الفصل الحادي والثلاثون :فكر بولس وتطوّره من خلال رسائله

 

الفصل الحادي والثلاثون
فكر بولس وتطوّره
من خلال رسائله

تحدّثنا في فصل سابق عن أصل فكر بولس ومكوّناته. وها نحن في هذا الفصل نرافق تحوّل المركّبات العديدة التي حاولنا أن نحلّلها. نشير هنا إلى أن الاتحاد بالمسيح هو موضوع أساسيّ في اللاهوت المشترك في الكنيسة الأولى. وهو منذ البداية أساس فكر بولس والمشرف على مختلف نظراته. ونقول الشيء عينه عن "الخلاص الابدي" أي النجاة من الخطيئة والبلوغ إلى الله. وسيكون تحوّل على مستوى البرّ والاسكاتولوجيا وأمور أخرى. هذا ما نحاول أن نتتبّعه في مختلف الرسائل البولسيّة.

1- 1 و2 تس
في 1، 2 تس اللتين كُتبتا في كورنتوس في شتاء 50 أو ربيع 51. احتلت الاهتمامات الاسكاتولوجيّة المركز الأولى. فالقرّاء، شأنهم شأن بولس نفسه، انتظروا حقًا مجيء يسوع القريب (1 تس 4: 15-17). حذّرهم بولس من انتظار في غير محلّه يولِّد الاضطراب والبطالة (1 تس 4: 11؛ 5: 14؛ 2 تس 6:3-12). ولكن إن طلب منهم أن ينتظروا بهدوء لأن لا أحد يعرف ذاك اليوم بالضبط (1 تس 5: 2-3؛ 2 نتس 2: 1-3)، إلاّ أنه ما زال يفكّر أن يوم مجيء الرب لن يتأخّر. لهذا، ظلّ يهتمّ بالسيناريو الجلياني الذي تلقّاه من التقليد اليهوديّ: البوق، الغمام، النار المحرقة والمنتقمة (1 تس 4: 16-17؛ 2 تس 1: 7- 10). الخصم، سرّ الاثم، العائق الذي يمنعه من الاجتياح (2 تمس 3:2-10).

2- الأولى إلى كورنتوس
وتظهر بعض سمات هذا السيناريو في 1 كور: ليس فقط في تدمير قوى الشرّ بيد المسيح، ساعة مجيئه (24:15)، بل في البوق الأخير أيضًا (15: 52). أما خطورة النهاية التي تلحّ على المؤمنين، فندركها في التعليمات حول الزواج: "الزمان قصير... صورة هذا العالم إلى زوال" (7: 29- 31). وبدا بولس متطلّعًا إلى احتمال أن يكون بين الذين لا يموتون، بل يتحوّلون (15: 51). وسيكون موقفه في هذا المجال مختلفًا كل الاختلاف في 2 كور. وهذا ما يدعونا إلى جعل مسافة زمنيّة بين 1 كور و 2 كور. قد يحدّد موقع 1 كور خلال الاقامة في أفسس حوالي 55 وقبل المحنة الكبرى التي جعلته يرى الموت وتقوده إلى التطلّع إلى موته الذي سيكون قبل مجيء المسيح. إن 8:16 يجعلنا نظنّ أنه سيترك أفسس. ولكن هذا الفصل الأخير قد يكون أضيف فيما بعد على رسالة سابقة، وذلك ساعة ترتّبت المجموعة البولسيّة.
في هذه الرسالة الغنيّة والمتشعّبة التي تعالج مختلف المسائل التي طرحتها جماعة كورنتوس، نلاحط أن الخلاص بالصليب هو موضوع حظيَ بتوسّع لافت حول حكمة العالم وجهالة الصليب (17:1؛ 2: 16). أما موضوع التبرير، فقد لامسه الرسولُ بشكل لافت، ولكن في ألفاظ تجعلنا نستشفّ منذ الآن فكر بولس الجدليّ، كما سوف يتوسّع فيه في غل وروم. صار المسيح "برًا" لأجلنا (1: 30). "شوكة الموت هي الخطيئة، وقوّة الخطيئة هي الشريعة" (56:15).
وموضوع الخلاص الطبيعي (أي على مستوى الطبيعة البشريّة، نفسًا وجسدًا) يظهر عند عدّة مفترقات، وفي ظروف محدّدة: نرى أن بولس يرى الخلاص في اتحاد جسد المسيحيّ مع جسد المسيح. وأوّل ظهور لهذا الموضوع نقرأه في حديث حول الزنى (6: 2-20)، فنرى فيه واقعيّة كبيرة. أما تطبيقه على الافخارستيا، فيحدّد موقعه على المستوى الاسراريّ (10: 16-17). فسَّر بواسطة استعارة "الجسم الاجتماعيّ" الذي هو صورته لا ينبوعه (12: 12- 28)، فألقى ضوءًا على مسائل الحياة الجماعيّة التي تُطرح بشكل دقيق في كورنتوس: النظام في الاجتماعات الليتورجيّة (12: 2- 74)، استعمال المواهب بشكل متناسق (12: 4- 11، 28-30؛ 14: 1- 40).
وقيامة الاجساد التي هي عنصر جوهريّ في الكرازة، طرحت سؤالاً على الفكر اليونانيّ في كورنتوس. حاول بولس أن يقدّم شروحه مستعينًا بالتشابيه (35:15- 41). وهذا ما قاده إلى إعطاء تحديد أوضح فيه حالة الجسد "الروحاني" لدى آدم الآخر والذين يرتدون صورته (15: 42-46). ويذكر النصُّ البُعد الكوني لعمل المسيح والخلاص المسيحيّ مرّات عديدة (8:2؛ 6: 3؛ 8: 6؛ 15: 24)، ولكن بطريقة خفرة. وهذا ما يفهمنا أن هذه الوجهة من الخلاص هي ثانويّة في نظر بولس. وسوف ننتظر أزمة كولسّي لنرى توسيعًا مستفيضًا في هذا المجال

3- الرسالة إلى فيلبي
هذه الوجهة الكونيّة لانتصار المسيح الاسكاتولوجي (في نهاية الكون)، هي صدى لوجهة وجود أول للابن منذ الأزل، ونحن نجدها في فل التي تعود إلى سجن أفسس حوالي سنة 56-57. لاشكّ في أن هذه المعطيات نجدها في نشيد سابق لبولس. ولكن حين أخذه بولس تبنّى أفكاره. نكتشف عبارات لافتة حول الاتحاد بالمسيح وبعواطفه بما فيها من تواضع وتضحية (2: 1- 5)، وبآلامه وقيامته (3: 10- 11). هنا أيضًا يظهر بشكل مقتضب ولكن لافت، موضوع البرّ بالايمان لا بالشريعة (3: 6، 3) الذي سيتوسّع فيه بولس في غل وروم. ونلاحظ في 1: 20-24 أول تلميح بولسيّ إلى موت قريب، مع السؤال الذي يطرحه هذا الموت حول حياة "مع المسيح" حالاً بعد الموت. ولكن هذا السؤال سيجد جوابه في 2 كور 5: 1- 10. وكل ما نرى في فل 3: 20- 21، هو أن قيامة الاجساد تبقى مرتبطة بيوم مجيء المسيح.

4- الثانية إلى كورنتوس
حين دوّن بولس 2 كور، في مكدونية، خلال خريف 57، كانت نظرته الاسكاتولوجيّة قد تبدّلت تبدّلاً ملحوظًا، أقلّه في ما يخصّه. فقد قاسى في أفسس محنة قاسية ما زلنا نجهلها. وهي محنة جعلته في خطر الموت (8:1- 9). ولكن الله نجّاه منها (1: 10). غير أن هناك مقاطع عديدة تدلّ على أنه يحسّ بنفسه أنه صار سريع العطب (4: 11-12، 16؛ 11: 23؛ رج فل 2: 17). وهذه النظرة التي انضمّت إلى هجمات ضد رسالته من قبل "بسيدو- رسل" أو "رسل مزعومين" (11: 13)، كانت السبب في توسّعات رائعة حول الضعف الذي يرافق عظمة الخدمة الرسوليّة (4: 7-12؛ 6: 4-10؛ 12: 7- 10؛ رج 1 كور 9:4-13). ولكن، إن كان سيموت باكرًا، قبل المجيء، فكيف يكون "مع المسيح"؟ في فكرة غامضة، ولكن مؤثّرة (5: 1- 10)، تطلّع إلى ارتداء قريب "لمسكن أبديّ لم تصنعه أيد بشريّة، وهو في السماء". أو أنه يتطلّع إلى قيامة تحصل حالاً بعد الموت، أو أنه يتطلّع إلى جسد المسيح القائم من الموت، الذي يحسّ أنه متّحد به اتحادًا عميقًا بالمعموديّة وحياة الروح، بحيث يجد فيه سند وجود اسكاتولوجيّ تام.
إن تأخّر المجيء الذي اختبره بولس المرّة بعد المرّة، كانت له نتائج على ممارسة رسالته. بما أن تلك هي مشيئة الله، فالكنيسة تقيم في العالم. ويجب تنظيم برنامج حياة لها، وإن كان هذا البرنامج موقّتًا. فمنذ 1 كور، قدّم الرسول توصيات للمحافظة على وحدتها (1: 10-16؛ 3: 1- 15)، وعلى المستوى الأخلاقيّ فيها (5: 1-13؛ 6: 12- 20)، لترتيب الزواج والبتوليّة (ف 7)، والعلاقة مع الوثنيين (المحاكم 6: 1-8؛ اللحوم المذبوحة للأوثان، ف 8- 10)، لتأمين النظام في الاجتماعات (12: 2-14: 40). وفي 2 كور المكرّسة لتبرير رسالته ومخطّطات السفر، اهتم بولس بأن ينظّم اللمّة التي تعين الفقراء في فلسطين، وتقوّي التفاهم بين الجماعات سواء جاؤوا من العالم اليهوديّ أو العالم الوثنيّ (ف 8-9).

5- الرسالة إلى غلاطية
حين كان بولس في أفسس، عرف بخطر العودة إلى الشريعة الموسوية، الذي كان يهدّد كنائس غلاطية. فردّ على هذا الخطر بواسطة غل التي دوّنت في نهاية الاقامة في أفسس، أو في مكدونية. وعارض هذه النظرة بجدليّة حول التبرير بالايمان لا بأعمال الشريعة. سبق لبولس ولامس هذه المسألة في بعض المناسبات (1 كور 1: 30؛ 6: 11؛ 15: 56؛ فل 3: 6، 9)، وها هو يعالجها هنا في العمق. قدّم بولس كلامه بحدّة الحرب ودافع بحماس كبير عن انجيله وعن رسالته لدى الوثنيين. جاء البرهان قويًا مقنعًا، بعد أن استند إلى الكتب المقدّسة على طريقة الرابينيين في بعض المرّات (4: 21- 31).
إن موضوع التبرير الذي أوجزناه في فصل سابق، يحتلّ هنا مركز الفكر. ولكن سائر السمات في شميلة بولس، ستظهر على مدّ النصّ: الاتحاد بالمسيح المصلوب (2: 19- 20) بالايمان (2: 20؛ 3: 26) والعماد (3: 27).، وهذا ما يلغي كل تمييز على مستوى العرق والوضع الاجتماعيّ والجنس (3: 28)، فيقيم "الخليقة الجديدة" (6: 15) والحياة في الروح الذي يمنحنا البنوّة بالتبّني (4: 5- 7). وتكون الحرب على البدن، أو اللحم والدم (5: 16-24). وتُطرح الحريّة التي تضبطها المحبّة (13:5-15). وتظهر في غل للمرّة الأولى الشريعة الموسويّة وسائر الشرائع الدينيّة في العالم القديم (أي عالم الغلاطيين القديم، حين كانوا بعد وثنيّين). كما تظهر القوّات الكونيّة المسمّاة "عناصر الكون" (أو= العالم) التي تتحدّث عنها كو 4: 8- 10 بوضوح. غير أن القلق الاسكاتولوجي وانتظار المجيء غابا عن غل. فميراث ملكوت الله سيكون في الزمن المقبل (5: 21)، والوصول إليه ليس في الوقت القريب.

6- الرسالة إلى رومة
بعد ذلك الوقت بقليل، وساعة كان بولس في كورنتوس، دوَّن روم في شتاء 57-58. أراد أن يقدّم نفسه إلى جماعة عاصمة الامبراطوريّة، التي ترجّى أن يزورها قريبًا (روم 1: 1-15؛ 15: 22-29؛ رج أع 19: 21)، فرأى المناسبة مؤاتية ليقدِّم شميلة عن فكره كما نضج بعد أزمة غلاطية، وليستعيد بشكل منظّم وواضح مسألة الشريعة والايمان. فما كان في غل سيلاً متدفقًا يُزيل من أمامه كلَّ شيء، صار في روم نهرًا هادئًا يقدّم براهين تبدو في ثلاث محطات.
- عبور من الخطيئة إلى برّ الخلاص (18:1؛ 10:5): قبل المسيح (8:1؛ 3: 20). مع المسيح (3: 21؛ 5: 11).
- عبور من الموت إلى الحياة (5: 2؛ 23:6): قبل المسيح (5: 12- 21). مع المسيح (6: 1-23).
- عبور من الجسد (البدن، اللحم والدم) إلى الروح (7: 1؛ 8: 39): قبل المسيح (7: 7-25). مع المسيح (8: 1-39).
إن الوجهات الاساسيّة في الخلاص المسيحيّ المرتبطة بموضوع التبرير، تظهر مرارًا في هذه الرسالة: الفداء (3: 24). التكفير (3: 25). المصالحة (5: 10- 11) المعموديّة (6: 1- 11) البنوّة بالتبّني (8: 14-17). أما في الأقسام اللاحقة من الرسالة فنجد كلامًا حول التوافق بين الأعضاء في جسد المسيح (12: 3-8)، والعلاقات الاجتماعيّة (13: 1-7)، والحريّة التي تضبطها المحبّة تجاه "الضعفاء" (14: 1-15: 2). وظلّت النظرة الاسكاتولوجيّة ظاهرة هنا كما في غل، فارتدت وجهة كونيّة لافتة (18:8-25). غير أن التعبير عنها جاء اصطلاحيًا (13: 11-12)، فترك جانبًا تلك العاطفة التي تلحّ على الانسان بأن يستعدّ لمجيء الربّ.
مقابل هذا تلقّت العلاقات بين اليهود والوثنيين على مستوى الخلاص، اهتمامًا خاصًا وجديدًا جدًا. اكتفت الرسائل السابقة بحرب كلاميّة محدودة ضدّ اليهود (1 تس 2: 14-16؛ غل 3: 2-3، 18-19؛ 1 كور 1: 22-23؛ رج 2 كور 11: 24). وعوّضت عن هذا الكلام بإعلان يقول إنهم مدعوون إلى الخلاص في المسيح، شأنهم شأن الوثنيين (1 كور 1: 24؛ 9: 20؛ 13:12). غير أن هذا الكلام ظلّ في العموميّات.
ولكن موضوع التبرير دفع بولس إلى أن يفكّر بالتطبيق الملموس لهذا المبدأ النظريّ. كما أن خبرته الرسوليّة بيّنت له أن دخول اليهود في الخلاص المسيحيّ ما زال بعيدًا جدًا. كان في غل 1: 13-2: 21 قد ذكر كيف أنه، هو اليهوديِّ المولد، وعُمُد أورشليم معه، قد قبلوا بأن يتخلّوا عن الشريعة ويعيشوا "مثل الوثنيين" في الايمان بالمسيح فقط. ولكنه هاجم في الوقت عينه "الاخوة الكذبة" (أكانوا يهودًا أو مسيحيّين متهوّدين) الذي يريدون أن يفرضوا نير الشريعة (5: 7-12؛ 6: 12-13) على الآتين من العالم الوثنيّ.
أما في روم، فاستعاد بولس بشكل منهجيّ هذه المسألة التي وصلت به إلى حائط مسدود: أولاً في 1: 18؛ 3: 20 باتّهام قاس يبيّن فيه أن اليهود والوثنيين هم تحت الخطيئة، وأنهم كلَّهم يحتاجون إلى الخلاص الذي يحمله المسيح. ثانيًا في ف 9- 11 حيث يتساءل بقلق عن السبب الذي لأجله فشل المخطّط الالهي فشلاً ظاهرًا من خلال مقاومة اسرائيل. ما خفّف ذنبَ اليهود الذين تمرّدوا على الانجيل، بل أكدّه (سقوط في 9: 32؛ 11: 11- 12، 22؛ عصيان في 10: 18- 21. قساوة قلبهم في 11: 7- 10، 25؛ لاإيمانهم في 11: 23؛ عصيانهم في 10: 21؛ 11: 30- 31؛ رفضهم في 3:10). وحاول أن يتلمّس الأسباب السريّة (11: 35) التي جعلت الله يتحمّل انتباذ (11: 5) شعبه المختار، وانتزاعه (17:11، 18-22). واقتنع أن مثل هذا الشك هو موقت ويرتبط بعناية الله.
فالله الامين لحبّه (28:11-29) لم يرذل شعبه (2:11). فمن "بقيّة" صغيرة أمينة، صنع بواكير شعب جديد، ذريّة ابراهيم الحقيقيّة (9: 6-8؛ 11: 1-6). وإذا كان سمح بقساوة "جزء من اسرائيل، ليسهّل دخول الوثنيين" (11: 11-15، 25)، فهو سيطعّم على الزيتونة تلك الأغصان التي قُطعت موقتًا. وهكذا يخلص "كل اسرائيل" (26:11). يخلص بكليّته (11: 12، عبارة متفائلة تقابلها عبارة "بعض" في 11: 14). نكون هناك كما في "قيامة من بين الأموات" (11: 15). هذا لا يعني القيامة العامّة في نهاية الأزمنة، بل عمل قدرة ذاك الذي وحده "يهب الحياة للموتى" (4: 17؛ رج 2 كور 1: 9). هذا سيكون عودةَ الابن الأكبر الذي حلّ محلّه الابنُ الضال (رج لو 15: 24، 32). وتعزّى بولس بهذا الرجاء. ولكننا ما زلنا في الرجاء. وسوف نرى الموقف الذي يأخذه بولس في أف.

7- الرسالة إلى كولسي
انفصلت كو عن مجموعة "الرسائل الكبرى" (1 و2 كور، غل، روم، فل) بفسحة زمنيّة تمتدّ على ستة أعوام تقريبًا. قد تكون دوّنت في أسر رومة (لا قيصرية ولا أفسس)، وفي نهاية السجن الأولى سنة 63-64. فرسالة فيلمون التي عاصرتها، تتطلّع إلى تحرّر قريب من السجن سيعرفه المرسل (فلم 22). وهكذا تسنّى لفكر بولس أن يتطوّر، لاسيّما وأن أزمة جديدة جاءت تخصب فكره. فإبفراس، التلميذ الذي بشّر كولسي خلال إقامة بولس في أفسس (رج أع 19: 10)، جاء إلى رومة يخبر معلّمه عن الضلالات التي تهدّد إيمان الجماعة الصغرى. وتتميّز هذه الضلالات بعودة أصوليّة وتنسكيّة إلى ممارسات العالم اليهوديّ، وباهتمام مفرط بالقوّات السماويّة: هناك خطر بإعادة الشريعة الموسويّة إلى الأمام وكأنها تكفي للخلاص أو تزيد على الخلاص. وهناك اساءة إلى أولويّة المسيح المطلقة في نظام الخلاص.
ردّ بولس على هذين الخطرين، فأكدّ سموّ المسيح البروتولوجيّ (في البدايات) والاسكاتولوجيّ (في النهايات) بالنسبة إلى القوات السماوية. وشجب "تعايشًا" بين هذه القوّات وشرائع العالم القديم الدينيّة، بما فيها الشريعة الموسوية، بحيث إن زالت واحدة زالت الأخرى. ينتج عن هذا في كو، أفق كونيّ تستنير به مواضع أشارت إليها رسائل سابقة.
هناك نقّاد يرفضون نسبة هذه الرسالة إلى بولس. يبدو أنه هو صاحبها، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن لاهوته نما وتطوّر، وأن مواضيع رُسمت رسمًا سريعًا وبشكل عابر فيما مضى، فظهرت الآن في المكانة الأولى. هذا ما سوف نكتشفه في تحليلنا. وبجانب الافق الكونيّ، نلاحظ اسكاتولوجيا قد تحقّقت وما زالت: فمع أن المجيء تأخّر، إلاّ أن بولس شدّد تشديدًا خاصًا على واقع الخلاص الذي نمتلكه منذ الآن.
أ- واقع المسيح
ظلّ واقع المسيح معروضًا حسب الرسمة الاساسيّة في الكرازة: الصلب والدم، الموت والقيامة (الآب أقامه)، الانتصار السماوي (1: 20- 21؛ 2: 12؛ 3: 1). غير أن هذا العنصر صار غلبة حاضرة منذ الآن، على القوّات الكونيّة (رج 1 كور 15: 24 حيث تتمّ الغلبة في الزمن المقبل). فالمسيح يسود عليها لأنه خالقها، في وجوده الكونيّ قبل الزمن (1: 15-17). ويسود عليها في انتصاره الاسكاتولوجيّ، في آخر الزمن (2: 15). إنه "رأسها" (2: 10). والكون كله الذي خضع هكذا للمسيح الخالق والمخلّص، صار "الملء" (1: 19؛ 9:2). ويتقبّل المسيحي من المسيح الخلاص، حين يتّحد به في الايمان (1: 4؛ 23: 2: 5- 7) والمعموديّة (2: 12).
ب- الخلاص الادبي (من الخطيئة)
الخلاص الادبي الذي هو عبور من الخطيئة إلى القداسة، يعبَّر عنه حسب ذات المواضيع الاساسيّة: الخطيئة السابقة (1: 21؛ 13:2، عالم خاطئ سابق). الغفران (2: 13). الفداء (1: 14). المصالحة (1: 22). من هنا تنبع حياة مقدّسة في حضرة الله (1: 22). وهذا العالم الخاطئ يبدو كسجن في "مملكة الظلمة" (1: 13). وامتدّت المصالحة إلى الكون كله (1: 20).
ج- الخلاص القانونيّ
الخلاص القانونيّ هو تحرّر من الشريعة وفرائضها البدنيّة، البشريّة، على مستوى اللحم والدم. وهذه الفرائض هي "ظلّ" الواقع الاسكاتولوجي (2: 11 تلميح معاد إلى الختان، 2: 16-23). ولكن خلف الشريعة، تقف القوّات السماوية التي تديرها وتجعل منها أداة سيطرة. كانت هذه القوّات الكونيّة صالحة في الاصل، على مثال الشريعة نفسها (رج رم 7: 12). وقد تماهت مع الملائكة الذين نقلوا الشريعة في سيناء (غل 3: 19؛ عب 2: 2؛ أع 7: 15) كما تماهت مع "عناصر الكون" التي تسود على شرائع العالم القديم (غل 4: 3، 9). غير أن هذه القوّات صارت اليوم تستعبد البشر وتستبدّ بهم. فمن تبع فرائضها كان وكأنه يتعبّد لها (18:2). ولكن حين دفع المسيح الصكّ الذي كان في يد الشريعة، جرّد هذه القوّات فصارت ضعيفة جدًا (2: 14-15). وبما أن الكولسيين ماتوا عن عناصر الكون هذه (2: 20)، فيجب عليهم أن لا يعودوا إلى عبوديّة "فلسفتهم" الباطلة (2: 8).
د- شموليّة الخلاص
ويتحدّث 3: 11 عن شموليّة الخلاص بشكل يذكّرنا بما في 1 كور 13:12؛ غل 3: 28. غير أن التأكيد يبرز في قوّة جديدة: "المسيح بينكم (أيها الوثنيون) رجاء المجد (1: 27). ذاك هو السرّ الذي كلّف بولس أن يحمله. لقد نال خدمة تدعوه إلى أن يحقّق مجيء الكلمة لدى الوثنيين (1: 25). وهو لأجلهم يتألّم (1: 24، 28، 29؛ 2: 1؛ 4: 3).
هـ- الخلاص الطبيعيّ
الخلاص الطبيعيّ هو عبور من الموت إلى الحياة، يدرك المسيحي حتى في جسده. يستعيده بولس بمناسبة الحديث عن المعموديّة التي هي موت وقيامة مع المسيح، بشكل يذكّرنا بما في روم 3:6- 11. لكنه يفعل ما يفعل بواقعية اسكاتولوجيّة متزايدة واستغلال منطقيّ لموضوع "الانسان القديم والانسان الجديد" (رج روم 6: 6). واستعاد موضوع "جسد المسيح" الذي تهيّأ في 1 كور وروم، مع إضافة هامّة تقول إن المسيح هو رأس هذا الجسد (1: 18؛ 2: 19). لاشكّ في أن الصورة اختلفت عمّا في 1 كور 12: 21. ولكننا لا ننسبها إلى مرجع غنوصيّ. بل هي مزيج موضوعين سابقين خاصَّين ببولس: موضوع "جسد المسيح". وموضوع المسيح "رأس القوّات" (2: 10). هو مزج بديهيّ هيّأه 1 كور 11: 3: "رأس كل إنسان هو المسيح".
ويعود استعمال "الملء" (بليروما) إلى عبقريّة بولس لا إلى عالم غنوصيّ عبّر عن ذاته كتابة في القرن الثاني. قد يكون بولس وجد هذه اللفظة في العالم الرواقي وفى الكتب الحكميّة لدى اليهود. أراد بولس أن يردّ على معلّمي كولسي فقال إن شخص المسيح وعمله الخلاصيّ يضمّان الكون كله، وليس فقط البشريّة المدعوّة لتكون جسده، والتي هي إطار البشريّة. لقد ضمّ يسوع كل العالم المخلوق بما فيه القوات السماوية، كما ضمّ العالم اللامخلوق، عالم الالوهة لأنه ابن الله. من أجل كل هذا، اعتبر الرسول أن كلمة "بليروما" أو ملء الكائن، تليق بهذا الوضع. وإذ أراد الله أن يصالح كل شيء في السماء وعلى الأرض "ارتضى أن يُحلّ في المسيح الملء كله" (19:1)، "ملء اللاهوت" الذي يُضاف إليه "جسديًا" (2: 9) بواسطة التجسّد والفداء، كلُّ الكون المخلوق الذي يأخذ على عاتقه بأن يعيده إلى بهائه الأول كما خرج من يد الخالق.
و- الاسكاتولوجيا
بدت الاسكاتولوجيا وكأنها تتحقق يومًا بعد يوم. لاشكّ في أن هناك بعدُ تطلعًا إلى الاستحقاق الأخير. والرجاء ما زالت "محفوظًا في السماوات" (1: 5؛ رج 1: 23، 27). والحياة "المخفيّة الآن مع المسيح في الله" لن تظهر إلاّ فيما بعد، ساعة تجلّي يسوع المجيد (3:3-4). غير أن تأخّر المجيء المؤجّل دومًا، يدعونا إلى أن نشدّد تشديدًا خاصًا على واقع الخلاص الذي نمتلكه منذ الآن. وإليك مثلين يبرهنان عن هذا الواقع. قال بولس في روم 6: 35 إن المعمّد يموت مع المسيح من أجل القيامة المقبلة. وفي كو 2: 12، هذه القيامة قد حصلت منذ الآن. في 1 كور 15: 24، أعلن بولس انتصار المسيح على القوّات السماويّة كواقع مقبل، كالفصل الأخير في دراما الخلاص. وفي كو 2: 15، قد حصلنا منذ الآن على هذا الانتصار.
ز- السرّ
ونزيد موضوعًا لم نتوقّف عنده كثيرًا فيما مضى: هو موضوع السرّ. وهو يميّز بشكل خاص كو وأف. ظهر مرّات عديدة في الرسائل السابقة، وفي معنى لا يربطه بالعالم السرّانيّ لدى الهلينيين، بل بالعالم الجلياني لدى اليهود: سرّ مخطّط الله الذي كُتم في الماضي وكُشف الآن. في 1 كور 7:2، كان هذا السرُّ سرَّ الخلاص بجهالة الصليب. وفي 1 كور 15: 51، هو مصير المسيحيين في المجيء، سواء كان قيامة أم تحوّلاً. في روم 11: 25، السرّ هو قساوة اليهود التي سمح بها الله ليتيح للوثنيين المجيء إلى الخلاص. وفي روم 16: 25-27، في مجدلة أخيرة، قد جاءت متأخّرة عن جسم الرسالة، صار السرّ نداء إلى جميع الوثنيّين لطاعة الايمان. تلك هي الوجهة التي استعادتها رسائل الأسر. ذكر كو 1: 26-27 هذا السرّ وأعلن غناه. بولس هو خادمه (1: 25) وهو لأجله يجاهد ويتألّم.
إن موضوع السرّ الذي كُشف "الآن" للقديسين (1: 26)، أي للمسيحيين، ولخدّام الكلمة خاصة، يجتذب موضوع "المعرفة الروحيّة" الضروريّة لفهمه. فهذه "المعرفة" (غنوسيس) المسيحيّة التي لا تمتّ بصلة إلى الغنوصيّة، كانت موضوع الرسائل السابقة، ولاسيّما في توسّعات 1 كور 18: 2-16 حول حكمة الله التي تعارض حكمة البشر، وفي ف 14 حوله المواهب الروحيّة كالنبوءة والتكلّم بالالسن (رج أيضًا الاعلان بشكل مجدلة الذي نقرأه في روم 11: 33-36).
فمنذ اكتشف بولسُ المسيحَ على طريق دمشق (غل 1: 12-16).، لم تغب عنه "الرؤى والايحاءات" (2 كور 12: 1-4) التي ألهمت رسالته. ولكننا ننتظر السنوات الاخيرة في عزلة سجنه الروماني، لكي نحسّ أنه "مسحوق" إعجابًا بمخطّط الخلاص الالهيّ. هذا ما قرأناه في كو 1: 25-27، حين يُعلن السر الذي سلِّم إليه. وفي 2: 2-3 هو يطلب لمؤمنيه أن "يبلغوا إلى الفهم الكامل بكل غناه، وبه إلى معرفة سرّ الله أي المسيح، المكنونة فيه جميع كنوز الحكمة والعلم". وفي 3: 10، يرى في ارتداد الانسان الجديد الذي يتمّ في المعموديّة، مسيرةً نحو المعرفة الحقّة التي تجدّد الانسان على صورة خالقه. وهذا المعنى للسرّ والمعرفة الروحيّة، سنجده أيضًا في الرسالة إلى أفسس.

8- الرسالة إلى أفسس
يرفض معظم الشرّاح نسبة هذه الرسالة إلى بولس". يجب أن نقرّ بأن تدوينها يطرح مسألة هامة. فكاتبها يستعيد مواضيع وألفاظًا نجدها في الرسائل السابقة، ولا سيّما في كو. وهكذا نكون أقله أمام تلميذ كان سكرتير بولس. أخذ أفكار بولس ودوّنها بطريقته. وقد يكون لبولس ضلع في تدوين بعض مقاطع منها. وقد تكون أف الرسالة التي انتظرها الكولسيون من لاودكية (كو 4: 16). وكما جاءت روم بعد غل، كعرض واضح وهادئ لما وصل إليه فكر بولس بعد أزمة غلاطية، هكذا جاءت أف بعد كو بشكل رسالة دوّارة توجّهت إلى كنائس آسية. أراد الرسول أن يتأمّل مخطّط الله الخلاصيّ في أفق توسّعَ وسع الكون. هذا لا يعني أن بولس يهتمّ كثيرًا بالوجهة الكونيّة للخلاص. فضلال الكولسيين أجبره على الاهتمام بالقوّات العلويّة ليعيدها إلى مكانها. فاهتمامه الحقيقيّ يتوجّه إلى خلاص البشريّة، إلى جسد المسيح، إلى الكنيسة. لهذا يعود شي أف إلى الاكليزيولوجيا، إلى نظرة إلى الكنيسة وُضعت في إطار كوني شامل.
ونجد في أف كما في كو المواضيع الاساسيّة التي وجدناها في الرسائل السابقة، وهي مواضيع الكرازة المسيحيّة الأولى: ماضي الخطيئة للوثنيين واليهود (2: 1- 3؛ 4: 17- 19. نحن هنا أمام ملخّص لافت لما في روم 1: 18- 32)، الفداء وغفران الخطايا بدم المسيح (1: 7)، قيامة المسيح بيد الآب الذي أجلسه عن يمينه (1: 20)، اتحاد مع المسيح بالايمان (1: 15؛ 17:3) والمعموديّة (4: 5؛ رج 5: 14)، حياة نقيّة ولا لوم فيها في حضرة الله (1: 4)، بنوّة بالتبّني (1: 5). وهناك المواضيع الخاصّة ببولس: خلاص بالايمان لا بالأعمال (2: 8- 9)، مسيحيون "أعضاء جسد" المسيح (5: 30)، الانسان القديم الذي حلّ محله الانسان الجديد الذي هو ثمرة الخليقة الجديدة (4: 22-24؛ رج 2: 10)، مواهب معدّة لبناء جسد المسيح (7:4، 11-12).
إن الوسع "الكونيّ" للخلاص الذي رأيناه في كو يعود في أف بشكل أعظم. وقد فُسِّرت الخطيئة بتأثير من القوّات الكونيّة التي اتّخذت وجه الشرّ: "رئيس قوّات الهواء" (2: 2). "ولاة عالم الظلمة"، "أرواح الشرّ المنبثّة في الفضاء" (6: 12). لقد أخذ المسيح الكون على عاتقه بنزوله تبعه صعود (4: 8، 10). والقوّات التي انتصر عليها تُعدَّد بتفصيل يدلّ على نفاد صبر (1: 21). وكما في كو، هذا الانتصار ليس في وقت مقبل، بل قد حصلنا عليه منذ الآن حسب اسكاتولوجيا "تحقّقت". جاءت عبارة أف أكثر تجرؤًا: لا يقول بولس فقط إن المعمّدين قد قاموا (كو 2: 12)، بل جلسوا في السماوات (أف 2: 6). أما المصالحة الشاملة التي قرأنا عنها في كو 1: 20، فاستعادتها أف مع لفظة تعني جمع ورفع كل ما في السماء وعلى الأرض (1: 10). جعلهم تحت وأس واحد هو المسيح. قد يكون أخضعهم بالقوّة أو ضمّهم إليه بالحبّ.
أما القوّات الكونيّة التي فرضت عليه أزمةُ كولسي أن يواجهها، فهي لا تهمّ بولس الآن في حدّ ذاتها. فاهتمامه كله يتوجّه إلى الكنيسة. هذه اللفظة التي لم تظهر في الرسائل السابقة في هذا المعنى الشامل (ما عدا في نصوص تتحدّث عن كنيسة الله، 1 كور 9:15؛ فل 6:3؛ غل 1: 13)، قد اتّخذت هنا أهميّة خاصّة. هي تتماهى مع جسد المسيح. والمسيح هو رأسها (1: 22-23؛ 23:5). وهي تُبنى بفعل هذا الرأس (4: 15-16). بل هي تماهت مع "الملء" (23:1)، وهذا ما أعطاها الوسع الكونيّ للعالم الجديد، بعد أن ولجه ملءُ الله (3: 19) والمسيح (4: 13).
لقد توسّع الاطار بعد كو، ولكن الفكر تركَّز مرّة أخرى على مسألة تشغل بال بولس: خلاص البشريّة. لهذا كان نداؤه الملحّ إلى الوحدة التي يجب أن تملك في جسد المسيح (4: 1، 16)، وعودته إلى وجهة عالجها في روم 9- 11، وهي جمع اليهود والوثنيين في المسيح. استعاد هذا الموضوع على ثلاث دفعات مع تفاؤل الاسكاتولوجيا التي تحقّقت. في 1: 11-12، 13-14، حدّد موقع اليهود ثم موضع الوثنيين في مخطّط الله الخلاصي. في 2: 1-6، بيّن كيف أن هؤلاء وأولئك هم خطأة معًا فخلّصوا معًا. وفي 2: 11-12 تحدّث بشكل تفصيليّ عن هذا الخلاص: في الماضي استُبعد الوثنيون عن الشعب المختار بالشريعة التي فصلتهم عن الآخرين فولّدت البغض. وها هم قد تصالحوا مع هذا الشعب بصليب المسيح، فحقّ لهم منذ الآن القرب إلى الآب، فبنوا كلهم معًا بيت الله.
اختلفت في أف اللهجة عمّا كانت عليه في روم 9- 11: فالبحث القلق عن حلّ، قد جاء مكانَه يقينٌ هادئ بأن الحلّ قد وُجد. مرّت ست سنوات فتأمّل بولس بهدوء وثقة في مخطّط الخلاص الذي تحقّق منذ الآن ملء التحقّق في المسيح.
وتأمِّل بولس في أف (كما في كو ولكن بحرارة أكثر) "السرّ" الذي أوحي له فعرفه (3 :2-4). وطُلب منه أن يكرز به (7:3-9؛ 6: 198- 20): ضمُّ الوثنيين، أي ضمّ البشريّة كلها مع إطارها الكوني إلى الخلاص الذي أعدّ لاسرائيل (1: 9-14). فللجميع "ميراث واحد وجسد واحد ووعد واحد" (6:3). "غنى نعمته الذي أعطي لنا في كل حكمة وفهم" (7:1-8). "كنوز المجد" التي نجدها في ميراث القديسين (18:1). عظمة قدرة الله الفائقة (19:1). "غنى نعمته الفائق" (7:2). "غنى المسيح الذي لا يُستقصى" (3: 8). "حكمة الله بوجوهها العديدة" (3: 10).
تتكدّس العبارات فتعكس مشاهدة الرسول بما فيها من حماس. لهذا فهو يتمنّى للمؤمنين "روح الحكمة والوحي" و"استنارة عيون القلب" (1: 17-18) التي تعطيهم أن يعرفوا هذا السرّ. ويحني بولس ركبتيه ويطلب إلى الآب في صلاة احتفاليّة أن يقوّي فيهم الانسان الباطنيّ ويجذّرهم في المسيح بالايمان والمحبّة لكي يتوصًلوا أن يفهموا "العرض والطول والعلوّ والعمق"، أن "يعرفوا حبّ المسيح الذي يفوق كل معرفة" (3: 14-19). في هذا الاسلوب مع ما فيه من تكرار نحسّ بقلم التلميذ الذي دوّن ما دوّن في خطّ الرسول.

خاتمة
منذ الارتداد على طريق دمشق، ومنذ 1 تس، كانت الطريق طويلة. طريق وعرة وخشنة، لا سهلة ومالسة. طريق متحرّكة ولا تسير في خطّ واحد. ولكنها طريق متواصلة وصاعدة. فإذا أردنا أن نمتلك هذا الفكر الغنيّ، يجب أن لا نترك معرجًا واحدًا من معارجه. وقد حاولنا أن نسير في فصلين متعاقبين فاكتشفنا بعض فكر بولس الذي ظلّ متماسكًا منذ الخبرة الأولى التي هي اللقاء الحيّ بالمسيح القائم من الموت.

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM