يسوع الربّ والمخلّص مع القديس لوقا :انجيل الطفولة

انجيل الطفولة
2: 49

لماذا بحثتما عني؟ أما تعرفان أنه يجب أن أكون في بيت أبي؟
زمن الميلاد ليس فقط زمن الطفل يسوع. إنه الزمن الذي فيه انطلق يسوع الى الحياة، فصار ابن الوصيّة (12 سنة). هناك زيارة الرعاة، ومشهد يسوع وسط المعلّمين... إن طفولة يسوع قد ألهمت عدداً من الرسّامين. وهي تغذّي عواطفنا التي تمزج المشاهد الانجيلية بالأخبار التقوية. فهناك مسيحيون يعتقدون أن الانجيل تحدّث عن الثور والحمار اللذين نجدهما في "المغارة". كما يعتقد آخرون أن جميع الأناجيل تحدّثت عن طفولة يسوع (هناك فقط متى ولوقا). وينزعج بعض المؤمنين من هذه الأخبار التي تختلف عما في الاناجيل. هناك غنى كبير في انجيل الطفولة. المهم ان نكتشف هذا الغنى.

أ- من الماضي الى المستقبل
أين يبدأ الانجيل؟ أجابت الجماعة المسيحية الأولى على هذا السؤال، ولم تتردّد: يبدأ الانجيل مع عماد يسوع على يد يوحنا: حينئذ بدأ يسوع أعماله وأقواله. ولوقا نفسه الذي يروي طفولة يسوع يقول في أع 10: 37- 38: "أنتم تعرفون ما جرى في اليهودية كلها، ابتداء من الجليل بعد معمودية يوحنا، وكيف مسح الله يسوع الناصري". فالمسيحيون الأولون عرفوا الشيء القليل عن طفولة يسوع.
وفي الجيل الثاني، فهم المؤمنون أن شخص يسوع يتجذّر في مخطّط الله الأزلي. كيف نعبرّ عن هذا الاكتشاف؟ ترك مرقس السؤال معلّقاً. ويوحنا بنى نشيدا يبدأ بهذه الكلمات: "في البدء كان الكلمة". أما لوقا ومتى فانطلقا من القليل الذي تعرفه الكنيسة عن طفولة يسوع، فرسما لنا ملء قامة المسيح.
حين نكتب حياة صديق تركنا، نرسم طفولته في اتجاهين. نعود إلى الماضي فنقول: حين كان صغيراً كان صورة عن جده... ونتوجّه الى المستقبل فنقول: حين كان صغيراً كنا نستشف أنه سيعمل. هكذا روى العالم القديم طفولات عجيبة ليبرز عظمة أبطاله. أما عند متى ولوقا، فانجيل الطفولة يستعمل الماضي والمستقبل. نحن نفهم يسوع انطلاقاً من جذوره. إنه صورة كاملة عمّا ورد في العهد القديم. ولكن في شخصه الضعيف يظهر الملء الآتي: رسالته، موته، قيامته.

ب- مفاتيح تساعدنا على القراءة
يتضمن لوقا 1- 2 الاحداث التالية: البشارة لزكريا بمولد يوحنا المعمدإن. البشارة لمريم بمولد يسوع. زيارة مريم لأليصابات. ميلاد لوحنا المعمدان وصباه. ميلاد يسوع وزيارة الرعاة له. تقدمته في الهيكل. لقاء يسوع الصبي بالمعلمين في لهيكل.

1- يوحنا المعمدان ويسوع
أقام لوقا موازاة بين يوحنا ويسوع. ولكنه في كل حدث أورد شيئا يرتفع فيه يسوع فوق يوحنا المعمدان. يسمو عليه. ففي زمن القديس لوقا، ما زال أشخاص امناء ليوحنا المعمدان. هم لم ينتقلوا الى الإيمان المسيحي. فلا بدّ من اقناعهم. فيوحنا هذا هو أكبر الأنبياء. هو أعظم من إرميا الذي قال عن نفسه إن الله اختاره "من بطن أمه". أما يوحنا فتحرّك في حشا أمه خلال الزيارة، فتنبأ من أجل يسوع منذ حشا أمه. غير أن يسوع هو أعظم من كل هؤلاء: إنه المسيح وابن الله العلي.

2- مريم واليصابات
تجسّد اليصابات العجوز اسرائيل القديم الذي أنجب الانبياء. ومريم البتول الصبية تجسّد كنيسة الازمنة الجديدة التي تقدّم المسيح الى نسيبتها (إلى الشعب اليهودي). فمريم تعطي العالم المخلّص، وتسمع الكلمة، وتتقبّل "بلاغ الرعاة". وتحفظ هذه الامور وتتأملها في قلبها على مثال دانيال (7: 28) الذي كشف الله له أسراره.

3- مسيح الفصح
إن يسوع انجيل الطفولة هو المسيح الذي مات وقام وقد نال ألقابه كلها منذ طفولته: إنه ابن العلي، المخلّص، الرب، نور الأمم، ومجد شعبه. قبل أن يصل الى الثلاثين سنة، علّم في الهيكل. بحثوا عنه "مدّة ثلاثة أيام" كما سيفعلون في الآلام. وفي نهاية انجيل الطفولة يفتح يسوع فمه للمرة الأولى فيعلن في عبارة "ملغزة" فصحه وصعوده: "يجب أن أكون في بيت أبي" (2: 49). ولكن والديه لم يفهما ما قال لهما. هذا الموقف يدلّ مسبقا على ردّة فعل التلاميذ حين يعلن لهم يسوع آلامه وقيامته.

4- الكنيسة حاضرة
تجسّد مريم الكنيسة الآتية التي تسمع الكلمة، تعطي العالم المخلّص. ولكن الانجيلي يذهب أبعد من ذلك. فالكاهن زكريا وزوجته، وسمعان الشيخ والنبيّة حنة، كلهم يدورون حول الهيكل، فينشدون فرحهم حين يرون أن النبوءات قد تمّت، حين يتعرّفون إلى المخلّص. من هم هؤلاء؟ لقد صوّرهم لوقا منطلقاً من هؤلاء اليهود المسيحيين الذين التقاهم، والذين كوّنوا جماعة أورشليم الأولى التي يتحدث عنها سفر الأعمال. ولا ننسى أن رعاة فلسطين يمثّلون هؤلاء المساكين الذي ميّزهم يسوع فحمل اليهم الانجيل. ولا ننسى أيضا أن لكلمة رعاة معنى آخر: رعاة الكنيسة يحملون البشرى الى البشر.

5- المرسلون
حمل هؤلاء الرعاة هداياهم إلى الطفل. هذه هي التقوى المسيحية. ولكن الانجيل لا يقول شيئاً من هذا. فالرعاة يدلّون في نظر لوقا على المرسلين المقبلين في الكنيسة. نالوا من السماء بشارة المسيح المخلّص، "فاخبروا بما قيل لهم". أخبروا مريم (ومن خلالها الكنيسة) التي تأملت بلاغهم في تلبها. فالكنيسة تحتاج دوماً الى المرسلين لتفهم كامل قامة المسيح الذي تحمله وتلده (مثل مريم).
ويمثّل شمعان الشيخ وحنة المرسلين المسيحيين الذين من أصل يهودي. أعلن سمعان في نشيده ذاك الذي هو في الوقت عينه مجد اسرائيل ونور الأمم. بشّر مريم (والكنيسة) أن ابنها وربها سيكون دوماً سبب خلاف بسبب ردّات الفعل التي سيحرّكها تعليمه (ق 12: 1 و2: 35). أما حنة، فهي تعلن أمام الجميع ذاك الذي يحقق رجاء شعبها.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM