الفصل السابع والثلاثون: عاقبة الكفر بنعمة الله

 

الفصل السابع والثلاثون
عاقبة الكفر بنعمة الله
12: 14 - 29

نبدأ هنا دراسة القسم الأخير (12: 14 - 13: 18) من الرسالة إلى العبرانيين. وقد جاء في ثلاثة مقاطع ستكون فصولاً ثلاثة يتبعها فصل رابع هو خاتمة الرسالة (13: 19 - 25). عنوان الفصل الأول (12: 14 - 29)، عاقبة الكفر بنعمة الله. هو موضوع دراستنا الآن. ويليه فصل ثان عنوانه: توصيات في الحياة المسيحية (13: 1 - 6). والفصل الثالث (13: 7 - 17) يكون: الأمانة للتعليم.
إن الخوف من العقوبة يفعل كما يفعل الأمل بالمجازاة لكي يحرّك النفوس المتراخية. في هذا المنظار (رج 6: 4 - 8) يحّث الواعظ سامعيه على الطاعة لكلمة الله، على الأمانة للتعليم، على طلب القداسة، لئلاّ يصيبهم غضبُ الله الذي هو نار محرقة. هذا ما نقرأه في هذا الفصل الطويل مع ثلاث نقاط: انحدار عيسو (12: 14 - 17). من سيناء إلى السماء (آ 18 - 24). الطاعة المطلوبة (آ 25 - 29).

1 - تفسير الآيات
جعل الكاتب قرّاءه في إطار نهاية العالم والدينونة الآتية لا محالة. دعاهم إلى السلام والقداسة، وحذّرهم من الاستخفاف بنداء الربّ الأخير. وبدأ فرسم أمامهم وجه عيسو الذي هُيّئت له البركة ((فباعها)). فلم يبقَ له سوى الدموع.

أ - انحدار عيسو (12: 14 - 17)
بعد مقدّمة، تحذّر الرسالةُ المؤمنين من السقوط، من الاقتداء بعيسو: استُبعد من البركة، والمصير نفسه ينتظرنا.
أولاً: السلام والقداسة (آ 14)
استعادت آ 14 لفظتين من 12: 10 - 11 ايريني (السلام) هاغياسموس (القداسة). تلك هي الحياة المسيحيّة التي نُدعى إليها كي نعاين الربّ: سلام مع الإخوة. علاقة مع الله. إن أحد الظروف التي فيها يصل المؤمن إلى الجحود، هو غياب المحبّة الأخويّة التي تواجه المسيحيّ الضعيف (آ 13) في الجماعة. وما يقوّي الثبات في الايمان والوحدة بين الجميع هو السلام. قال يع 3: 18: ((ثمرة البر تُزرع في السلام بيد فاعلي السلام)). لهذا يُفرض على المؤمن، لا أن يعيش في سلام فيبتعد عن الخلافات وحسب، بل أن يعمل أيضًا بكل قواه من أجل السلام. ((ديوكاتي))، لاحق، اقتفى طريق السلام رج مز 34: 15؛ روم 12: 18؛ 1بط 3: 11. في هذا قال يسوع: طوبى لفاعلي السلام، طوبى للعاملين من أجل السلام. وبشكل خاص مع الذين يقاوموننا (من سخّرك ميلاً فامش معه ميلين، من طلب ثوبك فخلّ له الرداء أيضًا)، مع الفاترين والمتراخين. ارتبط طلبُ السلام بالقداسة، فكان هذا الطلب أقرب الطرق إلى القداسة في خط يسوع الذي كان سلامنا كما قال بولس الرسول في أف 2: 14.
القداسة (هاغياسموس، لا نجدها في اليوناني العادي) تميّز المسيحي وتقابل الخلاص (2 مك 2: 17). هي موضوع مشيئة الله (1تس 4: 7،3) وتترافق مع المحبّة (اتم 2: 15) والطهارة (10: 10). القداسة تدلّ على أننا مكرّسون لله، أننا لا نخصّ بعد أنفسنا، فلا يحقّ لنا والحالة هذه أن نساوم على مستوى المثال المسيحيّ. لهذا بدت القداسة ثمرة البرّ (آ 11؛ روم 6: 19)، وظهرت في خدمة الله التي اسمها في عب ليتورجيا وعبادة بها نُرضي الله في ورع وتقوى (آ 29). بدون هذه القداسة التي نحقّقها في صدق، ونحمل ثمارًا، لا نستطيع أن نصل إلى هدف حياتنا السامي الذي هو معاينة (اوراوو) الله (تيون، رج 11: 27). لن ينعم الخطأة بهذ النعمة الفريدة (1 يو3: 6؛ 3يو 11). إنها محفوظة للنقيّة قلوبهم (مت 5: 8)، لأولئك الذين عاشوا الأمانة حتى المنتهى (1 يو 3: 2).
ثانيًا: حذر مرارة (آ 15)
في صراع الكنيسة من أجل ملء إيمانها وطلبها للقداسة، يعتبر كل مسيحيّ نفسه حارسًا لإخوته (10: 24 - 25). لهذا، يتصرّف معهم وكأنه مسؤول عنهم (سي 17: 14؛ رو؛ 13: 8 - 10). ((ابيسكوبيو))، حرص، ساهم (مراحدة في العهد الجديد. نقرأه في الرسائل العادية). جعله الله قرب الضعاف في صحّتهم، كما قال الذهبي الفم. هو يسهر على نموّهم الروحي: لم يكونوا أمناء للنعمة فسقطوا. فسدوا فأفسدوا. واخيرًا صارت خطيئتهم بلا غفران.
ثلاث مرات ترد ((مي تيس)) لئلاً. وهي ترتبط بفعل ((حرص)).
إحرصوا لئلا يضيع أحدهم النعمة أو يحرم نفسه منها. ((هستاريو (4: 1؛ 11: 37، صيغة اسم الفاعل). رج 3: 23. في 1 كور 1: 7 نعرف أن الكورنثييّن الذين كانوا أغنياء في المسيح ، لم يعوزهم شيء من المواهب. ((خاريس)) هنا قد تشير إلى عطايا الله، إلى عون روحيّ ضروري لحياة أمينة وحارّة، من أجل المشاركة في جماعات العبادة (آ 28؛ 10: 25) والتعليم الديني. ولكن السياق بما فيه من كلام قاس، يدعونا لأن نفهم ((خاريس)) في معنى حظوة، رضى الله المجاني. أول شرّ يشجبه الكاتب هو شرّ يهود اهتدوا، دُعوا إلى الخلاص، تنقّوا من خطيتهم. وها هم الآن يتراجعون (يعزلون نفوسهم) عن ((روح النعمة)) (10: 29). كانوا قد ساروا وراء القائد (ارخيغوس)، وها هم الآن يعودون أدراجهم. من تهرّب من النعمة، ترك المسيح وتنكّر للانجيل (آ 25). مثل هذا الأخ الاعرج (12: 13) الذي يندفع إلى ترك الايمان (تث 29: 7)، نذهب إلى مساعدته (ابيسكوبيا يحمل أيضًا هذا المعنى). قال الذهبي الفم: كما في القافلة نطلب ونسند المسافر الذي تعب وصار في المؤخّرة.
من جهة، يتجنّبون البلبلة في الجماعة (إنوخليو، لو 6: 18، عمل الأرواح النجسة)، ويغطون الشك الذي مثّله أخٌ سقط. ومن جهة ثانية، نوقف عدوى الحجود قبل أن يمتدّ وينجّس عددًا من المسيحيين (مياينو، أفسد، تي 1: 15، بالنسبة إلى الهراطقة). جاءت الاستعارة من تث 29: 17 (عرق يثمر مرارة ولعنة) حسب السبعينية. في النص الماسوري، يُشبَّه الاسرائيليّ العائد إلى عبادة الأصنام بجذر يُنبت السمّ والمرارة اللذين يدلاّن على نتائج الخطيئة الوخيمة. يشير النصّ هنا إلى يهود اهتدوا ثم عادوا إلى المجمع (10: 29 - 31). ((بيكرياس)) (مضاف إليه)، مرارة. تدّل على خطأة معلنين تحدّوا كل شيء فاجتذبوا إخوتهم إلى الجحود (1 مك 1: 10)، على مثال شجرة تسمّم الناس. ((أنو فووسا)) تنمو وترتفع (اسم فاعل. ما زالت حتّى اليوم). هذا ما يدلّ على حيويّة هذا الجذر الذي ينمو شيئًا فشيئًا ولا يتوقّف (لو 8: 6 ،8). قوّة الجاحدين تظهر وتفعل تدريجيًا في الكنيسة.
ثالثًا: فاجر ومبتذل كعيسو (آ 16)
انتبهوا من السقوط والانحطاط. لا تقتدوا بعيسو. بعد ((مي تيس)) (لئلا، أن لا يحرم) أول، و((مي تيس)) ثان (أن لا يثبت). في آ 15، نصل إلى ((مي تيس)) ثالث: أن لا يكون فاجر. نحن أمام نجاسة وزنى في جماعة المسيحيّين المكرّسين لله. إحرصوا (ابيسكوبيو) أن لا يُحرم أحد من نعمة الله.
إحرصوا أن لا ينبت جذر مرارة. والآن إحرصوا أن لا يكون فاجر أو زان. كانت تلك الخطيئة متواترة بين المهتدين الجدد (13: 4؛ 1 كور 5: 9 - 11؛ 6: 13ي؛ أف 5: 3 - 5؛ 1 تم 1: 10). لهذا ندّد بها الكاتب. وقد تُذكر مع عبادة الأوثان (عد 14: 33؛ حز 23: 1 ي؛ يو 8: 41؛ 1 كور 6: 9؛ رؤ 2: 14؛ 17: 1ي؛ 21: 8؛ 22: 15). وهذا هو الوضع الآن مع الكلام عن الحجود. ((بورنوس)) (زان ) ((بابيلوس)) (فاسق، منجّس). رأى فيلون في عيسو رجلاً فاجرًا (الفضائل 208). وقال التقليد الرابيني إنه قضى الأربعين سنة الأولى من عمره وهو يلاحق النساء، وينجّسهن (تك ربا حول تك 26: 34). ويوم باع حقّ بكوريّته، تجامع مع فتاة مخطوبة، كما قال رابي يوحانان في بابا بترا 6 ب. ودعا أخاه لكي يشاركه في فجوره (يوبيلات 25: 8 - 8). وصيته كزان جاءه من زواجه ببنات حث (تك 26: 34 - 35؛ 27: 46). والزواج من امرأة وثنيّة (يتجاوز ما تحرّمه شريعة موسى، لا 18) يُعتبر زنى (بورنايا، أع 15: 20؛ 2: 21: 25). وهكذا تلمّح عب إلى هذا الزواج من غير المؤمنات، الذي اعتبر زنى وفجورًا. قال تيودوريتس: بورنايا (الزنى) لأنه ((بارانوموس)) (تجاوز للشريعة). وكانت مقابلة بين ((بورني)) (الزنى) و ((برنيمي)) (باع) فالمرأة الزانية تبيع جسدها. وهذا ما فعله عيسو: باع نفسه وتنجّس حين تخلّى عن حقّ البكوريّْة. نجّس هذا الامتياز المقدّس، احتقره (تك 25: 34؛ إفاوليسن). ((بروتوتوكيا)) (بكريّة). جعلته الوارث الأول للمواعيد المسيحانية. ولكنه حرم نفسه منها (والمسيحيون أيضًا!).
هذا الانتحار ((الروحي)) وضعٌ يقدَّم للمسيحيين الذين اضطهدوا ويئسوا، فتخلّوا عن بنوّتهم، وعن المواهب الروحية التي يتضمّنها هذ الحقّ الالهي (آ 5 - 14). فضَّلوا راحتهم الحاضرة على بركات حُفظت لهم في المستقبل. فالجاحد الذي يترك الاله الحي (3: 12) ويخسر النعمة (آ 14) ليتعلّق بعالم خاطئ، ويتنازل عن القداسة (آ 14) يمسّ المقدّسات. إنه ((بابيلوس))، مبتذل. هذا ما فعله عيسو، لا تجاه خيرات كثيرة، بل تجاه أكلة (بروسايوس، لا ترد إلاّ هنا في عب) واحدة. بروسيس: طعام مادي (روم 14: 17). رج ((بروما)) (9: 10؛ 13: 9).
رابعًا: رُذل وخاب (آ 17)
تتألّف هذه الآية من جملتين مميّزتين. الأولى توجز تك 27: 30 - 40 (استي، تعلمون في صيغة الحاضر، لا في صيغة الأمر): رفض اسحاق أن يستعيد بركة احتال يعقوب وأخذها، ويعطيها لعيسو. الثانية تشرح الطابع النهائي وهذا الرذل والاستبعاد . ((ابودوكيمازو))، رذل بعد امتحان، استبعد مرشحًا لوظيفة، أعلن شخصًا غير أهل لمهمة، جعله في سلّة النفايات. رج إر 6: 30؛ لو 9: 22. يتضمّن هذا الفعل فكرتين: من جهة، طالب عيسو أباه بأن يغيّر رأيه. ومن جهة ثانية جاء طلبه باطلاً. هناك من ربط الضمير ((أوتين)) (التمسها، طلبها) مع ((اولوغيا)) (البركة). ولكن من الأفضل أن يُربط مع ((ميتانويا)) (التوبة). وهكذا نكون في تقابل تام بين طلب ووجد (تث 4: 29؛ يش 2: 22؛ 2 أخ 15: 2؛ هو 5: 6). ونفهم ((رذل)) مع ((غار)) لأن هذا يعني أن عيسو لم يستطع شيئًا تجاه قرار أبيه، مع أنه التمس ما التمس بالدموع.
هذا رأي. ولكن هناك رأيًا آخر يعود إلى الذهبيّ الفم (والعدد الكبير من الشرّاح) فيعطي ((ماتانويا)) لا المعنى الدنيوي: بدّل رأيه أو عاطفته (كما في فيلون ويوسيفوس)، بل المعنى الديني: التوبة، الارتداد عن الخطيئة (6: 6). ليس اسحاق هو الذي بدّل رأيه. بل عيسو الذي أراد أن يتوب، فلم يجد سبيلاً للتوبة. هذا يعني الدمار الكبير الذي حلّ به، فشابه يهوذا الذي باع ربّه. إذن، ليفكّر المسيحيّون الذين سقطوا. تخلّوا عن كرامتهم كأبناء، وسيأتي يوم لن يستطيعوا فيه العودة إلى البيت الأبوي. في هذا قال الذهبي الفم: ((حقّ البكورية يخصّنا وما عاد يخصّ اليهود... فلا نسقط سقوطًا لا شفاء منه. فما زلنا على مستوى العرج. نستطيع أن ننهض، ولكن إذا ملنا بكليتنا، فماذا نقدر بعدُ أن نعمل))؟
ب - من سيناء إلى السماء (12: 18 - 24)
كان عيسو مميّزًا بحقّ البكورية. ولكنه خسره وما استطاع استعادته. فالسقوط في هوّة سحيقة يجعل النهوض صعبًا، وبعض المرّات مستحيلاً، مهما كانت رحمة الرب واسعة. هذا ما يجب على المسيحيين أن يفهموه : إن اقتدوا بعيسو، انحطوا واستُبعدوا عن بركات قدّمها لهم الحبر الامين الرحيم. أجل يريد هؤلاء المسيحيون أن يعودوا إلى خبرة سيناء بعد أن وصلوا إلى يسوع، وسيط العهد الجديد. فليحذروا.
أولاً: ظهور مخيف (آ 18 - 21)
ورد خبر عيسو كمثَل، وبشكل معترضة (آ 15 - 17). ثم عاد الكاتب إلى ضرورة الثبات (آ 12 - 13)، إلى طلب القداسة (آ14). نقابل بين وضع بني اسرائيل أمام وحي الله على جبل سيناء، مع ما في هذا الظهور من رهبة وخوف (آ18 - 21)، ووضع المسيحيين الذين يعيشون في الكنيسة ويتطلّعون إلى السماء (آ 22 - 24). بما أنهم قريبون من الله (بروسارخوماي، رج 4: 16؛ تث 4: 11)، وقد نالوا نعمًا كبيرة، فهم مدعوّون إلى أمانة أكبر (آ 25ي).
الموضوع هو الجبل. بين سيناء وصهيون. فالجبل هو موضع لقاء السماء بالأرض. هناك جرزيم، الكرمل، تابور، حرمون، موريا. أما العبادة في اسرائيل فتركزّت حول جبل الهيكل، صهيون. هناك يقيم الرب. وهناك ينصّب مسيحه ملكًا (مز 2: 6). وكل أحداث الأزمنة المسيحانيّة تتمّ على الجبل (أش 2: 2). وفي العالم الرابينيّ، سيناء هو النموذج الأول لجبل الخلاص النهائيّ (8: 5؛ غل 4: 24 - 25). المسيح ينزل من جبل (4 عز6: 35). وفي العالم الآتي يقيم الأبرار على جبل هو في الوقت عينه جبل المعبد وجبل الفردوس. استنار الكاتب بهذه النظرة العباديّة والاسكاتولوجيّة (رج بروساليليتاتي اوراي: دنوتم إلى جبل، آ 22؛ رج رؤ 14: 1؛ 21: 10). ولكن بما أن صهيون وحدها هي مركز الحياة الدينيّة والموضع السماوي، لم يُذكر جبل سيناء الذي كان عنها صورة مسبقة. فهذا الالغاء رمز إلى الغاء التدبير القديم والطقوس السينائية.
إن وصف ظروف وحي العهد (دياتيكي) قد أخذ من خر 19: 12 - 9؛ تث 4: 11 - 14؛ 5: 22 - 30. أولاً الظواهر المخيفة، وعددها سبع. اللفظة الأولى ((بسيلافاوو، رج بسيلافيتوس في خر 10: 21. يدل على الطابع الماديّ والحسيّ للعهد القديم، فيقابل بين سيناء وصهيون السماوية (آ 22). في بعض الوقت، كان الجبل يشبه مشاعل يرتفع لهيبها حتى أعماق السماء (خر 20: 18؛ تث 4: 11، 12؛ أخنوخ 18: 6؛ 24: 1). وعن الدخان الكثيف الظلمة التي تخفي شخص الله، رج تث 5: 22 - 23. ((تيالا)) (تث 4: 11) تضم الريح العاصفة ولمعان البرق. وهناك الضجيج الذي يصمّ الآذان كأننا أمام بركان يغلي. وجاءت معجزة غير معهودة فحرّكت الخوف: امتزج بصوت الرعد أصوات بوق (خر 19: 16؛ 20: 18) تُعلن للكون مدلول الحدث، أو حضور الملك كما في المجيء (باروسيا). كان الرب يتكلّم من وسط النار فيُسمع صوت كلماته ولكنه لا يُرى (تث 4: 12، ق و ل، ر ج مز 29).
كانت ردّة فعل الحاضرين الخوف، وذلك عند التلفّظ بالكلمات. بروستيتيمي: يقال عن الكلام. هو صوت الله الذي يرعب أكثر من جميع الظواهر الكونيّة. ما كان بمقدور بني اسرائيل أن يسمعوه دون أن يموتوا. لهذا، طلبوا من موسى أن يكون هو صدى لصوت الرب (خر 20: 19؛ تث 5: 27 – 29). وكان تأثير الله كبيرًا بقدرته، بل بمضمون فرائضه. نقرأ دياستالو (رج أع 15: 24؛ مر 5: 43؛ 7: 36؛ 8: 15؛ 9: 9) الذي يعني ميّز، فصل ثم فرض، أوصى، أمر. رج لا 10: 10؛ 11: 47. هذا المناخ الالهي برعبه المقدس، أبرزه موسى حين منع الاقتراب من الجبل تحت طائلة الموت، وذلك ثلاثة أيام قبل أن يتجلّى الربّ. وهكذا صار الجبلُ مقدسًا بحيث لو صعدت بهيمة تُرجم دون أن تلمسها يد (خر 19: 10 – 13). عبّر النصّ عن هذه الرعدة بـ ((أوك إفارون)) (لم يطيقوا)، رج روم 9: 22. ولكن عب فسرّت هذه العبارة بأنها رفض للوحي الالهيّ. هنا نقرأ ((بارايتيوماي)) (آ 19): رفض، رذل (1تم 4: 7؛ 5: 11؛ تي 3: 11؛ 2 تم 2: 23). رج آ 18: لم تدنوا.
ونصل إلى آ 21. كان المشهد مريعًا بحيث إن موسى نفسه، صديق الله ونديمه، ارتعب وصرخ من الخوف،. في الواقع، هذا ما لا نجده في العهد القديم. خاف الوسيط (تث 9: 19؛ أنا خائف) لأنه واجه غضب الله ضدّ عبادة العجل الذهبيّ، لا يسبب ((المنظر)) (فنتازومانون). لفظة واحدة في العهد الجديد. رج حك 6: 16. نحن أمام خبر تقليدي أشار إليه اسطفانس حين تحدّث عن خوف موسى لما سمع صوت الرب أمام العليّقة الملهّبة (أع 7: 32). كل هذا يعود إلى خر 3: 6: أخفى موسى وجهه لأنه خاف أن ينظر الله.
ثانيًا: جماعة السماء (آ 22 – 24)
* جبل صهيون ومدينة الله (آ 22)
لقاءان لله مع البشر المدعوّين ليكونوا شعبه. ولكنهما يتميّزان بتعارضهما. حصل الأول في قلب عناصر ملتهبة مدمِّرة، فحرّك الرعب بحيث إن بني إسرائيل حاولوا التهربّ من هذا الوحي. والثاني حصل أيضًا على جبل، ولكن في إطار سلام (آ 11، 14). هو لقاء روحي سماوي. فالمسيحيون يلتقون، بالايمان، الله، المسيح، الملائكة، وينالون الخلاص والحياة الأبديّة. إنهم يبشّرون بالسماء خلال حياتهم على الأرض. وجاءت اللوحة التي رسمتها عب حماسيّة، فتوخّت أن تُنعش إيمان وتقوى هؤلاء المهتدين الذين لم يعوا كل الوعي الامتيازات التي نالوها في الكنيسة، فراموا العودة إلى المجمع وإلى والممارسات اليهوديّة.
أول تعارض بين العهدين يأتي من الموضع الذي أعلنا فيه. جبل صهيون كموضع عبادة (رج 1 مك 4: 37 ،46، 60؛ 6: 48، 62 حيث جبل صهيون يدلّ على جبل الهيكل، على الهيكل) يقابل جبل سيناء (غل 4: 24 - 21؛ يوبيلات 4: 26؛ 8: 19). هو مسكن الله على الأرض ومعبده المقدّس (أش 8: 18؛ حز 40: 2ي؛ يو 3: 5؛ مز 50: 2). هناك يتجلّى مسيحه. ومن هذا الجبل يشعّ مجدُ الله على العالم. من هذا القبيل صارت صهيون المقدسة مدينة الله الحي، وسكنى إله الحياة. وهي أيضًا المدينة ذات الأسس (لها أساسات متينة فلا تتزعزع، 11: 10، 16) التي صبا إليها ابراهيم والآباء. إذن هي أرضّية وسماويّة معا. هي أورشليم الدنيا وأورشليم العليا (غل 4: 26). والواحدة نموذج الأخرى (8: 2، 5). اسم اورشليم يدلّ على الطمأنينة: وهي خيمة لا ُتنقل من مكانها، ((أوتادها لا تقلع إلى الأبد، وحبل من حبالها لا ينقطع)) (أش 33: 20). كما تدلّ على السلام الذي هو ملء بركات الله، لا غياب الحرب فقط.
ثلاثة أسماء لمدينة الله، وثلاثة أسماء لسكّانها الاولين، الملائكة. هم يعيشون العيد حول الله الحيّ. ((بانيغيريس)) (مراحدة في العهد الجديد) تعني في السبعينية (س و ع د)، تجمّع كل الشعب للاحتفال بعيد كبير مثل الفطير أو المظال (عا 5: 21؛ هو 10: 5؛ حز 46: 11). تشير اللفظة إلى النصر والغبطة (هو 2: 13). هي حفلة عيد.
* جماعة الأبكار (آ 23)
الأبكار (بروتوتوكون) هم المكرّسون لله وأول الناعمين بسعادته. في العهد القديم، كان الأبناء المكرّسون للرب يُجعلون في سجلّ، تُكتب أسماؤهم (عد 3: 40ي). رج ((أبوغرافو)) (لو 2: 1 ،3، 5؛ 10: 20) وتدوين أسماء أهل المدينة في العالم اليوناني والروماني. صيغة الكامل تدلّ على أن هذه الاسماء كُتبت وما زالت مكتوبة.
اعتبر البعض أن الآبكار هم الملائكة لأنهم أول خلائق الله. سبقوا المسيحيين في الكنيسة الظافرة (السماء). ذاك كان موقف الآباء اليونان. ولكن يبدو أنه يجب أن نفكّر بالبشر حسب الكتاب المقدس. رج خر 32: 32 - 33؛ مز 69: 29؛ أش 4: 3؛ دال 12: 1؛ لو 10: 20؛ فل 3: 20؛ رؤ 3: 5؛ 13: 8؛ 17: 8. هم أولاً الآباء والاتقياء في العهد القديم (ف 11). ثم شهود الايمان الأولون، وقد قال فيهم سفر الرؤيا: ((هم من كل أمّة وكل قبيلة وكل شعب وكل لسان)) (7: 9). هم ((جمع كثير لا يستطيع أحد أن يحصيه)). إلى هؤلاء ينضمّ قرّاء عب إن ظلّوا أمناء، وإلاّ خسروا هذا الامتياز العظيم.
في قلب هذا البلاط السماوي يقف الله. هو الديّان، ديّان الجميع. إن لفظة ((كريتيس)) تقابل ((ميستابودوتيس)) في 11: 6 (رج أع 10: 42) فتجعلنا في إطار نهاية الأزمنة (2 تم 4: 8). فحين ينتصب الله كالديّان، يحيط به الملائكة (مت 24: 30؛ 25: 1). هذه الإشارة إلى الديّان السامي الذي يجازي ويعاقب (10: 30؛ أخنوخ 41: 9) تهيّئ الطريق للارشاد (في آ 25 ي). غير أن هناك خطًا تفسيريًا آخر يعود بكلمة ((كريتيس)) إلى العالم العبري ((ش ف ط)). القاضي هو الذي يقضي في الناس ويهتمّ بأمورهم. هو حاكم المدينة فيقابل ((ديناستيس)) (1تم 6: 15). هذا القاضي، مهما كان عادلاً، هو أبو اليتامى ومعين الأرامل (مز 68: 6)، ويقول فيه أش30: 18: ((ينتظر (الوقت)، يتحيّن الفرصة، ليتحنّن عليكم وينهص ليرحمكم، لأنه إله عادل. هنيئًا لجميع الذين يرجونه)).
حين يبلغ المسيحيون أورشليم السماويّة، يجدون هناك قرب الله أبرار العهد القديم والعهد الجديد. يتحدّث الكتاب عن الانفس البارة (2 بط 2: 8؛ رج عد 23: 10؛ حك 3: 1؛ دا 3: 86؛ 4 عز الا 11: 3؛ رؤيا باروك السريانية 20: 1 ي). ((بنفماتا))، أرواح. ارتدت مجد الله. وصلت إلى الهدف، إلى الكمال. لهذا كان الفعل في صيغة الكامل فدلّ على وضع نهائي وثابت.
* يسوع وسيط العهد (آ 24).
بدأ وصف أورشليم السماوية مع ((بروساليليتاتي)) (دنوتم، آ 22)، وها هو ينتهي مع رؤية المسيح مكمّل الايمان (آ 2) والقائد (ارخيغوس) الذي كان أول الداخلين إلى مدينة السعادة فاتحًا الطريق لأخصّائه. وهم سيجدون رئيسهم في بشريّته المجيدة. ولكن الكاتب يذهب أبعد من ذلك، فيتطلّع إلى كل عمل المسيح الكهنوتي الذي يفتح السماء للبشر (7: 10). هو كوسيط (ماسيتيس) عهد (دياتيكي) يقابل موسى المرتعب أمام الله (آ 12). ترك الكاتب ((كايني)) 8: 8، 13؛9: 15) وأخذ ((نيا)) ليدلّ على ميزة كل عهد (بالايا، 2 كور 3: 14). العهد القديم ألغي. أما الجديد فيدوم مدى الدهر (أيونوس 13: 20).
لن يدخل إلى مدينة الله سوى الذين اقتربوا من يسوع (الذي هو أخوهم)، من دمه المطهّر الذي هو أفضل من دم الذبائح التكفيرية الذي كان يرش، فيما يرش، في يوم كيبور (رانتيسموس، رج 9: 13 ،19، 21؛ 10: 22؛ 1بط 1: 22). وإنّ تقريب الدم من العهد يقودنا إلى خر 24 حين قرأ موسى كتاب العهد ورشّ الشعب: هذا هو دم العهد الذي قطعه الله معكم.
الدم يتكلّم. ذاك كان الوضع منذ قتل قايين هابيل (تك 4: 10). في هذا المعنى، قال أخنوخ ان دم الابرار (ونموذجهم هابيل) يرفع الصوت إلى السماء مشتكيًا على نسل الأشرار. رج 11: 4. في 2 مك 8: 2 - 4 نسمع صوت الشهداء يصرخ طالبًا الانتقام الذي هو في الواقع عدالة الله. ودم المسيح يفعل أكثر من دم هابيل في خطّ هذه العدالة. فالله هو الديّان (كريتيس، آ 23). ولكن دم الشهداء هو أيضًا دم تكفير وتشفّع (4 مك 6: 28؛ 17: 21ي). وهنا تأتي المقابلة: دم هابيل طلب تدخّل العدالة الالهيّة فأغلق باب السماء على الخطأة. أما يسوع فيفتح باب أورشليم السماوية أمامهم. صوتُ يسوع أقوى من صوت هابيل، وهو يبلغ مبتغاه. لكنه يطلب شيئًا آخر: يطلب الغفران لا الانتقام. هنا نتذكّر صلاة الشهداء في سفر الرؤيا (6: 10): ((حتّى متى أيها السيّد القدوس والحقّ...))؟

ج - الطاعة المطلوبة (12: 25 - 29)
حين نقترب من الله، تُكبر مسؤولياتنا. هذا هو وضع أبناء العهد الجديد: تُطلب منهم طاعة أكبر من طاعة أبناء العهد القديم. ما جاءهم رسول من الأرض، بل من السماء. ليخشوا ما تزلزلت الأرض، بل السماء. ليتمسّكوا بالمسيح، ليتمسّكوا بالنعمة، وليدلّوا على تمسّكهم هذا بعبادة ترضي الله.
أولاً: كلام من الأرض، كلام من السماء (آ 25).
تبدأ هذه القطعة فجأة بدون أداة وصل. هكذا نعود إلى مطلع الرسالة (تكلّم... كلّم، لالونتا... لاليساس): إن إله ابراهيم واسحاق ويعقوب وموسى يتكلّم اليوم إلى كل انسان بفم ابنه المصلوب. هو لا يعد بامتلاك أرض مباركة، بل بالخلاص والحياة الأبديّة. نحن أمام مشاهدة (وكأنها بأمّ العين) أورشليم السماوية (بلاباتي مي : احذروا. حرفيًا انظروا، تبصّروا لئلا، رج 3: 12): لقد اقتربتم من هذه المدينة... ويدلّنا عليها بإصبعه. فهل نُهمل هذه العطيّة الآتيّة من عند الله؟ حين يتكلّم الله يجب أن نسمعه حتّى النهاية (صيغة الأمر الحاضر. بدلّ على الاستمرار) ونحمل على محمل الجد ّمتطلّبات عهده (دياتيكي). مبادرة من الله، أمانة من الانسان. سخاء من قبل الله، ثبات من قبل الانسان. رفض اليهود أن يسمعوا صوت الله (آ 19). فليحذر المسيحيون. وهكذا يتلخّص الارشاد في فعل ((بارايتيوماي)) الذي يتكرّر ثلاث مرات (آ 19. في البرديات، رفض ما يقدّم له. احتجّ على ما يُطلب منه). وجاء البرهان مع بالأحرى: عهد جاء من الأرض (غيس). الويل لمن لا يسمعه. فما يكون عهد آتٍ من السماء (اورانون)؟
رأى الذهبي الفم وغيره في هذا الكلام تعارضًا بين موسى (رج 8: 5) والمسيح (يو 3: 12 - 31؛ 1كور 15: 47). موسى هو ((خريماتيزون)) الذي أوتي كلام حياة ليؤدّيه إلينا (أع 7: 38). تكلّم على الأرض، في سيناء. أما يسوع فتكلّم من السماء. ولكن حسب خر 20: 22؛ تث 4: 36؛ نح 9: 13، حين كان الله يتكلّم على سيناء، كان في الواقع يتكلّم من السماء. وسيقول المجمع: التوراة من السماء (ش م ي م). ثم إن المسيح، كوسيط العهد الجديد، قد تكلّم على الأرض. في الواقع، إن السياق المباشر (آ 19: 26) والتعليم عن الله الموحي (1: 1ي) يفهماننا أن نظام العهد القديم ونظام العهد الجديد يعودان إلى الله. وهكذا يُرادف ((خريماتيزو)) ((لاليو)) (تكلّم). الفعلان هما في صيغة اسم الفاعل مع أل التعريف. ليس التعارض بين الوسيطين، بل بين موضع الوحيين: أرضيّ وسماويّ. عناصر الطبيعة (آ 18: 19) تجاه مدينة الله، أورشليم السماويّة، الملائكة، الأرواح، إله الجميع (آ 22 - 23). توخّى ظهور الله في سيناء تنظيم الحياة على الأرض، بشكل موقت وعابر (9: 1، رج بابوييمانون، 12: 27). العهد الثاني فتح السماء بدم المسيح. وفي صهيون المقدسة، يكلّم الله من السماء الناس الذين اقتربوا من مسكنه، بل دخلوا فيه. في الحالين الله يتكلم. ولكن شتّان ما بين الأرض والسماء.
بقدر ما ترتفع السماء عن الأرض، كذلك يتفوّق العهد الثاني على العهد الأول. ولهذا يكون التمرّد في إطار العهد الثاني أخطر منه في العهد الأول. رذل العبرانيون أوامر الله فاستُبعدوا من أرض الموعد (3: 17 - 19)، وعاقبتهم الحيّات والملاك المهلك. ((اوك إكسافيغون)) (لم يفلتوا، لم يستطيعوا أن يهربوا). لا مفعول بعد الفعل. هذا يدلّ على أن لا مهرب من العقاب الالهيّ. هنا نتذكر آ 17: ((لم يجد سبيلاً إلى التوبة)) وآ 23 مع الكلام عن الله ديّان الجميع. فاذا شابه المسيحيون العبرانيين في عصيانهم، لن يدخلوا راحة الله (2: 2 ،3؛ 10: 29). بل سيكون عقابهم أشدّ. قرأنا هنا فعل ((أبوسترافو))، عاد أدراجه، أعرض، تخلّى. هذا ما فعله اليهود الذين اهتدوا إلى المسيحيّة، وها هم يتركون المسيحيّة ليعودوا إلى الممارسات اليهوديّة. هذا هو الحجود بعينه (تي 1: 1؛ 2 تم 4: 4).
ثانيًا: تزعزُع الأرض، تزعزع السماء (آ 26 - 27)
جاء الشقّ الثاني من آ 25 (إن كان أولئك ...) بشكل معترضة. ولهذا ارتبطت آ 26 ربطًا مباشرًا بـ ((لالونتا)) (المتكلّم، الذي يتكلم، 25 أ). التعارض بين الأرض والسماء ميّز بين عهد وعهد (توتي، نين، آنفًا، الآن)، وها هو يتواصل بالنظر إلى الوحي الالهي (فوني، صوت، آ 19 ، 24، 25) الذي تظهر نتائجه هنا. إن انقلاب الكون وزعزعة الأرض أو السماء استعارتان جليانيتان تدلاّن على حضور الله وعلى قدرة تدخّله (اش 6: 4؛ عا 9: 5؛ 13: 13...). لهذا ارتجف جبل سيناء كله حين إعلان الشريعة (خر 19: 18؛ رج قضى 5: 5؛ مز 68: 29) وكأن الرعدة استولت عليه (سي 16: 18 - 19). أما العهد الجديد فيميّزه زلزال الكون كله (مت 27: 41، 51، 54) حتى الكواكب نفسها (مت 24: 29). هذه الصورة تدلّ على اتّساع عمل الله، وبالتالي على تفوّق التدبير الجديد على القديم. كان حجاي (2: 6) قد قابل بين الهيكل الجديد والهيكل القديم. وها نحن أمام مقابلة تدلّ على مجد العهد المسيحاوي: أو مونون (ليس فقط)... ألا كاي (بل أيضًا). فالزلزلة الآتية لن تكون كالاولى، بل تتجاوزها تجاوز السماء للأرض. كان قد قال رابي عقيبة، في تلمود بابل (سنهدربن 97 ب): ((وبعد هذا الملك، أزعزع السماء والأرض فيأتي مسيحي)).
في آ 27، نقرأ تأويلاً قصيرًا يستخرج المدلول الروحي للايراد الكتابي. يُرينا الروح في هذا النص (ديلوو، دل، 9: 8؛ رج ما في البرديات: شرح، أضاء، بيّن) حصول تدبير لا يتبدّل محلّ تدبير وقتي وغير ثابت. حسب 7: 12 ((ماتاتاسيس))، تحوّل، انتقال من عهد إلى عهد وإلغاء الأول. فالدكالوغ (الوصايا العشر) الذي أعلن في سيناء، قد مسَّه الزلزال (سالوومانون، الحاضر، الآن). فالعهد الأول ينتمي إلى نظام الخلق (بويايو، صنع، في الكامل المجهول، المصنوعة، المخلوقة. رج تك 2: 2؛ سي 15: 14؛ 43: 5). فهو عرضة للنموّ والزوال (1: 10 - 12؛ 8: 13؛ 1كور 7: 31؛ 2 كور 4: 18؛ 1يو 2: 17 باراغو). ما صُنع ورُكّب يمكن أن يُحلّ. أما تقلّبات نهاية الأزمنة فتوخّت تهيئة المكان من أجل نظام جديد ونهائي. سيكون الأخير (هاباكس، مرّة بعد. ولن يكون بعدها شيء). أما عبارة ((لكي يبقى ما لا يتزعزع))، فتدلّ على ثبات العهد الجديد وروحانيّته (اش 34: 4؛ 65: 17؛ 66: 22؛ 2 بط 3: 10 - 11).
ثالثًا: عبارة ترضي الله (آ 28 - 29)
نبدأ مع ((ديو)) (لذلك) الخاتمة العمليّة، التي توازي خاتمة آ 12 وتكون خاتمة عامة. هي تتحدّث عن العبادة، فتبدو وكأنها خاتمة عب. إن عبارة ((حصلنا على ملكوت لا يتزعزع)) توجز ما في 22 - 24. فملكوت الله الخاص هو السماء مع ملائكته ومختاريه. هو أورشليم السماويّة والمدينة الروحيّة، التي هي في طبعها لا تتبدّل ولا تزول. ((أسالوتوس)) (رج أع 27: 41). قابل ((سالوو)) (آ 27): زعزع. هذا ما يدلّ على الطمأنينة والسلام في الكنيسة (آ 14). المسيحيون هم منذ الآن أعضاء في هذا الملكوت (اسم الفاعل في صيغة الحاضر، حاصلون، بارالمبانونتس). وهذا مع العلم أنهم مضطهدون. فالفعل ((بارالمبانو)) يدلّ على تسلّم ملك (باسيلايا) أو وظيفة. عطاء من الله وقبول من الانسان (1 كور 11: 23؛ 15: 1؛ غل 1: 9؛ فل 4: 9). امتلاك الملكوت يعني أن نسمع الله الذي يتكلّم من السماء (آ 25) ودمّ المسيح الذي يطهرنا (آ 24).
لهذا (يأتي التمني) نحافظ، نتمسّك (إخاين، رج ماتاخاين في 2 تم 1: 13) بالنعمة الالهيّة، مهما كلّفنا هذا التمسّك. والنعمة (خاريس) هي نعمة العهد الجديد والملكوت الثابت ودم المسيح. وحين نكون أمناء لجميع هذه المتطلّبات، نؤدّي لله العبادة التي ترضيه (اوارستوس، مراحدة بيبليّة، رج روم 12: 1؛ 14: 18؛ فل 4: 18)، لا ذبائح العهد القديم (10: 5). فالحياة المسيحيّة التي هي سعي إلى القداسة (آ 14)، هي حياة دينيّة يلهمها الاحترام العميق القريب من الرهبة (إولابايا، 5: 7. ثم دايوس، مراحدة في العهد الجديد؛ رج 1مك 3: 30). كل هذا نحسّ به في حضرة الله أو أمام تدخّل قدرته (2 مك 11: 22؛ 15: 23) كما فعل حين زعزع الكون.
توخّت هذه القطعة أن تُلهم الخوف الذي يقود إلى الخلاص. وها نحن في نهايتها (آ 29) نصل إلى كلمة تهديد أخذت من تث 4: 24: ذكّر موسى اسرائيل بمراحل الرب تجاههم: خلّصهم من عبودية مصر، ملّكهم أرض الموعد. ولكن ما زال الشعب يتعلّق بعيادة الأصنام. نبّههم موسى إلى خطأهم وأفهمهم أن الله يريد عبادة بدون صورة ولا تمثال: احذروا أن تنسوا عهد الرب معكم. فالله نار آكلة. هو يزيل من يتجاوزون عهده (تث 9: 3). إنه الاله الديّان (آ 23، 25)، والنار رمز أحكامه وعقاباته (6: 8، ايس كاوسين، إلى الحريق) ورمز قداسته (آ 18). هذا ما فهمه بنو اسرائيل في سيناء. ودفعوا ثمنه غاليًا. والخطر نفسه يهدّد المسيحيّين. إن حافظوا على الأمانة بلغوا السماء (آ 22). وإلاّ أصابتهم دينونة النار. فالإله الذي يغدق عطاياه، هو الذي يهدّد بغضبه من يرفض حبّه.
2 - قراءة إجمالية
((اقتنوا السلام مع الجميع، والقداسة التي بدونها لا يعاين أحد الرب. احرصوا أن لا يُحرَم أحد من نعمة الله. وأن لا ينبت جذر مرارة يُحدث بلبالاً ويُفسد الجماعة)) (12: 14 - 15)
بما إن الله هو إله السلام (13: 20)، الذي عبر ملكيصادق ، ملك السلام (7: 2)، قد قادنا من البلبلة إلى الأمان، ومن الغربة إلى المصالحة (1 كو 1: 20؛ 2 كور 5: 18ي)، فعلينا نحن، في حياتنا اليوميّة وعلاقاتنا، أن نطلب السلام مع الجميع. هذا ما قاله بولس لأهل رومة: ((سالموا جميع الناس إن أمكن)) (12: 18). فنعمل لا من أجل سلامنا الخاص وحسب، بل بحيث يصل سلامه وبركته إلى الجميع. هذا ما يجب أن يشوب المجتمع ككلّ. قد يكون الكاتب عاد إلى مز 34: 4 (أطلب السلام واسع له)؛ رح 1 بط 3: 11. وقد يكون كلامه صدى لكلام يسوع في مر 9: 50: ((وليسالم بعضكم بعضًا)).
يترافق السعي إلى السلام مع السعي إلى القداسة. ولكن لا قداسة اعتبر ((المراؤون))، أنهم بلغوا إليها، بل قداسة بها نعاين الله. هذا القداسة هي علاقة حميمة بين الله والانسان. لهذا نمارس ما نمارس، لا ليرانا الناس، بل ليرانا الله الذي يرى في الخفية ويجازينا علانية (مت 6: 1 - 18). هذه القداسة التي تعكس صلاح الله، تنبع من محبّتنا لله وحده وتصبو إلى رؤية الله والقدوس. فالله لا يراه سوى أنقياء القلوب (مت 5: 8). وقد قال: ((كونوا قديسين لأني أنا قدوس)) (لا11: 44 - 45؛ 19: 2). وتكتمل قداستنا في يسوع المسيح ((الذي صار لنا من الله قداسة)) (1 كور 1: 30).
أجل، السلام والقداسة يسيران معًا. ورجل القداسة هو رجل السلام. فغياب السلام هو نتيجة اللاقداسة التي تزدهر حين تنقطع العلاقة مع الله القدوس بثورة الخطيئة. غير أن اله السلام يمنح السلام لعالم لا يستطيع أن يأخذه بسبب علاقته بالشرّ. أما الذي هو في سلام مع الله، فهو في سلام مع نفسه ومع الآخرين (2 تس 3: 16؛ يو 14: 27؛ روم 5: 1؛ 1كور 7: 15). فحياته وشهادته تعلنان معًا المصالحة. اهتمّ الكاتب بالتلاقي والتوافق داخل الجماعة، لهذا خاف من وجود جذر مرارة يبلبل ويفسد. مثل هذا الانسان حرم نفسه من نعمة الله، فصار قريبًا من الحجود : في 3: 12، نبّه من القلب الخبيث واللامؤمن. في 4: 1 طلب منه أن يكون حاضرًا، فلا يتخلّف عن موعد الدخول، فيشبه العذارى الجاهلات اللواتي لم يدخلن ساعة دخل العريس، فأخذن يصرخن: ربنا، ربنا، افتح لنا. في 6: 4 - 6 قرأنا استحالة العودة لمن سقط وترك التزامه الأول بكلمة الله. في 10: 26 - 31، فهمنا أن من يدوس دم العهد لن يجد الغفران. وهنا يتهدّده خط التوقّف عن السعي. الويل له إن ((أعرض عن المتكلّم من السماوات)) (آ 25). لا يتكلّم الكاتب عن سقطة عابرة وغير إراديّة، بل عن كارثة تحلّ بمن رذل نعمة الله. فهو سمّ لنفسه وسمّ للجماعة كلها. طلب موسى أن يُقتلع مثل هذا الجذرُ لئلا يُسمِّم الجماعة. أما يسوع فقبل أن يبقى الزؤان مع الزرع الجيدّ حتى الحصاد (مت 13: 29)، ويُجمع السمك كله في شبكة واحدة. ((في منتهى الدهر، بفصل الملائكة الأشرار من بين الصديقين)) ( آ 49). أما المثَل الذي يشير إلى هذا الجحود والارتداد عن الله فنجده عند عيسو الذي استهان ببركة الله.
((وأن لا يكون فاجر ولا مبتذل كعيسو الذي باع بكريّته بأكلة واحدة وتعلمون جيّدًا أنه لما رام من بعدُ، أن يرث البركة رُذل، ولم يجد سبيلاً إلى التوبة، وإن يكن قد التمس ذلك بالدموع)) (12: 16 - 17)
إذن. قدّم الكاتب مَثل عيسو كرجل احتقر ودنّس بركة تخصّه، فما عاد يستطيع أن يستعيدها. كان عيسو فاجرًا زانيًا. والزنى يعني أيضًا خيانة الله. لهذا يدينه الله (13: 4). وهو ((مبتذل)). ترك الدين الذي هو ارتباط بالله. وداس ما هو مقدّس على ما استعدّ أن يفعل بعض الناس في جماعة عب: ((داس ابن الله وعدّ مبتذلاً دم العهد)) (10: 29). كان عيسو تاجرًا، ولكن تجارته كانت خاسرة، بل مدمّرة له ولنسله. قايض بأكلة امتيازَ البكرية. قايض ثقة الله به بشيء لا قيمة له ولا ثمن بادل ما لا يدوم، بطعام ماديّ. ((الاطعمة للجوف، والجوف للأطعمة وسيُبيد الله هذه وذاك))، قال بولس في 1 كور 6: 13. فالخطر يتهدّد المؤمنين في عب أن يقايضوا إيمانهم بمنافع ماديّة، بمديح الناس لهم. عندئذ يسمعون كلام يسوع: الويل لكم أيها الاغنياء، أيها المشبعون، أيها الضاحكون (لو 6: 24 - 26).
ماذا حدث لعيسو؟ الدمار الذي لا عودة عنه. خسر البركة، ولكن خسارته كانت خسارة أرضيّة. أما المؤمنون، جماعة الابكار، فقد خسروا الامتيازات التي وُعدوا بها من السماء. ما عاد عيسو يستطيع أن يقوم من كبوته، بكى ولكن لم تعد الدموع تنفع، لأن حزنه حزن العالم. ومثل هذا الحزن ينشئ الموت، لا الحياة (2 كور 7: 10)، تذكّر الأيام الماضية، فشابه أولئك الذين قالوا وما فعلوا، فظلّت توبتهم على مستوى الخارج ولم تبدّل قلوبهم . ((يا رب، يا رب! أما تنبّأنا باسمك؟ وأخرجنا الشياطين وصنعنا القوّات))؟ ويأتي الجواب: ((ما عرفتكم قط. أبعدوا عني، يا فعلة الاثم)) (مت 7: 21 - 23). وهكذا كان عيسو مثَلاً عن الذين استُنيروا ثم رفضوا النور وفضلّوا عليه الظلام.
((فإنكم لم تدنوا (تقتربوا) من حقيقة ملموسة، ولا من نار مضطرمة، ولا من ظلمة وديجور وزوبعة ولا من هتاف بوق، ولا من صلصلة كلام قد استعفى الذين سمعوها أن يُزادوا كلامًا. فإنهم لم يطيقوا احتمال هذه الوصيّة (الأمر): كل من مسّ الجبل، حتى وإن كان بهيمة، يُرجم)) (12: 18 - 20)
يُجمل الكاتب الموضوع في تعارض نهائي بين الجديد والقديم كما قرأناه في عب: تعارضٌ بين الناقص والكامل، بين الموقت والدائم، بين الشريعة والانجيل (2: 1 - 3؛ 3: 5 - 6؛ 7: 11ي...). وهو يقول في كل مرة: من كبُر امتيازه كبُرت مسؤوليّته: فالذين بعد مجيء المسيح، نالوا البركة، ونور الله الكامل، وعرفوا يوم النعمة، سيُدانون دينونة خطيرة جدًا إن هم أهملوا هذه البركة. فإن كان عصيان بلاغ حمله الملائكة إلى سيناء نال مثل هذا العقاب، فما يكون عقاب مَن تجاهل الخلاص الذي جاءه بواسطة من هو الابن (1: 1 - 3؛ 2: 2 - 3): إن جُثث الجيل العاصي سقطت في البرية فكانت لنا تنبهًا: لن ندخل الراحة، كما لم يدخلوا هم راحة أرض الموعد (3: 16 - 4: 1). كان الموت عقاب من تجاوز شريعة موسى. فما يكون عقاب من يدوس دم العهد ويستهين بنعمة الله في المسيح يسوع (10: 28 - 29؛ 13: 20). وتابعت عب التعارض في تنبيه احتفالي يصل إلى آ 25: هم لم يفلتوا حين رفضوا تنبيهًا آتيًا من الأرض، من سيناء. أترى نفلت حين نرفض تنبيهًا آتيًا من السماء؟
قابل الكاتب بين مدلول جبل سيناء، موضع العهد القديم، وجبل صهيون، موضع العهد الجديد. لم يُذكر سيناء باسمه، ولكن لا شك في أن الكاتب يعود إلى هذا الجبل وإلى عطيّة الشريعة عليه. واللغة المستعملة هي لغة خر 19: 21ي؛ تث 4: 11ي. بل لم تظهر لفظة ((جبل)) في آ 18، بل في آ 20، ولكن ((لم تدنوا من حقيقة ملموسة)) ( آ 18) تتوازى مع ((دنوتم إلى جبل صهيون)) (آ 22).
لم تدنوا. هذا يعني أن بني اسرائيل دنوا (تث 4: 11: جئتم ووقفتم عند أسفل الجبل). ماذا لمسوا؟ الجبل. رج خر 11: 2: كل من مسّ الجبل يُقتل. ((نار مضطرمة)). رج تث 4: 11: الجبل مضطرم بالنار. ((ظلمة وديجور)). رج تث 4: 11: الظلام والسحاب والضباب. ((هتاف بوق)). رج خر 19: 16؛ صوت بوق شديد جدًا، وصوت كلمات أي صوت يُخرج كلمات. رج تث 4: 12: كلمكم الرب من وسط النار فسمعتم صوت الكلمات. قال الشعب لموسى: كلّمنا أنت فنسمع لك، ولا يكلّمنا الله لئلا نموت (خر 20: 19؛ تث 5: 25 - 27). وزاد الحكم بمنع يطال الانسان والحيوان: لن يقترب حيّ من الجبل ساعة يتجلّى الله عليه. فكل من يتعدّى هذه الوصيّة يُقتل: إما يرجم بالحجارة، وإما تطلق عليه السهام (خر 19: 13)
سُمح لموسى أن يقترب ويصعد الجبل (خر 19: 20). ولكن المنظر كان مخيفًا. فقال مشترع العهد القديم: إني خائف ومرتعد. كان الرعب في سيناء، جبل شريعة الله: فالشعب الخاطئ لا يحقّ له أن يدنو من الحضور الالهيّ. ولكن اختلفت الأمور مع جبل صهيون، جبل نعمة الله، بسبب ذاك الذي أتمّ الشريعة وقدّم الذبيحة الكاملة، بسبب الابن المتجسّد الذي كان البدل عنا. لهذا، نُدعى نحن الآن لنقترب بثقة من قدس الأقداس في السماء (10: 19ي). إن الذين يكتب إليهم يحاولون العودة إلى شريعة موسى، فيفضّلون الظلّ على الحقيقة والنظام الذبائحيّ الناقص مع خيمة وهيكل، على ذبيحة المسيح الكاملة والنهائيّة. يتركون انجيل النعمة ويتعلّقون بعالم الشريعة الذي سيزول. أيكونون تأثّروا بجماعة قمران؟
((بل دنوتم إلى جبل صهيون وإلى مدينة الله الحي، إلى أورشليم السماويّة، إلى ربوات ملائكة، وإلى عيد حافل. إلى جماعة الأبكار المكتوبين في السماوات، إلى الله ديّان الجميع، إلى أرواح الصديقين الذي أبلغوا الكمال. إلى يسوع، وسيط العهد الجديد، وإلى دم مطهِّر أبلغ منطقًا من دم هابيل)) (12: 22 - 24)
إن جبل سيناء الذي ظهر في بداية الاقامة في البرية، لا يرمز فقط إلى شريعة أعطيت لموسى وإلى النظام الكهنوتي الهاروني، بل إلى تيهان جيل لم يصل، جيل حُكم عليه بسبب خيانته وعقوقه، فهلك في البرية. أمّا جبل صهيون فيرمز إلى إقامة كهنوت المسيح الفريد والدائم: فيه تمَّت كل مواعد العهد الجديد. وانتهى التيهان في البرية. وأعدّ الدخول إلى الراحة الابدية، لشعب الله.
قال الكاتب: دنوتم إلى جبل صهيون. هذا يعني أنهم اختبروا بركة العهد الجديد، وإن كان بعضهم في خطر السقوط في الحجود. سبق الكاتب وألمح إلى هذا القول في 6: 9: ((نعتقد أنكم في حالة أفضل وأقرب إلى الخلاص)). وفي 10: 39: ((لستم أبناء الارتداد عن الايمان، بل أبناء الايمان)). حيث يعمل الله، فهو يعمل ولا يفشل. أما الذين مالو إلى الحجود، فلم يكونوا يومًا بالحقيقة من شعب الله، وإن ظهر عليهم ذلك بعض الوقت. لهذا سمّاهم يوحنا ((انتيكرست)) مناوئي المسيح ،معارضيه: ((خرجوا من بيننا وما كانوا منا. فلو كانوا منّا لبقوا معنا. ولكنهم خرجوا ليتّضح أنهم ما كانوا كلهم منا)) (1 يو 2: 19).
قدّم بولس استعارة في غل 4: 25 - 26 ،ضمّ فيها جبل صهيون إلى أورشليم الحالية، وهكذا هيّأ الطريق لتعارض تام بين جبل صهيون وأورشليم السماويّة في عب. كما ميّز بين أورشليم وأورشليم (الحاضرة أو الدنيا، والعليا أو السماويّة). واحدة تدلّ على الحريّة وأخرى على العبوديّة. إن ((مدينة الله الحيّ، أورشليم السماوية)) هي في جوهرها المدينة التي صبا إليها ابراهيم. هي ((المدينة ذات الأسس التي بانيها وصانعها هو الله)) (11: 10). هي المدينة الآتية التي يسعى إليها شعب الله الذي ليس له ههنا مدينة باقية (13: 14). مواطنو هذه المدينة هم في السماء (فل 3: 20). هي المدينة المقدسة وأورشليم وعاصمة السماء الجديدة.
والأرض الجديدة هي التي فيها يقيم الله مع البشر، حسب ما وعد في عهده، فيكونون شعبه إلى الأبد وتزول كل الاشياء القديمة من موت ونوح ونحيب ووجع ودموع (رؤ 2: 1 - 4). المواطنون هم المدينة، لأن الله الذي يعطيهم الحياة، يقيم فيهم. فحضور الله هو ما يكوّن أورشليم الجديدة.
((ربوات ملائكة اجتمعت في عيد)). عظّم الملائكة لأنهم أرواح حيّة. هم أقوياء، وفي خدمة الله. يُتمّون دومًا مشيئته ((عند سماع صوت كلامه)) (مز 103: 20). هم أرواح خادمة ((من أجل المزمعين أن يرثوا الخلاص)) (1: 14). فالابن الأزلي الذي جُعل لوقت قصير أدنى من الملائكة من أجل خلاصنا، قد كلّل الآن بالمجد والكرامة فصار أرفع من الملائكة (2: 9). أمامه في المدينة السماوية ((ربوات ربوات وألوف ألوف (أي جماعة لا تعدّ ولا تُحصى) من الملائكة يسجدون له وينشدون: ((الحمل المذبوح يحقّ له أن ينال القدرة والغنى والحكمة والجبروت والاكرام. له المجد والحمد)) (رؤ 5: 11 - 12). هذا المشهد الفرح من حمد احتفاليّ في أورشليم السماوية هو ما نعنيه بعبارة ((عيد حافل)). يقف الملائكة حول الاله الحيّ ويعبدونه بالفرح. وينضمّ إلى عبادتهم جموع لا تُحصى افتداها المسيح بدمه (رؤ 7: 9ي). هنا نرى التعارض بين ربوات القدّيسين (اللاملائكة) الذين كانوا على جبل صهيون (تث 33: 2) وربوات الملائكة الموجودين على جبل صهيون ليحتفلوا بانتصار الابن المتجسّد.
((جماعة الأبكار)). نحن هنا أيضًا أمام تعارض بين جبل سيناء وجبل صهيون. فالجماعة (إكليسيا) المذكورة هنا تقابل جماعة بني اسرائيل بقيادة موسى في البريّة. قال اسطفانس عن موسى: ((وهو الذي كان في الجماعة، في البرية، مع الملاك الذي كلّمه في جبل سيناء)) (أع 7: 38؛ رج تث 4: 10؛ 9: 10؛ 18: 16، يوم الجماعة كما في السبعينية). بعد ذلك اعتُبر شعب اسرائيل في فم الله ((البكر)). لهذا قيل لموسى أن يقول لفرعون: ((اسرائيل ابني البكر... أطلقه ليخدمني)) (خر 4: 22 - 23). وهكذا، فجماعة الأبكار تدلّ على بني اسرائيل بقيادة موسى. والآن انتقلت التسمية فصارت لشعب الله في العهد الجديد. استعمل المسيح لفظة ((كنسية)) للكلام عن أبناء الملكوت (مت 16: 18). والكنيسة الأولى تدلّ على المؤمنين الذين يؤلّفون، على مستوى محلّي أو عالمي، كنيسة الله. كنيسة الأبكار. وُلدوا من جديد (يو 3: 3، 7؛ أف 2: 1). برحمة الله ((وُلدوا من جديد لرجاء حيّ بقيامة يسوع المسيح من بين الاموات)) (1 بط 1: 3). ولدوا بكلمة الحقّ ليكونوا باكورة (يع 1: 18). باكورة الثمر تقابل بكر البشر (أكانت الباكورة والابكار). تقدّم لله (خر 13: 2 ،12ي؛ 23: 19). فأعضاء جسد المسيح هم باكورة، هم وارثو كل شيء. ((هم وارثو الله ووارثون مع المسيح)) (روم 8: 17)، أي باتحادهم بالابن الوحيد. لهذا يكون أمام جنون فادح من يتبع مثل عيسو (آ 16) فيبادل غنى بكريته براحة زمنيّة لا تدوم طويلاً. أو من يعود إلى نظام العهد القديم الذي شاخ وبلي بعد أن أختبر العهد الجديد.
وهناك مقابلة أخرى مع النظام السينائي نجدها في وصف الأبكار على أنهم ((مكتوبون، مسجلّون في السماء)). طُلب من موسى أن يقوم بإحصاء (عد 3: 40ي). ذاك إحصاء على الأرض. وتتكلّم عب عن إحصاء الأبكار في السماء. وهذا ما يتوافق مع كلام يسوع لتلاميذه بأن يفرحوا لأن أسماءهم كُتبت في السماء (لو 10: 20). وسمّى بولس معاونيه أولئك ((الذين أسماؤهم في سفر الحياة)) (فل 4: 3 أيكونون ماتوا) الذي يُذكر في رؤ 3: 5؛ 13: 8؛ 17: 8؛ 20: 12، 5. ومع أن هناك تعارضًا، إلاّ أن هناك تواصلاً بالنسبة إلى موسى ، رجل الايمان (11: 23ي) الذي ينطلق من إحصاء أرضيّ إلى إحصاء سماويّ في كتاب يحتفظ به الله (خر 22: 33 - 33) ويذكره مز 69: 28 ودا 12: 1. هذا الاحصاء في السماء هو متواصل: تُسجّل الاسماء في كتاب الله إلى الأبد ولن تمحى أبدًا. يتضمّن هذا السجل المؤمنين الذين سبقوا مجيء المسيح، الذين لم يروا في أيامهم تتمّة المواعيد التي نالوها (ف10). كما يتضمّن أولئك الذين عرفوا المسيح. جميع الذين منذ الابتداء، انتموا إلى خط الايمان الذي يشكّل اسرائيل الله (غل 6: 16؛ رج 3: 7 ،9 ،14 ،29). هنا قال اثناسيوس: ((من لا يتمنّى أن ينعم برفقة هؤلاء؟ من لا يرغب في أن يُحصى معهم بحيث يقدر أن يسمع معهم: تعالوا يا مباركي أبي، رثوا الملكوت المعدّ لكم منذ إنشاء العالم)) (مت 25: 34) (رسالة 43).
((أرواح الصديقين)). رج 11: 40. إن قديسي العهد القديم، مع أن وضعهم السابق لم يصل إلى الكمال، يشاركون الان في الكمال الذي يمنحه الابن المتجسّد بذبيحته التي تكفي جميع البشر. هي تعود إلى الوراء، وإلى الذين لم يعرفوا المسيح، وتتطلّع إلى الأمام لتضمّ الذين يأتون بعد المسيح. فالمسيح ذاق الموت عن الجميع، عنهم كما عنا، بحيث استطاع أن يخلّص جميع الذين خضعوا للعبوديّة عبر خوفهم من الموت (2: 9، 15). فيسوع هو قائد الايمان ومكمّله (12: 2): للذين بالايمان حُسبوا أبرارًا لدى الله (10: 38) منذ بداية العالم (ف 11)، والذين يرون اليوم أن يسوع بدأ وهو يكمّل. لهذا سيظلّون معه. وان ماتوا، وإن تغرّبوا في الجسد (2 كور 5: 8؛ فل 1: 21 - 23)، فهم مع الرب. لا شكّ في أنهم ينتظرون القيامة التي فيها يلبسون الجسد الممجّد. ولكنهم يعرفون أنهم منذ الآن يشاركون المسيح في كمال مجده. ((طوبى للذين يموتون في الرب)). هذا ما قال رؤ 14: 13، فدلّ على سعادة المؤمنين حتى في الموت.
((فاحذروا أن تميلوا بأسماعكم عن الذي يتكلّم. فإنه، إن كان أولئك الذين لم يسمعوا للناطق بالوحي على الأرض، لم يفلتوا، فكم بالأحرى نحن إن أعرضنا عن المتكلّم من السماوات، الذي زعزع صوتُه الأرض آنفًا، وبعد الآن، قائلاً: إني مرّة بعد، أزلزل لا الأرض فقط، بل السماء أيضًا. فقوله ((مرة بعد)) يدلّ على تحوّل الأشياء المتزعزعة، إذ إنها مخلوقة، لكي يبقى ما لا يتزعزع)) (12: 25 - 27)
إن اللغة في هذا التحذير ترتبط بفكر قيل في ما سبق. فالاشارة إلى المتكلّم)) الذي يتكلّم، تستعيد آ 2 مع كلام عن دم يسوع الذي يتكلّم (ناطق)، وعن الله الذي يتكلّم بقوة الفداء الذي حمله إلينا يسوع المسيح عظيم كهنتنا. هذا من جهة. ومن جهة ثانية، ترتبط بما قيل في بداية الرسالة: ((في هذه الأيام الأخيرة كلّمنا الله بابنه)) (1: 2). فمن رفض الذي يتكلم (كما هو الأمر بالنسبة إلى بعض قرّاء الرسالة)، وإن اجتمع مع المؤمنين، يبدو وكأنه يدوس دم العهد (10: 29)، أو يتهاون بصلاح كلمة الله (6: 5 - 6)، كلمة النعمة، أو يثور على الله الحي (3: 12) بقلبه الخبيث واللامؤمن.
والرفض الذي يحذّر منه الكاتب، يرتبط أيضًا بما كتب في آ 19 عن طلب بني اسرائيل، بأن لا يكلّمهم أحد بعد. فالمسيحيون العبرانيون هم في خطر، شأنهم شأن آبائهم الذين عاشوا في زمن موسى: يميلون بآذانهم عن صوت الله بالذات. لا شكّ في أن الباعث على عدم السماع في العهد القديم (خر 20: 19؛ تث 5: 25 - 27) كان الخوف من الله، لا التمرّد عليه ورفض كلامه. إلاّ أن كاتب عب يفكّر في خبر بني اسرائيل في البرية، الذي دلّوا على عصيانهم وعقوقهم. وهكذا رأى في طلبهم، على جبل سيناء، بأن لا يكلّمهم الله بعد، مثَلاً عن قساوة قلبهم. نحن هنا في خط بولس الرسول الذي تحدّث عن رفض عند موسى بأن ينزع القناع عن وجهه لكي لا يُبصر بنو اسرائيل المجد المشعّ على وجهه (2 كور 3: 13ي؛ رج خر 34: 29ي).
لم ينجُ بنو اسرائيل من العقاب حين مالوا بآذانهم الصمّاء عن كلمة الله المرسلة إليهم. فمنعهم ايمانهم من الدخول إلى الراحة الموعودة (3: 19؛ 4: 1). نبّههم الله على الأرض. رفضوا، فلم يفلتوا. وماذا يكون وضعنا حين يأتي التنبيه من السماء؟ رج 2: 2 - 3 ومقابلة بين كلمة الملائكة التي حملت شريعة سيناء، والخلاص الذي حمله الربّ. كيف يفلت من يستهين بالخلاص العظيم العجيب الذي هو لنا في المسيح؟ وهكذا نعود إلى المقابلة بين العهد القديم والعهد الجديد: عقاب شديد لهم. عقاب أشدّ لنا.
في جبل سيناء، زعزع صوتُ الله الأرض. ((بحيث اهتزّ الجبل اهتزازًا شديدًا)) (خر 19: 19). كان الوقت الذي فيه أعطى الله شريعته التي حكمت على عالم ساقط وعاص، رهيبًا. وسيكون أكثر رهبة في الدينونة الأخيرة، ساعة تتزعزع السماء والأرض (حج 2: 6) أي الكون كله (تك 1: 1). وأضاف حجاي: والبحر واليابسة. مشهد مريع. ولكنه خبر طيّب لشعبه المؤمن، لأن الزعزعة الأخيرة التي هي تمام الدينونة، هي في الوقت عينه تمام الخلاص. وهكذا بدت النبوءة في هذا المناخ، تحريضًا أرسله الله إلى شعبه لكي يتشجّعوا (فهو معهم)، ولئلا يخافوا لأن روحه يبقى معهم، ووعدًا بأن المجد الآتي لبيت الله سيفوق كل ما عرفوه إلى الآن.
وأضافت عب إلى هذا الشرح ((مرة بعد)). ستتحوّل الأشياء المتزعزعة. وما هو متزعزع ليس دائمًا ولا يُركن له. لأن المتزعزع هو المخلوق. وكل مخلوق هو كالعشب وكزهر الحقل. هنا نعود إلى مز 102 الذي سبق وورد في 1: 10 - 12: السماوات والأرض تزول لأنها عمل يد الله. هي معروفة الآن وحاضرة أمامنا. ولكنها تتحوّل. أما الله فيبقى إلى الأبد (عب 13: 8). ولكن هناك ((ما لا يتزعزع)). بما أن شعب الله ينتمي إلى نظام لا يتزعزع، فالتحوّل الحاضر هو استباق فيه يتطهرّ الكون من كل ما يعادي الله ومشيئته، ويقوم كل ما يتناسق مع فكر الله من أجل أرض جديدة وسماء جديدة. في هذا قال غريغوريوس النازيانزي: (( إن الزعزعة الأخيرة ليست سوى مجيء المسيح الثاني، ساعة يتحوّل الكون ويتبدّل إلى وضع من الثبات لا يمكن أن يتزعزع)) (العظات 21: 25)
((لذلك إذ قد حصلنا على ملكوت لا يتزعزع، فلنتمسّك بالنعمة ولنعبد بها الله عبادة مرضية في ورع وتقوى فإن إلهنا نار آكلة (12: 28 - 29)
الأشياء التي تتزعزع هي ذبائح النظام اللاوي، ونظام الأشياء اللاثابت الذي تنظّم بيد موسى. فقد تجاوزته ذبيحة يسوع المسيح الكاملة، وحلّت محلّه. أما ذبيحة رئيس كهنتنا فلا تتزعزع في فاعليّتها. إنها أساس نظام جديد يدوم إلى الأبد. فماذا سيفعل قرّاء الرسالة بعد أن طلبوا الأمور التي لا تتزعزع؟ هل يعودون إلى نظام عفّاه الزمن؟
جمع الكاتب كل ما يتزعزع في لفظة ((الملكوت)) أي مجتمع منظّم ومتناسق يسوسه ذاك الذي هو ربّ الكون وسيّده (رؤ 19: 16). هذا الملكوت هو (كما في آ 22) مدينة الله الحي وأورشليم السماويّة، حيث يسكن الله مع شعبه إلى الأبد، وحيث يملك البرّ (رؤ 2: 1ي). نور هذا الملكوت هو مجد الله والحمل (رو 21: 23). هو ملكوت لا يتزعزع لأنه تطهّر من كل ما يتزعزع، أي من كل نجاسة وفساد، فلم يبقَ فيه سوى الصلاح والبرّ والفرح. وظهور هذا الملكوت في ملء بهائه ينتظر ظهور المسيح المجيد. ولكنه منذ الآن واقع وحقيقة: فيسوع يجلس الآن عن يمين الجلال في العلاء (آ 2؛ 1: 3)، وقد اقترب منه شعب الله (آ 22). هو ملكوت يستقبل المؤمنين بالمسيح، بإيمان يعمر في قلوبهم: هم أبكار مع البكر، هم أبناء مع الابن. وهم ينعمون الآن ببركات هذا الملكوت الذي يرثونه إلى الأبد.
هذا الملكوت نتمسّك به. إنه عطيّة النعمة. فنكران الجميل هو أساس كل خطيئة وتمرّد على الله (روم 1: 21). أما عرفان الجميل فيدفع القلب إلى التجاوب مع الانجيل، وهو الذي جعل الرسول يقول: ((شكرًا لله على موهبته التي لا توصف)) (2 كور 9: 15). فمهما كانت الظروف ومهما فعل المسيحيّ أو تالّم، فهو يشكر الله دومًا وعلى كل شيء ((باسم ربّنا يسوع المسيح)) (أف 5: 20؛ كو 3: 17 1تس 5: 18). فحياته كلها تكون تعبيرًا عن هذا الشكر وعرفان الجميل. ويدفعنا عرفان الجميل، كما دفع عظيم كهنتنا إلى ملكوت لا يتزعزع (رؤ 5: 10)، إلى أن نقدّم لله عبادة ترضيه: نقدّم ذواتنا في ذبيحة حيّة نعبّر فيها عن خدمتنا له. وننشد أعماله العجيبة التي بها دعانا من الظلمة إلى النور (1 بط 2: 5، 9). مثلُ هذه العبادة هي تعبير عن جوابنا لحبّه، كما أنها تنبع من هذا الحب. عندئذ نترك تقديرنا لأنفسنا واكتفاءنا بذاتنا، ونتركّز على ذلك الذي هو ربّنا وفادينا. وإذ نعرف عظمة وجلال من نخدم نقدّم له كل هذا في ورع وتقوى. فإلهنا نار آكلة. قال موسى لشعبه: احذروا أن تنسوا الرب الهكم (تث 4: 24). والكلام نفسه يتوجّه إلى مؤمني عب. إن هم ارتدّوا عن إيمانهم، انتظرهم ((هول الدينونة وغضب نار سوف تلتهم المعاندين)) (10: 27).

خاتمة
في هذا النص، أوجز الكاتب الأفكار الأساسيّة في الرسالة، وجمع جمعًا متناسقًا موضوعين ذكرهما في المطلع: الوحي والفداء. تكلّم الله على جبل سيناء، فكانت كلمته مرعبة، وظلّ هو بعيدًا عن الشعب. واقترب المسيحيون من جبل صهيون الذي هو موطن السلام والفرح، وعاصمة الكون الجديد، عاصمة الأرض الجديدة والسماء الجديدة. ستكون رؤية الله جزاء القداسة (آ 14)، فتعوّض الشرور التي أصابت المؤمنين وتصيبهم على الأرض. منذ الآن يكلّمهم الله بابنه الذي يحمل الغفران والطهارة والنعمة. أما الخطر الخطر ففي رفض هذا المتكلّم معنا. فمن رفض الخضوع والأمانة بدا كالزاني ومنجّس المقدّسات، فيعرّض نفسه لنار غضب الله. فلا يبقى للمؤمنين سوى التمسّك بالنعمة. فلو تزعزعت الأرض والسماء، فهم لا يتزعزعون لأنهم ربطوا مصيرهم بذلك الذي هو هو أمس واليوم وإلى الأبد.

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM