يسوع الربّ والمخلّص مع القديس لوقا : الباب الضيق
 

 

الباب الضيق
13: 22- 30

إجتهدوا أن تدخلوا من الباب الضيق.
ما زلنا في مسيرة يسوع إلى أورشليم. فبعد رسالة التلميذ، يحدّثنا لوقا عن رسالة الجماعة. رسالة تشمل الكون. فالرسل يعلنون مجد الله إلى "الأمم البعيدة". وهذا ما يفسّر أن الاولين يكونون الآخرين في ملكوت الله، والآخرون يكونون الاولين.
ظل لوقا أميناً لبرنامجه الادبي واللاهوتي. فأقحم أقوال يسوع وأعماله في دينامية الصعود إلى اورشليم. تعليمه يعني الملكوت الآتي. ويطرح أحد السامعين بصورة طبيعية سؤالاً حول الخلاص. ما استطاع اليهود، أجيالاً عديدة، أن يتخيّلوا إمكانية الحياة بعد الموت. وستحدّد هذه الامكانية في العصر السابق للمسيحية. ولكن بقيت أسئلة من دون أجوبة: هل يقومون كلهم؟ أم هل يقوم الأبرار وحدهم؟ من سوف يخلص؟ وقال سفر عزرا الرابع (وهو كتاب منحول): "سيكون الهالكون أكثر عدداً من الذين يخلصون".
رفض يسوع أن يدخل في مسائل الأرقام، كما امتنع عن النظريات حول الاشكال الملموسة للحياة بعد الموت. إن جوابه يشير إلى المتطلبات التي نعمل بها لنشارك في الملكوت. فالملكوت لا يقدّم لليهود بشكل آلي. لأن الباب الذي يوصل إلى الوليمة المسيحانية هو ضيّق. لبست الامكنة قليلة العدد، لأن امكانيات الملكوت غير محدودة. والانتماء إلى الشعب المختار ليس كفالة لكي يحقّ لنا الدخول إلى الملكوت. قال يوحنا المعمدان لليهود: "لا تقولوا في نفوسكم: إن أبانا ابراهيم" (3: 8). ويعبرّ متى عن المتطّلبة عينها فيقول: "لا يكفي أن تقول يا رب، يا رب، لكي تدخل إلى ملكوت السماوات. يجب أن تعمل إرادة أبي الذي في السماوات" (متى 7: 21).
حين قدّم يسوع حكمه الذي يرذل العاملين بالشر، فقد تصرّف الدّيان الذي يجازي. فالدينونة هي في العهد القديم ميزة الله الذي ستكون زيارته (أو افتقاده) خلاصاً للبعض ودينونة للبعض الآخر. وسيكون الخروج من الوليمة، حسب مبادىء اخلاقية، لا حسب مبادىء عرقية (من هذا الشعب أو من ذاك). فالذي فعل الشر يُبعد، والذي صنع الخير يُقبل.
إن كلمة يسوع تعني أولاً يهود عصره، وهم الذين رفضوه باكثرية كاسحة. وهذا الرفض هو بداية الانفتاح على الوثنيّين الذين جاؤوا من المشرق والمغرب، من الشمال والجنوب، فاتكأوا في الوليمة المسيحانية. وهذا اتخذت نبوءة أشعيا كامل معناها الآتي في مجيء يسوع. فتعليمه يتوجّه إلى الجميع، والانتماء إلى الملكوت يرتبط بقيم أدبية نعيشها.
ويبقى الحكم صحيحاً بالنسبة إلى قرّاء الانجيل اليوم. فالانتماء إلى الكنيسة بالمعمودية لا يكفل الخلاص. فلا يكفي أن نكون أكلنا مع يسوع وشربنا بحضرته لننجو من الدينونة. بل أن نكون أجببنا كما أحبّ هو.
سيكون الأولون آخرين، والآخرون أولين. إن رفض اليهود، الذين كانوا أول المدعوين، للخلاص، أعطى الوثنيّين المرتدين المقام الأوّل. وفي النهاية تتقرّر المشاركة في الملكوتِ على أساس اتباع يسوع. إن يسوع يسير إلى أورشليم، وهذه الطريق هي طريق إلى الموت والقيامة. لهذا يدخل إلى الوليمة كل الذين قاتلوا مثل يسوع لكي تبقى حقوق الله وحقوق البشر سليمة. والذين حاربوا حيث الله مهدّد في الانسان، وحيث الانسان مهدّد كصورة الله، يحتلّون المكان الأول بجانب يسوع.
يا رب، ألا يكون إلا عدد قليل في السماء؟
أدرك يسوع الوجهة الغريبة لهذه الاسئلة. إما نحن فنضيع وقتنا بدل أن نعمل بسرعة ما يجب علينا عمله. يروي أحد الوعاظ أنه رأى يافطتين تدعوان الناس. في الأولى: هنا الدخول إلى الملكوت. في الثانية: هنا محاضرة عن الملكوت. وتجمهر الناس ليسمعوا المحاضر.
هذا هو التهرّب من الواقع الذي يجبهنا. كم من الناس يبحثون عن "ثقافة دينية"، فيتوقّفون عند العلم الذي ينفخ وينسون المحبة التي تبني. هناك أولون يصيرون آخرين.
لا نصبح مسيحيين على أثر قراءة قمنا بها، أو حلم رأيناه. فالجواز الذي يفتح باب الملكوت هو ممارسة الانجيل. لا شك في أن هناك ممارسة الاسرار (التوبة، القربان المقدس). وهناك أيضاً ممارسة المحبة الاخوية.
يخرج واحد من القداس. فيقول له يسوع كما يقول هنا: لا أعرف من أين انت خارج. فإن لم يستقِ هذا الممارس من القداس مقاصد عملية بأن يحبّ أكثر، فالاكل والشرب مع الرب (أكل وشرب الرب!) لا يجنّبانه هذا الكلام القاسي: ستُلقى خارجاً (أي خارج الملكوت).
كل هذا النص قاسٍ. فيسوع يصعد نحو باب الموت الضيّق. رأى عدداً من الناس يصفّقون له، ولكنهم لم يبدّلوا حياتهم. هو يقلب الاسئلة التي لا تهزّنا من أمكنتنا، ثم يحدّثنا حالاً عن مجهود نقوم به: "إجتهدوا".
وبولس يتبع خطى يسوع ويحدّثنا عن الحرب والقتال: "أما أنت، يا تيموتاوس، رجل الله، فحارب حرب الإيمان واستول على الحياة الابدية" (1 تم 6: 12).
يجب أن نحارب لننجو من التهديد الذي تحمله هذه العبارة: "حين يغلق رب البيت الباب". لا نستطيع هنا إلا أن نتذكّر الهالكين. فللحرية البشرية سلطة مخيفة: هي تستطيع أن ترفض إلى النهاية نداء الحب. اننا نرى مرتين في الانجيل، كيف أن باب الفرح ينغلق أمام الجاهلات اللواتي لم يعرفن أن ينتظرن العريس، كما ينغلق هنا أمام الذين "فعلوا الشر".
ولكن هل نستطيع أن نفكّر أن الباب سينغلق على البعض إلى الأبد؟ يجيبنا يسوع: ليس الوقت وقت تفكير، بل وقت حياة. الحياة هي التي تعطي الجواب على هذا السؤال.
ثم إن يسوع يفتح الباب واسعاً أمام الرجاء. أجل، الباب ضيّق. ولكن كثيرين يدخلون. "سيأتون من المشرق والمغرب، من الشمال والجنوب، ويتكئون في وليمة الملكوت". هذه هي العبارة التوارتية التي تدلّ على الجموع الآتية من كل مكان. وهي التي نقرأها في سفر الرؤيا فتملأ قلوبنا دهشة وفرحاً: "نظراتُ فرأيت جمهوراً كبيراً لا يحُصى (رؤ 7: 9).
إن بيت الله مفتوح. وكلنا مدعون للدخول فيه منذ البدء. هذا ما عرفه الشعب اليهودي. ولكنه لا يقبل أن يفتح هذا الباب ليسوع الذي يأكل في بيوت الخطأة والعشارين. ليس يسوع هو الذي يغلق الباب، بل هو يفتحه ليدخل إلى بيت زكا وإلى بيت كل واحد منا. فالفريسيون هم الذي يضّيقون الباب بالشريعة، ويغلقونه حين يستبعدون الخطأة والعشارين.
ولكن الوضع سينقلب مع يسوع في بيت الله. فالذين كانوا داخلاً وجدوا نفوسهم خارجاً. ولا ينفعهم بأن يقرعوا الباب لينادوا رب البيت. هم لم يعرفوه. وهو لا يعرفهم. والذين كانوا خارجاً صاروا داخلاً. فالأبواب مفتوحة للآتين من المشرق والمغرب، من الشمال والجنوب. هم فتحوا باب بيتهم ليسوع فوصلوا إلى الملكوت. أما الذين أغلقوا بابهم فأخرجوا. إن عرفنا أن نفتح بابنا، وجدنا باب الملكوت مفتوحاً. وحين نوّسع بابنا لن يكون باب الملكوت ضيقاً. وحين نفتح بابنا، لن يُغلق أمامنا بابُ الملكوت.
إرحمنا يا يسوع، أنت الذي أتيت لتخلّص جميع البشر. إرحمنا يا من عبرت باب الآلام والصليب. إرحمنا يا من تدعو جميع البشر إلى وليمة الملكوت.

 

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM