من الأعماق صرخت

من الأعماق صرخت
المزمور المئة والثلاثون

1. المزمور المئة والثلاثون هو مزمور توسّل يرفعه المرتّل التائب ليعبّر عن ثقته برحمة الرب وغفرانه. يشكو فيه أمره إلى الرب وينتظر منه تدخّلاً سريعًا وفداء كثيرًا لأن حالته خطيرة. تلاه الحجاج ليعبروا فيه عن الشدّة التي يعاني منها شعب الله. يصلّيه الافراد فيحملون في قلبهم آلام الجماعة وآمالها، وتصلّيه الجماعة فتعبّر في صلاتها عن حاجات كل فرد من أبناء شعب الله.

2. يصرخ الخاطئ إلى الله من أعماق شقائه معبّرًا عن ثقته برحمة الرب وغفرانه.
آ 1- 2: دعاء وتوسّل: يصرخ المسكين إلى الرب: من الأعماق صرخت إليك يا رب.
آ 3- 4: ثقة المؤمن بالرب: عنده المغفرة.
آ 5- 8: ينتظر المؤمن والشعب فداء الرب، ورحمتُه تولِّد الرجاء.
ينطلق المرتّل من حالة شقاء كادت تصل به إلى الموت، فيصرخ إلى الله، ويعلن إيمانه بمغفرة الله قبل أن يعترف بخطاياه. يترجّى المؤمن، ورجاؤه أكثر من أمل بعيد: إن وعد الله يتحقّق كل يوم. خلاص الله وغفرانه لا بد آتيان، كما الصباح لا بدّ أن يأتي، الفجر لا بدّ أن ينبلج. يمكن الرقيب أن يضجر والساهر أن يفقد صبره، ولكن الصبح سيأتي فيعلن الرقباء موعدَ ساعة الصلاة وتقدمة ذبيحة شكر للرب الفادي، وفداؤه كثير لأنه حيث كثرت الخطيئة فاضت النعمة (روم 5: 20).

3. الاعماق هي أعماق المياه والبحر (69: 3؛ حز 27: 34؛ أش 51: 10) التي تدلّ على الضيق والشدّة (المنفى مثلاً)، أو على حالة الخطيئة (64: 7؛ هو 5: 2؛ 9: 9). نحن أمام شخص يغرق، يختنق، شخص قريب من الموت، وخطاياه هي اللجّة التي تفصله عن الله وعن شاطئ الحياة (أش 49: 2)، فيصلي إلى الله لأنه لا يثبت أمام الله أي إنسان، إن لم يغفر الرب له.
يتوسّل المرتّل إلى الله سائلاً مغفرته ورحمته وفداءه، وهذا ما يملأه ثقة ورجاء. هو ينتظر منه كلمة يعلن فيها خلاصه، وهذا الخلاص هو نعمة جديدة يستفيد منها المؤمن والجماعة، فتكون للجميع الراحة والطمأنينة. هو لا ينتظر الرحمة التي يعطيها الانسان للانسان والعالم للانسان، بل تلك التي يعطيها الله للانسان، وهي مبنيّة على وعد الرب بالمغفرة والخلاص.

4. الاعماق تمثّل عالم الموت حيث يرفع المرتّل صلاته. الاعماق تمثل عالم الخطيئة الذي يجعلنا بعيدين عن الله ومحتاجين إلى غفرانه. هذا المزمور هو أحد مزامير التوبة (مز 6؛ 32؛ 38؛ 51؛ 102؛ 103؛ 143) يتلوه المؤمن الذي يضع حياته أمام الرب وهو عالم أنه إن قال عن نفسه إنه بدون خطيئة يجعل الله كاذبًا (1 يو 1: 10).
وتصلي الكنيسة هذا المزمور وتقرّ بخطيئة أبنائها أمام الرب فتنتظر منه الرحمة والغفران. وكما ينتظر الرقيب والساهر طلوع الفجر، وكما ينتظر الخاطئ مغفرة الرب، هكذا تنتظر الكنيسة إله الفداء والغفران. إنه أب حنون ينحني على ابنه الذي ابتعد عن البيت الوالدي (لو 15: 20).

5. "من الأعماق دعوتك بصراخ عظيم، يا رب، يا رب استمع إلي".
لماذا يقول المرتّل "من الأعماق"، ولم يقل فقط "من فمي"، "من لساني". فكلمته ليست فيضًا من فكره التائه. لا، ما يقوله يأتي من عمق قلبه. حرارة كبيرة، رغبة عظيمة. هو يعبّر عن أعماق فكره. هذه هي النفوس المتضايقة. تحرك القلب كله. تدعو الله بألم مرير ولهذا يسمعها الله. وإن لمثل هذه الصلوات سلطانًا عظيمًا، فلا شيء يقلبها ولا شيء يهزها ولو هجم الشيطان بعنف عظيم.
فالشجرة القوية التي تجذّرت في عمق الأرض ولازمت تجاعيدها دفع الرياح. أما التي تتعلّق بسطح الأرض فأقّل نفخة تهزها فتميل وما تعتم أن تسقط على الأرض بعد أن اقتُلعت من جذورها. هكذا الصلوت التي تنبع من الأسفل وتتجذّر عميقًا، تبقى قوية ولا تتزعزع. لا شيء يقدر أن يقلبها لا الافكار (أو التجارب العديدة) ولا هجمات الشيطان. أما التي تخرج من الفم والشفاه والتي لا تنبع من الأعماق، فلا تقدر أن تصعد إلى الله بسبب فتور من يصلّيها. هو يضطرب لأقل ضجّة فيبتعد عن صلاته. يتكلّم الفم، ولكن القلب فارغ والفكر غائب.
ما هكذا صلّى القديسون. كان ورعهم كبيرًا بحيث انحنى جسدهم كله. إذا أراد إيليا أن يصلي كان يطلب العزلة أولاً ثم يجعل رأسه بين ركبتيه ويشتعل بحميّة عظيمة ويطلق العنان لصلاته (رج 1 مل 18: 42). أتريد الآن أن تصلي وأنت واقف؟ أنظره منتصبًا نحو السماء ينزل النار على الأرض (1 مل 18: 36- 38). وحين أراد أن يقيم ابن الأرملة امتد عليه كله واجترح هذه القيامة (1 مل 17: 19- 22). لم يكن مشتتًا مثلنا وما كان يتثاءب. كان حارًا في اندفاعه للصلاة.
ولكن لماذا نتكلّم عن إيليا وعن هؤلاء الأشخاص القديسين؟ فقد رأيت مرارًا نساء ذهب زوجهن إلى الخارج أو مرض ابنهن، يصلّين هكذا من أعماق قلوبهن ويذرفن سيولاً من الدموع بحيث يحصلن على ما طلبن. فإن كانت النساء تصلين بمثل هذه الحرارة من أجل طفل أو رجل في سفر، فأي غفران ينتظر الرجل الذي يبقى فاترًا ويترك نفسه تموت؟ فلأجل هذا، لا تحصل صلواتنا، وإن تواترت، على أيّة نتيجة. سمعت عن حنة وعرفت كيف صلّت من أعماق قلبها وذرفت سيلاً من الدموع. وعرفت أن صلاتها رفعتها إلى العلاء (1 صم 1: 10- 11). الذي يصلي هكذا يقطف ثمار صلاته العظيمة قبل أن يستجاب. يضبط رغباته. يهدئ غضبه، يرذل الحسد، يطفئ نار الشهوات، يخفّف من محبة خيرات هذه الأرض، ويجعل نفسه في هدوء عظيم فيقدر بعدئذ أن يرتفع نحو السماء.
يسقط المطر على أرض يابسة فيطرّيها، وتليِّن النار الحديد. مثل هذه الصلاة أنشط من المطر وأفعل من النار. تطرّي وتلين القلب القاسي بفعل الشهوات. فالنفس طريئة ولّينة، ولكنها تشبه ماء الدانوب (نهر في أوروبا) الذي يقسو كالصخر بسبب البرد، فتصير قاسية بفعل الخطيئة والفتور الكبير. والصلاة تحصل لها على ذلك. فحين تبدأ الصلاة، لا يكن هدفك أن تنال ما تطلب، بل أن تُصلح نفسك بالصلاة، لأن هذا هو أيضًا عمل الصلاة. فالذي يصلي هكذا يرتفع فوق أمور الحياة وتتّخذ نفسه أجنحة، يصبح فكره خفيفًا ولا توقفه رغبة.
"من الأعماق دعوتك بصراخ عظيم، يا رب". يشير المرتّل هنا إلى شيئين: الاعماق والصراخ. حين يقول: "الصراخ" فهو لا يعني قوّة الصوت، بل استعداد النفس. "يا رب استمع إليّ". نتقبّل هنا أمثولتين. الاولى: لا تصل صلاتنا إلى الله بهذه السهولة إن لم نبدأ فنضع فيها ذواتنا. لهذا قال أولاً: "من الأعماق دعوتك بصراخ عظيم". ثم قاد: "استمع اليّ". الامثولة الثانية: إن الصلاة القويّة والمليئة بدموع توبة عميقة هي قديرة بحيث تجعل الله يرضى عن طلباتنا. ومثل إنسان قام بعمل وتمّم ما يتعلق به، تابع: "يا رب، استمع اليّ. لتكن أذناك مصغيتين إلى صوت تضرعي". يعني بالاذنين سلطان الاستماع. ويتكلّم مرة ثانية عن الصوت فيدلّ على قوّة التنفس، لا على الصوت، بل على استعداد القلب الحار.
"إذا راقبت ذنوبنا يا رب فمن يقف"؟ ويعترض معترض: أنا خاطئ. أنا مليء بشرور لا عدّ لها، فلا أقدر أن أقترب من الله، أن أصلّي وأدعوه. ولكن المرتّل يهدم هذا العذر ويقول: "إذا راقبت ذنوبنا يا رب، يا رب فمن يقف"؟ من؟ لا أحد، لا أحد. لا نجد انسانًا يطلب منه حسابًا دقيقًا عن سلوكه يقدر في وقت من الاوقات أن يعتبر نفسه أهلاً للنعمة والرحمة.
نقول هذا لا لندفع النفوس إلى الفتور، بل لنشجع المجرَّبين باليأس: "من يمكنه أن يفتخر بأن له قلبًا نقيًا، من يمكنه أن يقول متأكدًا أنه طاهر من كل خطيئة" (أم 20: 9)؟ ولماذا نتكلّم عن سائر البشر؟ فلو جئت بالقديس بولس إلى وسط الجماعة، وطلبت منه حسابًا دقيقًا عن أحداث حياته، لما استطاع أن يقف. ماذا يقدر أن يقول ليدافع عن نفسه؟ "حفظت الأنبياء باهتمام وتمسكت بغيرة بشريعة آبائي. رأيت المعجزات بأم عيني وظللت مضطهدًا ولم أبدّل سلوكي إلاّ في اليوم الذي حصلت فيه على هذه الرؤية العجيبة وسمعت الصوت الرهيب. بقيت قبل هذا عنصر فتنة ودمار". ومع ذلك غفر الله له ودعاه وجعله أهلاً لنعمته.
وماذا نقول عن بطرس، هامة الرسل؟ فبعد أن شاهد معجزات وآيات لا عدَّ لها، وبعد أن نال نصائح وتنبيهات، اعترف أنه سقط في خطيئة لا تغفر. ولكنها غُفرت له وأقيم رئيس الرسل. لهذا قال له الرب: "سمعان سمعان ها إن الشيطان طلب أن يغربلكم كالحنطة. ولكني صلّيت لأجلك لئلا يضعف إيمانك" (لو 22: 31- 32).
بعد هذه الامثلة، فإن جاء الله يديننا بدون نعمته ورحمته، إذا جاء يطالبنا بحساب دقيق عن أعمالنا، وُجدنا كلنا مذنبين، كلنا اطلاقًا. لهذا قال القديس بولس: "في الحقيقة لا يوبّخني ضميري، ولكنني لأجل ذلك لست مبرَّرًا" (1 كور 4: 4).
"إذا راقبت خطايانا يا رب، يا رب". ليس هذا الترداد من قبيل الصدف. يصدر عن إنسان أعجب واندهش من كثرة رحمة الله وعظمته التي لا حد لها وعطفه الذي هو كأوقيانوس متّسع الأطراف. "من يقف"؟ ما قال: "من يمكنه أن يفلت"؟ بل قال: "من يقدر أن يقف"؟ لا يقدر أحد أن يقف. هذا ما يريد أن يقوله.
"ولكن عندك المغفرة". ماذا يعني هذا الكلام؟ ما يجنّبنا العقابَ ليس نجاحُ جهوداتنا بل عطفك. من يقدر أن يمرّ عبر عدالتك؟ حبك وحده يمنحنا هذا، وبدونه لا تكون أعمالنا الصالحة قادرة أن تنتزعنا من الغضب الآتي.
وهذا ما عرّف به الله النبي أشعيا: "أنا الذي يمحو لك كل ذنوبك" (أش 43: 25). هذا يعني: هذا هو عملي، وعمل عطفي وعمل محبتي للانسان. لا تكفي أعمالك لتنجيك من الانتقام إن لم تقف بيني وبينك رحمتي. وقال أشعيا أيضًا: "أنا أسندك" (أش 46: 4).
ويتابع المزمور: "بسبب اسمك انتظرتك يا رب. ثبّتت نفسي كلمتك. ترجّت نفسي الرب". وهناك ترجمة أخرى تقول: "بسبب شريعتك". وتقول ترجمة ثالثة: "لتعرف كلمتك". وهذا يعني: بسبب عطفك على الانسان، بسبب اسمك، بسبب شريعتك، انتظرت خلاصك. إن كنت ثبّتُّ عيني على أعمالي ليئست من زمن بعيد ولتخلَّى عني الرجاء. ولكني أرجوك رجاء. لهذا أتعلّق بشريعتك وكلمتك. أية كلمة؟ كلمتك العطوفة. أما قال الله بذاته: "كما ترتفع الشمس عن الأرض كذلك ترتفع إرادتي عن إرادتكم وطرقي عن طرقكم" (أش 55: 9). وقال أيضًا: "كما ترتفع السماوات عن الأرض، كذلك أعلن الرب رحمته على الذين يخافونه" (103: 11). وقال أيضًا: "كما يبتعد المشرق عن المغرب كذلك أبعد عنا ذنوبنا" (103: 12). وهذا يعني: لم أخلص الابرار فقط بل أنعمت أيضًا على الخطأة، وأعطيت البرهان عن حمايتي وعنايتي وسط كل خطاياك. وقالت ترجمة أخرى: "انتظرتك يا رب لتكون سبب مخافة؟ ولمن؟ لأعدائي الذين يهيّئون فخاخًا، للذين يريدون بي شرًا.
وما معنى هذه الكلمات: "من أجل اسمك"؟ هذا هو معناها: أنا خاطئ، أنا إنسان مليء بشرور لا عدّ لها، ولكني أعرف جيدًا أنك لا تتركني أهلك لئلا ينجّس اسمك. هذا ما قاله الله في سفر حزقيال (36: 22): "لست من أجلكم أفعل، بل من أجل اسمي لئلا ينجّس بين الأمم". وهذا يعني أننا لم نكن أهلاً لنخلص، وما كان لأعمالنا أن تعطينا أملاً بذلك. فمن أجل اسمك ترجّينا خلاصنا فكان لنا هذا الرجاء رجاء الخلاص الوحيد. وورد في ترجمة أخرى: "بسبب الخوف انتظرت الرب". وفي ترجمة ثالثة: "بسبب شريعتك انتظرت الرب. ثبتَتْ نفسي بسبب كلمتك". وترجمة رابعة: "ثبتت نفسي وانتظرت تحقيق كلمتك". وهذا يعني أن مواعيدك واعلاناتك بالرحمة والعطف كانت لي مرساة مقدسة فما مللت انتظار خلاصي.
"منذ هجعة الفجر إلى الليل ليرجو اسرائيل الرب". يعني المرتّل بكلامه: كل الحياة. الليل والنهار. لا شيء يوافق الخلاص إلاّ أن ننظر دومًا إلى الله، أن نتعلّق بهذا الرجاء وإن حلّت بنا ظروف عديدة تحاول أن ترمينا في اليأس. هذا هو السور الذي لا يُدمّر والحصن الذي لا يُؤخذ والبرج الذي لا يقهر. وإن مثّلت لك الظروف خطر الموت ودمارًا تامًا، فلا تسأم من الاتكال على الله وانتظار الخلاص منه. فكل شيء سهل له ويسير، وهو يجد مخرجًا للحالات التي لا مخرج لها. لا تنتظر خلاصك فقط حين تسير الامور حسنًا، بل حين يكون النوّ في البحر والعاصفة، وحين يكون الخطر كبيرًا جدًا. حينئذ يبين الله قدرته. وهناك يقول: "ضع دومًا رجاءك في الرب، كل حياتك، ما دامت حياتك، لأن عند الرب الرحمة وعنده تجد فداء وافرًا وهو يفتدي اسرائيل من كل آثامه". "عند الرب الرحمة". ماذا يعني هذا؟ هنا يوجد كنز ونبع عطف يجري دائمًا. حيث توجد الرحمة هناك يكون الفداء أيضًا، ويكون الفداء وافرًا، ويُوجد بحر حب لا حدود له. وإن حصل أن عرّضتنا خطايانا للخطر، فلا نتراجع ولا نتراخَ. فحيث الرحمة والمحبة لا يُطلب حساب دقيق، لأن رحمة القاضي العظيمة تميل به لأن يعرض عن كثير من الخطايا. هذا ما يفعله الله المدفوع لأن يرحم ويغفر. "فهو يفتدي اسرائيل من كل آثامه". فإن كانت تلك طبيعة الله وإذا كان حبه للبشر عظيمًا بحيث ينتشر في كل مكان، فمن الواضح أنه يخلّص شعبه ويحرّره لا من العقاب فحسب بل وأيضًا من خطاياه. فإذا عرفنا هذا لنبق مصلين وطالبين ولا نترك الصلاة أبدًا، سواء استجاب الله لنا أم لم يستجب. فهو سيّد عطاياه وسيّد الوقت الذي فيه يمنحنا إياها وهو يعرف متى يكون التوقيت مناسبًا. فلنبق إذن في التضرع ولندعُه إلى معونتنا ولنثق بشفقته وعطفه ولا نيأس أبدًا من خلاصنا ولنشارك فيه بعملنا. أما بالنسبة إلى الرب فعونه لن يغيب لأن رحمته لا يعبَّر عنها، وعطفه لا حدود له. فليعطنا أن نبقى دومًا أمينين بنعمة وعطف ربنا يسوع المسيح الذي له المجد وللآب وللروح القدس إلى دهر الدهور. آمين. (يوحنا فم الذهب).

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM