الفصل الثاني
كاتب أنجيل لوقا
كتب لوقا مؤلَّفًا واحدًا وقسَّمَه مجلَّدين: الإنجيلَ وأعمالَ الرسل. وحين كتب الإِنجيل، هدفَ من كتابته إلى تقديم "رواية للاحداث" لكي يعرف التلميذُ صحّةَ التعليم الذي تتلمذ له (1: 1- 4).
يحدّثنا التقليد منذ القرن الثاني عن لوقا ككاتب للإِنجيل. هو ذلك "الطبيبُ الحبيب" (كو 4: 14) الذي رافقَ القديس بولس خلال رحلاته الرسوليّة، بل حتى رومة. يقول سفر الأعمال (13:28- 14) "كنا في بوطيول، حيث وجدنا إخوة. فسألونا أن نقيم عندهم سبعة أيام. وهكذا جئنا إلى رومة". هذا ما يقوله لوقا عن بطرس وبولس، بل عن كلمة الله التي انطلقت من أورشليم فوصلت إلى رومة. فمن هو لوقا هذا في نظر التقليد، وإلى مَن كتب إنجيله؟
1- شَهادات التقليد الكنسيّ الأَوّل
أوّلاً: مرقيون في كتابه "ابوستوليكون" (الذي يتضمّن نصّ رسائل بولس الرسول). لم يحتفظ إلا بإنجيل واحد، هو إنجيل لوقا بعد أن غيَّر مُعطَياته وشوّهه كما يقول ترتليانس. وبما أنّ إنجيل لوقا هو الإِنجيل الثالث، فهذا يدكّ على أن كاتبه هو تلميذ القديس بولس، وإلا لما كان أخذ به مرقيون وهو الرافض لكل ما يمُتّ بصلة إلى العهد القديم.
ثانيًا: قانون موراتوري. هو مخطوط من القرن الثامن يحتوي وثيقة ترجع الى سنة 180 تقريبًا. يقول: "الثالث هو كتاب الإِنجيل بحسب لوقا. ولوقا هو هذا الطبيب الذي أخذه بولس، بعد صعود المسيح، وجعله رفيق أسفاره. كتب باسمه حسب تعليم بولس. هو لم يشاهد الربّ بالجسد. لهذا بدأ خبره انطلاقًا من مولد يوحنا، كما استطاع أن يدركه".
هناك مقطع تشوَّه فصار غامضًا. هل نقرأ "رفيق دربه" او "العارف (بطريق الرب)"؟ الأمران ممكنان. ثم إن العلماء قاموا بتصحيحات لهذا النصّ لتَسْهُل قراءته.
ماذا تعلّمنا هذه الوثيقة؟ لوقا هو صاحب الإِنجيل الثالث، وكان طبيبًا. ويلمّح النص إلى صعود المسيح الذي ينهي الأَنجيل الثالث ويبدأ سفر الأعمال. كان لوقا رفيق بولس، وقد أفاده بمعلوماته القانونيّة. وإذا أخذنا بشرح العبارة المشوّهة نعرف أن لوقا هو رفيق أسفار بولس. لم يرَ لوقا المسيح في الجسد، أي لم يرافقه خلال حياته على الأرض، فتعلّم على يد آخرين، ونقل مادّة إنجيله من أجل الهدف الذي وضعه نصب عينيه، مبتدئًا بمولد يوحنا المعمدان.
ثالثًا: مَطلَع مناهض لمرقيون
مطلع قديم جدًّا دُوِّن في اللاتينيّة. قال بعض الشُرّاح إنه يعود إلى القرن الثاني (160- 180). وقال آخرون إنه يعود إلى القرن الرابع. ماذا يقول هذا المطلع؟ "رجلٌ اسمه لوقا. من انطاكية سورية. تمرَّس بفن الطبّ. وتتلمذ للرسل. بعد ذلك، تبع بولس حتى استشهاده. خدمَ الربَّ بلا عيب، فما تزوَّج امرأة ولا أنجبَ أولادًا. توفي في بيوثية (منطقة في اليونان عاصمتها ثيبة) ممتلئًا من الروح القدس، وكان عمره 80 سنة. كانت قد دُوِّنت أناجيل، متى في اليهودية، مرقس في إيطالية. أما هو فدوّن هذا الانجيل بإلهام من الروح القدس في مناطق اخائية (في اليونان). أوضح في البداية أن أناجيل أخرى دُوِّنت قبل إنجيله، وأنه رأى من الضرورة أن يعرض للمؤمنين الذين من أصل يونانيّ خبرًا كاملاً ومدقَّقًا عن الأحداث...".
رابعًا: القديس إيريناوس. تعود شهادته عن كاتب إنجيل لوقا إلى زمن قانون موراتوري. قال في القسم الثالث من كتابه ضدّ الهراطقة: "وكذلك لوقا، رفيقُ بولس الذي دوَّن في كتاب، الانجيل الذي كرزَ به بولس" وقال إيضًا: "كان لوقا ملازمًا لبولس، وشريكَه في الكرازة بالانجيل. هذا ما يعلمنا به لوقا نفسه، لا ليفتخر بل ليُبرز الحقيقة". "أجل كان لوقا جديرًا بأن ينقل إلينا الإِنجيل". ويزيد إيريناوس: "لم يكن لوقا فقط رفيقَ الرسل، بل مُشاركَهم ومشاركَ بولس". وهذا ما يقوله بولس في رسالته: ديماس تركني وذهب إلى تسالونيكي. لوقا وحدَه معي (2 تم 10:4- 11). هذا يدلّ على أنّ لوقا كان متحدًا ببولس، ولم ينفصل عنه أبدًا. إذن، يشدّد إيريناوس على ارتباط لوقا بالرسل، ولا سيما ببولس الرسول.
خامسًا: ترتليانس. هو اكبر خصوم مرقيون. يهاجمه مستعينًا بإنجيل لوقا. يقول إن لوقا، تلميذ بولس، هو صاحب الإِنجيل الذي أخذه مرقيون فشوّهه وسمّاه "انجيل بولس". ويقدم ترتليانس دفاعه فيقول: يرتبط لوقا بالرسل، وهذا ما لا يقدر أن يطمح اليه مرقيون.
سادسًا: إكلمنضوس الإسكندراني (+216). يلمّح في الموشيات إلى أن لوقا كتب سفر الأعمال. وفي تفسيره لرسالة بطرس الاولى يقابل بين مرقس ولوقا. فكما ارتبط مرقس ببطرس، كذلك ارتبط لوقا ببولس. ما يهمّ أكلمنضوس ليس شخصيَّة الإِنجيليّ، بل علاقتُه برسولٍ من الرسل.
سابعًا: أوريجانس. وينقل إلينا أوريجانس معلوماتٍ آتيةً من محيط الإسكندرية ومن العصر الذي عاش فيه أكلمنضوس. يؤكد لنا أنه يوجد بين الأَناجيل الأربعة التي تقبّلتها الكنيسة من دون جِدال يوجد إنجيل لوقا الذي امتدحه بولس. لقد ألّفه من أجل المسيحيّين الذين من أصل وثني". هذا ما رواه أوسابيوس القيصريّ في كتابه التاريخ الكنسيّ مِمّا سمعه عن أوريجانس.
ثامنًا: أوسابيوس القيصريّ. هو أكبر شاهد على التقليد القديم، وهو يورد لنا التفاصيل التالية: وُلد لوقا في أنطاكية وكان طبيبًا. رافق بولس واتصل بسائر الرسل بصورة دائمة. دوَّن كتابين مُلهَمين من الله. اولا: الإِنجيل. إستند الى ما تعلّمه من الذين كانوا شهودًا للكلمة وخدّامًا لها. ثانيًا: أعمال الرسل. دوّنه بما عرفه بنفسه من أخبار الكنيسة الأولى. "وقيل إن بولس اعتاد أن يذكر الإِنجيل بحسب لوقا كلّ مرة كان يكتب، وكأنه يتكلّم عن إنجيل خاصّ به، فيقول: بحسب إنجيلي" (روم 2: 16؛ 2 تم 8:2). ويتحدّث أوسابيوس في مكان آخر عن لوقا فيقول: أمّا لوقا فقد دلّ بنفسه في بداية مؤلفه على الباعث الذي دفعه إلى الكتابة. حاول كثيرون... فرأى من الضروريّ أن يحرّرنا من افتراضات غير أكيدة قدّمها الآخرون، وأن ينقل إلينا في إنجيله الخاصّ خبرًا أكيدًا لما سمعه في رفقة بولس وفي أحاديثه مع سائر الرسل.
تاسعًا: إيرونيموس. إهتمّ بصورة خاصّة بالتقاليد الكتابيّة، وكان في أساس الترجمة اللاتينية المسمّاة الشعبية أو فولغاتا. إنه يشهد في شرحه لأشعيا ومقدّمة شرح متّى، على أنّ لوقا ألّف الإِنجيل الثالث وأعمال الرسل. وسيردّد التقليد اللاحق كل هذه الشهادات، وسيزيد بعض الأمور التي لا نستطيع أن نثق بها دائمًا لأنها دُوِّنت لتُرضي فضول القرّاء. قالوا: إن لوقا هو أحد السبعين الذين أرسلهم يسوع أمامه (10: 1ي)، وإنه أحد التلميذين اللذين رافقا الرب على طريق عمّاوس مع كليوبا. وقالوا: كان رسَّامًا فاحتفظ لنا بقَسَمات وجه مريم العذراء.
التقليد عامّ وشامل، وهو يصل إلينا من سورية ورومة (موراتوري) وغاليا (أي فرنسا الحاليّة) وأفريقيا (الشمالية، ترتليانس) والإِسكندرية (أكلمنضوس، أوريجانس). كلّ هؤلاء يجمعون على القول إنّ لوقا الطبيب ورفيق بولس قد دوَّن الإِنجيل الثالث.
2- القيمة التاريخيّة للتقليد الكنسيّ الأوّلاني
أثارت مُعطَيات التقليد موقفَين متعارضين: الموقف الأول يثقُ كلَّ الثقة بكل التفاصيل التي ردّدها الأقدمون؛ الموقف الثاني يتّخذ موقفًا معارضًا يستحقّ اللوم ايضًا، والقائلون به يرفضون أن يثقوا بمجمل التقليد.
لا شكّ في أنه يجب أن نميّز بين المعلومات التي حملتها لنا التقاليد القديمة، لا أن نرفضها جملة، وتفصيلاً. وهنا نتوقّف عند سِمتَين تميّزان عقليّة الأجيال المسيحيّة الأولى التي نقلت إلينا التقليد الأوّلاني. ثم نحكم على ضوء هذا الإِطار السيكولوجيّ على ما قيل من علاقة بين لوقا والإنجيل الثالث.
أوّلاً: نتذكّر بادئَ ذي بَدْء الطريقةَ التي بها كان الكُتّاب المسيحيّون الأوّلون يوردون نصّ الإِنجيل. فأكلمنضوس الرومانيّ وأغناطيوس الإِنطاكيّ وخلفاؤهما لا يذكرون عادة اسم الإِنجيليّ. غير أن بابياس ترك لنا في أجزاء كتبه التي وصلت إلينا اسم متى ومرقس. امّا سائِر الكتاب فيتحدّثون عن إنجيل يسوع، عن أقوال الرب... ونقول الشيء عينه عن المدافعين الأوّلين وعن أولى الكتب الغنوصية: يشيرون بوضوح إلى القديس بولس، وحين يصلون إلى الأناجيل، يوردونها على أنها كلمات المسيح وما تذكَّره الرسلُ من معلّمهم. بعد بابياس، سيأتي إيريناوس وقانون موراتوري فيذكران الأسماء الأربعة (أي الإِنجيليّين) أسماء الذين رتّبوا أقوال الرب. وبعد فترة من الإِيرادات الكتابيّة، بدأوا يتساءلون عن أقوال الرب وأعماله، وكان السبب خارجيًّان؛ هناك تجديد في التعليم يطلقه الهراطقة. كرز الغنوصيّون بإنجيل جديد، فعارضهم المسيحيّون بإنجيل المسيح الحقيقيّ الذي دوّنه الرسل (متى، يوحنا) أو تلاميذُهم المباشِرون (مرقس، لوقا). إهتمّ الكتاب بمحاربة الهراطقة فأوردوا أسماء الإنجيليّين الأربعة التي حفظت في الجماعات الكنسيّة (كما يشهد بابياس)، وحاولوا أن يبرهنوا أن الأصل الرسوليّ يكفَل هذه الكتيبات الأربعة التي اسمُها إنجيل متى ومرقس ولوقا ويوحنا.
ثانيًا: يجب أيضًا أن نشدّد على سِمَةٍ أخرى خاصّة بالمسيحيّة الأولى، ونبينّ أن التقليد لم يستنبط "الإنجيليّين". نستطيع أن نذكر أهميّة الأمانة للتقليد، وهذا ظاهر لدى القديس بولس الذي لا يريد أن يسلَّم إلى المؤمنين إلا ما تسلَّمه من الربّ (1 كور 23:11؛ 3:15). وإذا عُدنا إلى الكتَّاب الأوّلين، وجدنا عند أكلمنضوس الرومانيّ مثلاً وأغناطيوس الأنطاكيّ هذا التعلّق بالتقليد. وسيعلن بابياس أسقفُ هيرابوليس حوالي سنة 130، تعلّقه بصوت التقليد الرسوليّ الحيّ والمتواصل الذي احتفظت به الكنيسة، وأورده تلاميذُ الرسل. ونذكر أيضا حوالي منتصف القرن الثاني أقوال بوليكربوس التي ردّدها إيريناوس، وأقوالَ إيريناوس وترتليانس. إن كانت هذه الأسماء خاطئة، فما قيمةُ السلاح الذي به يحاربون مرقيون وولنطينس وغيرَهما من الهراطقة؟
ثالثًا: ونصل الآن إلى لوقا. فالإطار السيكولوجيّ الذي ذكرناه لا يسمح لنا أن نوافق على موقف الذين قالوا: كما ارتبط إنجيل مرقس بكرازة بطرس، هكذا جاء من ربطَ إنجيل لوقا بكرازة بولس. أكّد التقليد الخارجيّ على سلطة إنجيل لوقا، فبحث الأقدمون عن هذه العلاقة في الرسائل البولسية حيث يُذكَر اسم لوقا (كو 14:4؛ فلم 24؛ 2 تم 4: 11)، وفي طريقة لوقا في تدوين أعمال الرسل في صيغة المتكلم الجمع (مثلاً، 13:20 "أما نحن فركبنا السفينة وأبحرنا إلى أسوس لنصحب منها بولس"). إذا كان اسم لوقا فرض نفسه، فالأمر عائد الى تقليد أوّليّ احتفظت به بعض الجماعات، واستغلّه الكتّاب المدافعون فيما بعد ليؤكّدوا السلطة الرسوليّة التي تتحلّى بها الأناجيل الأربعة كما تسلّمتها الكنيسة.
3- أين كُتب الإِنجيل الثالث ومتى كُتب؟
أوّلاً: أين كتب؟ عُيِّنت أماكنُ عديدة كموضع دُوِّن فيه إنجيل لوقا. وهذه الاشارات التي نقرأها في عناوين بعض المخطوطات، هي استنتاجات من نصّ العهد الجديد، ولا سيّما من مقاطع سفر الأعمال الواردة في صيغة المتكلّم الجمع، أو هي تعود إلى معطَيات التقليد الخاصّ بمرقس ويوحنا. قال إيرونيموس: إن لوقا دوَّن إنجيله في أخائيّة أو بيوثية وأورد غريغوريوس النازينزي اسم أخائية. وقيل اليونان وبالأخصّ كورنتوس، وقيل الإسكندريّة وآسية الصغرى ورومة وقيصريّة. وقال المطلع المناهض لمرقيون: في اليونان.
هذا يعني أنّ التقليد الخاص بموضع تدوين الإِنجيل الثالث ليس متماسكًا. الافتراضات عديدة ولكن ليس من افتراض مُقنع. هذا على مستوى النقد الخارجيّ. أمّا النقد الداخليّ فيحدّد فقط أن لوقا كتب إنجيله إلى أُناس وثنيّين يعيشون في خارج فلسطين.
ثانيًا: متى كتب إنجيل لوقا؟
هناك المُعطَيات التقليديّة. ذكرت اللوائحُ القانونيّة لوقا في الدرجة الثالثة، أي بعد مرقس (قانون موراتوري، أوريجانس، إيرونيموس). قد يعني هذا الوضع إشارةً كرونولوجيّة. ولكن حين نحاول أن نحدّد زمن كتابته، نجد أمامنا تقليدين متباعدين. يقول إيريناوس إن لوقا دوّن إنجيله بعد موت بولس الرسول، وقاسمه الرأيَ إيرونيموس في شرحه لإنجيل متى. ولكن عاد إيرونيموس في كتابه "الرجالُ المشهورون" فاتّبع أوسابيوس، وأعلن أن لوقا دوَّن إنجيله في رومة يومَ كان بولسُ لا يزال حيًّا.
وهناك معطَياتُ النقد الأدبيّ. ينطلق النقد الأدبيّ من معطيات محدّدة في الزمن. وإليك ثلاثةَ آراء:
الرأيُ الأوّلُ يقول إن لوقا دوّن إنجيله قبل سنة 70. دافع عن هذا الموقف الشرَّاح الكاثوليك، على أثر تحذير اللجنة البيبليّة الرومانيّة، واستندوا إلى معطيات إيريناوس وإيرونيموس التقليدية. لم يَعُد أحدٌ تقريبًا يأخذ اليوم بهذا الرأي، ولا سيما وإن المسألة لا تؤثّر على الايمان.
الرأي الثاني يؤخّر التدوين إلى ما بعدَ سنة 95. يقول المدافعون عن هذا الرأي إنّ أع 36:5- 37 يرتبط بيوسيفوس أو بإنجيل يوحنّا. لا شكّ في أنّ هناك تقاربًا بين لوقا ويوحنا؛ ولكن هذا لا يفترض تبعيّة أدبيّة. قد يكون هناك نقاطُ اتّصال بين تقاليد جزئيّة أو محيط واحد. أمّا فيما يتعلّق بيوسيفوس، فقد اعتبر أصحاب هذا الرأي أنّ خطبة جملائيل (أع 5: 36- 37) تذكر الثورات اليهوديّة ضدّ المحتلّ، وترتبط "بالقديميّات اليهوديّة" (دوَّنها يوسيفوس سنة 93- 94). ولكن هذا الارتباط لم يُبرهَن عنه، كما أنّنا نعلم أن الثورات اليهوديّة لم تتوقّف قبل دمار أورشليم (سنة 70) وبعدَه. ومهما يكنْ من أمر، لم يعد من أحد يأخذ بهذا الرأي الثاني.
الرأي الثالث: دوِّن إنجيل لوقا بين سنة 70 وسنة 90. قال لوقا: "إن كثيرًا من الناس أخذوا يدوّنون رواية الأحداث التي جرت بيننا" (1: 1). هذا برهان أوّل؛ ولكنّه لا يكفي، لأنّ المحاولات كانت كثيرةً من أجل ترتيب التقاليد المتعلّقة بيسوع المسيح. والبرهان الثاني: طريقة تصوير دمار أورشليم. يبدو وكأنّ الحدث قد حصل. نقرأ في 43:19- 44 :"سيجيء زمان يحيط بك أعداؤك بالمتاريس، ويحاصرونك، وُيطبقون عليك من كل جهة، ويهدمونك على أبنائك الذين هم فيك. ولا يتركون فَيك حَجرًا على حجر، لانك ما عرفت زمان مجيء الله إليك". يتحدّث مت 15:24 ومر 14:13 عن "نجاسة الخراب" (نحن أمام وضع حرِج؛ ولكنّنا لا نفهم إلى ماذا يشير النصّ، رج دا 27:9؛ 11: 31؛ 12: 11). أمّا لو 21: 20 فيحدّد: "فإذا رأيتم أورشليم تحاصرها الجيوش". وفي 24:21 يقال لنا بما يقوم "الضيق العظيم" (رج مت 24: 21): "يسقطون بحدّ السيف، وُيؤخَذون أسرى في جميع الأمم، ويدوسُ الوثنيّون أورشليم إلى أن يتمّ زمانُ الأمم" (حرفيُّا: أزمنة الأمم، أي زمن تبشير الامم، رج 47:24). هذا يعني أن الإِنجيل الثالث دُوِّن بعد سنة 70. ويُجمِع عدد من النقاد على اعتباره قد دُوِّن حوالي سنة 85، أي قبل أن يتمّ الانفصال بين العالم اليهوديّ والعالم الوثنيّ، وقبل أن يصبح الفريسيّون العنصرَ المسيطر على شعب العهد القديم. وهكذا يكون لوقا قد دوَّن إنجيله قبل يوحنا.