يسوع الربّ والمخلّص مع القديس لوقا : يسوع ابن الوصيّة

يسوع ابن الوصيّة
2: 41- 52

يجب عليّ أن أكون في بيت أبي.
إن حدث وجود يسوع في الهيكل يقابل الممارسات اليهودية المعمول بها في القرن الأول المسيحي. فشريعة التثنية المفروضة في زمن يسوع، كانت تطلب من اليهود أن يصعدوا إلى أورشليم ثلاث مرات في السنة: في أعياد الفصح والعنصرة والمظال. غير أن عدداً منهم كان يكتفي بحجّ واحد في السنة. ووصل يسوع الى العمر الحاسم الذي فيه يصير "ابن الوصية". صار خاضعاً، شأنه شأن الرجال، لمجمل الشرائع اليهودية. إنتهى عهد التنشئة، فانتقل من عمر الولدنة والصبا إلى عمر الشباب.
هذا هو المشهد الإنجيلي في "إنجيل طفولة يسوع". لقد بيّن لوقا التدرّج من الطفولة الى الحياة العلنية. في 2: 16، تكلّم عن "طفل مضجع في مذود". في 2: 40، عن ولد صغير. في 2: 42، عن صبي. وبعد هذا سيتكلّم الإنجيلي عن يسوع بطريقة بسيطة هنا وفي كل الإنجيل.
نحن هنا في متتالية انتقالية. فالمشهد يورد أولى كلمات يسوع. وهذه الكلمة (كما في كل أخبار الطفولة) تأخذ كامل معناها على ضوء مسيرة يسوع اللاحقة. بدا يسوع معلّماً كالمعلّمين الكبار الذين يجلسون فيحيط بهم تلاميذهم. أما تلاميذه فهم معلّمو الشريعة، والتعليم يتمّ في الهيكل. لا يحدَّد مضمون التعليم الذي سنسمعه في الإنجيل كله. ولكن أراد لوقا أن يشدّد على أن يسوع يشبه موسى" الذي تعلّم كل حكمة اليهود" (أع 7: 22)، فكان وهو صبي ذاك المعلّم الذي يتفوّق على كل المعلمين.
ودُهش المعلمون. أما والداه فتمزّقا من الحزن وهما يبحثان عن ابنهما طيلة ثلاثة أيام. لقد أبرز لوقا هنا انقطاع يسوع عن أخصّائه بصورة مؤقتة، قبل الحياة العلنية. ودلّ جواب يسوع على ارتباطه بآخر هو الله: "يجب عليّ أن أكون في بيت أبي".
تكلّم يسوع للمرة الأولى، فجاءت كلمته تطالب برباط مميّز مع أبيه (هو). وساعة يموت سوف يدعو أباه. وهكذا تُبرز كلمته الأولى وكلمته الأخيرة علاقته الفريدة بالآب. فيسوع هو، منذ طفولته، ما ستدلّ عليه القيامة في وضح النهار. وذكرُ الأيام الثلاثة يلمّح الى القيامة بعد ثلاثة أيام، وهذه القيامة تكشف أن يسوع هو ابن الله بكل معنى الكلمة.
وتعود نهاية الخبر إلى حياة يسوع العادية: فخضوعه لوالديه يدلّ على أن مشهد الهيكل كان تسبيقاً مؤقتاً لإنطلاقه في الرسالة وانقطاعه عن والديه. وسيأتي يوم، يبتعد فيه يسوع عن عائلته (وقبيلته) ليحيط نفسه بعائلة أخرى. قالت: "من هي أمّي ومن هم إخوتي"؟
أما مريم أمه فهي تتأمل الآن بهذا الإبن السر الذي أعطاها الآب والذي سيطلب منها يوماً أن تكون خاضعة طائعة: حينئذٍ ستكون أول تلاميذ ابنها.
إذا قرأنا ابن سيراخ (3: 2- 21) نجد بعض حكمة العهد القديم. العائلة هي كلها هنا، حول الجد الذي شاخ: "أعِن أباك في شيخوخته. إن أصابه الخرف فاعطف عليه، ولا تحتقره وأنت في قوّتك". نحن هنا في جوّ الإحترام الذي يسهّل العلاقات داخل العائلة.
وإذا قرأنا القديس بولس (كو 3: 12- 21) نجد حياة عائلية جميلة شرط أن تمارس خمس فضائل تقود إلى السعادة: الحنان، الرحمة، التواضع، الوداعة، الصبر. كم نحن بحاجة لأن يحتمل الواحد الآخر ويغفر بعضنا لبعض.
هناك تفاصيل تزعجنا. "أيتها النساء، إخضعن لأزواجكنّ". قد نرفضها اليوم بإسم المحبة والتعاون داخل المساواة. ولكننا نتجنب أيضاً التناقض ودمار الجائلة. وأيضاً: "أيها الرجالي، لا تكونوا قساة". كم من العنف في تصرّفات الرجل تجعله ينسى الحنان. "أيها الآباء، لا تغيظوا أبناءكم". كان يجب أن نسمع: "أيها الأبناء لا تغيظوا والديكم". لو كان الأمر هكذا، لكانت العبارة تافهة. ولكن التنبيه الموجّه إلى الوالدين يجعلنا نفكّر: نغيظهم بكثرة الأوامر والفرائض. نذلّهم بكلامنا وتصرّفاتنا: مبهول! أنت لا تفهم! ما "بيطلع" منّك شي! مثل هذه الملاحظة تطبع أولادنا مدى الحياة.
وإذا عدنا إلى القديس لوقا (2: 41- 52) نجد عائلة تعيش أزمة. ضاع يسوع مدة ثلاثة أيام في الهيكل. وحين وجده والداه تبلبلا. دُهشا. لم يفهما ما يقول لهما. كان صبياً طائعاً فصار "شاباً" مستقلاًّ، بل غريباً.
وعادا من جديد مع صبي خاضع ينمو مثل سائر الصبيان. هذا ما يحصل في بيوتنا حين يتبدّل أحد الأشخاص فلا نعرف سبباً لهذا التبدّل. في هذا الوقت نتطلّع إلى مريم: "كانت تحفظ كل هذا في قلبها". لا لتملكه وحدها بحرارة. بل لتعيشه كما يجب أن تعيشه، لتتأمل فيه أمام الله تأملاً يطلب من الرب وينتظر النور لكي يتابع الطريق.
نشكرك أيها الرب لأنك ارسلت إلينا ابنك الوحيد. فأخبرنا أنك أب. وعلّمنا كيف نكون أبناء حبّك اللامحدود. ونشكرك من أجل كل عيالنا وكل عيال الأرض. ففيها نساعد البشر على عيش حبك من أجلنا. نشكرك من أجل يوسف ومريم. معهما صار يسوع شاباً بين الشباب ورجلاً في المجتمع. معهما نكتشف كيف نحيا لأجلك.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM