يسوع الربّ والمخلّص مع القديس لوقا : كيف نتبع يسوع
 

 

كيف نتبع يسوع
14: 25- 33

من لا يحمل صليبه ويتبعني لا يقدر أن يكون لي تلميذاً.
ما زال يسوع خلال صعوده إلى أورشليم يقدّم للكنيسة تعليماً حول طريقة حياة التلاميذ كجماعة. يكونون معاً. ينفتحون على الآخرين. يستعدون لخيارات مؤلمة ولحمل الصليب. فكيف نعتبر أننا نسير مع يسوع، أننا تلاميذه، إن لم نفضّله على كل شيء، بل على حياتنا؟
بعد أن توقّف يسوع وقدّم تعليماً حوال "آداب المائدة"، ها هو يتابع طريقه التي تقوده إلى موته القريب. "وكانت جموع كبيرة ترافقه". يميّز لوقا بين "الحشد" الذي لا شكل له ولا لون، الذي ينفعل حسب الظروف، وبين "الشعب" الذي تحوّل فوعى هويّة يسوع وأهمية السير وراءه. إلتفت يسوع إلى هذا "الحشد" مع النقص الذي فيه، ونقل إليه المتطلّبات الحقيقية التي تحوّله إلى جماعة من التلاميذ.
إن اتباع يسوع يفترض أن نجعله فوق كل شيء، أن نفضّله على العلاقات داخل العيلة مع ما فيها من شرعية. واستعمل يسوع كلمة هائلة: "يبغض" الإنسان أباه وأمه وأولاده. كلمة تدهشنا. ونحن نضعها في إطار شرقي نعرفه، في إظهار القساوة والصلابة. لا شكّ في أن اللغة البيبلية استعملت مراراً هذا الفعل لتدل على التفضيل، على التراتبية. لم يلغِ يسوع يوماً الوصايا، ولا سيما وصية إكرام الوالدين.
وحين يطلب من التلميذ أن يحب القريب مثل نفسه، فالأقرباء هم جزء من هذا القريب الذي ينتظر الحب.
لهذا، يجب أن نفهم كلمة يسوع حول "بغض" الأقارب، كنداء لأن نعي هوية ابن الله، وكوحي سام يرسله الله وسط البشر. فهناك صراعات عرفها الناس في أيام يسوع وفي زمن الكنيسة الأولى، بل في أيامنا، حيث نجد صراعاً بين التعلّق بيسوع والتعلّق بالعيلة والقبيلة. وهكذا لا بدّ من خيار يمزّق القلب ويهدّد الحياة.
قد يكون السير وراء يسوع مؤلماً: يجب أن نحمل الصليب على مثاله. هناك درب صليب يسوع الحامل على ظهره جزءاً من أداة تعذيبه. هذا هو المعنى الرمزي. نحمل الصليب حين نخاطر بشرفنا وغنانا، بل بحياتنا، لنبقى أمناء ليسوع حتى النهاية.
إتباع يسوع خيار ومخاطرة. ويجب أن نقوم به بوعي تام. إستعمل يسوع هنا مثلين: مثل الكرّام الذي يبني برجاً وسط كرمه. عليه أن يعرف ما يكلّفه هذا البناء. ومثل الملك الذي يذهب لمحاربة ملك آخر مثله. عليه أن يحسب حساب الجيش الآتي إليه.
هكذا يكون وضع من يسير وراء يسوع: خير له أن لا يلتزم إن كان سينظر إلى الوراء بعد قليل. فالخيارات عديدة ومتنوّعة: هناك زكا الذي ظلّ في عمله كما في الماضي. أما التلاميذ الذين قبلوا بأن يشاركوا يسوع ويرافقوه، فوجب عليهم أن يكون تجرّدهم كاملاً. والتشديد على التجرّد لا ينسينا أن التعلّق بيسوع كالخير الأسمى، يسمو على كل شيء. حينئذ نستطيع أن نتقبّل التجرد لأنه الوجه الآخر لقيمة سامية تستحق أن نتخلّى لأجلها عن كل شيء. وهذه القيمة العظمى هي يسوع المسيح.
كم نتخلّى عن أمور في حياتنا. نتخلّى عن بعض الأطعمة لنحافظ على رشاقة جسمنا. نتخلّى عن كلية مثلاً لنخلّص حياة شخص آخر.
وإنجيلينا اليوم يحدّثنا عن أصعب التخلّيات. فيسوع يتوجّه إلينا بشكل قاطع وجذري: يطلب منا أن نفضّله على أي شخص آخر. أن نتخلّى عن كل ما نملك إذا أردنا أن نكون تلاميذه. مثل هذه التخلّيات تبدو هائلة، بل مستحيلة. ولكن إن لم نبادر طوعاً فنتخلّى عن أمور كثيرة، فالحياة تقوم مقامنا. فمع تقدّمنا في العمر نُحرم من المال، من الصحة، من الأقارب، وفي يوم من الأيام من الحياة.
مقابل هذا، نستطيع أن نجعل من هذا التجرّد الذي لا مفرّ منه، مسيرة إلى الملكوت، يدنا بيد المسيح هذا الرفيق الأمين والصادق. لا شيء يستطيع أن يفصلنا عنه (رج روم 8: 35)، وهو الذي بعد أن تجرّد تجرّداً كاملاً دخل في مجد القيامة وسلّم روحه بين يدي أبيه (23: 46).
قد نستطيع في يوم من الأسبوع (الأحد مثلاً) أن نجلس و"نحسب". أن نسمع من جديد نداء الرب ونقوم بالخيار اللازم. نحسب ما تخلّينا عنه في الأسبوع الماضي، وما صوت نتخلّى عنه في الأسبوع المقبل. هكذا وجب على باني البرج أن يفعل، وعلى الملك الذاهب إلى الحرب.
نقول: تأخّرنا. ليس من تأخر لاكتشاف (أمام الله) تخلّيات فُرضت علينا. نأخذها على عاتقنا ونشكر الله لما حملته من فائدة لنا وللآخرين. هذا ما طلبه بولس من فيلمون: أن يتخلّى رغماً عنه عن خدمة عبده أونسيموس الذي هرب إلى رومة فعمّده بولس هناك.
ولا بدّ من اكتشاف الوجهة الإيجابية من التخلّي: نحن لا نتخلّى عن شيء الإ من أجل شيء آخر. والخيار السّيء هو أن نتخلّى عما يفيدنا لنتعلّق بما يضّرنا. ولكن المسيح لا يقدّم لنا إلا الخيار الحسن. فهو الذي اخترناه منذ العماد. تخلّينا عن سلطان الظلمة، عن الشيطان وقواته وأعماله، وتعلّقنا بالمسيح.
يا رب، خاطرتَ كثيراً لتكشف لنا عن سر ملكوت الله. جعلتَ الأزل في الزمن، واللامنظور في وجه إنسان، والله في جسد بشري. جعلت كلمتك في ضعف كلماتنا، وصلاح الله في تفاهة أعمالنا اليومية. بل خاطرتَ فتركت الناس يفهمونك خطأ، يفسّرونك على هواهم، يشوّهونك.
ونحن كيف نتبعك دون أن نخاطر؟ أعطنا أن نخاطر بقلبنا وعقلنا، بشرفنا وأملاكنا ومستقبلنا. فنقبل العداوة واللامبالاة وحتى الصليب. ولكن مثل هذه المخاطرة تطلب التفكير والصمت والصلاة. أنعم عليّ بأن أبني حياتي على صخرة كلمتك، بأن استمر على العمل بحضورك، وأن أكمل ما بدأت به لأن يدي بيدك.

 

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM