يسوع كلمة الله مع القديس يوحنا : انا الراعي الصالح
 

 

انا الراعي الصالح
10: 11- 18

الراعي الصالح يضحّي بحياته في سبيل الخراف.
يسوع هو الراعي الصالح. الراعي "الجميل". فلا أجمل من أن يخاطر الراعي بحياته من أجل خرافه. تتكرّر هذه العبارة أربع مرّات في هذا المقطع فتشكّل له هيكليته. الخراف هي في خطر. وهناك الذئاب الخاطفون والمضلّلون الذين يرودون طالبين حياة الخراف. أما الراعي فلا يهتمّ بخطر من أجل قطيعه. وسيأتي يوم يهاجمه الذئب. ولكن لا أحد يغلبه. إن مات فسيموت حراً. وإن قتلوه، فلأنه اختار هذه الطريقة ليفدي أحبّاءه، فلأنه اختار طريق الموت. إنه ليس إلاّ ضحية تفانيه. بل هو أحبنا حتى مات من أجلنا. إنه ذلك الذاهب إلى الموت بحريّة تامة. ذلك الذي لا يستطيع الموت أن يبقيه تحت سلطانه. يمسك في يده سلطة الأمانة للاب. هذه هي دعوته، وهذا هو مصيره. إنه سيد المستحيلات!
يعيش في الخطر لأنه يعيش حياته بحرارة. هو يسيطر على حياته فلا يسمح لأحد بأن ينتزعها منه. في البداية (10: 1- 10) كان الباب، كان المعبر الضروري للخراف. وترك البوّاب (= الله) هذا الذي يدعو الخراف باسمائها، تركه يدخل. ونحن نعرف الآن أنه هو، وأنه "يعرفها". هو يعرف كل شيء عن حياتها. ويهتمّ بها كراعٍ حقيقي مُغرم بكل فرد في قطيعه. كل واحد هو لؤلؤة في مجموعته، وليس رقماً من الأرقام. لقد اختبر حبّ أبيه الشخصي، وهو يوجّه كل انتباهه إلى كل واحد من خرافه. كل واحد له اسمه، وهو معروف، وهو فريد، وله هويّته.
ليست الخراف "موضوع" انتباهه. وليست مواد "ربّيحة". قيمتها كبيرة في نظره. يحمل همّها ومسؤوليتها. وكل هذا بحبّ عظيم. الأجير يُدفع له أجر لقاء عمل. هذا لا يعني أن المال شيء رديء. فهو يساعد على تسيير المشاريع. ولكن الاهتمام بالبشر شيء آخر. لا شيء يساوي العلاقة التي تجعلنا لا نفكّر فقط في حياتنا "الصغيرة".
الذئب هو اللص الذي يضحّي بالانسان من أجل مصالحه. أما الراعي الصالح فيقضي وقته في البحث عن الخراف الضائعة. وعددها كبير. وهي ليست من هذه الحظيرة. إذن، لا يكفي أن نسوس القطيع. بل يجب أن نعمل لئلا يضيع خروف واحد. كما نعمل لنستعيد الذين طردوا: الأنجاس، الخطأة، الغرباء...
البعيدون في الأرض يسمعون صوته هم أيضاً. لا أحد يفلت من اهتمامه وعنايته. الفقراء لا يتحرّكون ولا يراهم أحد. إذن، يجب أن نبحث عنهم. هذه هي العبرة الكبرى لهذا الانجيل "الغريب". الراعي الصالح يغامر. دعوته تقوم بأن ينمي القطيع. لا حباً بالعظمة بل شوقاً إلى الوحدة. لهذا يجب عليه أن يعطي حياته. فالدعوة تتجذّر في سرّ الفصح الذي يحيي ويجعلنا نعطي الحياة.
"أنا الراعي الصالح". يسوع وحده هو الراعي الحقيقي. هو الراعي الصالح لأن حياته تجسّد صلاح إله العهد وحقيقته. هو وحده يريد ما هو صالح وطيّب للبشر. وإن جاء فلهذا الهدف فقط. وفي الواقع، إن الميزة الوحيدة للراعي الصالح (يكرّرها يوحنا مراراً) هي أن "يبذل حياته من أجل خرافه". هو صالح لأنه يبذل حياته، ولأن ليس من برهان أعظم من أن يبذل الانسان حياته عن أحبّائه.
هذا الراعي الصالح بعيد كل البعد عن "الأجير"، عن الراعي الذي يعمل لقاء أجر. فصورة المسيح، الراعي الحقيقي، تتعارض مع كل أشكال السلطة البشرية التي تحاول أن "تجزّ" الآخرين من أجل مصلحتها وأنانيتها. كما تتعارض مع "مسؤوليات" لا تكون تضحية بالذات من أجل خدمة الأخوة.
وسمّى يسوع أيضاً نفسه "الراعي الصالح" لأنه "يعرف أخصّاءه" و"يعرفه" أخصّاؤه. وهذه المعرفة ليست نظرية ولا باطنية. هي إتحاد حيّ، إتحاد القلب والفكر. هل إيماننا هو في الحقيقة علاقة حبّ وخبرة حياة حميمة وشخصية متبادلة؟!
ليست الكنيسة "قطيعاً" لا قائد له. هي إتحاد مع الراعي الصالح الذي يبدو له كل مؤمن على أنه "خروف فريد" يدعوه باسمه. هذا ما يدهشنا. فيسوع يقابل هذه المعرفة الحميمة التي يكنّها الراعي لكل منا، بالرباط الروحي والبنوي الذي يربطه بالآب. هذا يعني أننا لم ننتهِ من اكتشاف غنى علاقتنا مع المسيح.
"ولي خراف أخرى ليست من هذه الحظيرة، فيجب أن آتي بها". إن رغبة يسوع بأن يكون مع خرافه، لها بعد شامل (على مستوى الكون). فحبّه كراع ساهر يمتدّ إلى جميع البشر دون تمييز بعرق أو بلد أو دين. ففي كل مكان له خرافٌ مستعدة لأن "تسمع صوته" و"تتبعه". يريد أن يقودها كلها إلى "الحياة الابدية". فالحظيرة الوحيدة التي لا ترذل أحداً ليست مكاناً محدّداً. إنها حياة، حياة الآب.
ويتابع الراعي الصالح مهمّته الشاملة في الكنيسة. إن كنيسة المسيح لا ترتبط "بحظيرة" حضارية، ولا ببنية من البنى. إنها حضور، حضور الراعي الصالح الممجّد الذي يحافظ على وحدة القطيع. ففي عملنا من أجل الوحدة، يجب أن لا ننسى أن الهدف ليس "الحظيرة" أو هذه الفئة أو تلك من الفئات المسيحية، بل سماع صوت الراعي الوحيد الذي ينادي كل إنسان باسمه.
"الآب يحبّني لأنيّ أبذل حياتي". هذه العلاقة المُحبة مع الآب هي الاساس الشرعي الوحيد لمطالبة المسيح بأن يكون راعي الكون كله. ولماذا يحبّه الآب؟ لأنه حين يعطي حياته يكشف عن حب الآب وينبت شعب الله الجديد.
هذه الحياة "لا يستطيع أحد أن يأخذها مني. فأنا أعطيها". هذه هي حرية يسوع السامية. هو لا يخضع للموت كقدر لا مفرّ منه. بل يقبله كموضع وحي لحبّ الآب. وارتبط هنا موته وقيامته كمرحلتين في تتميم مهمة واحدة هي: إعلان صلاح الآب وحنانه.
من هو هذا الرجل الآتي من بعيد، يقطع جبالنا وودياننا، سهولنا وغاباتنا، حاضرنا وماضينا؟ من هو الذي خطاه خطى راعٍ يمسك عصاه بيده بشكل صليب؟
من هو هذا الرجل الآتي من بعيد؟ يحاول أن يجمع قطيعه المشتّت. ويشعّ وجهُه فرحاً حين يحمل على كتفه أو بين يديه جزءاً من البشرية سرقه لص من اللصوص.
من هو هذا الرجل الآتي من بعيد؟ يداه ورجلاه تعبت حتى الدم. ينصب صليبه على مفترق الطرق، في الزمان والمكان لكي يتبعه قطيعه ولا يضلّ الطريق.
من هذا هو الرجل الآتي من بعيد؟ يدعو بعض الصيادين والفلاحين ويعلّمهم مهنته: اختيار المراعي، الاهتمام بالخراف، لا سيما المريض والمجروح. ونقل هذه العصا الجديدة التي بشكل صليب إلى كل راعٍ جديد.
من هو هذا الرجل الآتي من بعيد؟ يجمع خرافه المشتتة في أربعة أقطار أحلامها الضائعة في الضباب والظلمة، ليقودها إلى المراعي الخضراء، إلى الجبل المشعشع بالنور.
من هو هذا الرجل الآتي من بعيد، الذي سحرني فسرت وراءه في الطريق؟ إنه الراعي الصالح الذي يبذل حياته من أجل أحبّائه!

 

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM