يسوع الربّ والمخلّص مع القديس لوقا :مجيء إبن الإنسان
 

 

مجيء إبن الإنسان
21: 25- 36

إسهروا وصلّوا كل حين حتى تقفوا أمام ابن الإنسان..
يتوسّع الإنجيل في موضوعين مرتبطين في نظر الأقدمين. يصوّر لوقا في مرحلة أولى بعض الظواهر الكونية التي ينتظرها الناس في نهاية الأزمنة: هذه تعني الخليقة كلها وتثير الهلع في قلوب البشر.
في زمن يسوع صوّرت النصوص الجليانية العلامة الكونية المنتظرة في آخر الأزمنة. وانتشرت هذه النصوص إنتشاراً واسعاً في الأوساط الشعبية بحيث عجزت السلطات اليهودية من أن تمنع المؤمنين من قراءتها.
لا شك في أن اليهود كلّهم آمنوا بنهاية العالم القريبة. ولكنهم اختلفوا حول الشكل الذي به تأتي نهاية التاريخ. ففي نظر البعض (الفريسيين)، الإحترام الدقيق للشريعة يدفع وحده الله ليعجّل في نهاية العالم. وفي نظر البعض الآخر، يجب أن نتجنّد ونعمل مع الله، فنحمل السلام مع أبناء النور ضدّ أبناء الظلمة. فالإله "الغيور" على عظمته يحتاج إلى أناس "غيورين" يدافعون عن حقوقه.
تكلّم يسوع لغة عصره فاستعمل ما استعمل معاصروه من تعابير ليصوّر مجيء نهاية الأزمنة. ولكن لا نأخذ هذه الصور على حرفيّتها: المهم هو مدلولها ومعناها. ولقد سهّل لنا يسوع العمل فصوّر في مرحلة ثانية تصرّف المؤمنين خلال هذا الزمن الذي يفصلنا عن النهاية.
لا يطلب يسوع منا أن نترقّب العلامات السابقة لنهاية الأزمنة: فمن السهل جداً أن نخطىء. وعلى التاريخ أن يجعلنا حذرين من القول المعروف: إن ألّفت فلا تؤلفان. أي إن وصل التاريخ إلى نهاية الألف سنة، فلن يصل إلى نهاية الألفَي سنة، هناك تجارب ألفانيّة تعتبر أن بداية الألف السنة التي نعيشها مع المسيح (رؤ 20: 1- 3) قد بدأت. هذا ما تقوله الشيع، لا الكنيسة التي تدعونا بلسان المسيح إلى السهر في حياتنا اليومية دون أن نؤخذ بالخوف والقلق الذي تزرعه هذه الشيع في القلوب.
المهمّ هو أن لا نترك "هموم الحياة والسِكر" تفاجئنا وتسيطر علينا. يجب أن "نبقى ساهرين". أي أن نكون حاضرين وواعين لمتطلّبات الإنجيل في كل يوم من أيام حياتنا. لهذا كانت الصلاة المسيرة الجوهرية: فهي تخرج الإنسان من ذاته وتجعله يدرك ضعفه ومحدوديته. وتجعل منه "ساهراً" يتجنّد كل التجنّد من أجل الملكوت.
سيصل الملكوت إلى تمامه. متى؟ هذا ما لا يعرفه أحد. والذين يتقبّلون الإنجيل، هذا الملكوت هو حاضرٌ لهم. ولهذا، فهم لا يخافون شيئاً.
في أيام بولس، أراد المؤمنون أن يهتموا بهذه الحمّى الجليانية. فدعاهم الرسل أن لا يتركوا الحاضر الذي يعيشون فيه، ليقيموا في الإنتظار والكسل. وبجانب الحمّى الألفانيّة، هناك خطر آخر يجعلنا نغرق في الزمن الحاضر بحيث ننسى انتظار الرب.
إن هذا النص يدركنا في واقع وجودنا. إنه يعلن مجيء الرب. يدل على حضوره المتعدّد الوجوه. ويدعونا لكي نستعد الإستعداد اللائق بالسهر واليقظة.
نبقى متيقظين لحضور الله. ماذا يعني هذا القول في الوضع الملموس الذي تعيشه حياتنا، الذي يعيشه كل واحد منا في وضعه الشخصي؟ ماذا يعني أمام كل ما يقف في وجهنا كلَّ يوم ويهدّد بأن يبتلعنا؟ فحياتنا مزيج من الفرح وعدم الرضى. ونحن لا نعرف فترة كلها هدوء وطمأنينة. فهناك دوماً بعض القلق.
نحمل كلنا في داخلنا بعض الإنتظار، ونتمنّى أن ننجو من مختلف الهموم والمشاغل التي تلقي بثقلها علينا: مرض يصيبنا أو يصيب أحد أقربائنا. علاج طبي ثقيل الوطأة. جيران يصعب العيش معهم. صراع ومزاحمة مع شخص نعمل معه. مهمة تُزاد على مهماتنا وترهقنا. مشكلة تربية في البيت... ونقدر أن نحسب الملل والفتور والتفاهة التي تهدّد حياتنا داخل العيلة. كلها أنفاق طويلة ومظلمة تسير فيها حياتنا وتنتظر النور في نهاية المطاف.
هناك تجربة تهدّدنا وهي أن نُغرق صعوبات الحياة وأحزانهَا في التسلية والترويح عن النفس. فأيام الشتاء تساعدنا على الإنغلاق على ذواتنا في دفء مخدّر. ولكن في نفق حياتنا نسمع صوتاً: النور يتفجّر والخروج صار قريباً، والظلمة لن تتغلّب علينا. وها هو نداء ملحّ يتوجّه إلينا: "إنتبهوا واسهروا وصلّوا كل حين". كيف نجيب على هذا النداء؟ نتأمل في الأشكال المتعدّدة التي بها يأتي المسيح: لا يأتي فقط في نهاية الأزمنة، بل يحضر أيضاً في الجماعة الملتئمة باسمه، كما هو قريب في كل وقت وحاضر فينا حضوراً سرياً. هو يطلب منّا أن نبقى واقفين (لا نائمين). لقد كان أول الواقفين، أول القائمين. فكشف عن نفسه بقيامته، وجعل منا نحن جسده. فلنفكّر دوماً بحضوره. فمثلُ هذا التفكير صلاة.
يا رب، أعطِ كنيستك أن تدافع بدون التباس عن الوضعاء والمنسحقين، فتسير في الطريق التي تبعتَها أنت. أذكر الداخلين في معترك السياسة، فيجسّد عملهم إنجيل المسيح الذي هو بذار عدالة. أذكر الذين يخافون من الحياة فيلجأون إلى الكحول أو المخدّرات. ليرفعوا هم أيضا رأسهم ويعرفوا أنّ يوم خلاصهم قريب. واذكرنا نحن اليوم وقل لنا أيضاً: "إسهروا وصلّوا في كل حين". هكذا تكون صلاتنا صرخة كل المظلومين الذين ينتظرون مجيئك أيها المخلّص والرب.

 

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM