةَ تعليم الكهنة للشعب وممارستهم للطقوس. كان أفرادُ الشعب يأتون الى المعابد فيبيّن لهم الكهنةُ شعائرَ العبادة ومضمونَ الذبيحة: يوردون لهم القاعدة العامّة ، ثم يطبّقون ممارسة الشريعة بحسب الحالات التي تعرض لهم. وهكذا نكتشفه في هذه الفصول السبعة الأولى من سفر اللاوّيين نوعين أدبيّين تناقلتهما الشفاهُ قبل أن تدوّنهما يدُ الكاتب. هناك الوصايا الأساسيّةُ القديمة التي يفرض العمل بها بصورة مُطْلقة فلا تستثني أحدًا. وهناك أحكام تفسّر الوصايا الأساسيّة وتتوسعّ فيها، فتجيب الى تساؤلات الشعب. إن كان قربانَه... فعليه أن يفعل..
ولكنّ هذه الموادَّ المتفرّقة تكوّن مجموعة، بعد أن ضمّ الكهنةُ قوانينها المتنوّعة ونظّموها في وحدة ليتورجيّة ولاهوتيّة. قدّموا لنا أولاً رسمًا أو نموذجًا للذبيحة، ثم جعلوا الطقوس المتنوّعة داخلَ بُنْية مشتركة، فسادت السِماتُ المميّزة، وكأنّها وجوه مختلفة لنموذَج عامّ. هذا من جهة، ومن جهة ثانية انطلقوا من أشكال الطقوس المختلفة، وأهدافِها ومضامينها المتعدّدة، فجعلوا لها المضمونَ الواحد والوظيفة الواحدة: إنّها كلَّها تقدمةٌ لله تكفيرًا عن الخطايا. بعد هذا نفهم أنّ الذبيحة هي قضيّة الكهنة، وهم يحدّدون طقوسها، وهي تعود إليهم لأنّهم يمثّلون الله. ونفهم أيضًا إمكانيّة استبدال التقدمة بكميّة المال يدفعها العابد الى الكهنة، بعد أن عَمَّ استعمالُ المال طبقاتِ الشعب المختلفة.
أين جُمعت هذه الشرائع؟ ومتى وكيف جُمعت؟ جُمعت في أورشليم بعد احتلال المدينة ونهبها سنة 587 ق. م. بعد إصلاح يوشيّا (2 مل 23: 8) صارت أورشليم المعبدَ الوحيد للرب ، وإن بقيت بعضُ الممارسات الدينيّة في سائر المعابد؟ ولكنّ كهنتها، أبناءَ صادوق، منعوا الكهنة الآتين من الخارج (2 مل 23: 4؛ خر 12-14) أن يمارسوا فيها العملَ الكهنوتيّ. ولكن بعد الخراب الذي حلّ بها نتيجةَ الغزو البابليّ (26: 27-39)، أُجلي الكهنةُ الى بابلَ مع عظماء المملكة وصنّاعها. حينئذ جاء كهنة سائر المعابد، وكان قد دعاهم سفرُ التثنية (18: 6-8) الى أورشليم ، فحملوا معهم عاداتِهم وممارساتِهم الدينيّة. قابلوها بعضها ببعض، ثم وحّدوها في نموذج دينيّ واحد، فحفظوها من الضَياع عندما رأوا انهيار الوطن. رتّبوا هذه الممارسات ونظّموها كشِرْعةٍ تُنير الشعب في إعادة بناء الأمّة في المستقبل. إنطلقوا من الحاضر المؤلم، ورجَعوا إلى الماضي السعيد ليكونا على مثال شعب الله الجديد والبقيّة الباقية من الناجين. نظروا الى الخراب الذي حلَّ بالمدينة، فرأوا فيه عقاب الله لخطايا بني إسرائيل، وقَصاصًا لهم لأنّهم أهملوا عبادة الربّ. فإذا أرادوا أن يُرضوا الربّ فليرجِعوا الى عبادته التي هي وسيلة الاتّصال به ورباطُ الاتّحاد به. ومن أجل كلّ هذا حدّدوا إطار العبادة وشروطَ ممارستها.
وهنا تلتقي نِظرةُ الكهنة نظرةَ الأنبياء الذين رأوا في خراب أورشليم عقابًا للشعب الذي أهمل حفظ وصايا الله. وحالة الخطيئة هذه قادت الكهنةَ لكي يجعلوا اهتمامهم الرئيسيّ بالخطيئة وبطرق التكفير عنها. إنّ الذبيحة هي أعظمُ وسيلة تُلغي نتائج الخطيئة وتعيد العلاقاتِ الصحيحةَ الله إلى سابق عهدها.
نلاحظ أخيرًا أنّ الحديث عن خيمة الاجتماع، يربط الحاضرَ بزمن الحياة في البريّة، ولكنّه لا يجعلها شبيهةً بالهيكل الأوّل على مثال ما فعلَ سفرُ الخروج (ف 35-38). وإنّ جسم الكهنة الذي يخدم في الهيكل الثاني مكوّن من الذين حصروا الكهنوت بسلالة صادوق، والذين هم من نسل هارون، وقد حلّوا في أورشليم زمنَ الجلاء. وهكذا عمِل سفر اللاويّين على توحيد الكهنة كلِّهم حولَ معبد أورشليم الذي اختاره الربّ دون سواه وليُحلّ فيه اسمَه

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM