ما الانسان حتى تعرفه

ما الانسان حتى تعرفه
المزمور المئة والرابع والاربعون

1. ينطلق المزمور المئة والرابع والاربعون من صلاة داود في الماضي، فيفكّر بحالة الضيق في الحاضر (أين الهيكل، أين المدينة، أين الملك؟)، ويتطلع إلى المستقبل فيترجّى مجيء داود الجديد. إذًا، نحن أمام توسّل جماعي يتخذ فيه الرئيس مكان داود ويشاركه الشعب الصلاة خلال احتفال الليتورجيا. هذه الصلاة يمكن لكل يهودي أن يصليها إلى الرب طالبًا منه نعمًا تكون له أسباب شكر جديد يكون امتدادًا لشكر رفعه إلى الرب عن الأعمال الماضية.

2. الرب يبارك شعبه بواسطة مليكه. هكذا كان في الماضي وهكذا سيكون في الزمن المسيحاني.
آ 1- 2: دعوة إلى الصلاة، السبب: لأن الله قويّ: ملجأ، معقل، مجنّ...
آ 3- 4: سبب آخر: ضيق الانسان: ما الانسان حتى تنتبه إليه.
آ 5- 8: توسّل إلى الله لكي يتدخّل من أجل أصفيائه: أرسل يديك من العلاء وانتشلني.
آ 9- 11: وعد بفعل شكر بعد الخلاص المنتظر من الله: إني أرنّم لك ترنيمًا جديدًا.
آ 12- 15: طلب السلام من أجل الشعب، لأن انتصار الملك في الماضي هو عربون كل خير في الزمن المسيحاني.
يحمل "الملك" صلاة شعبه إلى الله لتكون نصرًا على الأعداء (سلام في الخارج) وبركة في البلاد (سلام في الداخل). إن لم يعط الربُّ البركة، فماذا يستطيع أن يفعل الانسان الضعيف. فليتكل الشعب على رحمة الله الذي يحميه من أعدائه ويؤمّن له طعامه. ويتذكّر المرتّل عمل الخالق بالعاصفة التي تضرب الأعداء (قض 5: 4 ي) وترسل الشتاء الخيّر إلى أرض الرب. ولا يكتفي الرب بالانتصار على أعداء الشعب، بل سينتصر أيضًا على أعدائه، تلك الآلهة التي تحت الأرض (مياه الغمر). وتذكر الآية الثامنة (تتكرَّر في آ 11) يمين الزور التي أصابت اسرائيل فجعلته عدو الله بعد أن كان صديقه. ولكن الرب سيتذكّر وعده لداود فيعطي النصر لنسله من بعده: هكذا يمجّد اسمه. بعد أن يذكر العهد في سيناء (البروق) يذكر الوعد لداود، وهذا ما يجعل الشعب يصلي لتكون عليه بركات الرب: شباب وبنات، خير يفيض، قطعان خصبة منتجة، السلام في المدن بعد الحرب، والهناء للشعب الذي الرب إلهه.

3. يبدأ المرتّل نشيده، فيصوّر الرب بشكل مدرِّب يدرّب عبده على فن القتال. ويستفيد من صور وتعابير نقرأها في مز 18: يتطلّع إلى داود الآتي، أي إلى المسيح المنتظر، فيذكر عهد الرب مع داود الذي يتحقّق في الأزمنة المسيحانية (آ 1- 2). ويذكر ضيق الزمن الحاضر والضعف الكامن في البشر، الذي ظهر بصورة خاصّة في شعب حُرم من ملكه ووُضع عليه نير الحكم الاجنبي. فكانت صرخة نقرأها في أشعيا (63: 19): "صرنا كأننا لم تكن سلطانًا علينا منذ الدهر، كأننا لم نحمل اسمك". لماذا لا تمزّق السماء وتنزل، فترتعد الجبال أمامك؟ سينزل الرب، والشعب متيقّن من ذلك، لأن رجاءه بالرب كبير.

4. إن شعب العهد الجديد يسير نحو ملء الزمن المسيحاني، وهو ينشد هذا المزمور مع ربه يسوع الذي علمه في الصلاة أن حول: ليأت ملكوتك. والخيرات المادية المطلوبة تجعل نعمة العهد نعمة ملموسة، وهي رمز إلى خيرات أعظم تجعلنا لا نتوقّف عند عطايا الرب، كالوثنيين الذين عبدوا الطبيعة لأنها جميلة ونسوا أن من خلقها أجمل منها. بل نتطلّع إلى رب العطاء الذي أعطانا ذاته عندما أعطانا ابنه الوحيد وهو يعطينا في الوقت ذاته كل النعم والخيرات التي نحتاج إليها.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM