الفصل التاسع عشر: أين مضى حبيبك

الفصل التاسع عشر
أين مضى حبيبك
6: 1- 3

هنا يمتدّ الحوار بين الجوقة والعروس، قبل أن يعود العريس إلى الحديث في القصيدة الخامسة. تحدّثت العروس عن حبيبها، فملأت عيون بنات أورشليم بجمال من تحبّه، ثم ملأت آذانهن بما يمكن أن يسمعن من كلامه العذب. وأنهت كلامها قائلة: "هذا هو حبيبي، هذا هو زوجي ". فتدخّلت الجوقة من جديد. كانت قد طلبت التعرّف إلى العريس، وها هي تقدّم نفسها لتبحث عنه مع العروس. قرأنا في 9:5: "ما فضل حبيبك على أي حبيب، يا أجمل النساء". وها نحن نقرأ في صيغة مقابلة: "أين ذهب حبيبك، يا أجمل النساء" (آ 1)؟
نتوقّف هنا عند مدى القصيدة واتساعها. اتّفق الشرّاح على تحديد بدايتها: "أنا نائمة وقلبي مستفيق " (5: 2): اجتمع العروسان، ولكنهما افترقا الآن، وعادت حلقة الأحداث المؤلمة. ولكنهم اختلفوا في تحديد نهاية القصيدة. هناك عدد كبير من الشرّاح يعتبر أن القصيدة الرابعة تنتهي في 6: 3: "أنا لحبيبي وحبيبي لي ". هذا ما نجده في ترجمة الآباء اليسوعيين. أما ترجمة كليّة اللاهوت الحبريّة في الكسليك فتجعل القصيدة تنتهي مع 6: 1: "أين مضى حبيبك، يا أجمل النساء"؟ وجاء مَن ينهي القصيدة في 6: 9: "يمامتي كاملة لأمها". إعتبر أن القصيدة تصوّر الوقت الذي يلي الزواج، وتدلّ على روحنة زواج الملك سليمان. بل راح بعضهم حتى 6: 10: "من هذه المشرقة كالصبح، الجميلة كالقمر"؟ بعد أن مرّ حبُّ الشونميّة في المحنة كشف عن أمانته، انتهى كل شيء بمديح لهذه الأمانة.
ولكن هذه القصيدة، شأنها شأن القصائد التي سبقت، لا تُنشد الأمانة، بل جمال الحبيبة. كان لكل شارح فكره. منهم مَن اعتبر القصيدة صورة عن خيانة العروس ثم توبتها: إذن، عاد العريس إليها. وهكذا تنتهي القصيدة بلوحة ترسم عودة العريس (6: 1-12). ومنهم مَن اعتبر أن 5: 2-8: 4 يكوّن مجموعة تروي في الحلم الحياة الزوجيّة لدى العروسين. فرضيّة لا تسند نفسها.
هنا نتذكّر أن كل قصيدة تتضمّن ثلاث مراحل: الطب، المديح، الامتلاك. بدأ الطلب هنا في 5: 2- 8. بحثت العروس عن العريس. ثم استحلفت بنات أورشليم، فجاءها الجواب اللاذع: "ما فضل حبيبك " (آ 9). ولكن الحبيبة اعتبرته سؤالاً يطلب جوابًا، فأخذت تنشد حبيبها وتمتدحه (آ 10- 16). وتدخَّلت الجوقة أيضاً لتفتح الطريق أمام امتلاك العروسين الواحد للآخر (6: 1- 3): "انا لحبيبي وحبيبي لي ".
(آ 1) استعادت بنات أورشليم الكلام، فجاءت العبارة هنا شبيهة بما في 5: 9. ففي الحالتين يتكرّر السؤال وتتبعه جملة غنائيّة (فنطلبه، لكي نطلبه). وفي الحالتين يتوجّه السؤال إلى "الجميلة بين النساء"، إلى "أجمل النساء". هناك مَن قال إن بنات أورشليم تدلّ على الأمم التي نُفيت عندهنّ اسرائيل، فطلبن البحث عن الربّ. ولكن قد نكون أمام طريقة تتوخّى تقديم السرّ الذي يختتم هذه القصيدة.
(آ 2) جنّة الحبيب هي عروسه (4: 12 ؛ 5: 1 ؛ رج 2: 16). هذه الجنّة هي أرض فلسطين التي تتماهى منذ هوشع مع الأمّة المشخّصة. وبما أن العريس تماهى مع الهيكل (5: 11- 15)، ففعل "ي ر د" (في العربيّة: ورد) يفهم في المعنى الحقيقيّ (نزل). فكما أن المؤمن يصعد إلى أورشليم من أي موضع جاء (3: 6)، فهو ينزل من أورشليم إلى أية نقطة يتوجّه إليها على أرض فلسطين (قض 1 :9؛ 1 مل 1 :25؛ 2:22؛ 2 مل 8: 29 ؛ 2 أخ 18: 2؛ 22: 6؛ نح 6: 3).
ولكننا نجد تفاسير مثل: اعتزل سليمان في جنّته، لأن عروسه تأخّرت. أو: عاد الراعي إلى قريته. ومنهم مَن عاد إلى عالم الميتولوجيا فدلّت الجنّة على حدائق أدونيس، والرياض المعطّرة على المرّ الذي يضمّخ الموتى. إذن، نزل الحبيب إلى عالم الموتى...
نحن هنا أمام "روضة الأطياب " أو الرياض المطيّبة. دلّت العبارة على خدّي العروس (5: 13). وهي تدلّ الآن على أرض فلسطين التي يرمز إليها هذا البستان المعطّر (4: 13-14، 16). وهكذا تعيد الحبيبة إلى الحبيب المديح الذي تلقّته منه.
"يرعى (قطيعه) في الجنائن ". فالرب هو الراعي لأنه ملك. وهو يرعى قطيعه وسط السوسن كما قال 2: 16 و3: 6. ويقول لنا النصّ هنا إنه يرعى في الجنّات المعطّرة. هنا نبتعد عن المدرسة الطبيعانيّة التي تتوقّف عند الجمال الطبيعيّ لدى المرأة، أو تظنّ أن الحبيب "يرعى". بمعنى أنه يشبع من اللذات.
إن لفظة "ج ن ي م " في الجمع غير محدّدة، وهي تدلت على فلسطين. وقد "رآها" الشاعر خصبة فشبّهها بالجنّة. وهكذا تصل الصورة إلى صورة حقول السوسن. هذا هو التجدّد والوفر والسعادة التي تدلت على الأيام الأخيرة بعد العودة من المنفى (أش 51: 3؛ 11:6).
قطف العريس السوسن في جنّته. ما معنى هذه الصورة؟ منهم مَن قال إن السوسن يرمز إلى السموّ والنبل والنقاوة في الحبّ الذي يدفع الحبيب إلى الحبيبة. ومنهم مَن قال بشكل باهت: السوسن هو شفتا العروس. ولكن هذا لا يفسّر معنى الفعل "ل ق ط ". فقد كان باستطاعة الحبيب أن يرتاح أو يتمشّى بين السوسن. لماذا "يلتقطه "؟ هو الرب يجمع شعبه المشتّت وسط الأمم (أش 11: 12). ثم إن السوسن يدلّ على أرض فلسطين والعودة المنتظرة (2: 1- 6؛ 4: 5؛ 7: 3). وقد تعني فعلة العريس أن الجنّة، أي العروس، هي له بكليّتها (4: 12). لا يدخلها أحد غيره.
(آ 3) "أنا لحبيبي وحبيبي لي ". هذه الآية تكرّر حرفيًا 2: 16. ولكنها تقلب الكلمات التي كانت: "حبيبي لي وأنا له ". وهو"يرعى بين السوسن". نحن هنا كما في نهاية القصائد السابقة، حيث العريس والعروس يمتلك الواحد الآخر. هو امتلاك حقيقيّ لا في الرجاء، وكأن العروس ما زالت في بحثها. العروسان هما الواحد للآخر، ولكنها في البدء له. قلب الشاعر الألفاظ، فدلّ على أنها صارت منذ الآن لحبيبها. وأنها تستنكر خياناتها السابقة. والرب من جهته عاد إليها: فراعي اسرائيل يرعى من جديد بين السوسن. قد نقول إن هذا اعتراض بسيط. ولكن ما أقلّ الذين يستطيعون أن يقولوا حقًا: "انا لحبيبي وحبيبي لي".

* أين ذهب حبيبك، يا أجمل النساء
سمعت بنات أورشليم في صمت عميق "نشيد الغائب"، ولم يقطعن على الحبيبة كلامها. ولما انتهت، بدأن بالكلام، لا بلهجة مدهوشة أو ساخرة، بلهجة فيها الكثير من الارتياب، كما فعلن في الماضي حين قلن: "ما فضل حبيبك على أيّ حبيب آخر"؟ لقد تأثّرن بكلام العروس، فما عدن يتساءلن عن الحبيب، بل قدَّمن نفوسهنّ واستعدادهنّ ليبحثن عنه معها: "أين اتّجه حبيبك فنطلبه معك"؟
نحن نرى هنا إشعاع حبّ العريس حين يتّصل بالعروس، وانتقاله إلى الآخرين. فهذه النساء اللواتي كنّ لا مباليات، بل ساخرات، قد بلغ منهنّ التأثير كل مبلغ. لقد استشففن عبر جمال وصوت ونشيد تلك التي رأين فيها "أجمل النساء"، أنهن يُدعين أيضاً لأن يُحببن هذا العريس ويتقبّلن الحبّ منه. فتساءلن باندفاع عن ذهاب العريس وعن الاتجاه الذي أخذه حين هرب. أين ذهب حبيبك؟ أين اتجه حبيبك؟ تكرّر اسم الحبيب مرّتين في سؤالهنّ فدلّ هذا التكرار على اهتمامهنّ به.
أين؟ أين ذهب؟ أين توجّه؟ وسمّينه الحبيب بعد أن تعلّمن اسمه من الحبيبة. لم يتولّد حماسهنّ فقط من رغبة بأن يساعدن أختهنّ. فالرغبة في الحبيب تجتذبهنّ أيضاً: "فنطلبه معك ". قالت العروس في البداية (1: 4): "اجذبني وراءك (إجعل خطاي في خطاك) فنجري ". وها هنّ رفيقاتها، وقد اجتذبهن نشيدها، مستعدات للحاق بها، للحاق به.
تنبّأ زك 8: 23 فقال: "في تلك الأيام سيتمسّك عشرة أناس من كل ألسنة الأمم بذيل ثوب يهوديّ قائلين: نريد أن نسير معكم، فقد سمعنا أن الله معكم". حبّ شعب العهد ينتقل كما بعدوى. وحبّ الكنيسة العروس أيضاً. قال غريغوريوس النيصيّ: "حين ترى الصبايا عبر العروس جمال العريس، يستطعن أن يشاهدن ما لا يُرى ولا يفهم في كل كائن. فذاك الذي لم يَره أحد (يو 1: 18) والذي لا يستطيع أن يراه أحد (1 تم 6: 16) قد جعل من كنيسته جسده... كوّن وجه الكنيسة فطبع فيه قسمات وجهه (أف 5: 27). لهذا، حين شاهدت صديقات العروس هذه الكنيسة، رأين فيها ذاك الذي لا يُرى بشكل عميق جدًا. فالذين لا يستطيعون أن يحدّقوا بالشمس، يتأمّلون انعكاسا في الماء. وفي هذه المرآة النقيّة التي هي الكنيسة، يقدرون أن يروا شمس العدل". يا ليت الذين نالوا من الله نعمة التعرّف إليه يكونون للذين لم يكتشفوه، مرايا نقيّة تعكس وجهه!

* حبيبي نزل إلى جنّته
سألت الصبايا بشغف عن الوجهة التي اتخذها العريس حين مضى. فقدّمت العروس جوابًا يدلّ على أنها هدأت بعد "انخطافها الطويل". قدّمت جوابًا لا يُفهم للوهلة الأولى، فقالت: "حبيبي نزل إلى جنّته ".
نستطيع القول إن أسئلة بنات أورشليم (أو: تساؤل الأمم الوثنيّة التي تحيط بأورشليم) جعلت الحبيبة تعي أن ذاك الذي تطلبه هو في أعماق قلبها. كم مرّة يكشف لنا الآخرون حضورًا نعيشه في حياتنا بشكل خفيّ. فالحبيب الذي نادته الحبيبة كل هذا الوقت وركضت تبحث عنه واجفة واجلة، لم يهرب إلى أقاصي الأرض. بل هو قد اعتزل في قلب حبيبته وأقام فيها صامتًا. فالحبيب لا يملك جنّة إلا نفس حبيبته: "أجيء إلى جنّتي، أجيء يا عروسى" (1:5).
هناك يجب أن تطلب الحبيبة حبيبها. تظاهر أنه ولَّى ومضى... إنه الآن في قلبك. يكفي أن تدخلي إلى ذاتك لكي تجديه، وهكذا لا تكونين غائبة عن الموضع الذي يقيم فيه. لماذا تذهبين إلى حيث لا يكون؟
هذا ما تعرفه العروس الآن. نزل. يُستعمل هذا الفعل في التوراة ليدلّ على النزول من أورشليم والهيكل إلى أرض فلسطين. هذا هو المعنى الأول. وهناك معنى أعمق هو انحدار العريس الملكيّ إلى قلب حبيبته المسكينة الصغيرة، التي كانت خائنة له وها هي تعود إليه بكل قلبها. فعبارة "حبيبي نزل إلى جنّته" تدلّ على تنازله إلى تلك التي سمّاها قبل ذلك "جنّته المقفلة".
بعد النشيد الساطع الذي يمجّد تسامي العريس، ها هو نشيد هادئ حول إقامته في داخلنا بشكل يعجز اللسان عن وصفه. فكيف استطاعت أن تتصوّر أن ذاك الذي قيل عنه إنه لا يُدرك، قد احتواه عمق قلبها. ولكن مهما كانت هذه الجنّة صغيرة وحقيرة، فهي "روضة من الأطياب ". هذا لا يعني أنها تُخرج من ذاتها مثلَ هذه العطور القويّة التي تحدّث العريس عن أندرها (4: 12- 15). فالعطور التي فيها، تأتي من الذي يقيم فيها. في أعماقنا هو الله يستقبل الله الآتي إلينا. في أعماقنا، الله يشاهد الله.
وإذ يقيم الحبيب مرتاحًا في أعماق النفس، فهو لا يكون مكتوف اليدين. إنه هنا لكي "يرعى قطيعه في الجنّات"، لكي "يجمع السوسن ". هذا ما تقوله الحبيبة عن حبيبها الذي "نزل " عندها. تتكرّر كلمة "جنّة". وكلمة "سوسن ". في المرّة الأولى ترد الجنّة في صيغة المفرد. وفي المرّة الثانية في صيغة الجمع. هذا يعني أننا ننتقل من خبرة فرديّة وشخصيّة إلى بُعد كونيّ وشامل. فالله لا يلتقي اللقاء الحميم بتلك التي يحبّها، هو لا ينزل في نفسها، دون أن يتمّ فيها وبها وفي جنّته الخفيّة، عمله الجوهريّ الذي هو وحدة البشر فكما "يجمع" الحبيب السوسن "، هكذا يجمع يسوع في الوحدة أبناء الله المشتَّتين (يو 11: 52).
نجد البستاني والراعي في نش، كما نجدهما في إنجيل يوحنا. فمريم المجدليّة ظنّت أن يسوع القائم من الموت هو"البستاني" (20: 15). والعريس المختفي في حميحيّة البستان (أو الجنّة)، بستان حبيبته، ما زال يعمل بواسطتها في بستان العالم الواسع. من هنا الجمع "في الجنّات"، أي لدى جميع البشر، بعد المفرد، أي جنّة الحبيبة. في القصيدة الثالثة، تلك التي سمّاها الحبيب "جنّة مقفلة" صارت "ينبوع الجنّات ". ومريم المجدلّية التي تريد أن تتمسّك بيسوع في حميحيّة جنّتها (بستانها)، ستسمع يسوع القائم من الموت يقول لها: "لا تمسكيني، بل اذهبي إلى الاخوة" (يو 20: 17).
والحبيب يشبه الراعي (يو 15: 11) فيجمع ويوحّد كل افكار وعواطف تلك التي يقيم فيها (يرعى قطيعه بين السوسن). كما يجمع بها وفيها كل سوسن. يريد أن يجعل من الشعوب شعبًا واحدًا. قال يسوع في يو 10: 16: "ولي خراف أخرى ليست من هذا القطيع. فهذه يجب أن آتي بها لتكون الرعيّة واحدة والراعي واحدًا".

* أنا لحبيبي وحبيبي لي
بعد أن وجدت العروسُ عريسَها في عمق قلبها وحميميّته، كما وجدته في الانفتاح على الآخرين واتحادها بهم، ها هي تتمتم في حبّ كبير: "أنا لحبيبي وحبيبي لي". هي ردّة تتكرّر. وهذا الإلحاح لدى الحبيبة بأن تقول وتقول أيضاً إنها كلها لحبيبها (كما في كلمات العهد)، يودّ بشكل خفيّ أن يدمّر ماضيها كعروس خائنة. وهي تتذكّر الآن حزينة سقطتها الأخيرة (تأخرت ولم تفتح له الباب). بل هي تخاف من نفسها ومن ضعفها.
تذكّرت الله وتعبّدها للأوثان من خلال خبرة هوشع مع امرأته جومر التي صارت زانية خائنة. فسمعت زوجها يقول لها: "لم تعد امرأتي، ولم أعد زوجها". (هو 2: 4). وسيقول الله بفم نبيّه: "لستم شعبي ولستُ إلهكم " (هو 1: 9).
غير أن كل هذا بدا بعيدًا. فهي تريد اليوم أن تكون له كما هولها. فعبارة "أنا لحبيبي وحبيبي لي " هي ردّ في إطار العهد المستعاد، على عبارة الطلاق التي تلفّظ بها "الزوج " فيما مضى (لستِ امرأتي، ولستُ زوجك). وهكذا يكون الزوجان في نش صورة معاكسة لزوجين تعيسين هما هوشع وجومر.
في 2: 16 قالت المحروس: "حبيبي لي وأنا له". أما الآن فقد قلبت الجملة لكي تدلّ على التبادل الكامل في حبّهما. فكما هو لها، هكذا هي له. كانت له المبادرة بأن يحبّها أولاً. وها هي تطلب أن تحبّه أولاً. هكذا لا تحبّه أقلّ ممّا يحبّها. ولكن العروس لا تستطيع أبدًا أن تحبّ كما يحبّ العريس. قال القديس برنردس: "لا تفيض المياه بالغزارة عينها من تلك التي تحبّ كما من الحبّ، من النفس كما من الكلمة، من العروس كما من العريس، من الخليقة كما من الخالق. هي المسافة الواقعة بين النفس العطشى والينبوع... ولكن إن أحبّت الخليقة أقلّ (من الخالق) بسبب محدوديّتها، فلا ينقص شيء من حبّها إن هي أحبّت بكل كيانها". في هذا المجال قالت إحدى النفوس: "تبدو النفس على قدم المساواة مع يسوع المسيح، فحبّهما المتبادل يجعل كل شيء مشترك بينهما".
قالت العروس: "أنا لحبيبي وحبيبي لي ". وهكذا انتهت القصيدة الرابعة في جوّ من الراحة والطمأنينة بعد أن بدأت بشكل دراماتيكيّ. ها هي تنسى في النهاية ما قاسته في البداية. وكان تحوّل في قلب العريس وإن كنا لا نستطيع أن نتكلّم عن تطوّر ممكن في كائنه العميق. في بداية القصيدة كان "شحّاذًا" يقف في البرد والليل ويتوسّل إلى الحبيبة من عمق شقائه أن تفتح له. في النهاية هو الأمير الذي لا تستطيع أيّة صورة في العالم أن تحيط به.
هذا ما كنا قد اكتشفناه في القصيدة الثالثة. في البداية، هو قائد يحيط به رفاقه يصل من البرّية بعد مسيرة طويلة. وفي النهاية، يكون الملك متّكئًا في وليمة أعراسه. نحن في كلتا الحالين أمام الوجه الواحد الوحيد، وجه عبد الله المتألّم كما يصوّره أشعيا، ووجه القائم من الموت الذي يشعّ مجدًا يوم القيامة.


Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM