إنجيل يوحنا: كتاب الآيات : يوحنا والإنجيل الرابع

      يوحنا والإنجيل الرابع
21: 24

هذا هو التلميذ الشاهد بهذه الأمور، وهو الذي كتبها، ونحن نعلم أن شهادته حق هي.
لا يسمّي الإنجيل الرابع اسم كاتبه، وهو بهذا يشبه الأناجيل الثلاثة الباقية. بيد أن خاتمة الكتاب تعود عوداً صريحاً إلى شخصية "تلميذ" محدّد: ذاك الذي دلّ عليه النصّ مراراً: والتلميذ الذي كان يسوع يحبّه" (21: 7، 20). ذاك الذي استند إلى صدر يسوع وقال له: رب، من هو الذي يسلمك (13: 25). ذاك الذي قال عنه الرب لبطرس: "إن شئت أن يثبت إلى أن أجيء.      فماذا لك؟ انت اتبعني". فشاع بين الاخوة  أن   ذلك التلميذ   لا  يموت (21: 23). وحين "نُشر" الأنجيل، تبيّن أن تفسير كلمة يسوع كان خاطئاً. لهذا جاء التحديد: "لم يقل يسوع لبطرس إن ذاك التلميذ لا يموت" (21: 23). وهكذا يكون من المعقول أنه، حين ظهر الإنجيل الرابع، كان التلميذ الذي كان يسوع يحبّه قد مات بعد حياة طويلة جداً. وإليه نسبوا ابوّة الإنجيل الرابع: "فهذا هو التلميذ الشاهد بهذه الأمور، وهو الذي كتبها. ونحن نعلم أن شهادته حق هي" (21: 24).
من هو هذا "التلميذ"؟ منذ الربع الأخير من المَرن الثاني، قال التقليد كلمته: إنه يوحنا. وأوضحُ شهادة هي شهادة القديس إيريناوس في نهاية القرن الثاني. هو لا يشكّ بأن هذا الشخص هو الرسول يوحنا بن زبدى، وأحد الاثني عشر. ويؤكّد أن كنيسة أفسس التي أسّسها بولس، قد أقام فيها يوحنا حتى أيام ترايانس، الامبراطور الروماني، فكان شاهداً حقيقياً لتقليد الرسل. وفي رسالته إلى البابا فكتور ساعة الجدال حول عيد الفصح، أعلن أنه يستند في كلامه إلى أقوال الرسل ومنهم يوحنا تلميذ الرب.
وتحدّت بوليكراتيس الأفسسي في الحقبة عينها عن "أنوار عظيمة انطفأت في آسية (أي: تركيا الحالية): فيلبس وهو أحد الاثني عشر رسولاً، ويوحنا الذي استند إلى صدر الرب ورقد في أفسس". وشهد اكلمنضوس الاسكندراني (+ 215) على مجيء "الرسول يوحنا" إلى أفسس. فيوحنا بن زبدى هذا، قد ألحّ عليه أصدقاؤه، فكتب بالهام من الروح "الإنجيل الروحاني".
وينسب قانون موراتوري (180- 200، يرتبط بهيبوليتس) تأليف الإنجيل الرابع إلى "يوحنا، أحد التلاميذ". شجّعه التلاميذ الآخرون والأساقفة، لأنه شاهدٌ عاينَ وسمع كل المعجزات التي أتمّها الرب.
إن كاتب الإنجيل الرابع هو شاهد في العصر الرسولي، كما هو شاهد لحياة الكنيسة في نهاية القرن الأول. فبعد موت المسيح وقيامته بعشرات السنين، توسّع عمل المعلّم في أعماله تلاميذه العظيمة (14: 12). وبدأت الكرمة الحقيقية تحمل ثماراً في أغصانها (15: 5). لقد تحقّقت المحن والمضايقات التي أعلن عنها يسوع (15: 18- 16: 4)، وارتسمت صراعات خاصة مع العالم اليهودي. هذا ما يشهد له إنجيل يوحنا: يشهد ليسوع التاريخي، يشهد لحضوره ولعمله في جماعة تلاميذه. والإستنارة متبادلة: فحياة الكنيسة الحاضرة في كل مكان تعود إلى ينبوعها، إلى مسيح التاريخ. ومسيح التاريخ الذي نذكره ونردّد كلماته وفعلاته على ضوء القيامة (2: 22؛ 12: 16؛ 14: 26) يحيلنا دوماً إلى حياة الكنيسة كما إلى ثمرته. هذا الامر هو حقيقي في سائر الأناجيل. إلا أن يوحنا يبقى من هذا القبيل شاهداً لا يُضاهى.
من هنا هذا التأثير الخاصّ الذي يتركه "الإنجيل الروحاني" في النفوس، في اللاهوتيين الكبار والصوفيين العظام والمؤرّخين الحقيقيين. قال أوريجانس: الأناجيل هي باكورة الكتب المقدسة كلها. وانجيل يوحنا هو باكورة سائر الأناجيل. ولا يستطيع أن يدرك معناه إلا ذاك الذي استند إلى صدر يسوع ونال مريم أماً له من يسوع.
وبحماس مماثل افتتح القديس أغوسطينس سلسلة عظاته لشعب عنّابة بهذه الكلمات: "أيها الأخوة والأحباء، كان يوحنا من تلك الجبال التي كتب عنها: لتنقل الجبال السلام لشعبك والتلال البر. لقد كان يوحنا من هذه الجبال وهو الذي قال: في البدء كان الكلمة، والكلمة كان لدى الله، وكان الكلمة الله. هذا الجبل (الذي هو يوحنا) تقبّل السلام، فشاهد لاهوت الكلمة".
قدّمت لنا الأناجيل بعض المعلومات عن حياة الرسول يوحنا وشخصيته. هو ابن زبدى وسالومة (مر 1: 19- 20؛ 15: 40؛ مت 27: 56). وأخو يعقوب. بدأ فمارس مهنة الصيد مع أبيه وأخيه على بحيرة جناسرت. تتلمذ على ما يبدو ليوحنا المعمدان، واتصل بعض الشيء بجماعة قمران.
يروي الإنجيل الرابع لقاء يوحنا الأول مع يسوع (1: 35- 39)، هذا إذا قلنا إنه كان مع اندراوس في ذاك اليوم. وتشير الأناجيل الإزائية إلى حضوره مع بطرس ويعقوب في قيامة ابنة يائيرس (مر 5: 37)، وفي التجلّي (مر 9: 2)، وفي الخطبة حول دمار الهيكل ونهاية العالم (مر 13: 3)، وفي النزاع في بستان الزيتون (مر 14: 33). لعب دوراً هاماً خلال العشاء الأخير، وخلال الآلام. وسنراه برفقة بطرس أيضاً في الصيد العجيب (21: 2، 7، 20- 23).
ويكمّل سفرُ الأعمال صورة يوحنا. نجده مع بطرس في مصاف الرسل الأولين. أوقف مع بطرس بعد شفاء مخلّع الباب الجميل، وسُجن، ومثُل أمام المجلس الأعلى، ثم أطلق سراحه (أع 3: 1- 11؛ 4: 3، 13، 19). رافق بطرس في زيارة لكنيسة السامرة الفتية، وكرز هناك بالإنجيل (أع 8: 14، 25). سيسميه بولس مع كيفا ويعقوب أحد "عمُد" الكنيسة (غل 2: 9).
قال الكتّاب المسيحيون في القرن الثاني إن يوحنا جاء إلى أفسس وأقام فيها، وساس كنائس مقاطعة آسية الرومانية. متى جاء يوحنا إلى أفسس؟ حوالي سنة 67- 70 وبعد رسالة بولس وتيموتاوس في أفسس (يقول اوسابيوس: قبل الحرب اليهودية التي انتهت بسقوط أورشليم سنة 70). ترك أفسد، ثم عاد إليها بعد موت دوميسيانس، الامبراطور الروماني، فمكث فيها يسوس الكنائس حتى موته.
وصوّره إيرونيموس في نهاية حياته شيخاً عاجزاً. فكانوا يحملونه إلى الجماعة. كان أضعف من أن يلقي خطاباً، فيكتفي بتكرار هذه العبارة: "يا ابنائي الصغار، أحبوا بعضكم بعضاً". تعب المؤمنون من هذا التكرار. فاجابهم: "هذه وصية الرب، يكفي أن تحفظوها".
ومات يوحنا في أفسس، في عمر متقدّم، في أيام ترايانس (98- 117). ويُروى حدث استشهاد قاساه في رومة. وُضع في خلقين من الزيت المغلي، قبل أن يُنفى إلى رومة. أورد ترتليانس هذا الخبر، وردّده ايرونيموس مرتين. إلا أننا لا نجد له تأكيداً عند أي من الآباء ولا في الكلندارات (الروزنامات) القديمة.

     

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM