يسوع الربّ والمخلّص مع القديس لوقا : يوحنا المعمدان

يوحنا المعمدان
3: 1- 6

هيّئوا طريق الرب، فيرى كل بشر خلاص الله.
يقدّم لوقا باحتفال مهيب دخول يسوع في حياته العلنية، في حياته التبشيرية. كما يقدّم يوحنا المعمدان بجملة طويلة تسمّى "التزامنية التاريخية". إنه يسمّي ممثّلي السلطة السياسية والدينية، على مستوى الامبراطورية وعلى مستوى المناطق، يسمّي كل واحد باسمه.
جعل رئيس الكهنة قيافا مع حميّه حنان الذي احتفظ بتأثير كبير حتى بعد أن عزل من مركزه. السنة الخامسة عثرة لطيباريوس، توافق سنة 27 للمسيحية. هذا الزمن هو مهمّ بالنسبة الى تاريخ الأحداث، لأنه الزمن الاكيد وحده في خبر يسوع. وحين يأتي الوقت ليحلّ أحد محل يهوذا الخائن، يطلب الرسل من "المرشحين" أن يكونوا قد عاشوا معهم منذ عماد يسوع على يد يوحنا المعمدان.
وهذه التزامنية التاريخية الكبيرة تريد أن تصحّح بعض العمى، أو بعض الجهل لدى المؤرّخين الرومان. حين أوجز تاقيتس مختلف تدخّلات الأباطرة الرومان في فلسطين، ووصل الى طيباريوس، جاء حديثه في ثلاث كلمات: "في ايام طيباريوس، لا شيء". أما لوقا فعاد الى الوراء ورأى ان التاريخ انقلب رأساً على عقب في تلك السنة، وعبر صمت عميق: لقد جاء نبي اسمه يسوع سيضع الثورة في التاريخ.
ومجيء يسوع يُهيّأ: لهذا شدّد لوقا على كرازة يوحنا المعمدان. أراد أن يُفهم قرّاءه معنى الحدث، فاستقرض كلمات النبي أشعيا الذي اعلن عودة المنفيين من بابل إلى اورشليم. لقد لعب نص النبي هذا دوراً هاماً، ونحن نجده لا في الانجيل فقط، بل في نصوص قمران. كان زمن المنفى فترة خصبة لشعب اسرائيل. فالرجاء نما في ذلك الليل. وحافظ الانبياء على انتظار العودة كواقع حيّ لدى الشعب.
وحين عاد اليهود الى اليهودية وإلى اورشليم، بدأت خيبات الأمل. فالهوة عميقة بين النصوص المضيئة والواقع المؤلم. ولكن النصوص لم تُلغ: فسيعيش القرّاء منها، ويحملونها من جيل إلى جيل. وهكذا حافظت الجماعات اليهودية على رجاء "خلاص الله".
وفي نظر المسيحيين، تمّ هذا النصّ في مجيء يسوع القريب. أعلن أشعيا مجيء "الرب"، مجيء الله. طبق يوحنا هذه العبارة على يسوع، فافهمنا أنه هو الله بين البشر.
وبالنسبة الينا، لقد جاء يسوع، وتحقّق النص. ولكن حين نردّده، نعطيه تأويناً جديداً. علينا أن نهيىء طرق الرب لكي لا يكون عيد الميلاد مجرّد عيد وثني.
"صوت صارخ في البرية". ويهتف المستهزئون: أصرخوا ما شئتم. فمعاصرونا قد أتخموا بالأخبار والمعلومات والدعايات، قد أغرقوا في كل هذا الطوفان، فلا يسمعون لكم الا بأذن مشّتتة.
هذا صحيح. لهذا لا يمطر الله على الأرض كراريس من السماء تخبرنا عن مجيئه. ولا يدوّن اسمه بحروف من نار في العلاء ليؤثّر على الناس. فمنذ بداية الخلاص أراد "لصوت حبّه" أن يتخذ جسداً في شعب من الشعوب، في حياة الانبياء، وأخيراً في صرخة طفل وُلد، وفي هتاف محكوم عليه بالموت من أعلى صليبه.
قد نردّ على الخطاب. بالخطاب أما شهادة الحياة التي نعطيها، فالجميع يحترمونها إذا كان صادقة، وقد تؤثّر حقاً في قلوب الناس. وها هو يوحنا المعمدان يدعونا لكي نجعل من حياتنا كلها صرخة أمل. وحدهم الذين يعيشون عطيّة ذاتهم يسمعهم معاصرونا. نحن نحتاج اليوم الى أنبياء لا إلى "خطباء فصحاء". نحن بحاجة إلى أعمال نبوية لا إلى كلام.
ما زال الله يصرخ بطريقته الخاصة، بأفعالنا اليومية التي تعلن: لقد جاء الله. وهكذا فحياة الناسك الخفية، وحياة الكاهن الشاب الذي قتله مراهق ضحّى من أجله بحياته، ومثَل الذين يصارعون لينال كل انسان الحق بأن يأكل ويشتغل ويُسمع صوته... كل هؤلاء يهيّئون طريق الرب، طريق الحب الذي يخلّص الانسان.
وكل مرة يتجسّد الحب في واحد منا، تعلن حيات وتقول: لقد جاء الله. كل مسيحي هو "سابق" (مثل يوحنا) يقول: "هناك واحد بينكم وانتم لا تعرفونه. هيئوا له طريق قلبكم".
ولنكن مقتنعين أن الحياة التي "يسكنها الحبّ"، تستطيع وحدها أن تهيىء طريق الرب في حقولنا الجافة. وحده الحبّ الذي نعيشه كل يوم يخفض جبال اللامبالاة، يردم هوة الاحتقار ووديان البغض، ويفتح طريقه عبر التواءات أفكار البشر. وحين يسمع الناس "حياة" المسيحي "يرون خلاص الله".
مع الانبياء ويوحنا المعمدان، مع اليصابات ومريم، نريد يا رب ان نصرخ لك فرحنا. كانت طرقنا تقود إلى الموت، فجعلت منها طرقات حياة؟ لهذا نشكرك. نشكرك مع ابن طيما الأعمى الذي رأى يومك وانت مار في الطريق، فقفز من الفرح. نشكرك مع زكا العشار. نزل يلاقيك على طريق اريحا. وفي نهاية الطريق فتح لك بيته وقلبه. نشكرك مع السامرية. مرّت بها طريقك في أرض ممنوعة، فحوّلتها من امرأة "فالتة" إلى ابنة الله، الى ابنة كريمة في عينيك على حافة البئر. ونشكرك يا رب على الطريق الذي تهيئه لكل واحد منا.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM