يسوع الربّ والمخلّص مع القديس لوقا : آداب الدعوة إلى الطعام


آداب الدعوة إلى الطعام
14: 7- 14

إذا أقمت وليمة... فادعُ الفقراء والمشوّهين والعرج والعميان.
ليست الكنيسة محصورة ببعض الأشخاص. بل هي مفتوحة للجميع. المهم أن ندخل في الباب الضيّق، أن نتحلّى بالتواضع. وإنجيل اليوم يعطينا التعليم عينه في مثلين حول الدعوة إلى الطعام. حين أُدعى أو حين أدعو، ليس المهمّ الأمكنة الأولى أو الجيران الأغنياء، بل المكان الأخير والمشوّه.
لاحظ يسوع أن الفريسيين يحتلّون المقاعد التي يحسبونها لهم بسبب كرامتهم. لقد شدّد يسوع مراراً على أن الفريسيين إعتادوا أن يطلبوا "الشرفيات": "الويل لكم، أيها الفريسيون. تحبّون صدور المجالس في المجامع والسلامات في الساحات العامة" (11: 43).
وأعطى يسوع قاعدة تعود بنا إلى الذوق السليم أكثر منه إلى متطلّبات الإنجيل: لا نرتفع لئلا ننخفض. لا نأخذ المقاعد الأولى لئلا نُجبر على التراجع إلى المقاعد الأخيرة. يتصرّف يسوع هنا كمعلّم من معلّمي الحكمة، فيتذكّر ما علّم سفر الأمثال فقال: "لا تكن متباهياً أمام الملك، ولا تقف في مكان العظماء. خير أن يقال لك ارتفع إلى هنا، من أن يخفض مقامك لدى الأمير" (أم 25: 6- 7).
يستند كلام يسوع إلى ما وجده لدى الفريسيين. وهو لا يهتمّ بقواعد التهذيب. بل هو يتكلّم عبر المثل الأول عن الملكوت. إذا أردت أن تشارك في الملكوت، يجب أن تتخلّى عن المطالبة باستحقاقك تجاه سيّد الوليمة. فالدعوة مجانية ومهما تكن متطلّبات الشريعة التي نمارسها بدقة، فالإنسان مديون دائماً لله. لهذا نكون أمام الله كالصغار، لأن المتواضعين وحدهم يعرفون أن يتقبّلوا سرّ الوحي.
يتوجّه يسوع هنا بشكل مباشر إلى الذي دعاه ليستنتج قاعدة عامة حول نوعية العلاقات بين البشر. وإحدى القواعد التي تُشرف على العلاقات الإجتماعية هي المبادلة: "أعطيك فتعطيني". هناك عطاء وعطاء مقابل. ففي وليمة عيد كتلك التي دُعي إليها يسوع مع تلاميذه، كان المضيف قد دعا الأصدقاء والأقارب والجيران الأغنياء. حينئذٍ قدّم يسوع قاعدة قلّما تطبّق في العلاقات الإجتماعية: ندعو الفقراء والمشوّهين والعرج والعميان، أي المرفوضين من المجتمع. حضورهم لا يشّرف الداعي، وهم لا يستطيعون أن يردّوا على الدعوة بالدعوة.
كم نحن بعيدون عن قواعد التهذيب والتعامل في المجتمع. فيسوع يعرض على هذا الرجل تصرّفاً جديداً لا يتأسّس على حب الذات وحب القريب "المقرّب"، بل على تصرّف الله بالذات. "فإن أحببتم من يحبّونكم، فأي فضل لكم؟ لأن الخاطئين أنفسهم يحبّون من يحبّونهم" (6: 32).
هل طبّقت يوماً هذه القواعد التي أعلنها يسوع؟ لقد صوّرت لنا يع 2: 2- 4 الفرق في المعاملة بين الغني والفقير، فدلّت على المسافة بين تعليم يسوع وممارسة الجماعة. والوضع هو هو الآن. لهذا، لا بدّ من سماع هذه النصوص بذات التواضع وروح الفقر والتوبة التي طلبت من سامعي يسوع.
"إذا دعاك أحد، فلا تجلس في المقعد الأول". قد تبدو نصيحة يسوع هذه إلى تلاميذه تافهة، وهي ترتبط بأبسط ما في الذوق السليم. ونظنّ أن يسوع أعطاها بروح الدعابة وربما السخرية أمام اهتمامات المدعوين إلى هذه الوليمة: من سيكون له المقعد الأول؟ ولكنه ذهب أبعد من اللياقات، وهو يطلب منا أن نذهب معه.
يتحدّث الإنجيل مرات عديدة عن المقاعد الأولى. والرسل أنفسهم لم ينجوا من هذا الطموح الذي لم يفصحوا عنه مراراً. سألوا معلمهم: "من هو الأعظم في ملكوت الله"؟ أجابهم يسوع بعد أن وضع أمامهم طفلاً وقال لهم: "إن لم تصيروا كالأطفال، لن تدخلوا ملكوت الله".
وسألوه مرة أخرى. فجاءهم هذا الجواب: "من أراد أن يكون بينكم الأول فليجعل نفسه خادم الجميع". وأعطى يسوع في نفسه مثالاً فزاد: "ما جئت لأُخدَم بل لأَخدُم".
وسيُطرح السؤال أيضاً عشية الآلام. وسيجيب يسوع بالركوع أمام تلاميذه ليغسل لهم أقدامهم. وجعل من هذه الخدمة المتواضعة رمزاً لمحبة أخوية لا تتردّد في أن تظهر بطريقة غير متوقّعة. وستقوده هذه المحبة إلى الذلّ الأسمى، ذلّ الموت كعبد مصلوب.
كم نحن بعيدون عن مجادلات سخيفة حول مراكز الصدارة! فنحن في قلب الإنجيل عينه. فالخادم الخادم هو يسوع. والبحث عن التواضع ليس فقط موقف فطنة، بل شرطاً لتشبّهنا بذلك الذي أحبّنا أولاً. وقالت الرسالة إلى العبرانيين: جئنا نحو يسوع وسيط عهد جديد مع الله أبينا. فهو لم يظهر في البرق والنار كما في سيناء، بل خُتم في تواضع الصليب.
فطوبى للمتواضعين. طوبى للذين يتأمّلون الصليب!
بدأ إستعراض الحبّ، وجاءت "الشخصيات" تحتلّ الأماكن الأولى. ولكن جاء ملاك فقال لهم بابتسامة: اتركوا المقاعد الأولى لمدعوّي الشرف الذين اختارهم رب البيت. فجاء يوحنا المعمدان بلباسه المصنوع من وبر الجمال، والرعاة مع قطعانهم، وسمعان الشيخ وحنة النبية وزكريا مع لفائف التوراة، وصيادو الجليل مع شباكهم، وبرص عديدون، وابن طيما أعمى أريحا مع عميان آخرين، والمخلّع والسامرية والأرملة التي دفعت فلسين في الهيكل، ومريم المجدلية مع صديقاتها الزواني، ولاوي مع أخصّائه العشارين، وقائد المئة الروماني مع خوذته، ومجنون الجراسيين، ولعازر المسكين وزكا الغني، ونيقوديمس ويوسف الرامي، ولعازر الذي قام مع أختيه مرتا ومريم، واللص الذي كان عن يمين المصلوب، وعدد كبير لم يعرف اسمهم أحد. وفي النهاية يأتي ذلك الصبي الذي قدّم ليسوع خمس خبزات الشعير، يأتي مع صبيان عديدين. هم ينشدون فيقولون لهؤلاء "الشخصيات": "غنيّنا لكم فلم ترقصوا. نحنا لكم فلم تبكوا".
كم أودّ يا رب أن أحتل المقعد الأول بسبب مركزي فيراني الناس! ولكنك تقول لي: لا. كم أحب يا رب أن يكون ما قلته مثلاً وصورة لا نأخذها على حرفيتها. ولكنك جديّ يا رب وأنت الذي اخذت المقعد الأخير فصرت عبداً طائعاً حتى الموت على الصليب.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM